العودة   منتدى جامع الائمة الثقافي > القسم المهدوي > منبر ألمنتظر لإقامة ألأمت والعوج

منبر ألمنتظر لإقامة ألأمت والعوج مخصص لمواضيع الإمام المهدي عجل الله فرجه والممهدون له

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
Bookmark and Share أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-12-2011, 09:45 PM   #1

 
الصورة الرمزية سيدحيدرالصافي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 782
تـاريخ التسجيـل : Dec 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : ذي قار
االمشاركات : 160

فارس بحوث حول الامام المهدي للسيد الشهيد محمد باقر الصدر

المبحث الأوّل

كيف تأتّى للمهدي هذا العمر الطويل؟

هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناً كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم، الذي يبلغ عمره الشريف فعلاً أكثر من ألف ومئة وأربعين سنة، أي حوالي(14) مرة بقدر عمر الإنسان الاعتيادي الذي يمرّ بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلى الشيخوخة؟

كلمة الإمكان هنا تعني أحد ثلاثة معان: الإمكان العملي، والإمكان العلمي، والإمكان المنطقي أو الفلسفي.

وأقصد بالإمكان العملي: أن يكون الشيء ممكناً على نحو يتاح لي أو لك، أو لإنسان آخر فعلاً أن يحقّقه، فالسفر عبر المحيط، والوصول إلى قاع البحر، والصعود إلى القمر، أشياء أصبح لها إمكان عملي فعلاً. فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشكل وآخر.(22)

وأقصد بالإمكان العلمي: أنّ هناك أشياء قد لا يكون بالإمكان عملياً لي أو لك، أن نمارسها فعلاً بوسائل المدينة المعاصرة، ولكن لا يوجد لدى العلم ولا تشير اتّجاهاته المتحركة إلى ما يبرّر رفض إمكان هذه الأشياء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة، فصعود الإنسان إلى كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه، بل إنّ اتّجاهاته القائمة فعلاً تشير إلى إمكان ذلك، وإن لم يكن الصعود فعلاً ميسوراً لي أو لك; لأنّ الفارق بين الصعود إلى الزهرة والصعود إلى القمر ليس إلاّ فارق درجة، ولا يمثل الصعود إلى الزهرة إلاّ مرحلة تذليل الصعاب الإضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد، فالصعود إلى الزهرة ممكن علمياً وإن لم يكن ممكناً عملياً فعل.(23) وعلى العكس من ذلك الصعود إلى قرص الشمس في كبد السماء فإنّه غير ممكن علمياً، بمعنى أنّ العلم لا أمل له في وقوع ذلك، إذ لا يتصوّر علمياً وتجريبياً إمكانية صنع ذلك الدرع الواقي من الاحتراق بحرارة الشمس، التي تمثّل أتّوناً هائلاً مستعراً بأعلى درجة تخطر على بال إنسان.

وأقصد بالإمكان المنطقي أو الفلسفي: أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبليّة - أي سابقة على التجربة - ما يبرّر رفض الشيء والحكم باستحالته.

فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر إلى نصفين ليس له إمكان منطقي; لأنّ العقل يدرك - قبل أن يمارس أي تجربة - أنّ الثلاثة عدد فردي وليس زوجاً، فلا يمكن أن تنقسم بالتساوي; لأنّ انقسامها بالتساوي يعني كونها زوجاً، فتكون فرداً وزوجاً في وقت واحد، وهذا تناقض، والتناقض مستحيل منطقياً. ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق، وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلاً من الناحية المنطقية، إذ لا تناقض في افتراض أنّ الحرارة لا تتسرّب من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة، وإنّما هو مخالف للتجربة التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة إلى أن يتساوى الجسمان في الحرارة.

وهكذا نعرف أنّ الإمكان المنطقي أوسع دائرة من الإمكان العلمي، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العملي.

ولا شكّ في أنّ امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقياً; لأنّ ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض; لأنّ الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع، ولا نقاش في ذلك.

كما لا شكّ أيضاً ولا نقاش في أنّ هذا العمر الطويل ليس ممكناً إمكاناً عملياً، على نحو الإمكانات العملية للنزول إلى قاع البحر أو الصعود إلى القمر، ذلك لأنّ العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة، لا يستطيع أن يُمدّد عمر الإنسان مئات السنين، ولهذا نجد أنّ أكثر الناس حرصاً على الحياة وقدرة على تسخير إمكانات العلم، لا يتاح لهم من العمر إلاّ بقدر ما هو مألوف.

وأما الإمكان العلمي فلا يوجد علمياً اليوم ما يبرّر رفض ذلك من الناحية النظرية.(24)

وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجي لظاهرة الشيخوخة والهرم لدى الإنسان، فهل تعبّر هذه الظاهرة عن قانون طبيعي يفرض على أنسجة جسم الإنسان وخلاياه - بعد أن تبلغ قمّة نموّها - أن تتصلّب بالتدريج وتصبح أقل كفاءة للاستمرار في العمل، إلى أن تتعطّل في لحظة معيّنة، حتى لو عزلناها عن تأثير أي عامل خارجي؟ أو أنّ هذا التصلب وهذا التناقض في كفاءة الأنسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية، نتيجة صراع مع عوامل خارجية كالميكروبات أو التسمّم الذي يتسرّب إلى الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثّف؟ أو ما يقوم به من عمل مكثّف أو أي عامل آخر؟

وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم على نفسه، وهو جادّ في الإجابة عنه، ولا يزال للسؤال أكثر من جواب على الصعيد العلمي.

فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتّجه إلى تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي، بوصفه نتيجة صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية معيّنة، فهذا يعني أنّ بالإمكان نظريّاً، إذا عزلت الأنسجة التي يتكوّن منها جسم الإنسان عن تلك المؤثّرات المعيّنة، أن تمتدّ بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلّب عليها نهائياً.

وإذا أخذنا بوجهة النظر الأخرى، التي تميل إلى افتراض الشيخوخة قانوناً طبيعيّاً للخلايا والأنسجة الحيّة نفسها، بمعنى أنها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم، مروراً بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاءً بالموت.

أقول:

إذا أخذنا بوجهة النظر هذه، فليس معنى هذا عدم افتراض أي مرونة في هذا القانون الطبيعي، بل هو - على افتراض وجوده - قانون مرن; لأننا نجد في حياتنا الاعتيادية; ولأنّ العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية، أنّ الشيخوخة كظاهرة فسيولوجية لا زمنيّة، قد تأتي مبكّرة، وقد تتأخر ولا تظهر إلاّ في فترة متأخرة، حتى أنّ الرجل قد يكون طاعناً في السن ولكنه يملك أعضاء ليّنة، ولا تبدو عليه أعراض الشيخوخة كما نصّ على ذلك الأطباء.(25)

بل إنّ العلماء استطاعوا عمليّاً أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرّات بالنسبة إلى أعمارها الطبيعية; وذلك بخلق ظروف وعوامل تؤجل فاعلية قانون الشيخوخة.

وبهذا يثبت علمياً أنّ تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معيّنة أمر ممكن علمياً، ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلاً هذا التأجيل بالنسبة إلى كائن معقّد معيّن كالإنسان، فليس ذلك إلاّ لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلى الإنسان وصعوبتها بالنسبة إلى أحياء أخرى. وهذا يعني أنّ العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه اتجّاهاته المتحرّكة لا يوجد فيه أبداً ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان، سواء فسّرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثّرات خارجية، أو نتاج قانون طبيعي للخليّة الحيّة نفسها يسير بها نحو الفناء.

ويتلخّص من ذلك: أنّ طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعدّدة أمر ممكن منطقياً وممكن علمياً، ولكنه لا يزال غير ممكن عملياً، إلاّ أنّ اتّجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل.

وعلى هذا الضوء نتناول عمر المهديّ عليه الصلاة والسلام وما أحيط به من استفهام أو استغراب، ونلاحظ:

إنه بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً، وثبت أنّ العلم سائر في طريق تحويل الإمكان النظري إلى إمكان عملي تدريجاً، لا يبقى للاستغراب محتوىً إلاّ استبعاد أن يسبق المهديّ العلم نفسه، فيتحوّل الإمكان النظري إلى إمكان عملي في شخصه، قبل أن يصل العلم في تطوّره إلى مستوى القدرة الفعلية على هذا التحويل، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان.

وإذا كانت المسألة هي أنه كيف سبق الإسلام - الذي صمّم عمر هذا القائد المنتظر - حركة العلم في مجال هذا التحويل؟

فالجواب: إنه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم.

أو َليست الشريعة الإسلامية ككلّ قد سبقت حركة العلم والتطوّر الطبيعي للفكر الإنساني قروناً عديدة؟(26)

أولم تنادِ بشعارات طرحت خططاً للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حركته المستقلة إلاّ بعد مئات السنين؟

أولم تأتِ بتشريعات في غاية الحكمة، لم يستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكمة فيها إلاّ قبل برهة وجيزة من الزمن؟

أولم تكشف رسالة السماء أسراراً من الكون لم تكن تخطر على بال إنسان، ثمّ جاء العلم ليثبّتها ويدعمها؟

فإذا كنا نؤمن بهذا كله، فلماذا نستكثر على مرسل هذه الرسالة - سبحانه وتعالى - أن يسبق العلم في تصميم عمر المهديّ؟(27) وأنا هنا لم أتكلم إلاّ عن مظاهر السبق التي نستطيع أن نحسّها نحن بصورة مباشرة، ويمكن أن نضيف إلى ذلك مظاهر السبق التي تحدّثنا بها رسالة السماء نفسها.

ومثال ذلك أنها تخبرنا بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قد أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهذا الإسراء(28) إذا أردنا أن نفهمه في إطار القوانين الطبيعيّة، فهو يعبّر عن الاستفادة من القوانين الطبيعية بشكل لم يُتح العلم أن يحقّقه(29) إلاّ بعد مئات السنين، فنفس الخبرة الربانية أتاحت للرسول صلى الله عليه وآله التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصين العمر المديد، قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك.

نعم، هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالى للمنقذ المنتظر يبدو غريباً في حدود المألوف حتى اليوم في حياة الناس، وفي ما أنجز فعلاً من تجارب العلماء.

ولكن!

أوَليس الدور التغييري الحاسم الذي أعدّ له هذا المنقذ غريباً في حدود المألوف في حياة الناس، وما مرّت بهم من تطورات التاريخ؟

أوَليس قد أنيط به تغيير العالم، وإعادة بنائه الحضاري من جديد على أساس الحق والعدل؟

فلماذا نستغرب إذا اتّسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف، كطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإنّ غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديداً، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب على اليوم الموعود إنجازه. فإذا كنا نستسيغ ذلك الدور الفريد(30) تاريخياً على الرغم من أنه لا يوجد دور مناظر له في تاريخ الإنسان، فلماذا لا نستسيغ ذلك العمر المديد الذي لا نجد عمراً مناظراً له في حياتنا المألوفة؟

ولا أدري!

هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد، فيكون لكلّ منها عمر مديد يزيد على أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة؟

أحدهما مارس دور في ماضي البشرية وهو النبيّ نوح، الذي نصّ القرآن الكريم(31) على أنه مكث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وقدّر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد.

والآخر يمارس دوره في مستقبل البشرية وهو المهديّ الذي مكث في قومه حتى الآن أكثر من ألف عام، وسيقدّر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد.

فلماذا نقبل نوح الذي ناهز ألف عام على أقل تقدير ولا نقبل المهديّ؟(32)









الهوامش


--------------------------------------------------------------------------------

(1) إشارة إلى أن هذا ارتكاز في ضمير الإنسانية، واعتقاد سائد عند أغلب شعوب الأرض، إذ هناك شعور قويٌّ يخالج وجدان الإنسان بظهور المنقذ عندما تتعقّد الأمور، وتتعاظم المحنة، وتدلّهم الخطوب، ويطبق الظلم، وهو ما تبشّر به الأديان، ويحكيه تاريخ الحضارات الإنسانية. راجع: سيرة الأئمّة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني 2: 516 فيما نقله عن الكتب والمصادر، ومنها: نظرية الإمامية عند الشيعة / الدكتور أحمد محمود صبحي.

(2) إشارة إلى معتقد الماركسيّين وأمانيهم باليوم الموعود، حيث ستسود الشيوعيّة - كما يعتقدون - آخر الأمر ويتوقف الصراع المرير، استناداً إلى نظريّتهم الشهيرة في المادية التاريخية. راجع: فلسفتنا / الشهيد الصدر(ره): ص 26 في عرض النظرية ومناقشتها.

(3) إشارة إلى الحديث الشريف المتواتر: (لو لم يبق من الدهر إلا يومٌ لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً). راجع: صحيح سنن المصطفى لأبي داود 2: 207، وراجع: التاج الجامع للأصول للشيخ منصور علي ناصف 5: 343.

(4) هذا ردُّ على من يزعم بأنّ العقيدة في الإمام المهديّ تورث الخمول والسلبية، وهو أبلغ ردّ مستفاد من الحديث الشريف نفسه.

(5) إشارة إلى دولة الإمام عليه السلام التي أشار إليها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، راجع: التاج الجامع للأُصول 5: 343.

(6) إشارة إلى الوعد الإلهي في قوله تعالىونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين). القصص: 5، وأيضاً إشارة إلى قوله تعالىليظهره على الذين كلّه ولو كره المشركون). التوبة: 33، راجع في تفسير الآيتين الإشارة إلى المهدي عليه السلام ينابيع المودّة / القندوزي الحنفي: ص 450.

(7) إشارة إلى بشارة الرسول الأعظم نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله في الحديث الشريف: (إنّ في أمّتي المهديّ، يخرج يعيش خسماً أو سبعاً أو تسعاً)،(الشك من الراوي) قال: قلنا: وما ذاك؟ (قال: سنين، قال: فيجيء إليه الرجل فيقول يا مهديّ أعطني أعطني قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله). رواه الترمذي. راجع: التاج الجامع للأصول / الشيخ منصور علي ناصف 5: 343، وفيه أكثر من إشارة إلى كون الإمام المهديّ موجود حيٌّ يعيش في وسط الأمّة، وأنّ خروجه وعيشه، سبع سنين يعني ظهوره، وقيام دولته المباركة التي فيها الخلاص والعدل.

(8) ورد عنه عليه السلام أنه سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم، راجع: الاحتجاج / الطبرسي 2: 545.

(9) إشارة إلى أنّ(المهديّ) ليس مجرد حلم أو فكرة تداعب أفكار المظلومين وتناغي شعورهم، بل هو حقيقة حيّة مجسّدة متشخّصة فى ذات إنسان بعينه، ومن هنا تكون الفكرة ملامسة لوجدانهم، يعيشون بها، ويعيشون لها، ويسهمون في التحضير والتهيئة للالتحام في المعركة الفاصلة التي سيقودها القائد المنتظر، ولو كانت مجرد حلم أو فكرة، فليس من المتوقّع أن تكون مثل تلك الصلة الوجدانية والشعورية. ومن هنا تتأتّى أهمية الانتظار، وتبيّن فلسفته وغاياته، وهو في جملته يتّسق مع حالة الترقّب والإرهاص التي تسبق ظهور المنقذين من الأنبياء والمصلحين.

(10) اختلفت الآراء وتباينت المواقف من مسألة المهديّ المنتظر، تبعاً لاختلاف المواقف من مسألة الغيب الديني والنصوص الدينية المشهورة والمتواترة، على أنّ هناك إطباقاً بين علماء المسلمين والمحقّقين من أهل الحديث من السنّة والشيعة على صحة العقيدة بالمهديّ، وعدم جواز التشكيك بها حتى جاء في المأثور: (من أنكر المهديّ فقد كفر...) وقد استوفى هذه المسألة بحثاً الشيخ عبدالمحسن عبّاد في محاضرته التي نشرتها مجلة الجامعة الإسلامية / العدد الثالث / 1969 م. وراجع: غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول للشيخ منصور علي ناصف 5: 343.

(11) هذا تساؤل فريق من الناس، والواقع أنه يمكن تسجيل الملاحظة السريعة الآتية، وإن كان سيأتي جوابه تفصيلاً:

أ ـ إنه ليس مستحيلاً بالمعنى المنطقيّ; بل هو في دائرة الإمكان.

ب ـ إنه ليس مستحيلاً عادةً; لوقوع نظائر ذلك فعلاً كما نصّ القرآن الكريم في مسألة نوح عليه السلام في قوله تعالىفلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً). العنكبوت: 14.

(12) إنّ تعطيل القوانين الطبيعية قد حدث مراراً بالنسبة إلى معاجز الأنبياء عليهم السلام، وهذا أمرٌ ضروريّ من الدين لا مجال لنكرانه فإذا أخبر بذلك من وجب تصديقه جاز بلا خلاف.

(13) هذا إشارة إلى عقيدة طوائف من إخواننا أهل السنّة. راجع: التاج الجامع للأصول 5: 360 الهامش.

(14) هذا التساأل أثير من قبل ويثار اليوم، بأساليب مختلفة، وكلها تستند إلى موهومات وافتراضات لا تقوم على أساس من العلم، بل هي مجرد تشكيكات، ومحاولات بائسة للفرار من أصل القضية ولوازمها الضرورية، فهي لا تعدو أن تكون أشبه بتشكيكات المادّيين عندما جوبهوا بأدلة العقل والمنطق والعلم فيما يتعلق بالله تعالى، فلجأوا إلى تساؤلات ساذجة تحكي عدم إيمانهم بما قامت عليه الأدلة الوفيرة، نظير قولهم: لو كان موجوداً فلماذا لا نراه؟ ولماذا لا يفعل كذا وكيت؟

وهكذا شأن هؤلاء، فعندما جوبهوا بالأدلة المنطقية والروايات المتواترة في مسألة المهديّ المنتظر مما أطبق عليه الخاص والعام وبما لا يسع المرء إنكاره، لجأوا إلى التشكيك في أنه لم يعرف للحسن العسكري ولدُ، كما اخترعوا أمراً نسبوه زوراً إلى الشيعة من أنهم يقفون على السرداب يومياً ينادون على إمامهم بالخروج، إلاّ أنّهم اختلفوا في السرداب فقال قائل منهم: هو في سامراء، وذهب آخرون إلى أنه في النجف وثالث في مكان آخر، وهكذا شأن المنكرين للضرورات تراهم يخبطون خبط عشواء. راجع: معالجتنا في المقدمة.

(15) لقد أثبت الشيخ المفيد في الإرشاد: ص 346، والشيخ الشعراني في اليواقيت والجواهر ج 2 / المبحث 65، ولادة محمد بن الحسن العسكري في عام 255 هـ، وهما من أجلّة المحقّقين لدى الفريقين، وهذا ما يدحض التشكيكات التي يثيرها بعض أدعياء العلم، فضلاً على ما يقتضيه الحديث المتواتر: (الأئمّة اثنا عشر كلهم من قريش)، فهو لا يستقيم إلاّ بما تقرر لدى الإمامية، وبما التزموا به من إمامة اثني عشر إماماً كلّهم من العترة الطاهرة، أولهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم المهديّ. وهؤلاء هم المنصوص عليهم، ويدعم ذلك ويشهد له حديث الثقلين المتواتر، وحديث من مات لا يعرف إمام زمانه، فهما لا يستقيمان إلاّ على عقيدة الإمامية الاثني عشرية. راجع مناقشة وافية في: الأصول العامة للفقه المقارن / العلاّمة محمد تقي الحكيم / بحث حجية السنّة: ص 145 وما بعدها.

(16) إنّ الذي تعهّد وتكفّل بإعداد النبيّ عيسى عليه السلام، ووهب النبيّ يحيى الحكم والحكمة وهو صبيّ، كما صرّح القرآن، يمكن أن يتعهّد ويتكفّل بمن أعدّه لتطهير الأرض من الظلم والجور في آخر الزمان، كما هو نصّ الخبر المتواتر في المهديّ الذي هو من عترة فاطمة وذريّة الحسين عليهم السلام. راجع: التاج الجامع للأصول 5: 341 ـ 343.

(17) إنّ هذه المسألة مرهونة باشتراطاتها الخاصة، وكما تأخّر النبي صلى الله عليه وآله إلى زمن ظهوره المبارك لحكم وأمور اقتضتها حكمة المرسل(الله) تعالى على رغم الاحتياج إليه، فكذا الأمر هنا.

(18) سيناقش الشهيد الصدر هذه المسألة تفصيلاً.

(19) الواقع ـ وكما سيأتي ـ أنّ علماء الأمّة الإسلامية أجمعوا على صحة أحاديث المهدي عليه السلام، ولم يشذ إلاّ من هو ليس من أهل المعرفة بالحديث. راجع: التاج الجامع للأصول 5: 361.

(20) لقد رأينا صنع (الأبطال) تاريخ أممهم، على أنّ الشهيد الصدر(ره) هنا يقدّم فهماً أصيلاً ومهمّاً جداً لحركة التاريخ ودور الفرد البطل، وأهمية الظروف الموضوعية في ا لتأثير. وقد أشار توماس كارليل في كتابه(الأبطال) إلى دور البطل. راجع كتابه المذكور، ترجمة الدكتور السباعي - مصر - سلسلة الألف كتاب.

(21) في هذا إشارة إلى أسلحة الدمار(الشامل) فضلاً عن التطور التكنولوجي الذي شمل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وتأثيراتها الهائلة. إلاّ أننا شهدنا كيف توجد بالمقابل الأسلحة المضادّة التي كثيراً ما تعطّل تلك التأثيرات، وكذلك رأينا تأثير المعنويات في إبطال مفعول أسلحة الخصم أو التقليل من آثارها إلى حدٍّ كبير جداً، كما حدث في الثورات والانتفاضات الشعبية.

(22) ولم تكن مثل هذه الأمور بمتصوّرة سابقاً قبل وقوعها، ولو حدّث بها أحدٌ من الناس قبل تحقّقها فعلاً لعدّ الحديث مجرّد تخيّلات وأوهام.

(23) الكلام في وقته دقيق علميّاً، فهو يقول: إنه ممكن علمياً، ولكنه لم يكن قد تحقّق فعلاً، والواقع أنّ كثيراً من الإنجازات في عالم الفضاء، وتسيير المركبات الفضائية إلى كواكب وتوابع الأرض وغيرها قد أصبح حقائق في أواخر القرن العشرين.

(24) نعم، لا يوجد مبرّر علمي واحدٌ يرفض هذه النظرية، بل إنّ علماء الطبّ منشغلون فعلاً بمحاولات حثيثة لإطالة عمر الإنسان، وإنّ هناك عشرات التجارب التي تتمّ في هذا المجال، وذلك وحده ينهض دليلاً قوياً على الإمكان النظري أو العملي.

(25) يؤكد الأطباء والدراسات الطبيّة على هذه الملاحظة، وأنّ لديهم مشاهدات كثيرة في هذا المجال، ولعلّ هذا هو الذي دفعهم إلى إجراء محاولات وتجارب لإطالة العمر الطبيعي للإنسان، وكالمعتاد كان مسرح التجربة في البداية هي الحيوانات لميسورية ذلك، وعدم وجود محاذير أخرى تمنع إجراء مثل تلك التجارب على الإنسان.

(26) هذه التساؤلات التي يثيرها السيد الشهيد صلى الله عليه وآله تهدف إلى ترسيخ حقيقة مهمة، هي أنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله عندما بشّر(بالمهديّ)، وهو حالة غير اعتيادية في سياق البشرية، تنبىء في جملتها عن تسجيل سبق في الإمكانية العملية، بعد تأكيد الإمكانيّة العلمية، أي لبقاء الإنسان مدةً أطول بكثير من المعتاد، فإنّ مثل هذا السبق في التنبيه على حقائق في هذا الوجود كان قد سجّله القرآن الكريم والحديث الشريف في موارد كثيرة جداً في مسائل الطبيعة والكون والحياة، راجع: القرآن والعلم الحديث / الدكتور عبد الرزاق نوفل.

(27) إشارة إلى أنّ هذا من قبيل الإعجاز أيضاً، وهو إفاضة ربانية خاصة، وهذا أمر لا يسع المسلم إنكاره، بعد أن أخبرت بأمثاله الكتب السماوية، وبالأخص القرآن، كالذي ورد في شأن عمر النبيّ نوح عليه السلام، وكذا ما أخبر به القرآن من المغيبات الأخرى، على أنّ كثيراً من أهل السنّة ومن المتصوّفة وأهل العرفان يؤمنون بوقوع الكرامات ومايشبه المعجزات للأولياء والصلحاء والمقرّبين من حضرة المولى تعالى. راجع: التصوّف والكرامات / الشيخ محمد جواد مغنيّة. وراجع: التاج الجامع للأصول 5: 228 / كتاب الزهد والرقائق، الذين تكلّموا في المهد.

(28) إشارة إلى الآية المباركةسبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى...) الإسراء: 1.

(29) إشارة إلى تصميم المركبات الفضائية، وركوب الفضاء والتوغّل إلى مسافات بعيدة عن أرضنا، وقطعها في ساعات أو أيام معدودة، وقد أضحت هذه حقائق في حياتنا المعاصرة في أواخر القرن العشرين.

(30) إشارة إلى ما أعدّ للإمام المهدي المنتظر من دور ومهمة تغييرية على مستوى الوجود الإنساني برمّته كما يشير الحديث الصحيح: (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً). وهذا الدور وهذه المهمة عليهما الإجماع بين علماء الإسلام، والاختلاف حصل في أمور فرعية.

ومن هنا كان التساؤل الذي أثاره السيد الشهيد(رض) له مبرر منطقي قويّ.

(31) في الآية المباركةفلبث فيهم ألف سنة إلاّ خمسين عاماً). العنكبوت: 14.

(32) السؤال موجّه إلى المسلمين المؤمنين بالقرآن الكريم وبالحديث النبوي الشريف، وقد روى علماء السنّة لغير نوح ما هو أكثر من ذلك. راجع تهذيب الأسماء واللغات / النووي 1: 176، ولا يصحّ أن يشكّل أحدٌ بأنّ ذاك أخبر به القرآن فالنصّ قطعيّ الثبوت، وهو يتعلق بالنبيّ المرسل نوح عليه السلام، أما هنا فليس لدينا نصّ قطعي، ولا الأمر متعلق بنبيّ.

والجواب: أنّ المهمة أولاً واحدة، وهى تغيير الظلم والفساد، وأنّ الوظيفة كما أوكلت إلى النبيّ، فقد أوكلت هنا إلى من اختاره الله تعالى أيضاً، كما هو لسان الروايات الصحيحة. قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم الطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً...) التاج الجامع للأصول 5: 343.

وأما من جهة قطعيّة النص، فأحاديث المهديّ بلغت حدّ االتواتر، وهو موجب للقطع والعلم، فلا فرق في المقامين، راجع: التاج الجامع للأصول 5: 341 و360 فقد نقل التواتر عن الشوكاني، وانتهى المحقّقون من علماء الفريقين إلى القول بأنّ من كفر بالمهديّ فقد كفر بالرسول محمد صلى الله عليه وآله، وليس ذلك إلاّ بلحاظ أنه ثبت بالتواتر، وأنه من ضرورات الدين، والمنكر لذلك كافر إجماعاً. وراجع: الإشاعة لأشراط الساعة / البرزنجي في بحثه حول المهديّ. وقد نقلنا حكاية التواتر في المقدّمة أيضاً.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »


سيدحيدرالصافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-12-2011, 09:49 PM   #2

 
الصورة الرمزية سيدحيدرالصافي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 782
تـاريخ التسجيـل : Dec 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : ذي قار
االمشاركات : 160

افتراضي المعجزة والعمر الطويل

المبحث الثاني

المعجزة والعمر الطويل

وقد عرفنا حتى الآن أنّ العمر الطويل ممكن علمياً، ولكن لنفترض أنه غير ممكن علمياً، وأنّ قانون الشيخوخة والهرم قانون صارم لا يمكن للبشرية اليوم، ولا على خطّها الطويل أن تتغلب عليه، وتغيّر من ظروفه وشروطه، فماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أنّ إطالة عمر الإنسان - كنوح أو كالمهديّ - قروناً متعدّدة، هي على خلاف القوانين الطبيعية التي أثبتها العلم بوسائل التجربة والاستقراء الحديثة، وبذلك تصبح هذه الحالة معجزة عطّلت قانوناً طبيعياً في حالة معيّنة للحفاظ على حياة الشخص الذي أنيط به الحفاظ على رسالة السماء، وليست هذه المعجزة فريدة من نوعها، أو غريبة على عقيدة المسلم المستمدّة من نصّ القرآن والسنّة (1)، فليس قانون الشيخوخة والهرم أشدّ صرامة من قانون انتقال الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة حتى يتساويا، وقد عطّل هذا القانون لحماية حياة إبراهيم عليه السلام،

حين كان الأسلوب الوحيد للحفاظ عليه تعطيل ذلك القانون. فقيل للنار حين ألقي فيها إبراهيم(قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم)(2) ، فخرج منها كما دخل سليماً لم يصبه أذىً، إلى كثير من القوانين الطبيعية التي عطّلت لحماية أشخاص من الأنبياء وحجج الله على الأرض، فَفُلق البحر لموسى(3)، وشبّه للرومان أنهم قبضوا على عيسى(4) ولم يكونوا قد قبضوا عليه، وخرج النبيّ محمد صلى الله عليه وآله من داره وهي محفوفة بحشود قريش التي ظلّت ساعات تتربّص به لتهجم عليه، فستره الله تعالى عن عيونهم وهو يمشي بينهم.(5) كلّ هذه الحالات تمثل قوانين طبيعية عطّلت لحماية شخص، كانت الحكمة الربانية تقتضي الحفاظ على حياته، فليكن قانون الشيخوخة والهرم من تلك القوانين.

وقد يمكن أن نخرج من ذلك بمفهوم عام وهو أنه كلّما توقّف الحفاظ على حياة حجة لله في الأرض على تعطيل قانون طبيعي، وكانت إدامة حياة ذلك الشخص ضرورية لإنجاز مهمّته التي أعدّ لها، تدخّلت العناية الربانية في تعطيل ذلك القانون لإنجاز مهمته التي أعدّ لها، وعلى العكس إذا كان الشخص قد انتهت مهمته التي أعدّ لها ربانياً فإنه سيلقى حتفه ويموت أو يستشهد وفقاً لما تقرّره القوانين الطبيعية.

ونواجه عادة بمناسبة هذا المفهوم العام السؤال التالي: كيف يمكن أن يتعطّل القانون؟(6) وكيف تنفصم العلاقة الضرورية التي تقوم بين الظواهر الطبيعية؟ وهل هذه إلاّ مناقضة للعلم الذي اكتشف ذلك القانون الطبيعي، وحدّد هذه العلاقة الضرورية على أسس تجريبية واستقرائية؟!

والجواب: أنّ العلم نفسه قد أجاب عن هذا السؤال بالتنازل عن فكرة الضرورة في القانون الطبيعي، وتوضيح ذلك: إنّ القوانين الطبيعية يكتشفها العلم على أساس التجربة والملاحظة المنتظمة، فحين يطّرد وقوع ظاهرة طبيعية عقيب ظاهرة أخرى يستدلّ بهذا الاطّراد على قانون طبيعي، وهو أنّه كلّما وجدت الظاهرة الأولى وجدت الظاهرة الثانية عقيبها، غير أنّ العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعي علاقة ضرورية بين الظاهرتين نابعة من صميم هذه الظاهرة وذاتها، وصميم تلك وذاتها; لأنّ الضرورة حالة غيبية، لا يمكن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائي والعلمي إثباتها، ولهذا فإنّ منطق العلم الحديث يؤكد أنّ القانون الطبيعي - كما يعرّفه العلم - لا يتحدّث عن علاقة ضرورية، بل عن اقتران مستمر بين ظاهرتين(7)، فإذا جاءت المعجزة وفصلت إحدى الظاهرتين عن الأخرى في قانون طبيعي لم يكن ذلك فصماً لعلاقة ضرورية بين الظاهرتين.

والحقيقة أنّ المعجزة بمفهومها الدينيّ، قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومة بدرجة أكبر مما كانت عليه في ظلّ وجهة النظر الكلاسيكية إلى علاقات السببيّة.

فقد كانت وجهة النظر القديمة تفترض أنّ كلّ ظاهرتين اطّرد اقتران إحداهما بالأخرى فالعلاقة بينهما علاقة ضرورة، والضرورة تعني أنّ من المستحيل أن تنفصل إحدى الظاهرتين عن الأخرى، ولكن هذه العلاقة تحوّلت في منطق العلم الحديث إلى قانون الاقتران أو التتابع المطّرد(8) بين الظاهرتين دون افتراض تلك الضرورة الغيبيّة.

وبهذا تصبح المعجزة حالة استثنائية لهذا الاطّراد في الاقتران أو التتابع دون أن تصطدم بضرورة أو تؤدّي إلى استحالة.

وأما على ضوء الأسس المنطقية للاستقراء(9)، فنحن نتّفق مع وجهة النظر العلمية الحديثة، في أنّ الاستقراء لا يبرهن على علاقة الضرورة بين الظاهرتين، ولكنّا نرى أنّه يدلّ على وجود تفسير مشترك لا طّراد التقارن أو التعاقب بين الظاهرتين باستمرار، وهذا التفسير المشترك كما يمكن صياغته على أساس افتراض الضرورة الذاتية، كذلك يمكن صياغته على أساس افتراض حكمة دعت منظّم الكون إلى ربط ظواهر معيّنة بظواهر أخرى باستمرار، وهذه الحكمة نفسها تدعو أحياناً إلى الاستثناء فتحدث المعجزة.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »


سيدحيدرالصافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-12-2011, 09:50 PM   #3

 
الصورة الرمزية سيدحيدرالصافي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 782
تـاريخ التسجيـل : Dec 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : ذي قار
االمشاركات : 160

افتراضي بحوث حول الامام المهدي للسيد الشهيد محمد باقر الصدر

المبحث الثالث

لماذا كلّ هذا الحرص على إطالة عمره عجل الله فرجه الشريف؟

ونتناول الآن السؤال الثاني، وهو يقول:

لماذا كلّ هذا الحرص من الله سبحانه وتعالى على هذا الإنسان بالذات، فتعطّل من أجله القوانين الطبيعية لإطالة عمره؟ ولماذا لا تترك قيادة اليوم الموعود لشخص يتمخّض عنه المستقبل، وتنضجه إرهاصات اليوم الموعود فيبرز على الساحة ويمارس دوره المنتظر.

وبكلمة أخرى: ما هي فائدة هذه الغيبة الطويلة وما المبرّر لها؟

وكثير من الناس يسألون هذا السؤال وهم لا يريدون أن يسمعوا جواباً غيبياً، فنحن نؤمن بأنّ الأئمّة الاثني عشر مجموعة فريدة(10) لا يمكن التعويض عن أي واحد منهم، غير أنّ هؤلاء المتسائلين يطالبون بتفسير اجتماعي للموقف، على ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبرى نفسها والمتطلّبات المفهومة لليوم الموعود.

وعلى هذا الأساس نقطع النظر مؤقّتاً عن الخصائص التي نؤمن بتوفّرها في هؤلاء الأئمّة المعصومين(11)، ونطرح السؤال التالي:

إننا بالنسبة إلى عملية التغيير المرتقبة في اليوم الموعود، بقدر ما تكون مفهومة على ضوء سنن الحياة وتجاربها، هل يمكن أن نعتبر هذا العمر الطويل لقائدها المدّخر عاملاً من عوامل إنجاحها، وتمكّنه من ممارستها وقيادتها بدرجة أكبر؟

ونجيب عن ذلك بالإيجاب، وذلك لعدة أسباب منها ما يلي:

إنّ عملية التغيير الكبرى تتطلّب وضعاً نفسياً فريداً في القائد الممارس لها، مشحوناً بالشعور... بالتفوّق والإحساس بضآلة الكيانات الشامخة التي أعدّ للقضاء عليها، وتحويلها حضاريّاً إلى عالم جديد.

فبقدر ما يعمر قلب القائد المغيّر من شعور بتفاهة الحضارة التي يصارعها، وإحساس واضح بأنها مجرّد نقطة على الخط الطويل لحضارة الإنسان، يصبح أكثر قدرة من الناحية النفسية(12) على مواجهتها والصمود في وجهها ومواصلة العمل ضدّها حتى النصر. ومن الواضح أنّ الحجم المطلوب من هذا الشعور النفسي يتناسب مع حجم التغيير نفسه، وما يراد القضاء عليه من حضارة وكيان، فكلما كانت المواجهة لكيان أكبر ولحضارة أرسخ وأشمخ، تطلّب زخماً أكبر من هذا الشعور النفسي المفعم.

ولما كانت رسالة اليوم الموعود تغيير عالم مليء بالظلم وبالجور، تغييراً شاملاً بكلّ قيمه الحضارية وكياناته المتنوّعة، فمن الطبيعي أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أكبر في شعوره النفسي من ذلك العالم كله، عن شخص ليس من مواليد ذلك العالم الذين نشأوا في ظل تلك الحضارة التي يراد تقويضها واستبدال حضارة العدل والحق بها; لأنّ من ينشأ في ظل حضارة راسخة، تعمر الدنيا بسلطانها وقيمها وأفكارها، يعيش في نفسه الشعور بالهيبة تجاهها; لأنّه ولد وهي قائمة، ونشأ صغيراً وهي جبّارة، وفتح عينيه على الدنيا فلم يجد سوى أو جهها المختلفة.

وخلافاً لذلك، شخص يتوغّل في التاريخ عاش الدنيا قبل أن ترى تلك الحضارة النور، ورأى الحضارات الكبيرة سادت العالم الواحدة تلو الأخرى ثمّ تداعت وانهارت(13)، رأى ذلك بعينيه ولم يقرأه في كتاب تاريخ..

ثمّ رأى الحضارة التي يقدّر لها أن تكوّن الفصل الأخير من قصة الإنسان قبل اليوم الموعود، رآها وهي بذور صغيرة لا تكاد تتبيّن..

ثمّ شاهدها وقد اتّخذت مواقعها في أحشاء المجتمع البشري تتربّص الفرصة لكي تنمو وتظهر..

ثمّ عاصرها وقد بدأت تنمو وتزحف وتصاب بالنكسة تارة، ويحالفها التوفيق تارة أخرى..

ثمّ واكبها وهي تزدهر وتتعملق وتسيطر بالتدريج على مقدّرات عالم بكامله، فإنّ شخصاً من هذا القبيل عاش كلّ هذه المراحل بفطنة وانتباه كاملين، ينظر إلى هذا العملاق - الذي يريد أن يصارعه - من زاوية ذلك الامتداد التاريخي الطويل الذي عاشه بحسّه، لا في بطون كتب التاريخ فحسب، ينظر إليه لا بوصفه قدراً محتوماً، ولا كما كان ينظر(جان جاك روسو)(14) إلى الملكيّة في فرنسا، فقد جاء عنه أنه كان يرعبه مجرّد أن يتصوّر فرنسا بدون ملك، على الرغم من كونه من الدعاة الكبار فكريّاً وفلسفيّاً إلى تطوير الوضع السياسي القائم وقتئذ; لأنّ(روسو) هذا نشأ في ظل

الملكيّة، وتنفس هواءها طيلة حياته، وأما هذا الشخص المتوغّل في التاريخ، فله هيبة التاريخ، وقوّة التاريخ، والشعور المفعم بأنّ ما حوله من كيان وحضارة وليد يوم من أيام التاريخ، تهيّأت له الأسباب فوجد، وستتهيأ الأسباب فيزول، فلا يبقى منه شيء كما لم يكن يوجد منه شيء بالأمس القريب أو البعيد، وأنّ الأعمار التاريخية للحضارات والكيانات مهما طالت فهي ليست إلاّ أياماً قصيرة في عمر التاريخ الطويل.

هل قرأت سورة الكهف؟

وهل قرأت عن أولئك الفتية الذين آمنوا بربّهم وزادهم الله هدىً؟(15) وواجهوا كياناً وثنيّاً حاكماً، لا يرحم ولا يتردّد في خنق أي بذرة من بذور التوحيد والارتفاع عن وحدة الشرك، فضاقت نفوسهم ودبّ إليها اليأس وسدّت منافذ الأمل أمام أعينهم، ولجأوا إلى الكهف يطلبون من الله حلاً لمشكلتهم بعد أن أعيتهم الحلول، وكبر في نفوسهم أن يظل الباطل يحكم ويظلم ويقهر الحقّ ويصفّي كلّ من يخفق قلبه للحقّ.

هل تعلم ماذا صنع الله تعالى بهم؟

إنه أنامهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين (16) في ذلك الكهف، ثمّ بعثهم من نومهم ودفع بهم إلى مسرح الحياة، بعد أن كان ذلك الكيان الذي بهرهم بقوّته وظلمه قد تداعى وسقط، وأصبح تاريخاً لا يرعب أحداً ولا يحرّك ساكناً، كلّ ذلك لكي يشهد هؤلاء الفتية مصرع ذلك الباطل الذي كبر عليهم امتداده وقوّته واستمراره، ويروا انتهاء أمره بأعينهم ويتصاغر الباطل في نفوسهم.

ولئن تحقّقت لأصحاب الكهف هذه الرؤية الواضحة بكلّ ما تحمل من زخم وشموخ نفسيّين من خلال ذلك الحدث الفريد الذي مدّد حياتهم ثلاثمئة سنة، فإنّ الشيء نفسه يتحقّق للقائد المنتظر من خلال عمره المديد الذي يتيح له أن يشهد العملاق وهو قزم، والشجرة الباسقة وهي بذرة، والإعصار وهو مجرد نسمة.(17)

أضف إلى ذلك، أن التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارات المتعاقبة، والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوّراتها لها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعميق الخبرة القيادية لليوم الموعود; لأنها تضع الشخص المدّخر أمام ممارسات كثيرة للآخرين بكلّ ما فيها من نقاط الضعف والقوة، ومن ألوان الخطأ والصواب، وتعطي لهذا الشخص قدرة أكبر على تقويم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل على أسبابها، وكلّ ملابساتها التاريخية.

ثمّ إنّ عملية التغيير المدّخرة للقائد المنتظر تقوم على أساس رسالة معينة هي رسالة الإسلام، ومن الطبيعي أن تتطلب العملية في هذه الحالة قائداً قريباً من مصادر الإسلام الأولى، قد بنيت شخصيّته بناءً كاملاً بصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الحضاره التي يقدّر لليوم الموعود أن يحاربها.

وخلافاً لذلك، الشخص الذي يولد وينشأ في كنف هذه الحضارة وتتفتّح أفكاره ومشاعره في إطارها، فإنّه لا يتخلّص غالباً من رواسب تلك الحضارة ومرتكزاتها، وإن قاد حملة تغييريّة ضدها.

فلكي يضمن عدم تأثر القائد المدّخر بالحضارة التي أعدّ لاستبدالها، لابدّ أن تكون شخصيته قد بنيت بناءً كاملاً في مرحلة حضارية سابقة هي أقرب ما تكون فى الروح العامة ومن ناحية المبدأ إلى الحالة الحضارية التي يتجّه اليوم الموعود إلى تحقيقها بقيادته.(18)

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »


سيدحيدرالصافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-12-2011, 09:52 PM   #4

 
الصورة الرمزية سيدحيدرالصافي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 782
تـاريخ التسجيـل : Dec 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : ذي قار
االمشاركات : 160

افتراضي بحوث حول الامام المهدي للسيد الشهيد محمد باقر الصدر

المبحث الرابع

كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر عليه السلام؟

ونأتي الآن على السؤال الثالث القائل: كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر مع أنه لم يعاصر أباه الإمام العسكري إلاّ خمس سنوات تقريبا ً؟ وهي فترة الطفولة التي لا تكفي لإنضاج شخصية القائد، فما هي الظروف التي تكامل من خلالها؟

والجواب: إنّ المهدي عليه السلام خلف أباه في إمامة المسلمين، وهذا يعني أنه كان إماماً بكلّ ما في الإمامة من محتوىً فكري وروحي في وقت مبكر جداً من حياته الشريفة.

والإمامة المبكّرة ظاهرة سبقهُ إليها عددٌ من آبائه عليهم السلام، فالإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام تولّى الإمامة وهو في الثامنة من عمره(19)، والإمام علي بن محمد الهادي تولّى الإمامة وهو في التاسعة من عمره(20)، والإمام أبو محمد الحسن العسكري(21) والد القائد المنتظر تولّى الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره، ويلاحظ أنّ ظاهرة الإمامة المبكّرة بلغت ذروتها في الإمام المهديّ والإمام الجواد، ونحن نسمّيها ظاهرة لأنها كانت بالنسبة إلى عدد من آباء المهدي عليه السلام تشكّل مدلولاً حسيّاً عملياً عاشه المسلمون، ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولا يمكن أن نُطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوى من تجربة أُمّة.(22) ونوضح ذلك ضمن النقاط التالية:

أ - لم تكن إمامة الإمام من أهل البيت مركزاً من مراكز السلطان والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن، ويدعمها النظام الحاكم كإمامة الخلفاء الفاطميّين، وخلافة الخلفاء العباسيّين، وإنما كانت تكتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلغل الروحي، والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام، وقيادته على أُسس روحية وفكرية.

ب - إنّ هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام، وازدهرت واتّسعت على عهد الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان في داخل هذه القواعد تشكّل تيّاراً فكرياً واسعاً في العالم الإسلامي، يضم المئات من الفقهاء والمتكلّمين والمفسّرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية والبشرية المعروفة وقتئذ، حتى قال الحسن بن عليّ الوشا: إنّي دخلت مسجد الكوفة فرأيت فيه تسعمائة شيخ(23)، كلّهم يقولون حدّثنا جعفر بن محمد.

ج - إنّ الشروط التي كانت هذه المدرسة وما تُمثّله من قواعد شعبيّة في المجتمع الإسلامي، تؤمن بها وتتقيّد بموجبها في تعيين الإمام والتعرّف على كفاءته للإمامة، شروط شديدة; لأنها تؤمن بأنّ الإمام لا يكون إماماً إلاّ إذا كان أعلم علماء عصره.(24)

د - إنّ المدرسة وقواعدها الشعبية كانت تقدم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود على عقيدتها في الإمامة; لأنها كانت في نظر الخلافة المعاصرة لها تشكّل خطّاً عدائياً، ولو من الناحية الفكرية على الأقل، الأمر الذي أدّى إلى قيام السلطات وقتئذ وباستمرار تقريباً بحملات من التصفية والتعذيب، فقُتل من قُتل، وسُجن من سُجن، ومات في ظلمات المعتقلات المئات. وهذا يعني أنّ الاعتقاد بإمامة أئمّة أهل البيت كان يكلّفهم غالي(25)، ولم يكن له من الإغراءات سوى ما يحسّ به المعتقد أو يفترضه من التقرّب إلى الله تعالى والزلفى عنده.

هـ - إنّ الأئمّة الذين دانت هذه القواعد لهم بالإمامة لم يكونوا معزولين عنها، ولا متقوقعين في بروج عالية شأن السلاطين مع شعوبهم، ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلاّ أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجن أو نفي، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدّثين عن كلّ واحد من الأئمّة الأحد عشر، ومن خلال ما نقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه، وما كان الإمام يقوم به من أسفار من ناحية، وما كان يبثّه من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من ناحية أخرى، وما كان قد اعتاده الشيعة من تفقّد أئمّتهم وزيارتهم في المدينة المنوّرة عندما يؤمّون الديار المقدّسة من كلّ مكان لأداء فريضة الحجّ(26)، كلّ ذلك يفرض تفاعلاً مستمراً بدرجة واضحة بين الإمام وقواعده الممتدّة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم.

و- إنّ الخلافة المعاصرة للأئمّة عليهم السلام كانت تنظر إليهم وإلى زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير على كيانها ومقدّراتها، وعلى هذا الأساس بذلت كلّ جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة، وتحمّلت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيّات، وظهرت أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرّها تأمين مواقعها إلى ذلك، وكانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرّة للأئمّة(27) أنفسهم على الرغم ممّا يخلّفه ذلك من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين على اختلاف درجاتهم.

إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشكّ، أمكن أن نخرج بنتيجة، وهي: أنّ ظاهرة الإمامة المبكّرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهماً من الأوهام; لأنّ الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحيّاً وفكريّاً للمسلمين، ويدين له بالولاء والإمامة كلّ ذلك التيّار الواسع، لا بدّ أن يكون على قدر واضح وملحوظ، بل وكبير من العلم والمعرفة وسعة الأفق والتمكّن من الفقه والتفسير والعقائد; لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته، مع ما تقدم من أنّ الأئمّة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم، وللأضواء المختلفة أن تُسلّط على حياتهم وموازين شخصيّتهم. فهل ترى أنّ صبيّاً يدعو إلى إمامة نفسه وينصّب منها علماً للإسلام وهو على مرأىً ومسمع من جماهير قواعده الشعبية، فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون أن تكلّف نفسها اكتشاف حاله، وبدون أن تهزّها ظاهرة هذه الإمامة المبكّرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقويم هذا الصبيّ الإمام؟(28) وهب أنّ الناس لم يتحركوا لاستطلاع المواقف، فهل يمكن أن تمرّ المسألة أيّاماً وشهوراً، بل أعواماً دون أن تتكشّف الحقيقة، على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمرّ بين الصبيّ الإمام وسائر الناس؟ وهل من المعقول أن يكون صبيّاً في فكره وعلمه حقّاً، ثمّ لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟

وإذا افترضنا أنّ القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يُتح لها أن تكتشف واقع الأمر، فلماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل لكشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟ وما كان أيسر ذلك على السلطة القائمة لو كان الإمام الصبيّ صبيّاً في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان، وما كان أنجحه من أسلوب أن تقدّم هذا الصبي إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته، وتبرهن على عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحيّة والفكرية. فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقدر كبير من ثقافة عصره لتسلّم الإمامة، فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبيّ اعتيادي مهما كان ذكيّاً وفطناً للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإماميون(29)، وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقّدة وأساليب القمع، والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذ.

إنّ التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة(30)، هو أنها أدركت أنّ الإمامة المبكّرة ظاهرة حقيقيّة وليست شيئاً مصطنعاً.

والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة فلم تستطع، والتأريخ يحدّثنا عن محاولات من هذا القبيل وفشله(31)، بينما لم يحدّثنا إطلاقاً عن موقف تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبكّرة أو واجه فيه الصبيّ الإمام إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »


سيدحيدرالصافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-12-2011, 09:54 PM   #5

 
الصورة الرمزية سيدحيدرالصافي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 782
تـاريخ التسجيـل : Dec 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : ذي قار
االمشاركات : 160

افتراضي بحوث حول الامام المهدي للسيد الشهيد محمد باقر الصدر

المبحث الخامس

كيف نؤمن بأنّ المهديّ قد وُجد؟

ونصل الآن إلى السؤال الرابع وهو يقول: هب أنّ فرضيّة القائد المنتظر ممكنة بكلّ ما تستبطنه من عمر طويل، وإمامة مبكّرة، وغيبة صامتة، فإنّ الإمكان لا يكفي للاقتناع بوجوده فعلاً.

فكيف نؤمن فعلاً بوجود المهديّ؟ وهل تكفي بضع روايات تنقل في بطون الكتب عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، للاقتناع الكامل بالإمام الثاني عشر، على الرغم ممّا في هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف؟ بل كيف يمكن أن نثبت أنّ للمهدي عليه السلام وجوداً تاريخياً حقّاً وليس مجرد افتراض توفّرت ظروف نفسية لتثبيته في نفوس عدد كبير من الناس؟(3)

والجواب: إنّ فكرة المهديّ بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموماً، وفي روايات أئمّة أهل البيت خصوصاً، وأكّدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشكّ. وقد أحصي أربعمائة حديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله من طرق إخواننا أهل السنّة(4)، كما أُحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهديّ من طرق الشيعة والسنّة فكان أكثر من ستة آلاف رواية(5)، وهذا رقم إحصائي كبير لا يتوفّر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشكّ فيها مسلم عادة.

وأما تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر عليه الصلاة والسلام فهذا ما توجد مبرّرات كافية وواضحة للاقتناع به.

ويمكن تلخيص هذه المبرّرات في دليلين:

أحدهما إسلامي.

والآخر علمي.

فبالدليل الإسلامي نثبت وجود القائد المنتظر.

وبالدليل العلمي نبرهن على أنّ المهديّ ليس مجرّد أُسطورة وافتراض، بل هو حقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخية.

أما الدليل الإسلامي:

فيتمثّل في مئات الروايات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله(6) والأئمّة من أهل البيت عليهم السلام، والتي تدلُّ على تعيين المهدي عليه السلام وكونه من أهل البيت عليهم السلام:

أخرج أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجة ونعيم بن حمّاد في الفتن عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (المهديّ منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة).

راجع: الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 213 و215 وفيه، أيضاً: أخرج أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود، عن عليّ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال: (لو لم يبقَ من الدهر إلاّ يومٌ لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً)، وراجع: صحيح سنن المصطفى 2: 207، وسنن ابن ماجة 2: 1367 / 4085.(7)

ومن ولد فاطمة عليها السلام:

الحاوي للفتاوي / السيوطي جلال الدين 2: 214، قال: وأخرج أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن أمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (المهديّ من عترتي من ولد فاطمة).(8)

ومن ذرية الحسين عليه السلام:

منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر / لطف الله الصافي الكلبكاني ص 203 دلايل الامامة،... قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا تذهب حتى يقوم بأمر أمتي رجل من ولد الحسين يملأ الدنيا عدلاً كما ملئت ظلماً " – بتصرف الناقل.(9)

وأنه التاسع من ولد الحسين عليه السلام:

منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر / لطف الله الصافي الكلبكاني ص 209 / 2- كفاية الأثر:... قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم الحق منا، وذلك حين يأذن الله عز وجل فمن تبعه نجى، ومن تخلف عنه هلك، فالله الله عباد الله ايتوه على الثلج!! فانه خليفة الله قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وآله متى يقوم قائمكم؟ قال: اذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وهو التاسع من صلب الحسين عليه السلام " – بتصرف الناقل -.(10)

وأن الخلفاء اثنا عشر عليهم السلام:

حديث (الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش) أو (لا يزال هذا الدين قائماً ما وليه اثنا عشر، كلهم من قريش).

هذا الحديث متواتر، روته الصحاح والمسانيد بطرق متعدّدة وإن اختلف في متنه قليلاً.(11)

فإنّ هذه الروايات تحدّد تلك الفكرة العامة وتشخيصها في الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت، وهي روايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة والانتشار، على الرغم من تحفّظ الأئمّة عليهم السلام واحتياطهم في طرح ذلك على المستوى العام، وقايةً للخلف الصالح من الاغتيال أو الإجهاز السريع على حياته.(12) وليست الكثرة العددية للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها، بل هناك إضافة إلى ذلك مزايا وقرائن تبرهن على صحّتها، فالحديث النبوي الشريف عن الأئمّة أو الخلفاء أو الأمراء بعده وأنهم اثنا عشر إماماً أو خليفةً أو أميراً - على اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفة - قد أحصى بعض المؤلفين رواياته فبلغت أكثر من مئتين وسبعين رواية(13) مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنّة، بما في ذلك البخاري(14) ومسلم(15) والترمذي(16) وأبي داود(17) ومسند أحمد(18) ومستدرك الحاكم على الصحيحين(19)، ويلاحظ هنا أنّ البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصراً للإمام الجواد والإمامين الهادي والعسكريّ، وفي ذلك مغزىً كبير; لأنه يبرهن على أنّ هذا الحديث قد سُجّل عن النبيّ صلى الله عليه وآله قبل أن يتحقق مضمونه وتكتمل فكرة الأئمّة الاثني عشر فعلاً، وهذا يعني أنه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث متأثراً بالواقع الإمامي الاثني عشري وانعكاساً له; لأنّ الأحاديث المزيفة التي تنسب إلى النبيّ صلى الله عليه وآله ـ وهي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنياً ـ لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكّل انعكاساً له، فما دمنا قد ملكنا الدليل المادي على أنّ الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمّة الاثني عشر، وضبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري، أمكننا أن نتأكد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع وإنما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن هوى(20)، فقال: (إلفاء بعدى اثنا عشر).(21) وجاء الواقع الإمامي الاثني عشري ابتداءً من الإمام عليّ وانتهاءً بالمهديّ ; ليكون التطبيق الوحيد المعقول(22) لذلك الحديث النبوي الشريف.

وأما الدليل العلميّ:

فهو يتكوّن من تجربة عاشتها أمّة من الناس فترة امتدّت سبعين سنة تقريباً وهي فترة الغيبة الصغرى. ولتوضيح ذلك نمهد بإعطاء فكرة موجزة عن الغيبة الصغرى.(23)

إنّ الغيبة الصغرى تعبّر عن المرحلة الأولى من إمامة القائد المنتظر عليه الصلاة والسلام، فقد قدّر لهذا الإمام منذ تسلّمه للإمامة أن يستتر عن المسرح العام ويظلُّ بعيداً باسمه عن الأحداث، وإن كان قريباً منها بقلبه وعقله، وقد لوحظ أنّ هذه الغيبة إذا جاءت مفاجئة حقّقت صدمة كبيرة للقواعد الشعبية للإمامة في الأمة الإسلامية; لأنّ هذه القواعد كانت معتادة على الاتّصال بالإمام في كلّ عصر، والتفاعل معه والرجوع إليه في حلّ المشاكل المتنوّعة، فإذا غاب الإمام عن شيعته فجأة وشعروا بالانقطاع عن قيادتهم الروحية والفكرية، سبّبت هذه الغيبة(24) المفاجئة الإحساس بفراغ دفعي هائل قد يعصف بالكيان كلّه ويشتّت شمله، فكان لابدّ من تمهيد لهذه الغيبة; لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج، وتكيّف نفسها شيئاً فشيئاً على أساسها، وكان هذا التمهيد هو الغيبة الصغرى التي اختفى فيها الإمام المهديّ عن المسرح العام، غير أنه كان دائم الصلة بقواعده وشيعته عن طرق وكلائه ونوّابه، والثقات من أصحابه الذين يشكّلون همزة الوصل بينه وبين الناس المؤمنين بخطه الإمامي.(25) وقد شغل مركز النيابة عن الإمام في هذه الفترة أربعة ممّن أجمعت تلك القواعد على تقواهم وورعهم ونزاهتهم التي عاشوا ضمنها.

وهم كما يلي:

1 - عثمان بن سعيد العمريّ.

2 - محمد بن عثمان بن سعيد العمريّ.

3 - أبوالقاسم الحسين بن روح.

4 - أبوالحسن عليّ بن محمد السمريّ.

وقد مارس هؤلاء الأربعة(26) مهامّ النيابة بالترتيب المذكور، وكلما مات أحدهم خلفه الآخر الذي يليه بتعيين من الإمام المهدي عليه السلام.

وكان النائب يتصل بالشيعة ويحمل أسئلتهم إلى الإمام، ويعرض مشاكلهم عليه، ويحمل إليهم أجوبته شفهية أحياناً وتحريريّة(27) في كثير من الأحيان، وقد وجدت الجماهير التي فقدت رؤية إمامها العزاء والسلوة في هذه المراسلات والاتّصالات غير المباشرة. ولاحظت أنّ كلّ التوقعيات والرسائل كانت ترد من الإمام المهدي عليه السلام بخطّ واحد وسليقة واحدة(28) طيلة نيابة النواب الأربعة التي استمرت حوالي سبعين عاماً، وكان السمّريّ هو آخر النواب، فقد أعلن عن انتهاء مرحلة الغيبة الصغرى التي تتميز بنوّاب معيّنين، وابتداء الغيبة الكبرى التي لايوجد فيها أشخاص معيّنون بالذات للوساطة بين الإمام القائد والشيعة، وقد عبّر التحوّل من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى عن تحقيق الغيبة الصغرى لأهدافها وانتهاء مهمتها; لأنها حصّنت الشيعة بهذه العملية التدريجية عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام، واستطاعت أن تكيّف وضع الشيعة على أساس الغيبة، وتعدّهم بالتدريج لتقبّل فكرة النيابة العامة عن الإمام، وبهذا تحولت النيابة من أفراد منصوصين(29) إلى خطّ عام(30)، وهو خط المجتهد العادل البصير بأمور الدنيا والدين تبعاً لتحوّل الغيبة الصغرى إلى غيبة كبرى.

والآن بإمكانك أن تقدّر الموقف في ضوء ما تقدم، لكي تدرك بوضوح أنّ المهديّ حقيقة عاشتها أمة من الناس، وعبّر عنها السفراء والنواب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم من الآخرين، ولم يلحظ عليهم أحدٌ كلّ هذه المدة تلاعباً في الكلام، أو تحايلاً في التصرف، أو تهافتاً في النقل. فهل تتصور - بربّك - أنّ بإمكان أكذوبة أن تعيش سبعين عاماً، ويمارسها أربعة على سبيل الترتيب كلهم يتّفقون عليها، ويظلّون يتعاملون على أساسها وكأنها قضية يعيشونها بأنفسهم ويرونها بأعينهم دون أن يبدر منهم أي شيء يثير الشكّ، ودون أن يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميزة تتيح لهم نحواً من التواطؤ، ويكسبون من خلال ما يتّصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع، وإيمانهم بواقعية القضية التي يدّعون أنهم يحسّونها ويعيشون معها؟!

لقد قيل قديماً: إنّ حبل الكذب قصير، ومنطق الحياة يثبت أيضاً أنّ من المستحيل عمليّاً بحساب الاحتمالات أن تعيش أكذوبة بهذا الشكل، وكلّ هذه المدّة، وضمن كلّ تلك العلاقات والأخذ والعطاء، ثمّ تكسب ثقة جميع من حولها.

وهكذا نعرف أنّ ظاهرة الغيبة الصغرى يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات ما لها من واقع موضوعيّ، والتسليم بالإمام القائد بولادته(31) وحياته وغيبته، وإعلانه العام عن الغيبة الكبرى التي استتر بموجبها عن المسرح ولم يكشف نفسه لأحد.(32

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »


سيدحيدرالصافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



All times are GMT +3. The time now is 07:18 PM.


Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2024