العودة   منتدى جامع الائمة الثقافي > قسم آل الصدر ألنجباء > منبر شهيد ألله السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس)

منبر شهيد ألله السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس) المواضيع الخاصة بسماحة السيد الشهيد محمد الصدر قدس الله نفسه الزكية

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
Bookmark and Share أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-10-2011, 11:18 PM   #1

 
الصورة الرمزية سرقوحقي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 479
تـاريخ التسجيـل : Sep 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق بابل
االمشاركات : 90

فارس مبحث القبله للسيد الشهيد محمد الصدر ( قدست نفسه )

بسم الله الرحمن الرحيم
مبحث القبلة
القبلة اسم مصدر من الاستقبال، بمعنى الجهة والاتجاه. يقال قابله واستقبله اذا وقف اتجاهه او حاذه بوجهه.
وليس معناه حيز القبلة إلا بمعنى التوجه إليه . واخذت من حيث التوجه والا فالطواف ايضا حول حيز الكعبة لا حول جرمها حقيقة.
والاستدلال على وجوب الاستقبال في الصلاة تارة يكون بالكتاب الكريم والاخرى بالسنة الشريفة.
الاستدلال بالقران الكريم
وما يمكن الاستدلال به من القران الكريم عدة ايات:
الاية الاولى: قوله تعالى: قد نرى تقلب وجه في السماء، فلنولينك قبلة ترضاها، فول وجهك شطر السجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطرة. الى ان يقول: ولئن اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل اية متبعوا قبلتك، واما انت بتابع قبلتهم، وما بعضهم بتابع قبلة بعض. ولئن اتبعت اهواءهم من بعد جاءك من العلم انك من الظالمين.
الى ان يقول: ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات، ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام، وانه للحق من ربك.
الى ان يقول: ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام. وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره، لئلا يكون للناس عليكم حجة، الا الذين ظلموا منهم، فلا تخشوهم واخشوني، ولاتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون.
وانما تلوتها كلها، باعتبار ارتباطها كلها في الموضوع، ولامكان وجود قرائن ودلائل فيما بينها على بعضها البعض. ولنا في الاستدلال بالاية عدة نقاط.
النقطة الاولى:هناك التكرار في الاية الكريمة واضح جدا في الحديث عن القبلة. كقوله تعالى: فول وجهك شطر السجد الحرام. وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره. وحيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام. وغيرها. وهو يدل على الاهمية البالغة في نظر الشارع المقدس. وهو امر مساوق للوجوب، بل لعله اهم منه.
النقطة الثانية: هناك تكرار في الاية الكريمة، بصيغة فعل الامر الدال على الوجوب، كما هو محقق في علم الاصول. كقوله: فول وجهك ـ فولوا وجوهكم ـ فول وجهك (ايضا).
وحسب ما حققناه فان الامر الصادر في الموارد القابلة للصحة والفساد، فانه ظاهر بالحكم الوضعي وليس الحكم التكليفي، باعتبار انها تدل على الصحة مع حصول الطاعة، والفساد بدونه. وهو معنى الحكم الوضعي.
واما الضغرى فمحرزة، وهي كون الصلاة مورد للصحة والفساد. فيكون الامر بخصوصها، والمقيدة لشروطها، من سنخ الحكم الوضعي.
النقطة الثالثة: ان الخطاب في الاية بالمباشرة، وان كان خاصا بالنبي (ص). كقوله تعالى: قد نرى تقلب وحهك في السماء، فلنولينك قبلة ترضاها، فول وجهك شطر المسجد الحرام.
غير ان هناك قرائن حالية ومقالية على عدم الاختصاص وان كان الخطاب المباشر في القران دائما للنبي (ص)، بصفته هو السامع للوحي بالمباشر دون غيره. الا ان القرائن هنا على عدم الاختصاص به صلى الله عليه واله.
اولا: التجريد عن الخصوصية من النبي (ص) الى غيرهمن المسلمين. او قل: اننا نفهم انه خوطب في هذه الاية، لا بصفته امرا مختصا به، بل بصفته امرا مشتركا بينه وبين غيره من المسلمين.
ثانيا: تحول السياق في الاية نفسها من خطاب النب (ص) الى غيره بصراحة ووضوح لانه يقول: وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره. يقولها مرتين. الى ان يقول: فلا تخشوهم وخشوني، ولاتم نعمتي عليكم، ولعلكم تهتدون. وهو امر يجعل السياق صريحا في العموم.
النقطة الرابعة: انه لماذا قال: شطر المسجد الحرام، ولم يقل شطر الكعبة. وجوابه من عدة وجوه:
الاول: ان الكعبة الشريفة هي المسجد احرام وهي البيت الحرام ولم يكن في الجاهلية وفي اول الاسلام شيء يسمى بالمسجد حول الكعبة. وانما حولها ارض تمثل مطافا حولها، وحول الارض بيوت يدخل اصحابها الى جهة الكعبة من ابواب فيها. ومما يدل على ذلك حديث سد الابواب. لانه صلى الله عليه واله سد الابواب الا باب علي (ع).
ومعه فمن الواضح ان توجيه المصلي نحو المسجد الحرام، ليس الا توجيه نحو الكعبة الشريفة نفسها.
الثاني: لو تنزلنا وقبلنا زيادة السجد الحرام عن الكعبة. كما هو المرتكز متشرعيا. فانه من الممكن القول: انه انما نص عليه نصا طريقيا بالاشارة الى ما فيه وهو الكعبة. وليس المقصود ذاته.
وخاصة اذا التفتنا الى الارتكاز المتشرعي القطعي بان القبلة هي الكعبة وليست المسجد الحرام. فبضم هذه القرينة الى الاية الكريمة، نستطيع ان نفهم الطريقية.
الثالث: لو تنزلنا عن الوجه الثاني، يتعين ان يكون المسجد الحرام كله هو القبلة، دون الكعبة. وقد افتى بذلك بعض بمضمون ان الكعبة قبلة لمن كان داخل في المسجد الحرام، واما من كان في خارجه من سائر بلاد الاسلام، فالمسجد الحرام هو قبلته. اخذا بظاهر الاية مع عدم الالتفات الى الجوابين السابقين.
النقطة الخامسة: ان الاية الكريمة ذكرت قبلة اهل الكتاب بقوله تعالى: ولئن اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل اية ماتبعوا قبلتك وما انت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض. فما المقصود منها،
جواب ذلك على مستويين:
المستوى الاول: المستوى الدنيوي، وهو ان نفهم من القبلة معناها المتشرعي الاعتيادي. وقبلة اهل الكتاب هي بيت المقدس. ولعل هذا هو التفسير المشهوري للاية.
ويرد عليه:
اولا: انه لا دليل تاريخي او ديني يدل على انهم كان لديهم صلاة يجب فيها استقبال القبلة، لكي تكون بيت المقدس قبلتهم.
فان قلت: فان النبي (ص) انما استقبل بيت المقدس في اول الاسلام في صلاته، موافقة لهم، وهذا يدل على انهم كانوا يستقبلونه.
قلنا: كلا بهذا المعنى. نعم لو حملنا استقباله على الموافقة معهم والمجاملة لهم، فهي على معنى اخر، باعتبار ان بيت المقدس هو البقعة المقدسة التي يؤمنون بها جميعا. فاظهار النبي (ص) تقديسها والاهتمام بها، يعتبر خطوة في مصلحة الاسلام لا محالة. واهم علامة على التقديس هو الاستقبال في الصلاة التي هي عمود الدين.
ثانيا: بنفيه قوله تعالى: وما بعضهم بتابع قبلة بعض. الامر الذي يدل على ان اهل الكتاب كل لديهم اكثر من قبلة وليس قبلة واحدة. في حين ان المرتكز لدى المتشرعة هي كونها قبلة واحدة وليست اثنين. فماذا يقول المتشرعة في ظاهر الاية؟.
ومعه يكون هذا الفهم بالمستوى الاول منتفيا. وينفتح المجال لنا للفهم على المستوى الثاني.
المستوى الثاني: المستوى المعنوي، اعني حمل معنى القبلة على معنى معنوي، فان قبلة كل شخص او جماعة هو هدفه الذي يسعى له. سواء كان دنيويا ام اخرويا، نفسيا ام عقليا ام عقائديا.
فيكون المراد من قبلة اهل الكتاب هو اهدافهم الدينية، او قل دينهم نفسه او قل مصالحهم الدينية حتى من الناحية الدنيوية. وبهذا تتعدد قبلاتهم، ويتعصب بعضهم ضد بعض، كما يتعصبون ضد الاسلام، ويصدق قوله تعالى: ما تبعوا قبلتك وما انت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض.
وتوجد\ عدة قرائن في سياق الاية على ذلك:
منها: قوله تعالى: ولئن اتبعت اهواءهم، حيث قد يعني ان قبلة اهل الكتاب هي اهواؤهم، واهدافهم النفسية ليس الا.
ومنها: قوله تعالى: ولكل وجهة هو موليها، يعني تكون تلك القبلة هي وجهته. ومن الواضح انه ليس المراد بالوجهة هنا الاتجاه المادي بل المعنوي أي الاستهداف، سواء كان دنيويا او اخرويا.
ومنها: قوله تعالى: فاستبقوا الخيرات. أي اجعلوا الخيرات والاعمال الصالحات هي اهدافكم وقبلتكم، دون الاهواء والشهوات.
النقطة السادسة: اننا بما ذكرناه في النقطة السابقة، سوف نقع في تهافت في ظاهر سياق الاية، من حيث ان المراد منه هل هي القبلة الدنيوية او القبلة المعنوية. اذ ان من الواضح ان المسجد الحرام المذكور في الاية اكثر من مرة هو قبلة دنيوية ـ لو صح التعبير ـ فيكون قرينة على ان المراد بقبلة اهل الكتاب هو ذلك ايضا.
قلنا: يجاب هذا على مستويين:
المستوى الاول: وهو الموافق للفهم المشهوري، وهو ان نفهم من كلا النحويين من القبلة: القبلة الدنيوية ـ كما عبرنا ـ بقرينية المسجد الحرام، وهذا يرد عليه ما سبق من ظهور الاية بتعدد القبلة لدى اهل الكتاب، يعني ان قبلة اليهود غير قبلة النصارى. فعلى المشهور يبين ذلك. ولم يبين.؟! الى غير ذلك مما سبق.
المستوى الثاني: ان نفهم المستوى المعنوي من كلتا القبلتين: بان نفهم من (المسجد الحرام) معنى معنوي لا معنى (دنيوي). فتسقط القبلة المتشرعية السابقة. الا ان الاية عندئذ تسقط عن الاستدلال على القبلة المتشرعية (الدنيوية) المطلوبة. ونحتاج في اثبات شرطية القبلة الى ادلة اخرى. وهي متوفرة كما سنرى.
النقطة السابعة: ان كثير من سياقات هذه الايات الكريمات يدعم معنى القبلة المعنوية.
منها: انه لم يذكر الصلاة في الاية، بل تدل على وجوب استقبال القبلة في كل مكان وزمان، لا في خصوص الصلاة. وهذا امر غير محتمل لو كان المراد بها القبلة المتشرعية.
ومنها: قوله: ولكل وجهة هو موليها. حيث لا اختصاص له بمجموعة معينة بل يشمل كل فرد. ومن الواضح ان لكل فرد هدفه الخاص به، كما ان لكل مجتمع هدفه ولكل دين هدفه.
اما اذا اردنا ان نخص المقصود بالاية في القبلة المتشرعية، اذن، فسوف لن تشمل اكثر تلك المستويات بل كلها. وتختص بموارد قليلة.
ومنها: قوله: ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام. يعني، في الجانب المعنوي: انك مهما استهدفت من هدف او عملت من عمل فليكن غايتك فيه الصلاح والحق دون اتباع الهوى والباطل.
ومنها: قوله تعالى: لئلا يكون للناس عليكم حجة.
فان هذا من المستبعد ارتباطه بالقبلة المتشرعية او (الدنيوية) اذ سيكون الامر بالعكس. لان اختيار قبلة ثانية من قبل النبي (ص) سينفتح الاشكال والاعتراض ضده من قبل الاديان الاخرى. وبالتالي ستكون حجتهم ضده، ولا يصدق العكس المبين في الاية الكريمة.
اما لو كان المراد من القبلة: الهدف المعنوي وهو الحق والصلاح. فمن الواضح انه سيكون للنبي (ص) والمسلمين الحجة البالغة ضد اهل الكتاب واهوائهم وضلالاتهم.
النقطة الثامنة: انه ليس هناك اشكال معتد به في حمل القبلة في سياق هذه الايات الكريمات، على كلا المعنيين: المادي والمعنوي. اما بان نفهم كلا الامرين من كل السياق، باعتبار ان القبلة المتشرعية هي الفهم المادي والقبلة المعنوية هي الفهم المعنوي.
واما التبعيض، يعني تارة يراد بالاية هذا وتارة ذاك. وهنا من الممكن القول: بان المراد بالسياق: الجانب المعنوي الا ما خرج بدليل. والدليل هنا هو النص على المسجد الحرام. فيراد به القبلة المادجية، ويراد بباقي السياق القبلة المعنوية. فتامل.
الاية الثانية: قوله تعالى: واقم وجهك للدين حنيفا.
بتقريب: انه يراد من الدين خصوص الصلاة، ومن اقامة الوجه خصوص القبلة. بقرينة عامة وهي الارتكاز المتشرعي. وخاصة وهي الاقامة لانه لا يكون ذلك الا في الصلاة.
فاذا التفتنا الى انن (اقم) صيغة افعل، دل على وجوب ذلك المتعلق اما بنحو الحكم التكليفي او الوضعي، كما سبق.
الا ان الانصاف عدم امكان ذلك وخاصة وان للدين معنى اعم من الصلاة جدا. ولا اقل من الاجمال المسقط للاستدلال.
واما قرينة الارتكاز المتشرعي، ففي الامكان منعها. واما قرينة الاقامة باعنبار ظهور الاية بالاقامة المادية والجسدية، ففيها: اولا: امكان منعها وفهم المعنى المعنوي راسا منها. وثانيا: انه كما يمكن ان تكون الاقامة قرينة على (الدين) او قل: كما يمكن ان يكون صدور الاية قرينة على ذيلها، كذلك يمكن العكس. الامر الذي يؤدي الى الاجمال.
الاية الثالثة: قوله تعالى: اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما انا من المشركين.
بتقريب: عدم امكان التوجه الى الله سبحانه وتعالى توجها ماديا. فيتعين ان يكون المراد غير الله سبحانه، وليس ذلك الا الكعبة المشرفة. وخاصة اذا التفتنا الى ما قلناه في ما وراء الفقه وغيره، بان الكعبة تعتبر هي الرمز المادي للوجود الالهي. فاذا تعذر التوجه المادي للوجود الالهي، تعني التوجه الى رمزه وهو الكعبة نفسها.
الا ان الانصاف هو ورود سنخ الاشكال على الاستدلال بالاية السابقة، من حيث تهافت قرينية الصدر والذيل، الامر الذي يؤدي الى الاجمال.
مضافا الى كونه اخبارا. وليس فيها صيغة افعل. فان فهمنا منها نحوا من الحث والترغيب الدال على التشريع، فلا اقل من دلالته على جامع المطلوبية، لا خصوص الوجوب.
مضافا الى وضوح عدم ذكر القبلة والصلاة في السياق اطلاقا، فان فهمناها كذلك، فانما هو حمل على نحو من المجاز، وهو خلاف الاصل.
الاية الرابعة: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس.
الى ان يقول: وما جعلنا القبلة التي عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه. وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله. الى ان يقول:قد نرى تقلب وجهك في السماء. وهي الاية الاولى التي ذكرناها.
وتقريب الاستدلال بها يحتاج الى ضم الواقع المتشرعي القطعي في التوجه الى الكعبة الشريفة. فتكون هذه الاية مكرسة لرد الاعتراض على التحول من القبلة الاولى الى الثانية والاعتذار عن ذلك.
وهي واضحة: ان توقع استمرار على القبلة الاولى، انما هو من قول السفهاء، وان القبلة الثانية هي الصراط المستقيم. وهي ان القبلة الثانية، او ان هذا التحول صعب وكبير على الناس الاعتياديين (الا على الذين هدى الله).
غير ان القبلة الاولى والثانية غير مسماة في الاية. ومن هنا قلنا بالحاجة الى ضم الواقع المتشرعي بتعين الثانية بالكعبة الشريفة. لتكون الاية الكريمة دليلا على انها حق وانها هي الصراط المستقيم.
ومع ذلك نحتاج الى الكلام في عدة نقاط:
النقطة الاولى: انه لم يرد اسم الصلاة في الاية الكريمة. ومن هنا فقد يقال بسقوط الاستدلال بها.
الا اننا يمكن ان نضم الارتكاز المتشرعي القطعي، بان القبلة انما هي مربوطة بالصلاة، ولا يحتمل ان تكون مربوطة باي شيء اخر. ما عدا ما دل عليه الدليل التحديدي كالذبح.
النقطة الثانية: ان السفهاء غير معنيين في الاية الكريمة، هل هم من اعداء الاسلام ام من المسلمين ايضا، وهل السؤال عندهم بحسن نية ام بسوء نية. وحسب فهمي فان كل هذه الاصناف موجودة في المجتمع. ويجمعها حسب النظر المبين في القران الكريم هو كونهم سفهاء أي متدنين في المستوى العقلي والنفسي والثقافي. وليسوا ممن (هدى الله) بغض النظر دينه وطبقته.
فان قلت: ان المراد من الهداية هنا الدخول في الاسلام، فيختص الاعتراض بالكفار.
قلنا: كلا. لوجود القرينة المتصلة في الاية على ذلك، وهو (السفهاء). فمن (هدى الله) في مقابلهم، وليس في مقابل الكفار. ونحن نعلم ان المستويات المتدنية موجودة في مختلف الافراد. وعندئذ لابد ان نفهم من الهداية امرا اعلى من مجرد الدخول في الاسلام. كما في قوله تعالى: ويعلم الذين اوتوا العلم انه الحق، من ربك.
النقطة الثالثة: ان سياق هذه الاية الكريمة يدل على المورد التاريخي لنزولها او سببه. وهو امر معلوم من التاريخ ولا اقل من كونه اطمءنانيا، اعني تحول القبلة الى الكعبة.
ومعه يتعين ان يراد بالقبلة هنا: القبلة المتشرعية في الصلاة دون القبلة المعنوية. وخاصة بعد الالتفات الى ان (السفهاء) بمستواهم المتدني، لن يدركوا تحول القبلة المعنوية، بل يختص التفاتهم بالقبلة المتشرعية المادية.
النقطة الرابعة: حول قوله: قد نرى تقلب وجهك في السماء. الجار والمجرور متعلق بتقلب لا بنرى. يعني تقلب وجهك حول السماء او في اطرافها واكنافها.
اما سبب التقلب ففيه عدة نقاط:
1 ـ انه كان صلى الله عليه واله بانتظار الوحي.
2 ـ انه كان بانتظار نزول جبريل.
3 ـ انه كان يواجه بعض المشاكل التي ينتظر فيها الحل من الله سبحانه.
4 ـ الغضب من الكلام السيئ الذي كان يصدر من الكفار عامة ومن اليهود خاصة.
5 ـ النظر الى النجوم واحوالها وحركاتها.
6 ـ انه كان مسبوقا بدرجة من الاستياء من الناس لاستقبال بيت المقدس، باعتباره قبلة اليهود. فهو ينتظر الامر الالهي بالتبديل.
وهذا الاخير هو الذي يفسر ورود التقلب في هذا السياق دون غيره. والا فالامور الاولى غير مختصة بالقبلة كما هو واضح.
النقطة الخامسة: حسب فهمي: فان القبلة كانت اولا هي الكعبة ثم تحولت الى بيت المقدس ثم تحولت الى الكعبة.
وهذا المعنى عموما يستفاد من التاريخ لا من القران الكريم. حيث انه من الاكيد ان النبي (ص) قبل الهجرة كان يخرج الى الصلاة في المسجد الحرام ويستقبل الكعبة الشريفة.
ولكن منذ الهجرة، وحينما بدأ الصلاة العامة في المدينة المنورة، توجه الى بيت المقدس، الى ان ورد الامر بتحول في هذه الايات الكريمة.
النقطة السادسة: ان معنى القبلة هو معنى الاتجاه والاستقبال، كما سبق. وليس خاصا في اللغة باتجاه معين، ولذا طبق في الاية الكريمة على كلا الاتجاهين القديم والحديث، لو صح التعبير. فسمي الاتجاه الى بيت المقدس، قبلة. وذلك قوله تعالى: القبلة التي كنت عليها. كما سمي الاتجاه الى الكعبة قبلة. وذلك قوله تعالى: فلنولينك قبلة ترضاها.
وهذا التعبير في الاية يدل على ان الاعتراض والاشكال على القبلة الاولى، لم يكن فقط في اذهان الناس المسلمين، بل كان في الذهن النبوي ايضا، وانها لم تكن مرضية بصفتها قبلة لليهود، او مفضلة لديهم، وقد اصبحت الكعبة هي القبلة المرضية، بطبيعة الحال.
فان قلت: فلما توجه الى القبلة الاولى، وهو لا يرضاها.
قلنا: لذلك عدة اجوبة:
اولا: توجه الامر الالهي اليه، عن طريق الوحي (غير القراني)، بالتوجه الى بيت المقدس. كما هو المستفاد من قوله تعالى: وما جعلنا القبلة التي كنتم عليها.
ثانيا: ان (صوب) بيت المقدس كان اوضح في المجتمع المدني من (صوب) مكة المكرمة. ولم يكن يريد النبي (ص) استعمال العلم الخاص به في ذلك. فتامل.
ثالثا: ان المصلحة العامة كانت تقتضي ذلك، وهي اظهار نحو من المجاملة او الوحدة اتجاه الادياتن السابقة، لكي يكسبهم الى طريقه.
رابعا: انها كانت مجعولة للامتحان الالهي لافراد المسلمين. كما هو المستفاد من قوله تعالى: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
واوضح وجهة متصورة للامتحان، هو احتمال الاعتراض على تشريع القبلة الاولى. فمن لا يكون من قبله اعتراض فهو (ممن يتبع الرسول) ومن يكون من قبله ذلك فهو (ممن ينقلب على عقبيه).
فان قلت: فان الاعتراض كان موجود في نفوس المسلمين حتى في نفس الرسول (ص)، وقد دل القران على ذلك كما سبق.
قلنا: هذا جهل بمؤدى الكلام. فان كراهة القبلة غير الاعتراض على التشريع. والمفروض من الفرد المسلم ان يقبل التشريع ويرحب به، وان كان فيما يكرهه.
وما هو موجود في نفوس المؤمنين والرسول (ص) هو الكراهية لا الاعتراض بطبيعة الحال.
الاية الخامسة: قوله تعالى: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما انا من المشركين.
بتقريب: ان التوجه ماديا الى الله سبحانه مستحيل. لا يمكن ان يكون هو المامور به في الاية الكريمة. لان الامر بالمستحيل مستحيل. فيتعين ان يكون المراد الاتجاه المادي.
وبعد ضم الارتكاز المتشرعي على ان الاتجاه المادي خاص بالصلاة، او غالب على الصلاة، عندئذ ينحصر ان يكون المراد بالاية الكريمة، وجوب الاتجاه الى القبلة.
الا ان هذا الاستدلال قابل للمناقشة بعدة امور:
اولا: ان هذا من كلام ابراهيم سلام الله عليه. وهو فيما قبل الاسلام. وما قبله منسوخ بالاسلام نفسه. فلا يكون حجة.
ثانيا: انه قبل الاسلام، لم تكن هناك صلاة، او لم تكن بالطريقة الاسلامية. فلا يمكن ان يراد التوجه الى القبلة في الصلاة الاسلامية.
ثالثا: ان القضية فيها اخبارية وليست انشاءا او امرا. فان دلت على الرجحان، فلا اقل انها تدل على مطلق المطلوبية لا خصوص الحصة الوجوبية.
رابعا: انها تشمل الصلوات المستحبة لا محالة، بعد التنزل عن الاشكالات الاخرى. ولا يحتمل ان يكون التوجه في المستحبات واجبا.
الا ان هذا بمجرده مردود، بان المراد هو الحكم الوضعي، وهو شامل لكلا الجهتين لا التكليفي ليخص الواجبات.
خامسا: ان فيها قرائن كالمتصلة، على اختصاصها بالجهات المعنوية او العقائدية. فانها واردة كنتيجة للافكار التي عاشها عليه السلام، حول عبادة الشمس والقمر والنجوم، ومناقشته لذلك. كما في قوله تعالى: (ولما راى القمر بازغا قال هذا ربي) الى اخر الايات.
وتوجيه الوجه، سواء اريد به التوجه المعنوي او التوجه المادي للوجه المعنوي او للوجه المادي، كله ممكن امام الحق وامام عظمة الله سبحانه. حتى توجيه الوجه المادي بتوجيه مادي. فانه يعني العمل الدنيوي بالطاعات.
الاية السادسة: قوله تعالى: واقيموا وجوهكم عند كل مسجد. وادعوه مخلصين له الدين.

 

 

 

 

 

 

 

 

سرقوحقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-10-2011, 08:13 AM   #2

 
الصورة الرمزية ابو محمد

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 26
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : بلاد الأنبياء والمرسلين
االمشاركات : 9,045

افتراضي رد: مبحث القبله للسيد الشهيد محمد الصدر ( قدست نفسه )

وفقك الله أخي الغالي
كتبك الله من الناشرين لعلوم آل الصدر الكرام
وحبذا لو ذكرت المصدر حتى يتسنى للقارئ الرجوع اليه والأستفادة منه
وكذلك أتمنى منك ذكر الآيات القرأنية بالرسم القرآني تلافيا للوقوع بالخطأ
وفقك الله للمزيد

 

 

 

 

 

 

 

 

ابو محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-10-2011, 02:08 PM   #3

 
الصورة الرمزية خادم البضعة

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 23
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق الجريح
االمشاركات : 12,488

افتراضي رد: مبحث القبله للسيد الشهيد محمد الصدر ( قدست نفسه )

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
خادم البضعة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



All times are GMT +3. The time now is 03:07 AM.


Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2024