العودة   منتدى جامع الائمة الثقافي > قسم القرآن والمعرفة > منبر تفسير القرآن ألكريم وبحوثه

منبر تفسير القرآن ألكريم وبحوثه مخصص لمواضيع التفسير والبحوث القرآنية

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
Bookmark and Share أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-07-2011, 08:00 PM   #1

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

جديد تفسير سورة البقرة الجزء الثاني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف

إخواني واخواتي إستكمالاً للموضوع السابق لتفسير سورة البقرة من كتاب تقريب القرأن إلى الأذهان لاية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي

للإنتقال للجزء الأول من الموضوع من هــــــــــــــــنـــــــــــــا
نستأنف التفسير من الاية التي توقفنا عندها





سورة البقرة
120
((وَ)) حيث أن من طبيعة الحال أن كل صاحب مبدأ ليستميله الخصماء إلى ناحيتهم، ويعدونه الرضاعة إذ مال نحوهم، بين الله تعالى لنبيه أن ذلك سراب خادع ويجب أن لا يغتر به الإنسان، إذ ((لَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى)) إلى الأبد ((حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)) وتدخل في طريقتهم، إذ كل ذي طريقة لا يرضى عن شخص إلا بدخوله في طريقته تماماً وكمالاً، ((قُلْ)) يا رسول الله ((إِنَّ هُدَى اللّهِ)) الذي هو الإسلام ((هُوَ الْهُدَى)) فقط دون ما سواه من اليهودية والنصرانية، ((وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم)) إشارة إلى أن دينهم ليس إلا هوى أنفسهم، وليس من عند الله سبحانه، ((بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ)) بالإسلام وشرائعه وبطلان اليهودية والنصرانية ((مَا لَكَ))، أي ليس لك ((مِنَ اللّهِ))، أي من طرف الله ((مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ))، أي فلا يلي تعالى أمورك ولا ينصرك.




سورة البقرة
121
((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ)) التوراة والإنجيل الموصوفين بكذبهم ((يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ)) بالعمل بما في الكتاب، ((أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ))، أي بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بالقرآن أو بالإسلام أو بكتابهم إيماناً صحيحاً لا كإيمان المعاندين الذين يأخذون ببعض الكتاب دون بعض، ((وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)) في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلأن منهاج الله سبحانه هو المنهاج السعيد في الحياة، فإذا <أ>عرض عنه الإنسان كانت معيشته ضنكاً، وأما في الآخرة فللعذاب المعد للكافرين.




سورة البقرة
122
((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)) من إرسال الرسل إليكم وإهلاك عدوكم - وجعلكم ملوكاً - وتوسيع الدنيا لكم، ((وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)) في زمانكم - التي هي من أعظم النعم - وقد تقدم الكلام في مثل هذه الآية.




سورة البقرة
123
((وَاتَّقُواْ يَوْماً))، أي يوم القيامة الموصوف بأنه ((لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً)) هناك، وإنما ترى كل نفس جزاءها العادل، فلا يحمل أحد وزر أحد، ((وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ))، أي فدية تعادله فيفك نفسه بالفدية والمال، ((وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ)) بدون رضى الله سبحانه، ((وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ)) فلا ينصر أحد أحداً، وقد تقدمت مثل هذه الآية، لكن أُريدَ الانتقال إلى موضوع آخر كُررَ المطلب تذكيراً وتركيزاً.




سورة البقرة
124
((وَ)) حيث تم بعض الكلام حول اليهود والنصارى والمشركين انتقل السياق للكلام حول إبراهيم واسحاق ويعقوب وبناء البيت مما يشترك فيه الجميع، وأن تاريخهم قبل تاريخ اليهودية والنصرانية، وقد اعتاد أن يتكلم المتكلم عن الظروف المعاصرة، ثم ينتقل إلى التواريخ الغابرة.
واذكر يا رسول الله ((إِذِ ابْتَلَى)) امتحن ((إِبْرَاهِيمَ)) (عليه السلام) ((رَبُّهُ)) فاعل ابتلى، أي امتحن الله إبراهيم ((بِكَلِمَاتٍ))، أي بأمور، فإن الكلمة تقال للأمر، ولا يبعد أن يكون المراد بالكلمة نفس معناها العرفي، فالمعنى ابتلاه بكلمات تكلم الله أم الملك معه (عليه السلام) حولها لينفذها ويأتي بمعناها، ولعل الكلمات كانت حول ذبح إسماعيل (عليه السلام) أو حول مجابهة نمرود الطاغي، ((فَأَتَمَّهُنَّ)) بأن أطاع الأمر كاملاً غير منقوص، ((قَالَ)) الله تعالى بعد إتمام الكلمات: ((إِنِّي جَاعِلُكَ)) يا إبراهيم ((لِلنَّاسِ إِمَامًا))، والإمام هو المقتدى، وحيث أن "الناس" كالجمع المحلى باللام أفاد العموم، ولا منافاة بين كونه (عليه السلام) سابقاً نبياً ورسولاً ولم يكن إماماً عاماً، ثم صار كذلك جزاء إتمام الكلمات، ((قَالَ)) إبراهيم (عليه السلام) سائلاً الله تعالى: ((وَمِن ذُرِّيَّتِي)) هل تجعل يا رب إماماً؟ ((قَالَ)): ((لاَ يَنَالُ عَهْدِي)) بالإمامة ((الظَّالِمِينَ)) ، وهذا جواب مع الزيادة، إذ المفهوم منه: "نعم أجعل بعض ذريتك لكن غير الظالم منهم،" وإنما خص هذا بالذكر لبيان عظم مقام الإمامة.




سورة البقرة
125
((وَ)) اذكر يا رسول الله ((إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ)) الحرام بمكة المكرمة ((مَثَابَةً)) بمعنى مرجعاً، فإن الناس يرجعون إليه كل عام، والرجوع بمناسبة مجموع الناس وإن لم يرجع إليه كل فرد، ((لِّلنَّاسِ وَأَمْناً)) فلا يحل القتال فيه، وإن من التجأ إليه يكون آمناً، فلا يجري عليه الحد، ثم صار في الكلام التفات إلى الخطاب قائلاً: ((وَاتَّخِذُواْ)) أيها المسلمون ((مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ))، وهو الحجر الذي كان يضعه إبراهيم (عليه السلام) تحت رجله لبناء أعالي الكعبة الذي هو الآن بالقرب من الكعبة ((مُصَلًّى))، أي محلاً للصلاة، فإنه تجب الصلاة للطواف حول مقام إبراهيم في الحج، ((وَعَهِدْنَا))، أي ذكرنا ((إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ)) (عليهما السلام) الأب والابن ((أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ)) طهارة معنوية بعدم السماح لنصب الأصنام فيه وطهارة ظاهرية بالنظافة ((لِلطَّائِفِينَ))، أي الذين يطوفون حول البيت ((وَالْعَاكِفِينَ)) الذين يعكفون في المسجد الحرام، وللاعتكاف مسائل وأحكام مذكورة في كتب الفقه ((وَالرُّكَّعِ)) جمع راكع ((السُّجُودِ)) جمع ساجد، أي المصلين.




سورة البقرة
126
((وَ)) اذكر يا رسول الله ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ)) في دعائه لله تعالى: ((رَبِّ اجْعَلْ هَذَا)) البلد وهو مكة التي بنى فيها البيت ((بَلَدًا آمِنًا)) عن الأخطار، أو محكوماً بحكم الأمن حكماً شرعياً وإن كان السياق يؤيد الأول، ((وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ))، فإن دعاء إبراهيم (عليه السلام) كان خاصاً بهم، ((قَالَ)) الله سبحانه في جواب إبراهيم ما يدل على استجابة دعاءه مع الزيادة وهي: ((وَمَن كَفَرَ)) من أهل هذه البلد لا نقطع عنه الثمار بل ((فَأُمَتِّعُهُ))، أي أعطيه المتاع من الحياة والرزق والأمن وسائر الأمور ((قَلِيلاً))، فإن عمر الدنيا قصير وأمدها قليل، ((ثُمَّ أَضْطَرُّهُ))، أي أدفعه إلى النار باضطرار منه، فإن أحداً لا يرضى بالنار ((إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ))، أي بئس المأوى والمرجع.







سورة البقرة
127
((وَ)) اذكر يا رسول الله ((إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ))، أي كان يبني أساس البيت الحرام، ويرفعه من الأرض، ويعاونه في ذلك ((<وَ>إِسْمَاعِيلُ)) ابنه، وهما يقولان في حال البناء: ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا)) بناء البيت، ((إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ)) دعاءنا ((الْعَلِيمُ)) بما تعمله ونقصده.




سورة البقرة
128
((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ)) في جميع أمورنا، والدعاء بالإسلام لا ينافي كونهما كذلك قبل الدعاء، إذ الإسلام كسائر العقائد والأعمال بحاجة إلى الاستمرار مما لا يكون إلا بهداية الله وتوفيقه، فكما أن الابتداء لا يكون إلا بعونه سبحانه كذلك الاستمرار، كما في (اهدنا الصراط المستقيم)، ((وَ)) اجعل ((مِن ذُرِّيَّتِنَا)) وأولادنا ((أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)) والإسلام هو تسليم الأمور إلى الله سبحانه في الاعتقاد والقول والعمل، ((وَأَرِنَا))، أي عرفنا ((مَنَاسِكَنَا)) جمع منسك، أي المواضع التي تتعلق النسك بها، والنسك العبادة، يقال: "رجل ناسك" أي عابد، وقد استجاب الله دعاءهما حيث أراهما جبرائيل (عليه السلام) موضع الصلاة والوقوف وغيرها، ((وَتُبْ عَلَيْنَآ))، أي ارجع إلينا بالمغفرة والرحمة، فإن التوبة بمعنى الرجوع، ولذا يقال لله: "التواب" أي كثير الرجوع إلى عبيده، ومن ذلك تعرف أنه لا دلالة للآية على أنهما (عليهما السلام) كانا قد أذنبا، ((إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ)) بعبادك ((الرَّحِيمُ)) بهم.




سورة البقرة
129
((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ))، أي في الأمة المسلمة التي طلبناها منك ((رَسُولاً مِّنْهُمْ)) من نفس الأمة لا من سائر الأمم، حتى يكون لهم الشرف بكون الرسول منهم، ((يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ)) دلائلك وبراهينك وأحكامك، ((وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ))، إما المراد القرآن أو المراد "كتابك" على نحو الكلي، ((وَالْحِكْمَةَ)) هي وضع كل شيء موضعه، والمراد بتعلمهم إياها تعليمهم العلوم الكونية والتشريعية، فإن الجاهل لا يتمكن من وضع الأشياء مواضعها لجهله بها، ((وَيُزَكِّيهِمْ))، أي يطهرهم من الأدناس والقذرات الأخلاقية والأعمالية، ((إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ)) حقيقة، فإن العزة لا تكون إلا بقلة الوجود وكثرة الاحتياج، والله واحد لا شريك له، وجميع الاحتياجات إليه، وتخصيص العزة هنا بالذكر للتلميح إلى كون الاحتياج إليه، ((الحَكِيمُ))، فأفعالك صادرة عن حكمة، وما طلبناه إنما كان عين الحكمة.




سورة البقرة
130
هذه هي طريقة إبراهيم (عليه السلام) ((وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ))، أي من يعرض عن هذه الطريقة في التوحيد والتسليم وسائر ما ذكر مما يدل على أنها من أفضل الطرق ((إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ))، أي لا يترك هذه الملة إلا من ضرب نفسه بالسفاهة والحمق، وهل هناك طريقة أفضل من هذه الطريقة؟ والاستفهام في قوله: "من يرغب" استنكاري، ((وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ)) جملة حالية، أي إنا - بسبب هذه الطريقة المستقيمة - التي كانت لإبراهيم اخترناه نبياً ((فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)) الفائزين بالدرجات الرفيعة.




سورة البقرة
131
((إِذْ قَالَ لَهُ))، هذا متعلق بقوله "اصطفيناه"، أي اخترناه لما قلنا له: ((<رَبُّهُ> أَسْلِمْ)) في جميع أمورك لله، ((قَالَ)) إبراهيم (عليه السلام): ((أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) وحده لا شريك له، ومعنى أسلم استقم على الإسلام، واثبت على التوحيد، كقوله تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله)، وكما يقول أحدنا لمن كان جالساً في مكان: "اجلس هنا حتى الساعة العاشرة." مثلاً.




سورة البقرة
132
((وَوَصَّى بِهَا))، أي بالملة والطريقة التي كانت لإبراهيم (عليه السلام) ((إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ)): أولاده، وخصهم بالذكر مع أن دعوة إبراهيم (عليه السلام) كانت عامة إشارة إلى لزوم دعوة الأهل بصورة خاصة إلى الحق، كما قال سبحانه (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً)، ((وَ)) وصى بها ((يَعْقُوبُ)) حفيد إبراهيم من إسحاق بنيه أيضاً، وخص يعقوب لأنه جد اليهود، وكانت الوصية: ((يَا بَنِيَّ))، أي يا أبنائي، فهو جمع ابن، وأصله بنيني ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى))، أي اختار ((لَكُمُ الدِّينَ)) حتى تكونوا متدينين، ومعنى اختيار الله الدين لهم أنه سبحانه أعطاهم الدين، أراد ذلك منهم مقابل بعض الأمم الوحشية التي تُركوا وشأنهم، فلم تبلغهم دعوة الأنبياء، ((فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))، أي لا تتركوا الإسلام فيصادفكم الموت على تركه، وإنما خص الموت لأنه لو كان غير مسلم قبل ذلك ثم أسلم ومات مسلماً لم يكن عليه بأس.




سورة البقرة
133
((أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء)) أيها المدّعون أن الأنبياء كانوا يهوداً أو نصارى، فإن اليهود كانوا يقولون أن يعقوب النبي (عليه السلام) أوصى بنيه باليهودية، فأنكر الله تعالى عليهم، ذلك بأنكم لم تكونوا حضوراً ((إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ))؟، اقترب من الوفاة، ((إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي))؟ على طريقة الاستفهام التقريرى، ((قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ))، إبراهيم جد يعقوب وإسماعيل عمه وإسحاق أبوه، وقدم إسماعيل لأنه كان أكبر سناً والأعلى منزلة، وسمي العم أباً تغليباً ولأن العرب تسمي العم أباً والخالة أماً، ((إِلَهًا وَاحِدًا)) بغير شريك، ((وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ))، فكان دينهم الإسلام، والإسلام هو دين جميع الأنبياء، اليهودية أو النصرانية يراد به نفيها بالمعنى المتداول عند أهل الكتاب.




سورة البقرة
134
ثم بين الله حقيقة هي أن الأمة الماضية ليست تهمكم أيها المعاصرون للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما المهم أعمالكم، فكيف كانت تلك الأمم فإنها قد ذهبت وفنت، ((تِلْكَ))، أي إبراهيم وأولاده (عليه السلام) ((أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ))، أي ذهبت ومضت، ((لَهَا مَا كَسَبَتْ))، فإن أعمالها ترتبط بها لا بكم، ((وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ))، فإن أعمالكم ترتبط بكم لا بهم، ((وَلاَ تُسْأَلُونَ)) أنتم ((عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) فأصلحوا أعمالكم.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه

التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة الشرق ; 03-07-2011 الساعة 03:39 PM
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-2011, 08:03 PM   #2

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي




سورة البقرة
135
((وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى))، أي قالت اليهود كونوا يهوداً، وقالت النصارى كونوا نصارى ((تَهْتَدُواْ)) للحق وترشدوا، ((قُلْ)) يا رسول الله ((بَلْ)) نتبع ((مِلَّةَ))، أي دين ((إِبْرَاهِيمَ)) الصافي عن شوائب اليهودية والنصرانية، وإنما هي الإسلام المصفى وإن كان فرقٌ بين الإسلام وبين دين إبراهيم في بعض الخصوصيات التشريعية، فالمراد نفي النصرانية واليهودية، ((حَنِيفًا))، أي مستقيماً عن الاعوجاج، ((وَمَا كَانَ)) إبراهيم ((مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) كما أنتم أيها اليهود والنصارى مشركون، إذ تقولون (عزير ابن الله) أو (المسيح ابن الله)، وعلى هذا، فالمراد بالتباع ملة إبراهيم (عليه السلام) اتباعها في التوحيد.



سورة البقرة
136
((قُولُواْ)) أيها المسلمون ما يجب عليكم، أي تعتقدوا بها، وما هي خلاصة الأديان السابقة واللاحقة، الذي يعين زيف العقائد النصرانية واليهودية وغيرهما، ((آمَنَّا بِاللّهِ وَ)) آمنا بـ((مَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا)) من القرآن الحكيم ((وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ)): أحفاد يعقوب فإن كثيراً منهم كانوا أنبياء نزلت عليهم الصحف، ((وَ)) آمنا بـ((مَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَ)) آمنا بـ((مَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ)) قاطبة ((مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ))، أي من الأنبياء ، فإنا نعترف بالجميع ((وَنَحْنُ لَهُ))، أي لله سبحانه ((مُسْلِمُونَ)) فإن دين الأنبياء كلهم يتلخص في أصول وفروع وأخلاق، فالأصول: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة، والمعاد، فإن كل نبي كان يصدق من سبقه ويبشر بمن يلحقه كما أن الإمامة بمعنى الوصاية، فإن كل نبي كان له أوصياء، والفروع هي: الصلاة والصوم والزكاة وما أشبه من العبادات وأحكام المعاملات بالمعنى الأعم، وكل الأديان كانت مشتركة فيها مع تفاوت يسير حسب اقتضاء الزمان والأمة، فمثلاً كان صوم الصمت في بعض الأمم وليس في الإسلام وهكذا، والأخلاق هي: الصدق والأمانة والوفاء والحياء وما أشبه، وكلها فطريات نفسية كانت الأنبياء تأمر بها وينهى <وتنهى> عن أضدادها.




سورة البقرة
137
((فَإِنْ آمَنُواْ))، أي آمن غير المسلمين من سائر الأديان والفرق ((بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ))، أي كما تؤمنون أنتم أيها المسلمون ((فَقَدِ اهْتَدَواْ)) إلى الحق، ((وَّإِن تَوَلَّوْاْ)) عن مثل هذا الإيمان، ولزموا طريقتهم المنحرفة ((فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ))، أي في خلاف، فهم في شق وأنتم في شق، ((فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ)) فإن الله يكفيك يا رسول الله وينصرك عليهم ((وَهُوَ السَّمِيعُ)) كلامهم ((الْعَلِيمُ)) بأعمالكم ونواياكم.



سورة البقرة
138
اتبعوا ((صِبْغَةَ اللّهِ))، واصبغوا أنفسكم بها، وهي الإسلام، فإن كل طريقة يتبعها الإنسان لون له، لكنه لو غير محسوس تشبيهاً بالألوان المحسوسة، ((وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً))، وهذا استفهام إنكاري، أي لا أحد أحسن من الله صبغة وديناً، ((وَنَحْنُ)) المسلمون ((لَهُ عَابِدونَ)) لا لغيره من الشركاء الذين أنتم تعبدونها مع الله أو من دون الله، وربما يقال أن وجه التسمية بـ"الصبغة" أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم بماء أصفر يعمدونهم فيه، والآية من المشابهة، كقوله سبحانه (تعلم ما في نفسي، ولا أعلم ما في نفسك)



سورة البقرة
139
((قُلْ)) يا رسول الله لهؤلاء اليهود والنصارى وغيرهم: ((أَتُحَآجُّونَنَا))، أي تباحثون معنا ((فِي)) دين ((اللّهِ)) وأنه لم ننسخ أديانكم ولم اختار من العرب رسولاً ولم أفعل كذا؟ ((وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ))، أي أن الله ليس رباً لكم فقط حتى يكون معكم إلى الأبد، ((وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ))، فليس علمنا <عملنا> غير منظور إليه عند الله، وعملكم منظور إليه، كما كانوا يزعمون قائلين نحن شعب الله المختار، ونحن أبناء الله وأوداؤه، ((وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ))، إذ لا نشرك به أحداً بخلافكم الذي جعلتم له شريكاً.



سورة البقرة
140
((أَمْ)) تباحثون معنا في أمر الأنبياء و((تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ)) أحفاد يعقوب - كانوا أنبياء - ((كَانُواْ هُودًا)) أي يهوداً ((أَوْ نَصَارَى))، وهذا اشتباه منهم، إذ اليهودية والنصرانية تولدتا بعد إبراهيم (عليه السلام)، فكيف يكون إبراهيم أحدهما، كما قال سبحانه: (ما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده)، ((قُلْ)) يا رسول الله لهؤلاء المدعين بيهودية الأنبياء أو نصرانيتهم ((أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ))، فالله سبحانه يقول لم يكونوا يهوداً ولا نصارى، وأنتم تقولون كانوا، ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ))، أي لا أحد أظلم ممن يكتم الشهادة التي عنده من قبل الله سبحانه، فإن اليهود كانوا يكتمون ما أنزل الله إليهم من البينات والهدى حول الأنبياء السابقين وحول نبي الإسلام، ((وَمَا اللّهُ))، أي ليس الله ((بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ))، فإنه يعلم أعمالكم التي منها كتمانكم للشهادة، ثم يجازيكم عليها.



سورة البقرة
141
((تِلْكَ)) الأنبياء، وما كانوا يعملون ويتدينون لا يرتبطون بكم أيها المعاصرون للرسول، فإنها ((أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ)) ومضت، ((لَهَا مَا كَسَبَتْ)) من الأعمال والأفعال، ((وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ)) من الخير والشر، ((وَلاَ تُسْأَلُونَ)) أنتم ((عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) فلم هذه المباحثة والمحاجة والمجادلة؟



سورة البقرة
142
((سَيَقُولُ السُّفَهَاء)) جمع سفيه وهو الغبر والجاهل وناقص العقل ((مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ))، أي أيّ شيء صرف المسلمين ((عَن قِبْلَتِهِمُ)) السابقة ((الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا)) يتوجهون في صلاتهم، وهي بيت المقدس، فإن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمسلمون كانوا يصلون إلى بيت المقدس، وهو قبلة اليهود، ثم في المدينة حولت القبلة إلى الكعبة، وكان السبب الظاهر لذلك أن اليهود عابوا النبي بأنه يصلي إلى قبلتهم، فحوله الله عنها إلى الكعبة، فأخذ اليهود يهرجون حول تحويل القبلة. ((قُل)) يا رسول الله ((لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ))، فمتى شاء الله وجّه عبيده إلى حيث يشاء، وليست القبلة احتكاراً حتى لا يمكن تحويلها، ((يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))، وكما كان الصراط المستقيم قبلا بيت المقدس حال التوجه كذلك صار الصراط المستقيم فِعلاً الكعبة.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-2011, 08:05 PM   #3

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي




سورة البقرة
143
((وَكَذَلِكَ))، أي كما أن (لله المشرق والمغرب) وأنه لا مناقشة في ذلك ((جَعَلْنَاكُمْ)) أيها المسلمون في التأويل، إن المراد بالخطاب الأئمة (عليهم السلام)، ((أُمَّةً وَسَطًا)) متوسطاً، والإطلاق وإن كان يفيد في كل شيء في العقيدة - فلا جمود ولا إلحاد وفي المكان فهم متوسطون بين شرق الأرض وغربها وفي التشريع فليس ناقصاً ولا مغالياً وهكذا، إلا أن ظاهر قوله سبحانه بعد ذلك ((لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) يفيد أن المراد بالتوسط الوسيطة بين الرسول وبين سائر الناس، فالأمة تأخذ من الرسول ويشهد الرسول عليهم بأنهم أخذوا منه - حتى لا يقولوا ما عرفنا - وسائر الناس يأخذون من الأمة وتشهد الأمة عليهم بأنهم أخذوا منها - حتى لا يقول الناس لم نعرف، وهذا هو الظاهر من "لام" العلة في قوله "لتكونوا ... ويكون"، ولعل ارتباط هذه الآية بما سبقها من حكم القبلة وما لحقها بيان أن المسلمين لهم مكان القيادة لأنهم الآخذون عن الرسول المبلغون للناس، فالذي ينبغي: أن تكون لهم سمة خاصة في شرائعهم حتى لا يرمون بالذيلية والاتباع للآخرين، ثم يرجع السياق إلى حكم القبلة فقال سبحانه: ((وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا)) وهي بيت المقدس - الذي كان يتوجه النبي نحوه في الصلاة طيلة كونه في مكة المكرمة ومدة الهجرة - ((إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ))، معنى "لنعلم" أن يتحقق علمنا في الخارج بأن يظهر المتبع من المخالف، فإنه قد يقال: "لنعلم" ويراد به حصول العلم للمتكلم، وقد يقال: "لنعلم" والمراد به وقوع المعلوم في الخارج، وفي بعض التفاسير أن قوماً ارتدوا على أدبارهم لما حولت القبلة، فظهر أنهم لم يكونوا يتبعون الرسول حقيقة وإنما حسب الأهواء، والعقب : مؤخر القدم، والمعنى التشبيه لمن يرتد كافراً بمن يرجع القهقري، ((وَإِن كَانَتْ)) مفارقة القبلة الأولى إلى قبلة أخرى ((لَكَبِيرَةً))، إذ هو خرق لاعتياد قديم متركز، ((إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ)) إياهم بأن قوّى قلوبهم بالإيمان، ((وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)) أيها المسلمون الراسخون الذين اتبعتم النبي، وهذا تقدير لهم في ثباتهم، ووعد لهم بالجزاء على إيمانهم الكامل، ويحتمل أن يكون جواباً عن سؤال وقع عن بعضهم، وهو كيف تكون حال صلواتهم السابقة التي صلوها إلى بيت المقدس، وإن كان الظاهر من كلمة "إيمان" المعنى الأول، ((إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ))، فلا يضيع أتعابهم وأعمالهم.





سورة البقرة
144
وبعد ما بين الحكم وأن القبلة تحولت بيّن الله سبحانه قصة التحويل، فإنها كالعلة للحكم المتقدم، والعلة دائما تأتي متأخرة في الكلام وإن كانت سابقة في التحقيق، كما يقال أنه إنسان طيب لأن تربية <تربيته؟؟> حسنة، ((قَدْ نَرَى))، "قد" هنا للتحقيق نحو "قد يعمل الله" وإن كان الغالب في "قد" الداخلة على المضارع أن تكون بمعنى التقليل، ولعل سر دخولها إشراب الفعل معنى التقليل، حيث لا يريد المتكلم إظهار العمل بالبت مثله: (وإنا أو إياكم لعلى هدى)، ((تَقَلُّبَ وَجْهِكَ)) يا رسول الله ((فِي السَّمَاء))، أي في ناحية السماء، فإن الرسول كان يقلب وجهه في أطراف السماء، فينتظر الوحي حول القبلة، فإن اليهود عيروه (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلين له إنك تابع لقبلتنا، فلما كان في بعض الليل خرج (صلى الله عليه وآله وسلم) يقلب وجهه في آفاق السماء، فلما أصبح صلى الغداة، فلما صلى من الظهر ركعتين جاء جبرائيل (عليه السلام) بهذه الآية، ثم أخذ بيده فحول وجهه إلى الكعبة، وحول من خلفه وجوههم، حتى قام الرجال مقام النساء، والنساء مقام الرجال. ((فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا))، إذ الرسول كان يحب الكعبة التي هي بناء جده إبراهيم (عليه السلام)، وعندها موطنه، ((فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ))، "الشطر": الجزء، أي حول وجهك نحو جزء من المسجد الحرام، و"المسجد" لكونه محيطا بالكعبة يكون المتوجه إليه متوجها إليها إذا كان من بعيد، ((وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ)) أيها المسلمون ((فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ))، وذكر "الوجه" في المقامين، لأنه الشيء الذي يتوجه به في جسد الإنسان، ((وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ)) من اليهود والنصارى الذي يستشكلون عليكم قائلين: "إن كانت القبلة السابقة حقا فهذه باطلة، وإن كانت هذه حقاً فتوجهكم في السابق إلى بيت المقدس باطل" ((لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ))، أي أن تحويل القبلة، أو هذه القبلة حق من قبل الله، فإن الله سبحانه يعبده عباده كيف يشاء، فمن الجائز أن يعبد الأمة بتشريع إلى مدة ثم يعبدهم بتشريع آخر، ((وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ))، أي يعمل أهل الكتاب من الإرجاف وبث الأباطيل حول تحويل القبلة وسائر الأمور المرتبطة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).





سورة البقرة
145
((وَلَئِنْ أَتَيْتَ)) يا رسول الله ((الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ)) من اليهود والنصارى ((بِكُلِّ آيَةٍ)) من الآيات الدالة على أن قبلتك حق ((مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ))، لأنهم معاندون، والمعاند لا ينفع معه الدليل، ((وَمَا أَنتَ)) يا رسول الله ((بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ)) بعد ما تعلم أن قبلتهم منسوخة، كقوله تعالى (لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد)، ((وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ))، اليهود لا يتبعون قبلة النصارى، والنصارى لا يتبعون قبلة اليهود، ((وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ)) يا رسول الله ((أَهْوَاءهُم)) في باب القبلة وسائر التشريعات ((مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ)) بأن طريقتهم باطلة ((إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ))، وهذه الجملة - وإن كانت موجهة إلى الرسول لكن - المقصود منها العموم، ولا تنافي العصمة، فإن الاشتراط يلائم المحال، كقوله تعالى (إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)، وقد تقرر في المنطق أن صدق الشرطية إنما هو بوجود العلية ونحوها لا بصدق الطرفين.







سورة البقرة
146
و((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ)) من اليهود والنصارى ((يَعْرِفُونَهُ))، أي الرسول أو هذا الحكم، أعني تغيير القبلة بأمر الله سبحانه، وإن كان الأول أقرب إلى سياق التشبيه ((كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ)) ممن لم يؤمن بالرسول ((لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ))، فليس عذر هؤلاء جهلهم حتى يرجى زواله، وإنما العناء الذي لا علاج له.




سورة البقرة
147
((الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ)) يا رسول الله، أي هذا الحق من عند الله، ((فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ))، أي الشاكين فيه، فإن المحق إذا كثرت عليه التهجمات ورمي بأنه على غير الحق يكاد يشك فيه، ولذا يثبت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما قال تعالى (لولا ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا).




سورة البقرة
148
((وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ))، أي لكل أمة من الأمم طريقة ((هُوَ)) أي الله سبحانه ((مُوَلِّيهَا))، أي أمرهم بالتوجه إليها، فلا غرابة في أن يكون للمسلمين وجهة خاصة في قبلتهم، ((فَاسْتَبِقُواْ))، أي سارعوا إلى ((الْخَيْرَاتِ))، تنافسوا فيها، فإن الله موليكم هذه الطرائق، ولا تبقوا جامدين على طريقة منسوخة، فإن ذلك انصراف عن الخير إلى الشر، من المحتمل أن يكون "هو" راجعاً إلى "كل"، أي لكل فرد أو أمة طريقة في العمل والتفكير، ذلك الشخص مولي وموجه نفسه إياها، فليكن هم كل فريق وفرد أن يسابق غيره في الخيرات، ((أَيْنَ مَا تَكُونُواْ)) من بقاع الأرض ((يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا)) يوم القيامة، حتى يجازيكم على أعمالكم، ((إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، فيتمكن من جمعكم، ولا يفوته شيء.




سورة البقرة
149
كان لتحويل القبلة نحو الكعبة أسباب وعلل، العلة الأولى رغبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في أن تحول القبلة لما عيرته اليهود، العلة الثانية أن التحويل كان للحق، وإن يكون للمسلمين ميزة خاصة يمتازون بها عن سائر الأمم، حتى في اتجاه الصلاة، العلة الثالثة أن التحويل كان لقطع حجة الناس الذين كانوا يتعجبون من كون المسلمين يدعون دينا جديدا ومع ذلك يتوجهون إلى قبلة بني إسرائيل، وتبعا لهذه العلل تكرر الأمر بالتوجه إلى المسجد الحرام، وقال الله سبحانه: ((وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ)) للسفر من البلاد ((فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ))، فإنه قبلة في السفر كما هو قبلة في الحضر، وفي هذا فائدة ثانية للتكرار، ((وَإِنَّهُ))، أي توجيه الوجه نحو المسجد الحرام ((لَلْحَقُّ)) الذي جاء ((مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ))، فمن أعرض عن هذه القبلة كان جزاءه سيئا، ومن اتبعها كان جزاءه حسنا.




سورة البقرة
150
((وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ)) للسفر من البلاد ((فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)) هذا للسفر، ((وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ))، وهذه الآية جمع بين الآيتين السابقتين (ومن حيث خرجت) الآية 149 و(حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) الآية 144، وقد عرفت أنه كرر لفائدة العلة المذكورة في الآية، ((لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ))، أي أن تحويل القبلة، إنما هو لنقطع احتجاج الناس عليكم، حيث يقولون كيف أن المسلمين يدعون إلى دين جديد وقبلتهم هي قبلة أهل الكتاب، ((إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ))، فإن هؤلاء لا ينفعهم المنطق، فإن المعاند لا تفيده الحجة ((فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي))، فإن الخشية إنما تكون ممن بيده النفع والضر، وهؤلاء ليس بيدهم شيء منهما، وإنما كل ذلك بيد الله سبحانه، ولا يخفى أن الاستثناء منقطع كقولك إنما فعلت الفعلة الفلانية ليعرف الناس الأمر، إلا من يريد العناد، ((وَ)) بعد ذلك، فتحويل القبلة إنما كان ((لأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ)) بتمييزكم عن أهل الكتاب، وقطع تعيير اليهود، وإرجاعكم إلى بناء جدكم إبراهيم، الذي هو إحياء لذكراكم، ((وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) إلى الحق اهتداء كاملا، فإن في تشريف الإنسان بشرف سببا لتقريبه إلى الهداية الكاملة.



سورة البقرة
151
وقد أتممنا عليكم بتحويل القبلة ((كَمَا)) أنعمنا عليكم قبل ذلك بنعمة عظمى فـ((أَرْسَلْنَا فِيكُمْ)) أيها المسلمون ((رَسُولاً مِّنكُمْ)) لا من غيركم، فاخترتكم لأن تكون رسالتي بيد واحد منكم ((يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا)) وقرآننا تلاوة، ((وَيُزَكِّيكُمْ)): يطهركم من أدناس الجاهلية والقذارات الخلقية والنجاسات البدنية بإرشاده إياكم إليها، ((وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ))، ومن المعلوم أن التلاوة غير التعليم، فرب تال غير معلم، بالإضافة إلى أن التعليم فيه معنى التركيز والتثبيت، ((وَالْحِكْمَةَ)) يرشدكم بمواضع الأشياء ومواقع الخطأ والصواب، فإن الحكمة - كما عرفت - وضع كل شيء موضعه، ((وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)) بصورة عامة، فيشمل القصص والتواريخ المفيدة وأحوال الأنبياء، وأحوال المعاد مما ينفعهم في دينهم ودنياهم.




سورة البقرة
152
((فَاذْكُرُونِي)) أيها المسلمون بالطاعة والعبادة، وتنفيذ الأوامر ((أَذْكُرْكُمْ)) بالنعمة والإحسان والجنان، ((وَاشْكُرُواْ لِي)) بإظهار النعمة والحمد عليها، ((وَلاَ تَكْفُرُونِ)) كفراً في الاعتقاد أو كفراً في العمل بأن لا تعملوا بأوامري.




سورة البقرة
153
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ)) في أموركم التي تريدونها سواء كانت تحت اختياركم أم لم تكن كالصحة والغنى، ((بِالصَّبْرِ)) وتحمل النفس، فإن كثيرا من الأمور تتنجز بعد حين، فإذا صبر الإنسان تنجزت أموره ونعم براحة البال واطمئنان النفس، وإذا لم يصبر جرى القدر وهو مضطرب البال كئيب، ((وَالصَّلاَةِ)) فإن الصلاة توجب توجه الإنسان إلى الله سبحانه، والانصراف عن الدنيا مما يشع في النفس الهدوء والسكينة وعدم الاهتمام بمكاره الدنيا، ((إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)) باللطف والعناية والرحمة والأجر والثواب، وهكذا يهذب الإنسان والأمة ويرشدهم إلى مهمتهم العظيمة، ويمونهم على الصبر والتحمل، ولذا يخطو القرآن الحكيم خطوة أخرى معهم بعد الصبر والصلاة قائلاً أنكم لابد وأن تتحملوا مشاق القيادة من القتل وسائر أنواع المصائب التي تعترض لمن أراد الإصلاح والإرشاد.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-2011, 08:09 PM   #4

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي


سورة البقرة
154
ولذا يقول سبحانه ((وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ)) فإن الميت من لا تأثير له في الحياة ولا امتداد، وهؤلاء ليسوا كذلك، ((بَلْ أَحْيَاء)) حياة واقعية في الدنيا بتأثيراتهم وامتداداتهم وفي الآخرة لأنهم في نعيم مقيم ((وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ)) أنتم بحياتهم، إذ الحياة في نظركم الحس والحركة، مع أنها معنى سطحي للحياة.



سورة البقرة
155
((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ))، أي نمتحنكم أيها المسلمون ((بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ)) وكونه شيئاً إما باعتبار أنه لا يمتد، وإنما الخوف في زمان يسير، وإما باعتبار أنه لا يبلغ الخوف - غالباً - أشده، ((وَالْجُوعِ))، ولم يذكر العطش لأن الماء غالباً متوفر ((وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ)) المبذولة في الحرب أو ما ينهب منها في التصادم أو الضيق الاقتصادي أو ما أشبه،((وَ)) نقص من ((الأنفُسِ)) ممن يقتل في سبيل الله ((وَ)) نقص من ((الثَّمَرَاتِ)) بسبب النهب أو الحصار قبل أوانه من أجل الأعداء، كما وقع في قصة خندق حيث أمر النبي المسلمين أن يحصدوها لئلا ينتفع بها المشركون - كما في بعض التواريخ - أو بأسباب أخر، ((وَبَشِّرِ)) يا رسول الله ((الصَّابِرِينَ)) في هذه المكاره.



سورة البقرة
156
((الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ))، أي إنا مملوكون له سبحانه ((وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ))، فهو مرجعنا معه حسابنا وجزائنا، وفي هذه الجملة تسلية للمصاب إذ اعترف الإنسان بأن كل شيء له إنما هو لله يهون ذهاب بعضها، فإن صاحب المال أخذه، كما أن اعتقاد الشخص بأن الله هو الذي يجازي يهون الأمر، فإن ما فقده سوف يعوض، ولذا من كرر هذه الجملة في المصيبة عارفاً معناها متوجهاً إلى الله سبحانه في التسليم والرضا يجد برد الاطمينان في قلبه.



سورة البقرة
157
((أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ)) والصلوات هي العطف، فإن صلى بمعنى عطف، وهي من الله التوجه بالبركة والإحسان، ((وَرَحْمَةٌ)) ترحم في الدنيا والآخرة، ((وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)) الذين اهتدوا إلى واقع الأمر مما ينفع دنياهم وعقابهم <عقباهم؟؟>، فبذلوا ما بذلوا في سبيل الله راضيين مرضيين.



سورة البقرة
158
وحيث ألمع سابقاً إلى الجهاد أتى الإلماع إلى الحج، فإنهما صنوان في التعداد والمشقة - في الجملة - فقال سبحانه: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ)) وهما جبلان قرب مسجد الحرام ((مِن شَعَآئِرِ اللّهِ)) جمع شعيرة، وهي مشتقة من اللباس الملتصق بشعر البدن، فكل شيء مرتبط ارتباطاً وثيقاً يدل عليه يكون من شعائره، فالمراد أن هذين الجبلين من الأمور المرتبطة بالله سبحانه، حيث جعلهما محلاً لعبادته بالسعي بينهما، ((فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ))، أي قصد البيت الحرام، والحج: القصد، ((أَوِ اعْتَمَرَ))، العمرة هي الزيادة، أخذ من العمارة، لأن الزائر يعمر المكان بزيارته، والحج والعمرة عملان من أعمال الحج، ((فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا))، أي يسعى بينهما، وإنما عبر بـ"لا جناح" لأن المسلمون تحرجوا من الطواف بهما ظناً منهم أنه من عمل المشركين حيث كان على الصفا صنم يسمى "أساف"، وعلى المروة صنم يسمى "نائلة"، فهو ترخيص في مقام توهم الحصر، ومن المعلوم أن الإباحة في مقام توهم الحضر والنهي في مقام توهم الوجوب لا يدلان على مفادهما الأولية، لأنه لإثبات أصل الطرف الآخر لا خصوصيته الإباحية والتمويهية، ((وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا))، أي أتى بخير من الأعمال والأفعال تطوعاً، والتطوع التبرع بالشيء، من الطوع بمعنى الانقياد، ((فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ)) لعملهم، ومعنى شكره: تقديره وجزائه للعامل، ((عَلِيمٌ)) بأعمالهم، فلا يفوته شيء منها.



سورة البقرة
159
لعل ارتباط هذه الآية بما قبلها أن اليهود والنصارى لم يفعلوا مثل فعل الرسول حول الصفا والمروة، فإن الرسول أبطل كل باطل حول الحج، وأقام كل حق فيه، فالصفا والمروة - حيث كانا حقاً - أثبتهما الرسول وإن ظن الناس أنهما من الباطل، لكن أهل الكتاب حشروا كل ما أتى به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) - مما عرفوه حقاً - في زمرة الباطل، ولذا صار الكلام السابق فاتحة للتعريض بهم، فهو مثل أن يقول أحد: "أنا اعترفت بالحق،" لكنه لم يعترف بما علم من الحق، والله أعلم بموارده، ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ))، فيخفون الأدلة الدالة على حقية الإسلام مما نزلت في الكتب السالفة، ((وَالْهُدَى))، أي يكتمون الهدى الذي يرونه وإن لم يكن منزلاً وبينة <يبدوا أن هناك نقصان في هذه النسخة، وسنتحرى عنه إن شاء الله - أصحاب صفحة القرآن الكريم> <((مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ))((أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ)): يبعدهم عن الخير في الدنيا وفي الآخرة بتضييق الأمور عليهم هنا والعذاب هناك، ((وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)) الذين يأتي منهم اللعن من الناس والملائكة والجن.



سورة البقرة
160
((إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ)) منهم واتبعوا الحق وأظهروه، ((وَأَصْلَحُواْ)) ما فسد من عقائدهم وأعمالهم، ((وَبَيَّنُواْ)) للناس ما أنزله الله من الهدى والبينات، ((فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ))، فإن التوبة معناها الرجوع، ورجوع الله بمعنى إعادة الإحسان والرحمة عليهم بعد انقطاعها عنهم بسبب كفرهم وكتمانهم، ((وَأَنَا التَّوَّابُ))، أي كثير الرجوع، فإن العاصي إذا عصى ألف مرة ورجع ألف مرة قبلت توبته إذا تاب توبة نصوحا، ((الرَّحِيمُ)) بالعباد.



سورة البقرة
161
((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)) ولم يتوبوا ((وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ)) بالعقائد الصحيحة ((أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ))، فإن الكل يلعنون الظالم، والكافر ظالم، فإنه وإن لم يقصده اللاعن بالذات لكنه داخل في عموم اللعن.



سورة البقرة
162
((خَالِدِينَ فِيهَا))، أي في تلك اللعنة، إذ لعنة الدنيا تتصل بلعنة الآخرة، ((لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ))، إذ لا أمد لعذاب الله بالنسبة إلى الكافرين، ((وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ))، فلا ينظر أحد إليهم نظرة رحمة وإحسان، أو لا يمهلون للاعتذار أو لا يؤخر عنهم العذاب.






سورة البقرة
163
ولما تقدم حال الكفار صار السياق لبيان التوحيد والأدلة على الوحدانية، ((وَإِلَهُكُمْ)) أيها الناس ((إِلَهٌ وَاحِدٌ)) لا شريك له ((لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)) الموصوف بـ((الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))، لا كما يصور الإله بعض الكتب السماوية، من إنه إله انتقام وغضب وعذاب.



سورة البقرة
164
((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ)) بهذا النظام البديع والترتيب الرائع ((وَالأَرْضِ)) بهذا الأسلوب المنظم المتكامل، ((وَ)) في ((اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)) يأتي أحدهما عقب الآخر خليفة لتنظيم الحياة على الأرض بأجمل صورة، ((وَ)) في ((الْفُلْكِ)) السفينة ((الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ)) في أسفارهم وتجاراتهم، ((وَ)) في ((مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء)) جهة العلو ((مِن مَّاء)) ببيان "ما"، ((فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ)) بالإنبات ((بَعْدَ مَوْتِهَا))، أي جمودها وركودها، ((وَبَثَّ))، أي نشر وفرق ((فِيهَا))، أي في الأرض ((مِن كُلِّ دَآبَّةٍ)) تدب وتتحرك على وجه الأرض، وكلمة "بث" عطف على "أحيا"، أي كان المطر سبباً لإحياء الأرض وانتشار الحيوانات فيها، إذ لولا الماء لم يكن للحيوان ماء ولا طعام، فهلك ولم يبق له نسل، ((وَ)) في ((تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ))، أي صرفها ونقلها من مكان إلى مكان لتروح وتذهب بالأمراض والعفونات وتنقل السحاب من هنا إلى هناك، ولو كانت الرياح راكدة لم تنفع أي شيء، ((وَ)) في ((السَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ))، فإنه بما يكونه من أطنان من الماء يبقى معلقاً بين الجهتين، ويسير إلى كل ناحية ((لآيَاتٍ)) وعلامات دالة على الله وحدته وسائر صفاته ((لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) ويعملون عقولهم في استفادة النتائج من المقدمات والمسبب عن الأسباب، وينتقلون من العلم بالمعلول إلى العلم بالعلة.



سورة البقرة
165
((وَمِنَ النَّاسِ))، أي بعضهم ((مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ))، أي غير الله ((أَندَاداً)) جمع نعد، بمعنى الأشباه، والمراد بذلك آلهة يجعلها شبيهة لله في أنه يعبدها وهي الأوثان، ((يُحِبُّونَهُمْ))، أي يحب هؤلاء الناس تلك الآلهة، وإنما أتى بجمع العاقل لكونها ردفت مع الله سبحانه، والقاعدة تغليب الرديف على رديفه، كقوله تعالى: (من يمشي على بطنه)، وقوله: (اركعي مع الراكعين)، ((كَحُبِّ اللّهِ))، أي كحبهم لله، أو حباً شبيهاً بما يستحق الله، وعلى الأول، فالمراد بهم المشركون الذين يعتقدون بالله، ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ)) من حب هؤلاء لأوثانهم، فإن المؤمنين حيث يعرفون أن كل خير من الله يحبونه حباً بالغاً، ((وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً))، يعني: لو يرون هؤلاء المشركين يوم القيامة كون القوة لله جميعاً لرأوا مضرة فعلهم وسوء عاقبة شركهم، وحذف جواب "لو" تهويلاً للأمر، كما تقول لعدوك لو ظفرت بك، ((وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)) عطف على "أن القوة".



سورة البقرة
166
إن الرؤية من الظالم للعذاب إنما يكون ((إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ)) من القادة ((مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ)) وهم التابعون لهم، ((وَرَأَوُاْ)) جميعاً ((الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ))، أي فيما بينهم ((الأَسْبَابُ))، فما كان في الدنيا يسبب وصلة بعضهم لبعض من المال والرئاسة والقرابة والحلف وأشباهها تنقطع هناك، فلا داعي لنصرة الرؤساء أتباعهم الذين كانوا يتبعونهم في الدنيا.




سورة البقرة
167
((وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ))، أي التابعين لرؤسائهم: ((لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً))، أي يا ليت لنا عودة إلى دار الدنيا، ((فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ))، أي من هؤلاء الرؤساء ((كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا)) هنا في القيامة حال حاجتنا إلى العين، ((كَذَلِكَ))، أي هكذا ((يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ))، أي أعمال كل من التابعين والمتبوعين ((حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ))، فإن صلاتهم وأعمالهم كلما <كلها> ذهبت أدراج الرياح، فيتحسرون: لماذا لم يعملوا بأوامر الله سبحانه، ((وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ))، فإن المشرك يبقى في النار إلى الأبد إن تمت عليه الحجة وعاند.



سورة البقرة
168
وإذ تم الكلام حول العقيدة توجه إلى الحياة التي هي مقصد الإنسان، وإليها يرجع كثير من حركته وسكونه، ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ)) من نباتها وحيواناتها ومائها ومعدنها ((حَلاَلاً طَيِّباً))، أي في حال كون المأكول حلالاً طيباً إلا ما حرم منه، وفي قوله "طيباً" إشارة إلى أن كل حلال طيب، وليس فيه خبث يوجب انحراف الصحة أو انحراف الخلق، ((وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ))، فكأن الشيطان يخطو نحو الآثام ومن إثم، كأنه تتبع خطواته إذ تمشي خلفه، ((إِنَّهُ))، أي الشيطان ((لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ))، أي عدو ظاهر.



سورة البقرة
169
((إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ))، أي الأعمال السيئة ((وَالْفَحْشَاء)) وهي الأعمال السيئة للغاية، فإنه مشتق من الفُحش بمعنى التعدّي، ((وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ))، أي تنسبوا الى الله ((مَا لاَ تَعْلَمُونَ)) من العقائد والأحكام، وعدم العلم هنا أعم من العلم بالعدم، كما قال سبحانه (أتنبؤنه بما لا يعلم).



سورة البقرة
170
((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ)) من الأحكام وسائر الوحي ((قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا))، أي وجدنا عليه آبائنا من التقاليد، فأنكر الله ذلك عليهم بالإستفهام الإنكاري، بقوله ((أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً)) من أمور الدين والدنيا ((وَلاَ يَهْتَدُونَ)) إلى الحق فإذا ظهر لكم، أن آبائكم لا يعلمون، فكيف تتّبعونهم.



سورة البقرة
171
ثم بيّن الله سبحانه، أن هؤلاء الكفار لعنادهم وتعصّبهم، قد غلّقت منافذ السمع والبصر عنهم، فلا يفيد وعظ ولا تذكير، ((وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) بعد ما يروا الآيات، ومثلك يا رسول الله ((كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ))، أي يرفع صوته ((بِمَا))، أي بالحيوان الذي ((لاَ يَسْمَعُ)) ولا يفهم الكلام، وإنما يسمع ((إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء)) فإن الحيوان، إذ صحّت به لا يفهم من كلامك إلا مجرد الدعوة والنداء، فهؤلاء الكفار كذلك إذ لا ينتفعون بكلامك أبداً، فهم ((صُمٌّ)) جمع أصم، ((بُكْمٌ)) جمع أبكم، ((عُمْيٌ)) جمع أعمى، فإنهم ولوكانت لهم آذان وألسنة وعيون لكنها كالمعطّلة، لأنها لا تؤدي وظيفتها ((فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ)).

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-2011, 08:12 PM   #5

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي


سورة البقرة
172
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)): تكرار لما تقدّم لإلحاق مسئلتي الشكر والمحرمات به، ((وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ))، ولا تشكروا سائر الآلهة كالمشركين الذين يزعمون أنهم يمطرون بالأنواء، ويرزقون بالآلهة المزعومة.



سورة البقرة
173
((إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ)) وهي التي لم تُذبح على النحو الشرعي، ((وَالدَّمَ)) وهو وإن كان مطلقاً، إلا أنه مقيّد بالمسفوح لقوله سبحانه (ألا يكون ميتة أو دماً مسفوحاً)، ((وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ)) وخصّ اللحم بالكلام، وإن كانت جملته محرّمة، لأن اللحم هو المعظم المقصود في الغالب، ((وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ))، الإهلال في الذبيحة رفع الصوت بالتسمية، وقد كان المشركون عند ذبحهم يرفعون أصواتهم بتسمية الأوثان، فنهى الله سبحانه عن أكل ذبيحة ذكر غير إسم الله عليها، ((فَمَنِ اضْطُرَّ)) بصيغة المجهول، فإنّ "إضطرّ" متعد من باب الإفتعال، وحيث لم يكن المقصود، سبب الإضطرار، ذُكر مجهولاً ((غَيْرَ بَاغٍ))، أي لم يكن باغياً وطالباً للّذة في أكله وشربه ((وَلاَ عَادٍ))، أي معتد في الأكل والشرب، عن حد الضرورة، أي غير باغٍ على إمام المسلمين، ولا عاد بالمعصية طريق المحقّين ((فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)) في تناول هذه المحرّمات ((إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ)) يستر العصيان إذا إضطر إليه، فإنّ غفر بمعنى ستر، وستر العصيان، عدم المؤاخذة به ((رَّحِيمٌ)) بكم، ولذا جاز تناول المحرّم حال الإضطرار.



سورة البقرة
174
((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ)) وهم اليهود والنصارى الذين كانوا يكتمون العقائد الحقّة الموجودة في كتابهم، وينسبون الى الكتاب أحكاماً لم يوجد فيه، كما قال سبحانه (قل فأْتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) ولعل إرتباط هذه الآية بما قبلها من جهة الأمور التي كانوا يحرّمونها، ولم يكن في كتبهم تحريم لها ((وَيَشْتَرُونَ بِهِ))، أي بهذا الكتاب ((ثَمَنًا قَلِيلاً)) من رئاسة الدنيا وأموالها، فإنها قليل بالنسبة الى الآخرة ((أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ))، أي لا يجرون الى بطونهم ولعل ذكر في بطونهم للإحتراز عن الأكل في بطن الغير، فإن العرب تقول: شبع فلان في بطنه، إذا أكله بنفسه، وتقول: شبع فلان في بطن غيره، إذا أكله من يتعلّق به ((إِلاَّ النَّارَ)) فإنّ ما أكلوه ينقلب ناراً تحرق بطونهم في جهنم ((وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) فيمهلهم ليذوقوا الهوان جزاء ما فعلوا ((وَلاَ يُزَكِّيهِمْ))، أي لا يطهّرهم عن الآثام، فإن البطن إذا مُلئ حراماً يقسو، فلا يهتدي حتى يتزكّى الإنسان ويتطهّر ((وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) مؤلم.



سورة البقرة
175
((أُولَئِكَ)) الذين يكتمون ما أنزل الله هم ((الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى))، أي عوض الهداية، فكان نفس الإنسان ثمن لأحد أمرين الضلالة والهداية، فهم أعطوا أنفسهم، واشتروا الضلالة عوض أن يشتروا الهداية ((وَ)) اشتروا ((الْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ)) فعوض أن يشتروا المغفرة لأنفسهم اشتروا العذاب ((فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)) تعجب عن صبرهم على النار التي هي عاقبة عملهم، أي كيف أنهم يصبرون على النار حينما فعلوا ما عاقبته النار.



سورة البقرة
176
((ذَلِكَ)) العذاب، إنما توجّه إليهم ((بِـ)) سبب ((أَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ))، أي التوراة ((بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ)) بكتمان بعضه وإظهار بعضه ((لَفِي شِقَاقٍ)) وخلاف عن الحق ((بَعِيدٍ)) فهم إنما إستحقوا العذاب، لأنهم خالفوا الحق، وكتموا ما لزم إظهاره، ومن المحتمل أن يكون المراد بالكتاب "القرآن"، أي أن عذابهم بسبب كتمانهم كون القرآن حقاً وإختلافهم فيه، بأنه سحر وكهانة أو كلام البشر.




سورة البقرة
177
((لَّيْسَ الْبِرَّ)) كل البر أيها اليهود المجادلون حول تحويل القبلة الصارفون أوقاتكم في هذه البحوث العقيمة ((أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)) فإنّ ذلك أمر فرعي مرتبط بتكليف الله سبحانه، وقد كلّفنا بأن نصرف الوجوه الى الكعبة ((وَلَكِنَّ الْبِرَّ)) فعل، أو ولكن ذل البر ((مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) فإنّ ذلك هو الأصل الذي يتفرّع عليه أحكام الصلاة وغيرها ((وَ)) آمن بـ ((الْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ)) المنزل من عند الله على أنبيائه ((وَ)) آمن بـ ((النَّبِيِّينَ)) كلهم أولهم وأوسطهم وآخرهم ((وَآتَى الْمَالَ))، أي أعطاه وأنفقه ((عَلَى حُبِّهِ))، أي مع أنه يحبه، أو على حب الله تعالى ((ذَوِي الْقُرْبَى))، أي قراباته وأرحامه ((وَالْيَتَامَى)) الذين مات أبوهم ((وَالْمَسَاكِينَ)) الذين لا يجدون النفقة لأنفسهم وأهليهم ((وَابْنَ السَّبِيلِ)) الذي إنقطع في سفره، فلا مال له يوصله الى أهله ومقصده، وسمّي إبن السبيل، لعدم معرفة أبيه وعشيرته ((وَالسَّآئِلِينَ)) من الفقراء الذين يسألون الناس ((وَ)) آتى المال ((فِي)) فك ((الرِّقَابِ))، أي إشتراء العبيد أو إعتاقهم، حتى يتحرروا عن ربق العبودية ((وَأَقَامَ الصَّلاةَ))، أي أدّاها على حدودها ((وَآتَى الزَّكَاةَ)) الواجبة والمستحبة ((وَالْمُوفُونَ)) الذين يفون ((بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ)) سواءً كان عهداً مع الله كالنذر والبيعة، أو مع الناس كالعقود، وهذا عطف على قوله "من آمن" ((وَالصَّابِرِينَ)) عطف على "من آمن" على طريق القطع بتقدير القدح، كما قال إبن مالك:

واقطع أو اتّبع أن يكـن معيّناً بدونها أو بعضها إقطـع معلـنا
وارفـع أو أنصب إن قطعت مضمراً مبتدءاً أو ناصباً لمن يظهرا
فإن عادة العرب أن يتفنن بالقطع رفعاً ونصباً إذا طالت الصفات تقليلاً للكلل وتنشيطاً للذهن بالتلوّن في الكلام ((فِي الْبَأْسَاء)) البؤس الفقر ((والضَّرَّاء)) والمضر الموجع والعلّة وكلّ ضرر ((وَحِينَ الْبَأْسِ))، أي الصابرين حين القتال ((أُولَئِكَ)) الموصوفون بهذه الصفات هم ((الَّذِينَ صَدَقُوا)) في نيّاتهم وأعمالهم، لا من يجادل في أمر كتحويل القبلة ((وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)) الخائفون من الله سبحانه، وفي هذه الآية الكريمة إلماح الى حال كثير من الناس حيث يتركون المهام ويناقشون في أمر غير مهم عناداً وعصبية.




سورة البقرة
178
وحيث ذكر سبحانه ما هو البر عقبه ببعض الأحكام التي ينبغي لأهل البر المؤمنين بالله واليوم الآخر المتصفين بتلك الصفات أن يلتزموا بها ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ)) ومعنى كتابته تشريعه إذ الشرائع والأحكام تُكتب ((فِي الْقَتْلَى)) جمع قتيل، فقد ورد أنها نزلت في حيّين من العرب لأحدهما طول على الآخر، وكانوا يتزوجون نساءاً بغير حلال، وأقسموا لنقتلن بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم، وبالرجل منا الرجلين منهم، وجعلوا جراحاتهم على الضِعف من جراح أولئك، حتى جاء الإسلام وأبطل تلك الأحكام، فـ ((الْحُرُّ بِـ)) مقابل ((الْحُرِّ)) يُقتل لا بمقابل العبد ((وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى)) تُقتل ((بِـ)) مقابل ((الأُنثَى)) لا الذكر يُقتل في قبال الأنثى ((فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ)) قبل ((أَخِيهِ شَيْءٌ)) بأن عفى الأخ الولي للمقتول عن قتل القاتل، وبدله بالديّة، أو عفى عن بعض الديّة، وبقي بعضها الآخر ((فَـ)) الواجب على الطرفين، مراقبة الله في الأخذ والإعطاء، غمن طرف الولي للمقتول ((اتِّبَاعٌ)) للقاتل ((بِالْمَعْرُوفِ)) بأن لا يشدّد في طلب الديّة، ومن طرف القاتل ((وَأَدَاء إِلَيْهِ))، أي الى العافي ((بِإِحْسَانٍ)) من غير مطل وتصعيب ((ذَلِكَ)) الحكم في باب القتيل بالمماثلة، أولاً، والتخيير بين القتل والديّة والعفو ثانياً ((تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ)) عليكم ((وَرَحْمَةٌ)) منه بكم، وفي المجع أنه كان لأهل التوراة القصاص أو العفو، ولأهل الإنجيل العفو والديّة ((فَمَنِ اعْتَدَى)) عن الحكم المقرر ((بَعْدَ ذَلِكَ)) الذي قررناه من الأحكام ((فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) مؤلم في الدنيا والآخرة.



سورة البقرة
179
((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ)) في باب القتل، بأن يُقتل القاتل عمداً ((حَيَاةٌ)) للمجموع، لأنّ كل من إفتكر أنه لو قتل قُتل إرتدع إلا النادر، وأيضاً أن القصاص يوجب عدم تعدّي أولياء المقتول على أقرباء القاتل، بأن يقتلوا منهم عدداً كثيراً، كما كان هو المتعارف على زمان الجاهلية، حتى ربما فُنيت القبيلة لأجل قتيل واحد ((يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ)) جمع لُب، بمعنى العقل، أي يأصحاب العقول ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) القتل، أي شرع القصاص، حتى تتقون من القتل.



سورة البقرة
180
وحيث ألمح القرآن الحكيم الى حكم القتل، أشار الى ما يرتبط به من الوصية، فقال ((كُتِبَ عَلَيْكُمْ)) كتابة راجحة، فإن الكتابة تشمل الواجب والمندوب، والوصية مندوبة إلا إذا وجبت بالعارض ((إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ)) بأن رأى مقدماته من مرض وهرم ونحوهما ((إِن تَرَكَ خَيْرًا))، أي مالاً فإنه إذا لم يترك الخير، لاداعي للوصية، وإن كانت مستحبة أيضاً، لكنها ليست مثل تأكيد من ترك الخير ((الْوَصِيَّةُ)) نائب فاعل "كتب" ((لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ))، أي الأقرباء ((بِالْمَعْرُوفِ)) بأن يوصي لوالديه وأقربائه، لو كانوا ورّاثاً، شيئاً من الثلث، وهذا يوجب نشر الألفة والمحبة أكثر فأكثر، وإنما قيّده بالمعروف حتى لا يوصي بما يوجب إثارة الشحناء، كأن يترك الأقرب ويوصي للأبعد، أو يفضّل بعضاً على بعض بما يورث البغضاء، والمراد بالمعروف الذي يعرف أهل التميّز أنه لا جور فيه ولا حيف، وهذه الوصية تكون ((حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)) الذين يؤثرون التقوى.



سورة البقرة
181
((فَمَن بَدَّلَهُ))، أي بدّل الإيصاء وغيّره وزوّره ((بَعْدَمَا سَمِعَهُ))، أي علمه، فإن السماع يُستعمل بمعنى العلم ((فَإِنَّمَا إِثْمُهُ))، أي إثم التبديل ((عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ)) وليس إثم على الذي يأكل المال إرثاً، بغير علم، والذي يأكله زيادة عن حصته، من غير علم فإن الغالب أن يبدّل الجيل الأول ويتصرف سائر الأجيال بلا علم منهم بالتبديل ((إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ)) لوصاياكم وأقوالكم ((عَلِيمٌ)) بنواياكم وتبديلكم، أو تنفيذكم للوصية، ولعل هناك نكتة أخرى في قوله "فإنما إثمه على الذين يبدّلونه" هي إن كثيراً من الناس لا يوصون خوفاً من أن يلحقهم إثم التبديل من بعدهم، لأنهم بوصيتهم أعانوا من بدّل ومهّدوا الطريق له، كما رأيت ذلك متعارفاً في كلام كثير من الناس، حيث يقولون من أوصى ألقى ورثته في المعصية، فيكفّ بعضهم عن الوصية، فأشار سبحانه الى كون هذا الحكم غلطاً، فإن الموصي فعل خيراً، وإنما المغيّر هو الذي يتحمل الإثم.



سورة البقرة
182
ثم إستثنى سبحانه عن حرمة تبديل الوصة، بأنه إنما يكون حراماً إذا كان تغيّراً من حق الى باطل، أما إذا كان من باطل الى حق فلا إثم في التغيير((فَمَنْ خَافَ)) وخشي ((مِن مُّوصٍ))، أي الذي يوصي ((جَنَفًا))، أي ميلاً عن الحق الى الباطل، بأن أوصى أزيد مما يحق له الإيصاء به ((أَوْ إِثْمًا)) بأن حرم ورثته بإيصائه، وفي الحديث أن الإثم الخطأ عن عمد، والجنف الخطأ لا عن عمد ((فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ))، أي بين الورثة والموصي، والموصي له، بأن ردّ الزائد الى الورثةوأبطل ما فيه من الإثم ((فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ))، أي على المبدّل للوصية ((إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) بمن يأثم، فكيف بمن لا يأثم، وقد ثبت في الشريعة أن الوصية - بما زاد عن الثلث - لا تنفّذ إلا برضى الورثة.



سورة البقرة
183
ثم إنتقل السياق الى حكم آخر من أحكام الإسلام -لما ذكرنا من أن القرآن الحكيم، بعد بيان أصول التوحيد، ذكر جملة من الأحكام- فقال سبحانه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)) فإنه مفروض عليكم، فيجب عليكم أن تصوموا ((كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)) فلستم أنتم وحدكم أُمرتم بالصيام، بل كان الصوم شريعة في الأديان السابقة أيضاً ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) النار بصيامكم، فإن الصائم حيث يحسّ بالجوع والعطش والضعف يتذكّر الله سبحانه فيخبت قلبه وتضعف فيه قوى الشر، وترقّ نفسه وتصفو روحه، وكل ذلك سبب للتقوى وترك المعاصي.



سورة البقرة
184
((أَيَّامًا))، أي أن الصيام في أيام ((مَّعْدُودَاتٍ))، أي محصورات، فليست أياماً كثيرة لا تعد، وإنما هي ثلاثون يوماً فقط، وفيه تسلية، وليس الصيام على كل أحد ((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا)) مرضاً يضرّه الصوم ((أَوْ عَلَى سَفَرٍ)) فقد شبّه السفر بمركوب لغلبة الركوب فيه، وحدّ السفر معيّن في الشريعة ((فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ))، أي فليصم في أيام أُخَر غير شهر رمضان، قضاءاً لما فاته بالمرض أو السفر ((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ))، أي يطيقون الصيام، بأن يكون آخر طاقتهم وذلك موجب للعسر- كما لا يخفى - إذا أخّر الطاقة عُسر، أو أنّ الذي يُطيق الصوم كان في أول الشريعة مخيّراً بين الصيام والإطعام، ثم وجب الصوم وحدهوذلك للتدرّج بالأمة ((فِدْيَةٌ))، أي الواجب عليهم الفداء بدل الصوم ((طَعَامُ مِسْكِينٍ)) واحد وهو مدٌّ من الطعام ((فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا)) بأن زاد على طعام المسكين ((فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ)) أيها المُطيقون، الذي يبلغ الصوم طاقتكم ((خَيْرٌ لَّكُمْ)) من الإطعام، فإن الإنسان أما أن يضرّه الصوم ضرراً بالغاً، وهو الذي تقدّم أنه يفطر ويأتي بعدّةٍ من أيام أُخر، وأما أن يشقّ عليه الى حدّ العُسر، وهو الذي يبلغ منتهى طاقته، وهذا يخيّر بين الصيام والإطعام وإن كان الصيام خير، وأما أن لا يشقّ عليه وهو الذي يجب عليه الصيام معيّناً مما بيّن في الآية التالية ((إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)) لعلمتم أن الصيام خير لما فيه من الفوائد التي ليست في الإطعام، وليس مفهومه، إن لم تكونوا تعلمون، فليس الصوم خيراً، بل المفهوم إن لم تكونوا تعلمون، لم تعلموا أن الصوم خير.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الباوي , البقرة , الجسم , تفسير , صورة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



All times are GMT +3. The time now is 11:18 AM.


Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2024