التقليد وفوضى المفاهيم

التقليد وفوضى المفاهيم

يتداخل مفهوم التقليد في عصرنا الحاضر وبشكل فعلي مع مفهومي العبودية ، والولاية ، وهو الأمر الذي يستوجب التنبيه والتوضيح لمعرفة خصوصية وحدود كل مفهوم من المفاهيم الثلاث، لأن في ذلك نجاة من الضلال والهلكة، وقد ذاقت مجتمعاتنا الإسلامية ومازالت الأمرين من الخلط بين هذه المفاهيم .

المفهوم الأول العبودية: مفهوم يحدد طبيعة العلاقة مابين الخالق وهو الرب وبين المخلوق وهو العبد، وهذا المفهوم هو أوسع المفاهيم مساحة وأوضحها حدوداً وقد تكفلت في بيان حدوده آيات القرآن الكريم، وهذه العلاقة بين العبد وربه علاقة خاصة لا يشرك الله بها أحدا .

المفهوم الثاني الولاية: مفهوم يحدد المستوى الثاني من العلاقة مابين الله عز وجل ومن خوله في إدارة شؤون العباد من جانب وما بين العبد من جانب آخر، وفي هذه العلاقة يشرك الله عز وجل رسوله والمعصومين من أهل بيته حصراً . وقد تكفلت في بيان حدود هذا المفهوم بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة .

المفهوم الثالث التقليد: مفهوم يحدد طبيعة العلاقة بين العالم المجتهد ـ (ممن لا يقول بولاية الفقيه طبعاً) ـ وبين الفرد، وهنا يلاحظ ما يلي :

1. إن مساحة هذا المفهوم ضيقة جداً قياساً للمفهومين السابقين .
2. لا يوجد ما يكفي من النصوص لبيان حدود هذا المفهوم بشكل واضح .
3. إن التقليد لا يتعدى كونه عملية تكييف لعبادات ومعاملات الفرد بحيث تكون منسجمة مع آراء المجتهد ولا يجب التقارب أو التطابق في الفهم أو الإيمان الذي يستتبع الفهم للمفردات العبادية أو المعاملاتية.
4. لا يجب على المُقَلِد أن يتبع المجتهد في مواقفه من بعض القضايا العامة، لأن وظيفة المجتهد تحديد الأحكام وليس تشخيص الموضوعات أو القضايا التي تنطبق عليها تلك الأحكام كما يذكر ذلك المجتهدون أنفسهم.
5. للمُقَلِد الحرية والحق في الانتقال من مجتهد إلى آخر وهو أمر لا يمكن للفرد القيام به في المفهومين السابقين .
6. قد يتعرض الطرف الأول في هذه العلاقة للموت أو الجنون أو سقوط العدالة أو انكشاف عدم أعلميته أو اجتهاده الأمر الذي يوجب على المُقَلِد الرجوع إلى غيره .
7. لا يستبطن مفهوم التقليد أي من المفهومين السابقين، بينما يستبطن مفهوم العبودية مفهوم الولاء حيث أن الله تعالى شريك في آية الولاية، ويستبطن مفهوم الولاء مفهوم التقليد لأن الآيات والأحاديث الواردة كلها تحث على الاقتداء والسير على نهج الرسول والأئمة المعصومين .
8. إن الطرف الأول في هذه العلاقة وهو المجتهد إنسان غير معصوم ومن الممكن أن تكون أحكامه غير صحيحة أو غير دقيقة لأنها أحكام ضنية وهو يدرك ذلك ولا يقول بولايته على الناس، الأمر الذي لا يستوجب الولاية له من أتباعه، غير أننا وللأسف الشديد نرى البعض قد ذهب بعيداً في علاقته بمرجعه حيث لم يقف على الولاء له في حياته بل وبقائه على تقليده وولائه له حتى بعد مماته، بل أن البعض حصر تقليده في عائلة واحدة .
9. إن القداسة التي تسبغ على الكثير من العلماء والمجتهدين ـ وهنا لا أقصد الاحترام والتوقير ـ والتي تصل في أحيان كثيرة إلى قداسة المعصوم هي قداسة غير مستحقة سيما وأن الكثير منهم لم يقدم شيئاً للمذهب الشيعي طيلة فترة مرجعيته، بل أن البعض منهم أدار ظهره لما يمر به المذهب وأتباع أهل البيت، فالقداسة مستحقة للسيد الإمام الخميني الذي نقل المذهب نقلة نوعية ، وكذلك القداسة مستحقة لكل العلماء الأعلام الذين لم يبخلوا بدمائهم من أجل نصرة المذهب ودفع الظلم عن أتباعه أمثال السيد المغيب موسى الصدر والشهيد السعيد مطهري والشهيد السعيد دستغيب والكثير من الشهداء في لبنان المقاومة وعراق المقدسات وبحرين الصمود والإحساء والقطيف الصابرتين ويمن اليماني يمن الفداء والولاء .
10. يعلم الله أني لم أبغي من مقالي هذا سوى أن يكون أتباع مدرسة أهل البيت على أعلى مستوى من الوعي والمعرفة وأن يكونوا قادرين على إعطاء كل قضية حقها دون غلو أو تقصير فنحن أمة وسط والتطرف في شيء هو بداية الظلال أعاذنا الله وإياكم منه وهدانا لنصرة الحق وأهله .