امور ضيقت الخناق على الثورة الحسينية و سُبل الحد منها

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم

احببت ان ابدأ بحثي بدعاء الامام الحسين سلام الله عليه في يوم العاشر من المحرم حيث يقول :( اللهمَّ أنتَ ثِقتي في كلِّ كَرْبٍ، ورَجَائِي في كُلِّ‏ شِدَّةٍ، وأنتَ لي في كُلِّ‏ أَمرٍ نَزَلَ بي ثِقةٌ وعُدَّةٌ، كَمْ منْ هَمٍّ يَضعُفُ فيه الفؤادُ، وتَقِلُّ فيهِ الحِيلةُ، ويَخذُلُ فيهِ الصديقُ، ويَشمَتُ فيه العدوُّ، أنزلتُهُ بِكَ، وشكوتُهُ إليكَ، رَغبةً منِّي إليكَ عمّن سِواكَ، ففرَّجتَهُ وكَشفتَهُ، فأنتَ وليُّ كُلِّ نِعمةٍ، وصاحبُ كُلِّ حَسَنةٍ، ومُنتهَى كلِّ‏ رَغبةٍ".)( 1)
اشار سماحة السيد القائد مقتدى الصدر اعزه الله في كتابه القيم كربلاء ام القرى الى بعض الامور التي من شأنها تضيق الخناق ان صح التعبير على ثورة الامام الحسين (عليه السلام ) وقد قمت في بحثي المتواضع هذا ايرادها على شكل نقاط وبشكل اكثر تفصيلاً مع ذكر السُبل التي من شأنها الحد من تلك الامور ثم ختمت البحث بذكر النتائج ...
راجياً من الله جل وعلا ان يتقبل منا ببركة الصلاة على محمد وال محمد
الامر الاول : التركيز على الجانب العاطفي في المعركة وتصيرها للبكاء فقط ....
وبهذا فاننا نضيق الخناق على تلك الثورة الشريفة وقائدها الالهي الامام الحسين عليه السلام فالامام الحسين عليه السلام ليس للبكاء فقط وانما وكما قيل "الحسين عبرة وعِبرة " وقد اشار سماحة السيد القائد اعزه الله في احدى كلماته التي وجهها الى خطباء المنبر الحسيني قائلاً " نعم اظهار البكاء او كما عبر عنه في الروايات التباكي ( من بكى وابكى وتباكى ) لا أشكال فيه ( عكس الصدقة ، الصدقة ما اصير بها رياء هاي اصير بيها رياء مو كلشي ما اصير بيه رياء هذا يجب اظهاره للمجتمع فاذا اظهره للمجتمع لكن اظهاره بصورة شنو لطيفة وجميلة لا تشوه السمعة امام الاخرين اكو من يتربص بنا شنو ، تربص الاعداء حبيبي ) قد تشوه مسيرة الامام الحسين (وحاشاه) وقد تحد من ثورته وتضايقها وتجعلها للبكاء فحسب فهو لم يقتل من اجل البكاء فحسب بل من أجل طاعة الله سبحانه وتعالى )(2)
.لذا فانه من الواجب التركيز على كلا الجانبين اعني العاطفي واخذ العبر والدروس من تلك الثورة فالامام الحسين عليه السلام واهل بيته واصحابه ارادوها مدرسة نتعلم منها .
الامر الثاني : انحصار ذكر الامام الحسين عليه السلام وثورته العظيمة في محرم الحرام ..
فانه وان كان من الصحيح ان تلك الثورة قد حدثت في هذا الشهر وان الامام الحسين عليه السلام قد استشهد في العاشر منه الا ان هذا الامر مما يضيق الخناق على تلك الثورة وقائدها عليه السلام فانه وكما عبّر سماحته " ان الصوم في شهر رمضان واجب الا انه مستحب في باقي ايام السنة " فكذلك ذكر الامام الحسين عليه السلام فاذا كان ذكره واجب في الشهر فليكن مستحب في غيره .. حتى قيل ( كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء ) وهنا اود ذكر عدة امور قام بها اهل البيت ( سلام الله عليهم وامروا اصحابهم بفعلها كان احد اهدافها ولو على سبيل الاطروحة هو لكي لاينحصر ذكر الامام الحسين عليه السلام وثورته الشريفة في شهر محرم الحرام والتي منها :-
1 - تذكر الامام الحسين عليه السلام عند شرب الماء حيث وردت عدة روايات اذكر منها :
قال الإمام الصادق عليه السلام: "ما شربت ماءً بارداً إلاّ وتذكرت عطش الحسين بن علي". وقال أيضا: "ما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله إلاّ كتب له مائة ألف حسنة وحطّ عنه مائة ألف سيئة".(3)
2 - اقامة المجالس في غير هذا الشهر حتى وردت روايات كثيرة في هذا الصدد اذكر منها :
ففي الرواية المشهورة حين يدخل أبو هارون المكفوف على الإمام الصادق عليه السلام يلتفت إليه الإمام عليه السلام يقول له: أتحفظ شيئاً من قصائد السيد الحميري قال نعم، قال الإمام عليه السلام أنشدني وكأنما هيبة الإمام الصادق عليه السلام قد جعلت هذا الرجل يقرأ القصيدة وكأنها شعر عادي:
أمرر على جدث الحسين وقل لأعظمه الزكية
يا أعظماً ما زلت من وطفاء ساكبة رويّة
ولكن الإمام الصادق عليه السلام التفت إلى الرجل وقال: يا أبا هارون ما هكذا، إقرأها كما تقرأون وفي رواية اقرأها وكأنك عند قبر الحسين عليه السلام.(4)
3 - الصلاة على تربة كربلاء
- قال الصادق ( ع ) : السجود على طين قبر الحسين ( ع ) ينور إلى الأرضين السبعة ، ومن كانت معه سبحة من طين قبر الحسين ( ع ) كتب مسبحا وإن لم يسبح بها (5)
4 - الحث على زيارته سلام الله عليه
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : ( من لم يأت قبر الحسين عليه السلام من شيعتنا كان منتقص الإيمان منتقص الدين ، وإن دخل الجنة كان دون المؤمنين في الجنة )(6)
وعن أبي عبد الله ( ع ) قال : ( من أتى قبر الحسين عليه السلام تشوقاً إليه كتبه الله من الآمنين يوم القيامة ، وأعطى كتابه بيمينه ، وكان تحت لواء الحسين ابن علي – عليه السلام – حتى يدخل الجنة فيسكنه في درجته إن الله سميع عليم ) (7)
حتى اننا نلاحظ انه سلام الله عليهم من اكثر الائمة التي وردت زيارات في حقه سواء المطلقة ومثل مافعل الائمة عليهم السلام فقد قام من اتبعهم باحسان من العلماء الناطقين بالقيام ببعض الامور التي تحد من تلك الامور اذكر منهم مثلاً السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس ) :-
1 - اقواله وكلماته واستفتاءته ... التي منها ماجاء في كتاب الشذرات حيث قال :-
(اذن كل حكم فقهي مشمول لاستنصار الحسين (عليه السلام) . فعلى الانسان ان يطبق اوامر الله صغيرها وكبيرها قليلها وكثيرها ظاهرها وباطنها مهمها وبسيطها. فطاعة الله تعالى بتلك الاهمية بحيث ان الحسين عليه السلام على عظمته يقتل في سبيلها ويداس تحت اقدام الحيوانات )(8)
2 - امره بالمسير الى مرقد الامام الحسين عليه السلام في يوم ولادة المهدي عليه السلام :
(( .. والان امامكم مناسبة جليلة هي زيارة نصف شعبان ليلا ونهارا من نصف شعبان. فلا تقصروا بالمشي الى كربلاء المقدسة من مدنكم جزاكم الله خيرا.
فلا تقصروا اذا لم يكن هناك ضرر وتحملوا شيئا من المشقة في سبيل الله . ونحن ايضا نعلم ونحس بان الوقت مناسب من حيث البرد والحر على اية حال.)( 9 )
الامر الثالث : الفهم الخاطىء للثورة والترجمة المشوهة لمجرياتها .. وقد اخذ هذا الامر عدة اشكال اذكر منها :.
1 - التكلم بلسان الحال وهذا ما انتقده السيد الشهيد (قدس سره ) في كتابه الاضواء حيث يذكر سماحته : ((الأمر الثالث : من مجوزات النقل المشهورة بين الخطباء والشعراء الحسينيين النقل بلسان الحال. فكأنهم يرون أن الحديث يكون صادقاً مع التقيد بهذا المعنى، ومن هنا أباح الشعراء لأنفسهم إضافة أقوال وأفعال كثيرة جداً إلى وقعة الطف، بعنوان أنها بلسان الحال لا بلسان المقال. وهذا ليس خطأ كله، بل يحمل جانباً من الصواب من الناحية الفقهية، فإن النقل بالمعنى عن الروايات جائز إن كانت الرواية بدورها محرزة الصحة, كما إن النقل بلسان الحال جائز إذا أحرزنا إن حال المتكلم في تلك الساعة على ذلك. إلا أننا مع ذلك ينبغي أن نكون على حذر شديد من هذه الناحية، لعدة وجوه:
الوجه الأول : إننا لا نستطيع أن نعلم حالهم رضوان الله عليهم، لا الحسين( عليه السلام ) ولا أصحابه ولا نسائه ولا أي واحد هناك منهم، لأنهم أعلى وأجل من أن نعلم ما يدور في خواطرهم وما تخفيه سرائرهم، في حين إننا بعيدون عنهم زمناً ومكاناً وثقافةً ومستوىً، وغير ذلك. إذن فنحن جاهلون بحالهم لا إننا عالمون به لنستطيع التعبير عنه بأي حال من الأحوال، وإنما يجوز الحديث بلسان الحال، مع إحراز المطابقة للواقع. وأنى لنا ذلك؟.
الوجه الثاني : إن ما يكون بلسان الحال إنما هو الأقوال لا الأفعال، فلو تنزلنا جدلاً عن الوجه الأول، أو تم لدينا ذلك الوجه، فإنما يجوز النقل بلسان الحال في الأقوال وحدها. أما نقل الأفعال والتلفيق فيها بعنوان كونها بلسان الحال فهذا لا معنى له ولا بيان له.)( 10 )
اما ان هذا الامر كيف يضيق الخناق على تلك الثورة فأنه من المعلوم انك مهما تصل فلن تدرك مراد الامام (عليه السلام )فتصوير لسان الحال للمعصوم (عليه السلام) على فهمك القاصر امر لايحتاج الى برهان من خطائه اولاً ومن تضييق الخناق ثانياً .
2 - تصوير الشعراء للامام الحسين عليه السلام بموقف الضعيف ....
3 - ذكر خطباء المنبر موقف العقيلة وانها شقت جيبها ... وان مسلم بن عقيل عليه السلام قد تطير وانه طلب من الامام عليه السلام اعفاءه ....وان العباس لم يعرف اخوه الحسين سلام الله عليهما حينما اتاه مسرعا وقد اثخن بالجراح ...
الامر الرابع - جعل الواقعة ذات صبغة طائفية او انها حرب على السلطة .كما اشار السيد القائد اعزه الله بقوله ((أنها جُعلَت طائفية بالمصطلح الحديث، أو أنها حرب بين عقيدتين، أو بين جهتين ذات صِدامٍ شخصـي أو حرب على السلطة، وهذا وإن كان واضح البطلان عند البعض، إلا أنه ذا ضبابية عند الآخرين، فلا يجب التَّغافُل عنه، بل لا بد من العمل على تفهيم القواعد الشعبية على ذلك، خصوصاً بعد أن نعلم أن الإمام الحسين ليس حكراً على جهة معينة دون أخرى، بل هو قائد إنساني، أعني لكل الإنسانية جمعاء، فإن هدفه إحلال السلام من خلال إحلال الإسلام الحقيقي وبوجهه الوضّاء، لا الوجه الآخر الـمُتَّسخ والمتَّشح بالظلام.)( 11 )
اقول :- وهذا من شأنه ان يجعل الحسين عليه السلام لطائفة دون اخرى وهذا ليس بصحيح فالحسين عليه السلام ليس للشيعة فقط وليس للاسلام فقط وانما للانسانية جمعاء وهذا مايجب علينا ايصاله لكل الناس .
الامر الخامس :- التحدث عن الواقعة كسرد تأريخي او بلغة قديمة كما يعبرون دون ربطها والتحدث عنها بلغة حديثة كما عبر سماحته فأنه من الامور التي تضيق الخناق على تلك الثورة وتضييق الخناق يأتي من :-
افراغ محتواها من جهة وجعلها غير متجددة من جهة اخرى ...فكم هو جميل ماطرحه السيد القائد اعزه الله في كتابه كربلاء ام القرى حين اعتبر ان الامام الحسين عليه السلام مخول من قبل الرسول صلى الله عليه واله وسلم في كل ما قام به مستنداً الى ذلك في ذكر الاحاديث التي جاءت في حقه والتي منها " حسين مني وانا من حسين "
الامر السادس :- ان نجعل من الحسين عليه السلام وثورته المقدسة شعائر لا شعار او شعار بلا شعور
وهذه النقطة او قل الامر وان كان يشابه الى حد ما ذكر في النقطة الاولى الا اني افردته هنا لاهميته فقد قال سماحة السيد القائد " ولذا فانه من الضروري أن يتحلى الفرد الحسيني سواء الخطيب ام حظّار المنابر بالطاعة في كل حركاته وسكناته لا كالذين يقومون بالشعائر في كل سنة وهو بعيد كل البعد من الطاعات الاخرى كالصلاة والصيام وما الى ذلك ( تلكاه امجودر على شارع كربلاء بس هو يمكن صار ستة اشهر ما امصلي حبيبي هاي عيب هاي كون اتنصحون الجالسين جوه منبركم لا ايسوها ، فالتفتوا رجاءً.)( 12)
فقد كان الحسين عليه السلام محافظاً على الصلاة فهل انت كذلك ؟
وقد كان الحسين عليه السلام رافضاً للظلم طالباً للشهادة موطناً للقاء الله نفسه فهل انا وانت كذلك ؟
وقد كان الحسين عليه السلام لايقبل الذل والهوان حتى قال كلمته المشهودة " هيهات منا الذلة " فهل انا وانت كذلك ؟
وقد كان الحسين عليه السلام طالباً لرضا ربه باذلاً في سبيله كل شيء محباً للمؤمنين راغباً في هداية الناس اجمعين .... فهل انا وانت كذلك ؟
نعم هذا هو الاصلاح الذي اراده الحسين عليه السلام من ثورته المقدسة فلنسعى جاهدين لتحقيق ما اراده الحسين عليه السلام حتى لانكون من المضيقين لثورته الشريفة .


النتائج

الابتعاد عن كل الامور التي من شأنها تضيق الخناق على ثورة الطف وقائدها العظيم الامام الحسين عليه السلام والسعي الجاد للحد منها وهذا لايكون الا باتباع القيادة الحقة التي فهمت الثورة فهما صحيحا وترجمتها ترجمة صادقة وواجب المخلصين في نقل وتجسيد ذلك الفهم قولاً وفعلاً امام الناس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
(1) المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428هـ
(2)و (12) كلمة السيد القائد مقتدى الصدر اعزه الله الى خطباء المنبر الحسيني
(3) (آمالي الصدوق: 122).
(4) مجالس العزاء في عصر الأئمة عليهم السلام ص25
(5) ( الوسائل ج 3 ص 607 ، ومن لا يحضره الفقيه ج 1 ص 268)
(6) كامل الرازي ص ٣٥٥ ، ومثله في التهذيب ج ٦ص ٤٢
(7) الوسائل ج ١٤ ص ٤٩٧
(8) شذرات من فلسفة تاريخ الامام الحسين عليه السلام للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس ص23
(9) خطب الجمعة للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر الخطبة (1 ) الجمعة (32 )
(10) اضواء على ثورة الامام الحسين عليه السلام للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس ص115
(11) كربلاء ام القرى للسيد القائد مقتدى الصدر ص2

أحسنت وبوركت ، بحث موفق وعزاء مقبول إن شاء الله جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

عظم الله لك الاجر واحسن لكم العزاء
وتقبل الله هذه المواساة
اسال الله لك التوفيق ببركة الصلاة على محمد وال محمد

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
عظم الله لكم الاجر وأحسن لكم العزاء
تقبل الله منك أخي هذه المواساة وجعلها في ميزان أعمالك

اللهم صل على محمدوال محمدوعجل فرجهم والعن عدوهم
عظم الله لك الاجر واحسن لكم العزاء
وتقبل الله هذه المواساة
احسنت اخي وفقك الله لكل خير