سيرة من حياة الصحابي الجليل (جون مولى ابي ذر الغفاري رضوان الله عليه)

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم

عرصة كربلاء بقعة طاهرة سفكت على ميادينها اطهر الدماء لخير الاولياء والاصحاب...

فأينعت ثمارا حملت على اغصانها واوراقها دروس وعبر حطت بدماء خير الاصحاب بدليل قول المعصوم اصحابي خير الاصحاب .

مجموعة من الاصحاب اختزلوا الزمن وتوحدة هدفهم فمنهم الشيخ الكبير والصبي والغني والفقير والسيد والعبد ...

ليبرهنوا للعالم اجمع انه لا وجود للفوارق والطبقية بين من يريد ان ينهج منهج الحق المحمدي الاصيل .

فالقرب والبقاء والخلو للتقوى والايمان الصادق وكما قال تعالى ( ..........................ان اكرمكم عند الله اتقاكم )1

ومن هذه العرصة المباركة عرصة كربلاء علينا ان نتعلم درسا مهما الا وهو ان اولياء الله لا يحدهم زمان ولا مكان ولا منصب معين او واجهة اجتماعية او مستوى مادي من الغنى والفقر ....

بل اثبتت لنا كربلاء ان هناك من لم يكن له شان بنظر عامة الناس ولكن وبعد ان اثبت ولائه للأهل بيت النبوة وقف الأولياء على قبره يزورونه ويدعون له كما ورد عن مولانا الصادق عليه السلام في زيارته لاصحاب الحسين ((بابي انتم وامي ...))2

فنحن نعلم جيدا (ان الله يخفي اولياء بين عباده ) فلا يطلع على اعمالهم الا الله ومن اختصهم بعلمه يخفيهم لساعة يخذل فيها من يعتقد انه شيء وهو لا شيء كما قال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس ):من ضن انه شيء فهو لا شيء ومن ضن انه لا شيء فهو شيء)3.

واليوم وبعد ان اجاد اخوتي الاحبة في بحوثهم القيمة احببت ان اعرج على اروع النماذج في هذه العرصة المباركة نموذج حسيني تجسدت فيه الهمة والتواضع والعمل الجاد في الفائدة ممن قضى حياته في خدمتهم لانه وجد فيهم الخير كله ووجد فيهم انهج الحق فاستفاد من هذه الفترة الرائعة التي يطمح اليها كل فرد مؤمن ساعي الى التكامل وبعكس الامر فانهم وجدو فيه انه معد ليوم ينصر فيه دين الله ووليه الحسين عليه السلام فأفاضوا عليه من نورهم وعلمهم وشجاعتهم ...

فلم يقدم نفسه خادما وعبدا لهم فحسب بل وقف اشرف وقفه يشهد لها التاريخ فكان بحق نعم العبد الحر المطيع لمولاه وكان نعم الخادم والتلميذ الفذ فنال شرف الالتحاق ونال شرف الجهاد بين يدي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله ونال اشرف تكريم من شخص الامام الحسين عليه الاسلام حينما وضع خده الشريف على خد هذا العبد المضحي داعيا له بطيب الريح ونور الوجه وطيب المسكن بجوار الحبيب المصطفى صلى الله عليه واله .

جون مولى ابي ذر الغفاري ( رضوان الله عليه )

اسمه : جون بن حوي بن قتادة بن الاعور بن ساعدة بن عون بن كعب بن حوي من اهل النوبة .

كان عبدا اسودا اشتراه الامام علي عليه السلام ووهبه الى ابي ذر الغفاري (رضوان الله عليه ) وعندما نفي ابي ذر الى ( الربذة ) ذهب معه ، فلما توفي ابي ذر رجع الى المدينة المنورة)4. فتلقاه اهل البيت عليهم السلام بالعاطفة والحنان لما فيه من ذكريات لصاحب جدهم (صلى الله عليه واله).

وعندما عزم الامام الحسين (عليه السلام )الرحيل الى كربلاء مع اهل بيته واصحابه ومن التحق معهم من الناس

{فكان من ضمن الركب السائر الى كربلاء (جون) الرجل البسيط

كان في ذهن عامة الناس لا يحسب اذا حسبت البطولات ولا يذكر اذا ذكرت التضحيات كان اقصى ما يعرف عنه انه خادم امين وتابع مخلص.

بقية جون على حاله هذا وكأنه لا شأن له اكثر من هذا الشأن ولا يخطر في بال احد ان يكون له دور فوق هذا الدور، كان في حسبان السائرين انه يغتنم اول فرصة لينجوا بنفسه ولكن جون بقية في الركب ولم يفارقة ،على الرغم من انه كان يسمع ويرى خطابات الامام الحسين(عليه السلام)التي تكررت اثناء الطريق وهو يعطي الرخصة للأصحاب بالمفارقة .

ومن هذه الخطابات

عندما جاء الخبر للامام الحسين (عليه السلام) بقتل مسلم بن عقيل وهانىء ابن عروة وعبد الله بن يقطر،فأراد الحسين ان يختبر فقال :

(اما بعد فانه قد اتانا خبر فضيع قتل مسلم بن عقيل وهانىء ابن عروة وعبد الله بن يقطر وقد خذلتنا شيعتنا فمن احب الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام ،فتفرق الناس عنه تفرقا فاخذو يمينا وشمالا............................................ ...)5 .

لكن جون بقي ثابت مع الاصحاب الثابتين على عهدهم ووفائهم حتى وصل الى كربلاء .

جون في خيمة الامام الحسن(ع) فرأى الامام يصقل سيفه ويردد تلك الابيات التي كان ينعى فيه نفسة

يـــا دهــر أف لــك مـــن خليـل كم لــــك بالإشــــراق والأصيل

مــــن صــــاحب أو طالب قتيل والـــدهر لا يــــقنع بالبديــــــل

فلم يذكر احد ان جون انفعل او تأثر او بكى

اتراه لم يفهم ما كانت تعنية تلك الابيات ؟

اتراه صلب العاطفة وتحجر القلب الى حد لا يهزه صوت الحسين (ع) وهو ينعى نفسه ؟

اتراه في تلك الساعة في شغل من كل شيء الى نفسة يفكر كيف يدبر وسيلة للخلاص ؟

الحقيقة كانت فوق كل التصور ...........

لم يبكي جون ولم ينفعل ولم يتأثر لان ما كان فية فوق البكاء والانفعال

كان جون يستعرض في ذهنه كل ذلك الماضي الحافل كان يتذكر النبي (صلى الله عليه واله) وهو يرفع الانسان الاسود الى اعلى مراتب الكرامة حين عهد الى واحد منهم (بلال ) بوظيفة مؤذنه الخاص وكان يتذكر تلك الالوف التي انطلقت حرة تنفيذاً لوصايا النبي (صلى الله عليه واله) كل ذلك يجول في ذهن (جون مولى ابي ذر الغفاري )

كان جون يلجأ الى صمت رهيب ، وضل صامتا حتى دنى الليل فاصغى بكل جوارحه الى الحوار البطولي الخارق الذي جرى بين الحسين وانصاره فهو يحرضهم على تركه وحده والانطلاق في سواد الليل وهم يردون علية واحد بعد واحد (رافضين لأول مرة في حياتهم أوامره)* ويصرون على ان يلقوا نفس المصير الذي سيلقاه هو .

كان جون في تلك الساعة يجلس في زاوية دون ان يأبا له احد وكان يود من كل قلبه لو كان لصوت الزنوج صوت بين هذه الاصوات ولكنه فضل الصمت المطبق

ساعة الوفاة

وفي الصباح انطلق اصحاب الحسين عليه السلام يتسابقون الى الموت ومشى كل منهم ليستأذن الحسين ويودعه ماضيا الى مصيره .

دنت ساعة الوفاة (لجون مولى ابي ذر) للنبي واهل بيته (صلوات الله عليهم) دنت الساعة التي يرد فيه جون بعض الجميل .

تقدم جون من الحسين (عليع السلام ) وقد انقلب بطلا مغوارا وقد اجتمعت فيه كل فضائل بني جنسة .

تقدم يستأذن الحسين في ان يكون كغيره من الرفاق فالتفت الحسين اليه وقد اخذته الرقة والحنان عليه .

فقال له :

ياعم انما تبعتنا لطلب العافية فلا تبتل بطريقتنا

فوقع جون على قدمي الامام الحسين ع يقبلهما ويقول :

يابن رسول الله انا في الرخاء الحس قصاعكم وفي شدة اخذلكم ؟!

والله ان ريحي لنتن وان حسبي للئيم وان لوني لاسود فتنفس علي بالجنة ليطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي لا والله لاافارقكم حتى يختلط هذا الدم الاسود بدمائكم .

حقق الحسين (عليه السلام ) رجاء جون فأذن له فمشى مزهواً ببطولاته ومعتزاً يود لو ان زنوج الدنيا يطلون عليه ليرو كيف مثلهم في موكب البطولات وتكلم بأسمهم على منبر التضحيات {.6

فبرز الى ساحة المعركة يقول :

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود ** بالسيف القاطع المهند

أذبّ عنهم باللسان واليدي ** أرجو به الجنّة يوم المورد

فقتل خمساً وعشرين رجلاً منهم، ثم سقط شهيدا في ارض كربلاء فأسرع اله المام الحسين(عليه السلام) ووضح خدة على خدة فقال جون من مثلي وابن بنت رسول الله وضح خدة على خدي وفاضت روحة الطاهرة .

(ويذكر ان بني اسد عندما ارادو دفن الشهداء وجدوا جون بعد عشرة ايام تفوح منه رائحة المسك ) 7.

فالسلام على الحــــسين

وعلى علي ابن الحسين

على اولاد الحـــــــسين

وعلى اصحاب الحسين

والسلام على جون الشهيد ورحمة الله وبركاته

بعض العبر

1_ان هنالك اولياء لله بين الناس لايعرفهم الى الله ومن اختصهم بعلمه (ان الله اخفى اولياء بين عبادة) فعلينا ان لا نستضعف او نستصغر احدا مهما كان حاله فما ادرانا عسى ان يكون ولي من اولياء الله .

2_ ان هناك ساعة لله يمتحن فيها الله عباده ويختبرهم،

الناجح فيها من كانت له تربيه صحيحة مستفيداً من تجربة من اتخذه مربيا وهاديا للخط اللاهي الصحيح

3_ (ان ادوار المخلصين في عهد الائمة لم تكن تأخذ طابعاً ومسلكاً واحداً ،بل تجل ان لكل فرد منهم دورا بارزاً مشهوراً واخر ضامراً مستوراً وتجد ان احدهم فقيهأ لامعأ واخر متكلمأ بارعاً وثالثأ مختص بقضاء حوائج الكؤمنين واخر شجاعا مقاتلا وهكذا كلً بحسب القدرات التي يبدع من خلالها علما ان الكثير منهم كان يجمع هذه الصفات التي ذكرناها ويبقى اختيار الدور يحدد له من قبل امامه عليه السلام من دوم اعتراض او تردد )8.

هوامش

*علما انهم في الواقع لم يعصوا امر الامام لان الامام الحسين عليه السلام في معرض تخييرهم وليس ان يأمرهم فهم ليس في محل المعصية ،لانهم اخذوا او اختاروا الفرد الاكمل .

المصادر

1ـ سورة الحجرات (13)

2ـ زيارة اصحاب الامام الحسين عليه السلام

3ـ حكم ومواعظ السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس

4ـ كتاب (الحسين يكتب قصته الاخيرة) السيد محمد باقر الصدر قدس

5ـ تاريخ الطبري 3/303

6ـ المجلس 277من كتاب (مناقب ومصائب العترة النبوية ) السيد محسن الامين . بتصرف

7ـ كتاب (الحسين يكتب قصته الاخيرة) السيد محمد باقر الصدر قدس

8ـ كتاب( السيد مقتدى الصدر والمخلصون ) الاستاذ علي الزيدي

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
السلام على العبد الصالح جون مولى ابي ذر الغفاري يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا
تعطرت صفحات المنتدى بهذه السيرة المباركة
وفقك الله لكل خير على البحث القيم

جزاك الله خيراً على هذا البحث

عرف في حياته مولى فاصبح بعد وفاته سيدا
اين هذا من ذاك متاع طويل مشرف وعبر لاخرين اختطها جون من خلال اخلاصه في الدنيا الفانيه ذات المتاع القليل فكان بطلا شهيدا على ارض كربلاء
موفق بحق الحسين عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيك اخي العزيز وثبت اقدامك على الصراط المستقيم يوم تزل فيه الاقدام