أسباب محتملة ودروس مستقاة من طلب الامهال ليلة العاشر من محرم

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم

الاهداء
الى مبشرة الاولياء
وسيدة النساء
فاطمة الزهراء سلام الله عليها
اهدي بحثي المتواضع هذا

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
اَللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَاَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَّنِكَ، وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَاَشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَاَعْظَمُ الْمُتَجَبِّرِينَ في مَوْضِعِ الْكِبْرياءِ وَالْعَظَمَةِ، اَللّـهُمَّ اَذِنْتَ لي في دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ فَاسْمَعْ يا سَميعُ مِدْحَتي، وَاَجِبْ يا رَحيمُ دَعْوَتي، وَاَقِلْ يا غَفُورُ عَثْرَتي، فَكَمْ يا اِلهي مِنْ كُرْبَة قَدْ فَرَّجْتَها وَهُمُوم قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَة قَدْ اَقَلْتَها، وَرَحْمَة قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاء قَدْ فَكَكْتَها، اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبيراً )(1).
برحمتك يا ارحم الراحمين
وصلى الله على محمد وال بيته الطيبين الطاهرين

مقدمة البحث

لقد حث الله سبحانه وتعالى في القران الكريم على التدبر في آياته حيث يقول الله سبحانه وتعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) سورة محمد(ايه 24 )وقال تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)(2) (سورة القمر) ايه (32)
وهذا التدبر لا يقتصر اكيداً على آيات القران الكريم فقط وانما على كلام عدل القران ايضاً اعني بهم النبي وعترته الطاهرة ففي التدبر يمكن ان نصل الى الكثير من العبر والدروس التي أراد المعصوم (عليه السلام) ايصالها اما قولاً او فعلاً، فأن في كل حركة بل في كل سكنة من سكنات المعصوم (سلام الله عليه) درس بل دروس جمة وهذا ما اشار اليه سماحة السيد القائد مقتدى الصدر (اعزه الله) في كتابه كربلاء ام القرى حيث يقول فإن في كل حرف لهم وفي كل سكنة وحركة فائدة، بل فوائد جمة قد نَتَفَهَّم بعضها ونَعِيَ بعضها الآخر، ونتعلم البعض الآخر، وقد تخفى عنا بعض العِبَر والأفهام... وإنما هذا لعِظَمِ وكِبَرِ ودِقَّة ما يقولون، ولصِغَرِ ما نَعِي ونفهم )(3).
وانطلاقاً من ما مر ذكره وتنفيذاً لأمر الله والنبي واهل بيته (عليهم السلام) أحببت في بحثي هذا ان أخذ أحد مواقف الحسين (سلام الله عليه) وقوله في عرصة كربلاء وهو طلب الامهال في ليلةٍ واحدة وهي ليلة العاشر من محرم حيث شرعت بذكر الرواية اولاً ثم الأسباب من طلب ذلك الامهال وترتيبها على شكل اطروحات مبتغياً منها الفائدة لي اولاً ولكل الموالين ثانياً، ثم سلطت الضوء على ما نطق به الحسين (سلام الله عليه) من عبارات في ذلك الموقف ثم النتائج او قل الفوائد كانت خاتمة بحثي المتواضع هذا

البحث
جاء في كتاب / اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس: ص 54.(4) وكتاب المجالس الفاخرة للسيد عبد الحسين شرف الدين: ص 271(5) وفي مصادر أخرى ذكر الرواية التالية : كان في ليلة العاشر من المحرم، حين نادى عمر بن سعد في عسكره بالزحف نحو الإمام الحسين، وكان (عليه السلام) جالساً أمام بيته محتبياً بسيفه وخفق برأسه فرأى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: " إنك صائر إلينا عن قريب
وينقل لنا التاريخ أيضاً أن زينب سمعت أصوات الرجال. فقالت لأخيها:
"قد اقترب العدو منا ".
فقال لأخيه العباس عليهما السلام:
" اركب بنفسي أنت حتى تلقاهم واسألهم عما جاءهم وما الذي يريدون ".
فركب العباس في عشرين فارساً، فيهم زهير وحبيب وسألهم عن ذلك،
قالوا: جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه أو ننازلكم الحرب.
فانصرف العباس (عليه السلام)، وأعلم أخاه أبا عبد الله بما عليه القوم.
فقال (عليه السلام):
" ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار




يمكن ان نعرض عدة اطروحات في سبب طلب الامام الحسين (عليه السلام) امهاله ليلة العاشر من محرم وهذه الاطروحات يمكن ان تضاف الى السبب الذي ذكره الامام الحسين (عليه السلام) في الرواية السالفة الذكر حيث قال (لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره) فمن تلك الاطروحات ما يلي:

أولاً: ان المعصوم (عليه السلام) باب رحمة لكل الناس حيث يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) سورة الأنبياء ايه (107)
لذا فهو يحب الخير والتكامل للبشرية جمعاء فضلاً عن أصحابه فبدون أدنى شك ان تلك الليلة التي قضاها الاصحاب مع سيد الشهداء (عليه السلام) وهم بين قائم يصلي وتالِ للقران لها من الفضل والاجر لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى أذن فهي بمثابة هدية او قل مكافئة أرادها الامام الحسين (سلام الله عليه) لأصحابه المخلصين.

ثانيا: ان الامام الحسين (عليه السلام) وكما هو معلوم ترجمان القران وهو قران ناطق فقد ألم بظاهر القران وباطنه كما يقول الله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ [وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ] [آل عمران: 7) وفي آية أخرى (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ(77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ(78) لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ(79 ) (سورة الواقعة)

ولست الان بصدد بيان تفسير الآية ومن أراد فليراجع الكتب المعدة لذلك
اذن فمن المحتمل جداً ان الامام الحسين (عليه السلام) أراد لثورته ان تكون مصداقاً لقوله تعالى (وَالْفَجْرِ(1) وَلَيَالٍ عَشْر(2) سورة الفجرٍ) حيث تمم الليلة العاشرة في طلب الامهال من الأعداء حيث جاء في بعض التفاسير ومنها تفسير الأمثل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي : (انه احد الاقوال في تفسير الليالي العشر في صورة الفجر بأنها الليالي العشرمن المحرم ) حيث يذكر في ج20 ص 105: ما هذا نصه ( يمكن ان يكون وصف السورة بسورة الامام الحسين (عليه السلام)بلحاظ أنه أفضل مصاديق ما جاء في اخر آياتها حيث فيما ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية الأخيرة من السورة: ان (النفس المطمئنة) هو الحسين ابن علي (عليه السلام) او قد يكون بلحاظ (ليال عشر) المقسوم بها في اول السورة حيث من ضمن تفاسيرها انها: ليالي محرم العشرة المتعلقة بشهادة الامام الحسين (عليه السلام)(6)


ثالثا: انه من المعلوم ما للأعلام من دور كبير في نجاح الثورات فالأمام (سلام الله عليه) كان يدرك ذلك اكيداً فهو قائد محنك الذي لم يرد ان تحدث المعركة في جنح الظلام وبذلك يصعب نقل تفاصيلها وبيان بشاعة الجهة المعادية

رابعا: يمكن ضم هذه النقطة الى النقطة الأولى حيث يمكن القول ان الامام الحسين (عليه السلام) أراد في تلك الليلة امهال الجهة الأخرى لمراجعة النفس لعله يكون باب لتوبتهم والرجوع عما أقدموا عليه فهو الاب الرحيم بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني فهو الذي بكى حتى على اعدائه كما نصت بذلك الروايات وفعلاً تمت توبة بعض من الجيش المعادي وإعلان توبتهم امام الحسين (عليه السلام) كما جاء في الرواية التالية: (انحاز من معسكر عمر بن سعد في هذه الليلة الى معسكر الإمام الحسين (عليه السلام ) اثنان وثلاثون رجلاً لما رأوا منهم هذا التهجد )(7)

خامسا: جاء في الرواية وقد اقتطعت موضع الحاجة ( ... وقد بلغنا أيضا انه كان يوم الجمعة وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء خرج فيمن معه من الناس ...)( 8 )اذن وبعد التسليم بصحة الرواية تكون ليلة العاشر هي ليلة جمعة ومن المعلوم ما لهذه الليلة من فضل عظيم بينته الأحاديث والروايات الشريفة عندها يمكن القول ان الامام الحسين سلام الله عليه في طلبه الامهال واحياء تلك الليلة قد حقق الكثير من الأمور منها:
1- تأكيد على أهمية هذه الليلة
2- زاد هذه الليلة فضلاً الى فضلها
3- تأسيس لاحياء ليلة العاشر بشكل عام وليلة الجمعة بشكل خاص
4- تأسيس لذكر مصيبته واصحابه في هذه الليلة المباركة
ثم دعونا نعرج الى كلام ريحانة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) الامام الحسين (عليه السلام) لننهل منه بعض الدروس والعبر فما من حركة او سكنة من المعصوم الا وله فيها عبرة فنقول


أولاً – لقد أكد الامام الحسين (عليه السلام) من بين الكثير من العبادات على أربع منها وهن:
1- الصلاة
2- تلاوة القران
3- كثرة الدعاء
4- الاستغفار
ثانياً: فقد استخدم الامام (عليه السلام) في حديثه صيغة الجمع قبل ان يستخدم صيغة المفرد لبيان ما للعبادة الجماعية من اهمية وفضل كبير عند الله سبحانه وتعالى هذا اولاً والحث عليها ثانياً



ثالثاً: ربما نفهم من قوله (عليه السلام) انه يعلم أنى أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار أمور منها،
(أ) أن العبادات بوجه عام وما ذكره (سلام الله عليه) بوجه خاص لا تكون مرضيه او لأ تأتي بثمارها المرجو منها الا إذا كنت محب لها فلا خير في صلاة وانت راغب عنها وكذلك الدعاء وتلاوة القران والاستغفار وغيرها
(ب) (نصيحة قد تعرض في المقام ذكرها السيد الشهيد قدس سره في فقه الاخلاق ج1 هو انه لا ينبغي ايقاع العبادة في مورد الملل حيث يقول ( فإنَّ كثرة العبادة قد تكون مملةً أحياناً، وعندئذٍ ينبغي للفرد تركها، حتى تنفتح الرغبة إليها مرةً أخرى. ولا ينبغي إيقاع العبادة حال الملل فيها، ووجود ردِّ الفعل النفسيِّ السيِّء تجاهها.)(9)
(ج) ان هذا الحب في الصلاة وغيرها من العبادات هو دأب ائمتنا (سلام الله عليهم) فرسول الله صلى الله عليه واله )عرف بحبه للصلاة فهي قرة عينه فلطالما عندما يحين وقت الصلاة ينادي بلال قائلاً : (ارحنا يا بلال )(10)
اما بضعته الطاهرة اعني بها فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقد ورد عنها انها قالت (حببإلى من دنياكم ثلاث: تلاوة كتاب الله، والنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والإنفاق في سبيل الله )(11)
(د) ان هذه الصفة ليست للائمة فقط وانما لكل من تأسى بهم ومن سار على نهجهم وخير مصداق على ذلك السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) حيث يروي لنا السيد القائد مقتدى الصدر اعزه الله ما يلي (فما كنت لأفتح عيني إلا ورأيته عابداً زاهداً أو قارئاً كاتباً ، فإذا أستيقظت ليلاً وجدته يتهجد وإن جلست من نومي فجراً وجدته ساجداً راكعاً لربه شاكراً ، فإني لم أجده لواجبٍ قد ترك أو لمُحرمٍ قد فعل أو لمكروهٌ قد عمل أو لمستحب متمكن منه قد هجر قد كان لله ذاكراً ولحبه عاشقاً وله طالباً وبذكره وبذكر نبيه وآله لاهجاً))(12)
اما السيد القائد مقتدى الصدر اعزه الله فانه حينما سئل عن الذكر المحبب اليه أجاب سماحته : ( اللهم صل على محمد وال محمد والاستغفار )
مع ملاحظة ان هذا الحب للعبادة لا يعني العزلة عن المجتمع بل ان الإصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر دأب كل المصلحين وخير مصداق على ذلك امامنا الحسين (عليه السلام) حيث بين سبب خروجه بقوله ({إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي}(13)
فالإصلاح يضم بين دفتيه كل معاني المحبة والسعي في قضاء حوائج الناس وغيرها كثير
رابعا: ان الاتباع الحقيقي لآل البيت (عليهم السلام) هو ان نحب ما يحبون ونبغض ما يبغضون ومما جاء في الزيارة الجامعة (محب لما احببتم ومبغض لما ابغضتم) وهنا الامام الحسين (عليه السلام) يقول (انه محب للصلاة وتلاوة القران وكثرة الدعاء والاستغفار) فبالأحرى ان نتأسى بقولهم وافعالهم. وهذا التأسي ليس فيما ذكر وانما في كل صفاتهم الحميدة الاخرى

نتائج البحث او الفوائد

أولا: حب الخير الغير من الأمور التي اتسم بها الإسلام وجسدها قادة الكرام فهم لم يقتصر حبهم هذا لاتباعهم فقط بل تعداه لكل البشرية فبل أحرى ان نربي أنفسنا على التخلق بهذه الصفة الحميدة

ثانيا: قيل في الحكمة ليس من الحكمة ان تقول كل ما تعرف فأنه والله العالم لم ينحصر سبب الامهال مما ذكر في الرواية فأنه من المحتمل جداً هناك أسباب أخرى لم يذكرها الامام (سلام الله عليه) لعلمه عدم قبول الطرف الآخر لو اطلعه على الأسباب الأخرى الواقعية وفي ذلك درس لنا في استخدام الخبرة في التصرف وأداره الأمور

ثالثاً: ان في قيام تلك الليلة من قبل الامام الحسين (عليه السلام) واهل بيته واصحابه مع علمهم ما ينتظرهم في الغد لهو درس بليغ لنا بأن لا ننهار أمام الصعوبات وأن نقابل البلاءات بالرضى والشكر لله وعدم الاعتراض

رابعاً: أن في قول الامام (عليه السلام) في الرواية دعوة لكل الموالين للتحلي بما اتصف به من حبه للصلاة وتلاوة القران وكثرة الدعاء والاستغفار فلنربي أنفسنا على محبتها وان لا تكون عادة بل نُقبل عليها بأنفسنا لننال النتائج المرجوة منها.



المصادر
1) دعاء الافتتاح
2) القران الكريم
3) كتاب كربلاء ام القرى
4) (كتاب / اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس: ص 54
5) كتاب المجالس الفاخرة للسيد عبد الحسين شرف الدين: ص 271
6) تفسير الأمثل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج 20 ص 105
7) البحار للمجلسي : ج 44 ، ص 394
8) مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 113
9) فقه الاخلاق ج1
10) الخصال 161
11) نهج الحياة ص 271
12) جاء في مقالُ السيد القائد الحاج مُقتدى الصدر في الذكرى الثانية عشر لإستشهاد الولي الناطق السيد الوالد مُحمد الصدر (صلوات الله عليه)
13) مقتل الحسين (ع )عبد الرزاق المقرم

جزاك الله الف خير على البحث

احسنت اخي الفاضل على البحث المبارك

بارك الله فيك وجزيت الف خير على هذا الجهد والبحث المميز

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
بوركت اخي الغالي على هذا البحث القيم
وفقك الله لكل خير وجعله في ميزان حسناتك