مستويات الخطاب في فصل الخطاب

الملف الشخصي · 29-06-2013, 11:11 PM

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
(مستويات الخطاب في فصل الخطاب)

ورد في كتاب عوالم العلوم ص175 عن داود بن كثير الرقي قال : ( وفَد من خراسان وافد يكنى أبا جعفر و اجتمع إليه جماعة من أهل خراسان فسألوه أن يحمل لهم أموالا و متاعا ومسائلهم في الفتاوي و المشاورة فورد الكوفة فنزل و زار أمير المؤمنين عليه السلام و رأى في ناحية المسجد رجلا و حوله جماعة فلما فرغ من زيارته قصدهم فوجدهم شيعة فقهاء يسمعون من الشيخ فسألهم عنه فقالوا : هو أبو حمزة الثمالي قال : فبينا نحن جلوس إذ أقبل أعرابي فقال: جئت من المدينة و قد مات جعفر بن محمد عليه السلام ، فشهق أبو حمزة وضرب بيده الأرض ثم سأل الأعرابي هل سمعت له بوصية ؟ قال أوصى إلى ابنه عبد الله وإلى ابنه موسى و إلى المنصور فقال أبو حمزة : الحمد لله الذي لم يضلَّنا ، دل على الصغير وبيَّن على الكبير وستر الأمر العظيم ،و وثب إلى قبر أمير المؤمنين فصلى وصلينا ،
ثم أقبلت عليه و قلت له فسر لي ما قلته فقال : بين أن الكبير ذو عاهة ودل على الصغير بأن أدخل يده مع الكبير وستر الأمر العظيم بالمنصور حتى إذا سأل المنصور من وصيه قيل أنت ، قال الخراساني : فلم أفهم جواب ما قاله ، ووردت المدينة و معي المال و الثياب و المسائل ...... فرأيت موسى بن جعفر عليه السلام على حصير الصلاة- فقال لي يا أبا جعفر اجلس وأجلسني قريبا فرأيت دلائله أدبا و علما و منطقا ...... و قال لي أ لم يقل لك أبو حمزة الثمالي بظهر الكوفة و أنتم زوار أمير المؤمنين عليه السلام كذا و كذا قلت : نعم ، قال: كذلك يكون المؤمن إذا نور الله قلبه كان علمه بالوجه ، ثم قال لي: قم إلى ثقات أصحاب الماضي فسلهم عن نصه ، قال أبو جعفر الخراساني : فلقيت جماعة كثيرة منهم شهدوا بالنص على موسى عليه السلام ....... )
لو تأملنا وصية الإمام جعفر بن محمد عليه السلام التي عهد بها أمام الناس لثلاث اشخاص هم إبنه عبد الله الأفطح وإبنه موسى عليه السلام والمنصور الدوانيقي نلاحظ أنها تضمنت ثلاث مستويات من الخطاب
المستوى الأول : أنه عليه السلام قد خاطب شيعته بلغة خاصة ضمَّنها الحقيقة التي أراد إيصالها إليهم وإن كان ذلك يستلزم الإلتباس عند بعض والتحيّر في معرفة ولي الأمر من بعده لفترة تقصر أو تطول ، ومما لايخفى على ذي لب ان القواعد الشعبية التي يوجه اليها الخطاب وفي جميع اجيالها بالرغم من اختلافها في رتب التكامل فإنها تتألف من نموذجين
النموذج الأول : هو النموذج الواعي الذي أتعب نفسه واعدها لفهم خطاب العصمة امثال ابي حمزة الثمالي رضوان الله عليه فكرس كل وجوده ليسمع من القائد الالهي ويطبق على نفسه ويتعلم من اخطائه واخطاء الاخرين مما جعل هذا النموذج يتمتع بخبرة عالية يستطيع من خلالها ان يفهم من الاشارة ويكون قادرا على فك رمزية الخطاب كما قيل (الحر تكفيه الاشارة ) كون هذا النموذج حريص كل الحرص على اتباع القيادة الحقة وطاعتها والنهل من نبعها الصافي الذي يكون بطاعتها قد حصن نفسه من الظلال واختلاط الاوراق كما تشير الرواية على ان ابي حمزة الثمالي حينما سمع بوصية الامام عليه السلام قال :الحمد لله الذي لم يضلنا، اضافة الى ان ايمان هذا النموذج يجعله متيقن من ان الله تعالى لايترك عباده من دون قيادة ترشدهم الى طاعته جل وعلا فيكون بهذا الاعتقاد قد طوى مرحلة المقدمات واتجه نحو البحث عن النتائج والمصاديق وهذا هو النموذج التي تسعى القيادة الالهية لزرعه في المجتمع ليكون حاملا لمفاهيم مدرسة ال محمد ونواة للقاعدة الصالحة الممهدة لدولة العدل الالهي .
النموذج الثاني : وهو النموذج الذي يكون (كلا على مولاه ) امثال الخراساني الذي لم يفهم خطاب القيادة الالهية حتى بعد البيان والتوضيح كما هو واضح من قوله ك: (فلم افهم جواب ماقاله ) وهذا النموذج يثقل كاهل القيادة ويؤخر سرعة المسير ويكون السبب في حجب الكثير من فيوضات القائد وتأطرها باطار الرمزية خوفا على هذا النموذج من الشبهات
المستوى الثاني: بين الامام عليه السلام من خلال هذا المستوى العاهة التي عليها مدعي الامامة وكشف زيفه للعامة عن طريق النموذج الاول لما يتمتع به هذا النموذج من حنكة ودراية نتيجة الخبرة المتراكمة والتوفيق الالهي فان الله تعالى لايبخل على طالب الحقيقة وقد قال عز من قائل : (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة257
فقد ورد عن هشام ابن سالم قال : (كنا في المدينة بعد وفاة ابي عبد الله عليه السلام انا ومؤمن الطاق (ابوجعفر) والناس مجتمعون على ان عبد الله الافطح صاحب الامامة بعد ابيه فدخلنا عليه انا وصاحب الطاق والناس مجتمعون عند عبد الله وذلك انهم رووا عن ابي عبد الله عليه السلام ان الامر في الكبير مالم يكن به عاهه فدخلنا نسأله عما كنا نسأل اباه ، فسألناه عن الزكاة في كم تجب ؟ قال في مائتين خمسة ، قلنا ففي مائة ،قال درهمان ونصف درهم ....) وان من الثابت عند المسلمين ان لازكاة في اقل من مائتي درهم ولكن الافطح كان يجهل هذا الحكم .
فكان خطاب الامام عليه السلام من خلال هذا المستوى متضمنا لفضيحة وكشف المفسدين وبما يتناسب مع ادراك ووعي الواعين من القاعدة المتلقية للخطاب .
المستوى الثالث : ان الرمزية التي حملها خطاب المعصوم عليه السلام تمخضت عن المستويين الذين ذكرناهما وبقي المستوى الثالث وهو (التقية والسرية) الذي يعبر عنه المعصوم بقوله (التقية ديني ودين ابائي ) لما لهذا المستوى من اهمية في حفظ الدين واستمرار الخط الالهي الذي لايمكن ضمانه الا بحفظ حملته الحقيين وكان من الضروري بلا ريب حفظ وصي وولي عهد الامام المفترض الطاعة في تلك الظروف العصيبة التي مارستها الدولة الطاغوتية آنذاك (الدوله العباسية) للحيلولة دون استمرار خط الاصلاح لما يشكله هذا الخط من خطر يهدد مصير دولتهم الظالمة مما جعل لشيعة اهل البيت عليهم السلام اقتداءا بقادتهم الالهيين دورا فاعلا في ممارسة هذا المستوى فأخذوا بالتدريب والتمرس على الاساليب التي تقيهم سيف الظالمين كـ (السرية والتقية ) لذا نجد الرواة عند نقلهم لاخبار الامام موسى ابن جعفر عليه السلام لايصرحون باسمه الصريح بل كانوا يقولون : ( قال العبد الصالح ) ، (قال العالم ) ، ( قال السيد)
فكانت وصية الامام جعفر بن محمد عليه السلام للمنصور الدوانيقي من اعلى مستويات التقية كما عبر عنها ابو حمزة الثمالي ( سترى الامر العظيم بالمنصور حتى اذا سأل المنصور من وصيه ؟ قيل : انت ) لعلم الامام عليه السلام بان المنصور العباسي قد عهد الى عامله على المدينه ان اقتل وصي جعفر بن محمد .
من خلال ماتقدم يمكن لنا ان نفهم عدة امور اسعفتني بها مدركاتي القاصرة فيما لونظر الفرد المؤمن الى نفسه بغية تكميلها والالتحاق بركب القائد الالهي الذي يمن به الله تعالى على المؤمنين في كل جيل .
الامر الاول: ان خطاب السيد القائد مقتدى الصدر اعزه الله لقواعده الشعبيه والتي لاتخلوا من النموذجين الاول والثاني ( نموذج ابي حمزة الثمالي ونموذج الخراساني ) وكونه سليل تلك السلسلة الذهبية سلسلة ال محمد عليهم السلام فإن خطابه بلا ريب يتضمن المستويات الثلاثة في وصية المعصوم عليه السلام مع ملاحظة تأطرها بإطارها الذي يتناسب مع الواقع المعاش ،فان المؤمن الذي يشعر بإن خطاب القائد الالهي موجه اليه عليه ان يكون ذا نباهه وفطنه شبيها ومصداقا لابي حمزة الثمالي ليتمكن من فهم ما يتضمنه خطاب القائد من كشف المفسدين ، والتقية من العدو الاكبر (الاستكبار العالمي) ، وايصال المطلوب الى المكلف الواعي ، فإننا نرى وندرك حجم المؤامرة التي ارادوا بها تمزيق وحدة وصف اتباع السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره واتباع السيد المقتدى بالخصوص وذلك باعداد نماذج تدعي لنفسها القيادة لتشتيت الجمع المؤمن لما سمعوه من قول السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره (لو توحدنا لهزمنا امريكا واسرائيل)
وبما ان العدو الاكبر يتربص بجهة الحق وليس له شغل شاغل سوى تمزيق هذه الجهه واثارة البلبلة والتخريب في صفوفها ، فان خطاب القيادة الالهية المتمثلة بالسيد القائد مقتدى الصدر اعزه الله قد حسب لهذا الامر حسابه مقتديا بآبائه المعصومين (التقية ديني ودين أبائي والسرية ديني ودين أبائي ) وما على الفرد المؤمن الا ان يجعل هذا المستوى حاضرا لديه حينما يسمع ويحلل خطاب قائده بغية العمل به .
وان من غير المنصف ان يوجه القائد الالهي خطابا الى قواعده الشعبية من دون ان يراعي المصداق الحقيقي للتكليف فلابد ان القائد حينما يوجه خطابه فإنه يعلم بتمامية الحجة على من يفهم الخطاب وانه قد ادى تكليفه من هذه الجهة
الامر الثاني : كيف يكون الفرد المؤمن شبيها لأبي حمزة الثمالي؟
ان مصداق ابي حمزة الثمالي لابد ان يتكرر مع ملاحظة رتبة التكامل التي يمر بها كل جيل ، فلأجل ان يكون الفرد شبيها ومصداقا للمؤمن الواعي عليه ان يركز ويراعي عامل الخبرة ويحضر نفسه للنجاح في القادم والاستفادة من سقطات الاخرين ،فقد مر التيار الصدري بعشرة سنوات من الاوامر الالهية التي نجح فيها البعض وفشل فيها البعض الاخر ونجح البعض في جزء منها وفشلوا في الجزء الاخر وهذه السنوات عبارة عن اختبارات مستمرة وخبرة مكتسبة لمن يغتنمها ويعيش واقعها . وان من الامور الجديرة بالملاحظة التي تؤشر الى خبرة الفرد المؤمن هي عدم الارتباك في المسير في حال تغير القيادة او غيابها عن الساحة فترة قصيرة من الزمن .
الامر الثالث : ان تكامل المجتمع جعل من وصية السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره (... فمن هذه الناحية يحتاج الشعب العراقي الى قيادة لاتمثل التقليد ...) تشير الى عنوان، وليس اسم كما في وصية جده الامام جعفر بن محمد عليه السلام التي ذكر فيها ثلاث اسماء ، فيكون الاختبار مختلف الصورة متشابه المضمون وحسب مستوى التكامل الذي يعيشه المجتمع لذا نرى فشل الكثيرين بسبب اختلاف صورة الاختبار بالرغم من مرحلة التكامل المتقدمة التي يمر بها المجتمع لعدم وجود الخبرة الكافية التي تجعل من الفرد المؤمن قادرا على فهم المضمون وان تعددت الصور .
والحمد لله رب العالمين