العودة   منتدى جامع الائمة الثقافي > القسم الإسلامي العام > ألمنبر الإسلامي العام

ألمنبر الإسلامي العام لجميع المواضيع الإسلامية العامة

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
Bookmark and Share أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-04-2012, 12:12 AM   #1

 
الصورة الرمزية شجون الزهراء

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 387
تـاريخ التسجيـل : Aug 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : في أرض الله الواسعة
االمشاركات : 635

افتراضي تلاعب الشيطان مع الناس من خلال المناسك والعبادات

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إعلم أن الرياء في هذا المقام، أكثر من المقامات الأخرى وأوسع شيوعاً، إذ أننا نحن العامة من الناس، لسنا على العموم أهلاً لذينك المقامين. ولهذا لا يدخل الشيطان إلينا من ذلك الطريق، ولكن بما أن معظم الناس المتعبدين، هم من أهل المناسك والعبادات الظاهرية، فإن الشيطان أثر حرية في التلاعب بهم، في هذا المقام ومن خلال العبادات.
كما أن مكائد النفس في هذه المرحلة أكثر. وبتعبير آخر: بما أن عامة الناس؛ يفوزون بالجنة بالأعمال الجسمانية، أنهم يحصلون على الدرجات الأخروية بممارسة الأعمال الحسنة وترك الأعمال السيئة، فإن الشيطان يدخل عليهم من هذا الطريق نفسه، ويسقى جذور الرياء والتملق في أعمالهم، فتفرّع وتورق، ويبدل حسناتهم سيئات، ويدخلهم جهنم ودركاتها عن طريق المناسك والعبادات، ويحوّل الأمور التي يريدون أن يعمّروا بها آخرتهم إلى أدوات لتخريبها ـ الآخرة فيجعل الملائكة ما هو ـ الأعمال ـ من العليين بأمر من الله في سجين.
فعلى الذين يملكون هذا الجانب فقط، ولا زاد لهم سوى زاد الأعمال، عليهم أن يكونوا حذرين كل الحذر لئلا يفقدوا ـ لا سمح الله ـ الزاد والراحلة كليهما، وصبحوا من أهل جهنم، ولا يبقى لهم طريق نحو السعاد ة، وتغلق في وجوههم أبواب الجنة، وتفتح لهم أبواب النار.
في دقّة أمر الرياء
كثيراً ما يتفق أن يكون الشخص المرائي نفسه غافلاً أيضاً عن كون الرياء قد تسرب إلى أعماله، وأن أعماله صارت رياء وهباء إذ أن مكائد الشيطان والنفس من الدقة والخفاء، وصراط الإنسانية من الرهافة والظلمة بدرجة لا ينتبه الإنسان إلى ما
هو فيه إن لم يكن حذرا جدا. إنه يحسب أن أعماله لله ولكنها تكون في الواقع للشيطان ولما كان الإنسان مجبولاً على حب النفس، فإن حجاب حب النفس يستر عنه معايب نفسه، وقد يأتي بيان بعض ذلك ضمن شرح بعض الأحاديث إن شاء الله، ونسأل منه سبحانه التوفيق على ذلك.
ففي دراسة علوم الدين مثلا ـ وهي من الطاعات والعبادات المهمة ـ يبتلي الإنسان الكامل بالرياء من حيث لا يدري وذلك بسبب الحجاب الغليظ لحب النفس.
إن الإنسان يرغب أن يتفرّد في استيعاب معضة علمية وحلّها لدى محضر العلماء والرؤساء والفضلاء، ويبتهج أكثر، كلما كان توضيحه للمسألة العلمية أحسن، ولفت انتباه الحاضرين أكثر. لأنه يحب أن ينتصر على كل من يناظره. إنه يشعر بنوعٍ من الدلال العلمي والتفوق، وإذا اقترن ذلك بتصديق من إحدى الشخصيات، لكان نور على نور. إن هذا المسكين غافل عن أنه أحرز هنا موقعاً لدى الفضلاء والعلماء ولكنه سقط من عين ربهم ومالك ملوك العالم، وأن عمله قد ترك بأمر الحق المتعال في سجين. ثم إن عمله هذا من الرياء ممزوج بعده معاص أخرى، مثل فضحه وإذلاله وإيذائه أخاً له في الإيمان، وأحياناً التجرؤ على مؤمن وهتكه، وكل واحد من هذه الأعمال هي من الموبقات وكافية وحدها لإدخال الإنسان في جهنم. وإذا ألقت النفس مرة أخرى شباك كيدها، لتقول لك: إن هدفي هو إعلان الحكم الشرعي وإظهار كلمة الحق وهو من أفضل الطاعات، وليس لإظهار العلم والتكبر وحب الظهور، فاسأل نفسك في الباطن أنه لو كان زميلي المساوي لي في الدرجة العلمية هو الذي قال ذلك الحكم الشرعي وهو الذي حلَّ تلك المعضلة وكنتِ أنتِ مغلوبة في ذلك المحضر، أكان ذلك على حدِ سواء عندك؟ إذا كان كذلك فأنت صادق. وإذا لم تترك كيدها وقالت لك: إن إظهار الحق فضيلة، وله ثواب عند الله تعالى، وأنا أريد أن أنال هذه الفضيلة، وأعمّر دار الثواب، فقل لها: لنفرض أن الله تعالى أنعم عليكِ بتلك الفضيلة نفسها في حالة مغلوبيتك وتصديقك بالحق، فهل تبقين طالبة للغلبة؟ فإذا رجعتم إلى باطنكم ورأيتم أنكم ما زلتم تميلون الغلبة، والاشتهار بين العلماء بالعلم والفضل، وأن بحثكم العلمي كان لأجل الحصول على
المكانة في قلوب أولئك، إذاً، فاعلموا أنكم مراءون في هذا البحث العلمي الذي هو من أفضل الطاعات والعبادات وأن عملكم هذا ـ بحسب الرواي الشريفة في كتاب ( الكافي) هو في"سجين"، وأنكم مشركون بالله. وإن هذا العمل هو لأجل حبّ الجاه والشرف وهما ـ بحسب الرواية ـ أشد ضررا على الإيمان من ذئبين أُطلقا على قطيع بلا راعٍ.
إذاً، فعليكم أنتم أهل العلم المتكفلين بإصلاح الأمة والإرشاد إلى الآخرة الأطبَّاء للأمراض النفسية، أن تصلحوا أنفسكم أولا وتجعلوا مزاجكم النفسي سالماً، كي لا تكونوا في زمرة"العالم بلا عمل"وهو صنف معلوم الحال والعاقبة.
اللّهم طهّر قلوبنا من كدر الشرك والنفاق، وصفَّ مرآة قلوبنا من صدأ حب الدنيا وهي منشأ جميع هذه الأمور. اللهم رافقنا، وخذ بأيدينا نحن المساكين المبتلين بهوى النفس وحبِّ الجاه والشرف في هذا السفر المملوء بالخطر وفي هذا الطريق المليء بالمنعطفات والصعاب والظلمات إنك على كل شيء قدير.
إن صلاة الجماعة واحدة من العبادات العظيمة في الإسلام، وفضل إمامتها أعظم. ومن هنا فإن الشيطان ينفذ إلى هذه العبادة أكثر، وهو مع الإمام أشد عداوة، ويسعى إلى أن ينتزع منه هذه الفضيلة، ويفرغ عمله من الإخلاص، ويدخله إلى"سجين"، ويجعله مشركا بالله. ولأجل ذلك يدخل الشيطان إلى قلوب بعض أئمة الجماعة بطرق مختلفة مثل: العُجُب ( سيأتي بيانه إن شاء الله لا حقا ) ومثل: الرياء وهو إظهار هذه العبادة العظيمة، أمام الناس من أجل الحصول على منزلةٍ في قلوب الناس والاشتهار بالعظمة لديهم. فمثلاً يرى إمام الجماعة أن أحد المشهورين بالتقوى والدين قد حضر إلى صلاة جماعته، ولأجل جذب قلبه، يكثر من خضوعه ويلتجأ إلى أساليب مختلفة، وحيل كثيرة لصيده، ومن أجل تعظيم نفسه عند الغائبين الذين لم يحضروا صلاة جماعته، يتحدث في المجالس عن ذلك المتديّن، ويحاول إفهام الناس أن فلانا يأتم به ويشارك في صلاة جماعته. ثم هو أيضا يقابله بالود والح في قلبه، لأجل حضوره في صلاة جماعته ويُكنّ له من الحب والإخلاص ما لم يُكنّ لحظة طوال حياته، لله ولا لأولياء الله، خصوصا إذا كان هذا المتدين من التجار المحترمين. وإذا حدث لا سمح الله أن ضلَّ أحد الأشراف طريقه والتحق بصلاة الجماعة، فإن المصيبة
على إمام الجماعة من وسوسة الشيطان تكون أعظم. إن الشيطان لا يترك حتى إمام جماعة قليلة الأفراد، فيذهب إليه ويوحي له فيوسوس في نفسه: إنني قد أعرضت عن الدنيا، وأقضيها في مسجد صغير، مع الفقراء والمساكين. وهذا أيضا مثل ذاك، أو أسوأ منه، لأنه يثقل قلبه برذيلة الحسد أيضا، فهو فضلا عن كونه لم ينل من الدنيا شيئا يسلبه الشيطان عدّته لآخرته، فيخسر الدنيا والآخرة.
وفي الوقت نفسه لم يرفع الشيطان يده عنّا: أنا وأنت نقصّر في الحضور في صلاة الجماعة ونحمل الهم والأسى لعدم توفر الظروف والمناخ لإقامة صلاة الج ماعة بإمامتنا، فيدفعنا إلى الإساءة إلى جماعة المسلمين والطعن بهم وخلق عيوب للجماعة، ونعد عدم الاشتراك في الجماعة، عزلة، نظهر أنفسنا كأننا زاهدون في الدنيا ومنزّهون عن حب الجاه والذات، في حين أننا أسوأ من كلتا الفئتين السالفتين، فلا نحن نلنا الدنيا الكاملة التي نالتها الطائفة الأولى، ولا دنيا الطائفة الثانية الناقصة. ولا نحن فزنا بالآخرة، مع أننا أيضاً لو أُتيح لنا ما نريد لكنّا أشد من كلتا الطائفتين حباُ للجاه والمال.
والشيطان لا يكتفي بإمام الجماعة وحده فلا تنطفئ شعلة شهوته بجعله ـ إمام الجماعة ـ من أهل النار، بل يدخل إلى صفوف المصلّين المؤمنين، فحيث أن فضيلة الصف الأول أعظم من سائر الصفوف، وأنّ جانب يمين الإمام أكثر فضلا من جانب يساره، فهو يستهدفه أكثر من غيره.
مسكين هذا المتديِّن يجره الشيطان من بيته البعيد ويجلسه في الجانب اليمن من الصف الأول، ثم يوسوس له كي يتباهى على الناس بهذه الفضيلة، إذ لا يدري هذا المسكين ماذا يفعل؟ فيأخذ بإظهار فضله بتفاخر ودلال، ويبرز شركة الباطن فيكون مصيره إلى"سجين"ثم يذهب الشيطان إلي باقي الصفوف ويدفعهم إلى ن يطعنوا من في الصف الأول بالكتابة والإشارة وأن يجعلوا ذلك المتدين المسكين هدفا لسهام الطعن والشتم، معتبرين أنفسهم منزّهين عن مثل أطواره. وأحيانا قد يُرى شخص محترم، خصوصا إذا كان من أهل الفضل والعلم، قد أخذ الشيطان بيده وأجلسه في الصف الأخير، وكأنه يريد أن يقول للحاضرين: إني بمقامي هذا لا ينبغي أن أُصلّي مع شخص كهذا، ولكن لكوني قد أعرضت عن
الدنيا وليس لدي هوى في النفس، فقد جئت بل وجلست في الصف الأخير ولن ألتقي أشخاصا من هذا القبيل في الصف الأول من صلاة الجماعة.
ولا يكتفي الشيطان بالإمام والمأموم، بل يأخذ بزمام بعض ا لمصلين المنفردين عن الجماعة فيقوده من السوق أو المنزل، بدلال وتبختر، إلى زاوية في المسجد، حيث يفرش سجادته منفردا، دون أن يرى أي إمام عادلا، ويصلّي في حضور الناس ويطيل السجود والركوع والأذكار الطويلة. هذا الإنسان يضمر في باطنه كلمة للناس هي:"إنني متدين ومحتاط إلى درجة أترك صلاة الجماعة لئلا أبتلي بإمام غير عادل"هذا الإنسان، فضلا عن أنه معجب بنفسه ومُراء، فإنه لا يعرف المسائل الشرعية أيضا، وذلك لأن مرجع تقليد هذا الشخص، قد لا يشترط أكثر من مجرد حسن الظاهر في صحة الإقتداء ولكن عمله هذا ليس من هذا الباب، بل من أجل الرياء أمام الناس، ولأجل الحصول على المكانة والمنزلة في القلوب.
وهكذا سائر أعمالنا، فهي تحت تصرف الشيطان الملعون الذي ينزل في كل قلب كدر ملوث، ويحرق الأعمال الظاهرة والباطنة ويجعلنا من أهل النار عن طريق الأعمال الحسنة.
في الدعوة إلى الإخلاص
إذاً أيها العزيز، كن دقيقا في أعمالك وحاسب نفسك في كل عمل، وأستنطقها عن الدافع في الأعمال الخيرة، والأمور الشريفة، فما الذي يدفعها إلى السؤال عن مسائل صلاة الليل أو على ترديد الأذكار؟ هل تريد تتفهّم أحكام صلاة الليل وتُعلمها قربة إلى الله، أو تريد أن توحي إلى الناس بأنها من أهل صلاة الليل؟
لماذا تريد أن تخبر الناس بأي أسلوب كان، عن الزيارة للمشاهد المشرفة وحتى عن عدد الزيارات؟
لماذا لا ترضى أن لا يطلع أحد على الصدقات التي تعطيها في الخفاء، وتحاول أن تتحدث عنها ليطّلع عليها الناس؟ إذا كان ذلك لله، وتريد أن يتأسىّ به الناس باعتبار أن"الدال على الخير كفاعله"فإن إظهار حسن، وأشكر الله على هذا الضمير
النقي والقلب الطاهر!.
ولكن ليكن الإنسان حذر في المناظرة والجدال مع النفس، وأن لا ينخدع بمكرها وإظهارها له العمل المرائي بصورة عمل مقدس. فإن لم يكن لله، فتركه أولى، لأن هذا من طلب السمعة وهو من شجرة الرياء الملعونة. ولن يقبل الله المنان عمله، بل يأمر بإلقائه في سجّين. ويجب علينا أن نستعيذ بالله تعالى من شرِّ مكائد النفس، فإن مكائدها خفية جداً، ولكننا نعلم إجمالاً أن أعمالنا ليست خالصة لله، وإلا فإذا كنا عباداً لله مُخْلصين، فلماذا تكون للشيطان علينا هذه السيطرة وبهذا القدر؟ مع أنه أعطى لربِّه عهدا أن ليس له سلطان على عباد الله المخلصين، وأنه لا يمدّ يده إلى ساحتهم المقدسة، وعلى حد القول شيخنا(1) الكبير دام ظله: فإن الشيطان كلب أعتاب الحضرة الإلهية، فلا ينبح في وجه من كانت له معرفة بالله ولن يؤذيه وكلب الدار لا يطارد معارف صاحب الدار. ولكن الشيطان لا يسمح بالدخول لمن ليست له معرفة بصاحب الدار، إذاً؛ إذا رأيت أن لليطان شأناً معك وسيطرة عليك فاعلم أن أعمالك غير خالصة، وأنها ليست لله تعالى.
وإذا كنت مخلصاً فلماذا لا تجري ينابيع الحكمة من قلبك على لسانك مع أنك تعمل أربعين سنة قربة إلى الله حسب تصورك؟ في حين أنه ورد في الحديث الشريف عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما خَلُصَ عَبْدٌ لِلّهِ عَزَّ وجلَّ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً إِلاَّ جَرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ"(2). إذاً؛ فاعلم أن أعمالنا غير خالصة لله، ولكننا لا ندري، وها هنا الداء الذي لا دواء له!.
ويل لأهل الطاعة والعبادة والعلم والديانة الذين عندما يفتحون أبصارهم ويقيم سلطان الآخرة قدرته، يرون أنفسهم من أهل كبائر المعاصي، بل وأسوأ من أهل الكفر والشرك، بحيث أن صحفية أعمالهم تكون أشد سوادا من صحائف الكفار والمشركين.
الويل لمن يدخل بصلاته وطاعته جهنم، الويل لمن تكون صورة صدقته وزكاته
ـــــــــــــــ
(1) الشيخ محمد علي الشاه آبادي.
(2) بحار الأنوار ـ المجلد 70 ـ ص 242.
وصلاته أبشع مما يمكن تصوره. أيها المسكين المرائي، أنت مشرك، وأما العاصي فموحد. إن الله يرحم بفضله العاصي إن شاء، لكنه يقول إنه لن يرحم المشرك إذا رحل من الدنيا بدون توبة(1).
لقد سمعت في الأحاديث الشريفة أن المرائي مشرك. إن من يرائي بين الناس برياسته الدينية وإمامته وتدريسه وصومه وصلاته وبأعماله الصالحة لأجل الحصول على المنزلة في قلوبهم، فهو مشرك. وإنه لن يكون مشمولا بمغفرة الله تعالى حسب الآية الشريفة وأخبار أهل بيت العصمة ـ صلوات الله عليهم ـ . إذاً؛ فيا ليتك كنت من أهل الكبائر، ومتجاهراً بالفسق، ومنتهكا للحرمات الظاهرية، وكنت موحدا ولم تشرك بالله.
فيا أيها العزيز؛ فكّر لتجد سبيلا لنجاتك، واعلم أن الشهرة ين هؤلاء الناس وَهمٌ باطل، إنها ليست بشيء. إن قلوب هؤلاء التي لو أكلها عصفورا لما شبع، إن هي إلا قلوب ضعيفة تافهة، ولا طاقة لها على شيء وإن هذا المخلوق الضعيف لا حول له ولا قوة. القوة هي قوة الله المقدسة، فهو الفاعل المطلق ومسبب الأسباب. ولو اجتمع الناس جميعا وكان بعضهم لبعض ظهيرا، لما استطاعوا أن يخلقوا ذبابة، وإذا سلبت منهم الذبابة شيئا لما استطاعوا استرجاعه منها. كما جاء في الآية الكريمة:
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)(2).
القوة لله تعالى وهو المؤثر في جميع الموجودات. اكتب على قلبك بمداد العقل ـ مهما قاسيت في ذلك و عانيت ـ أن:"لا مـؤثر في الوجود إلا الله"!.
ادخل في قلبك بأية وسيلة كانت، التوحيد العملي وهو أول درجات التوحيد، وأجعل قلبك مؤمنا ومسلما، وأختم على قلبك بهذه الكلمة المباركة بالختم الشريف"لا إله إلا الله"وأجعل صورة القلب صورة كلمة التوحيد، وأوصله إلى درجة
ـــــــــــــــ
(1) إن الله لا يغفر أن يشرك به.
(2) سورة الحج، آية: 73.

"الاطمئنان"، وافهمه أن الناس لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، فالله وحده هو النافع والضار. أزل هذا العمى عن عينك، وإلا فستكون ممن يقول: (... رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا)(1).وتحشر يوم كشف السرائر، أعمى. وأعلم أن إرادة الله تعالى قاهرة لجميع الإرادات، وإذا اطمأن قلبك بهذه الكلمة المباركة وتسلّم لهذه العقيدة، فالأمل أن ينجز عملك، وتستأصل جذور الشرك والرياء والكفر والنفاق من قلبك.
واعلم أن هذه العقيدة الحقة مطابقة للعقل والشرع وليس فيها شبهة الجبر، وهي الشبهة التي من المحتمل أن يعتقد بها بعض من لا إطلاع لهم على مبادئ الموضوع ومقدماته ولم يطرق سمعهم شيء من تلك الأمور، مع أن ذلك يرتبط بالجبر فهو توحيد والجبر شرك، وهذه هداية والجبر ضلالة. وهذا ليس مكانا مناسبا لبيان الجبر والتفويض، ولكن الأمر واضح عند أهله ولا حق لغيرهم بالدخول في هذه المواضيع، بل وقد نهى صاحب الشريعة عن الدخول فيها.
وعلى أي حال؛ أطلب من الله الرحيم في كل حين، وخصوصا في الخلوات، و بتضرع وعجز وتذلل، أن يهديك بنور التوحيد، وأن ينوّر قلبك ببارقة غيب التوحيد في الإيمان والعبادة، حتى تعلم أن جميع العالم الواهي وكل ما فيه يكون لا شيء، واسأل الذات المقدس بكل تضرع أن يجعل أعمالك خالصة وأن يهديك إلى طريق الخلوص والولاء. وإذا واتتك حالة السمو الروحي، فذكر بالدعاء هذا العبد الضعيف العاطل الخالي من الحقيقة الذي ضيع عمره في ال هوى، وأصبح قلبه بسبب كدر المعاصي والأمراض القلبية بحيث لم تعد تؤثر فيه أية نصيحة ولا رواية ولا برهان ولا دليل ولا آية، لعله يجد بدعائكم طريق النجاة، فإن الله لا يرد دعاء المؤمن في حضرة، بل يستجيب دعاءه.
بعد التذكير بهذه المطالب التي كنت تعرفها ولم تكن جديدة عليك، راقب قلبك وأنتبه له، وأخضع أعمالك وتعاملك وحركاتك وسكناتك للملاحظة، وفتش في خبايا قلبك، وحاسبه حسابا شديدا مثلما يحاسب شخص من أهل الدنيا شريكه، وأترك
ـــــــــــــــ
(1) سورة طه، آية: 251.

كل عمل فيه شبهة الرياء والتملق ولو كان عملا شريفا جدا. وإذا رأيت أنك لا تستطيع أداء الواجبات بإخلاص في العلن، فأدها في الخفاء مع أنه يستحب الإتيان بها في العلن. وقليل ما يتفق أن يقع الرياء في أصل الواجب، والأغلب أن يقع في الخصوصيات والمستحبات والإضافات، وعلى أية حال؛ طهّر قلبك من دنس الشرك بجد ومجاهدة شديدتين، لئلا تنتل من هذا العالم ـ لا سمح الله ـ وأنت بهذه الحال السيئة من دون أن يكون لك أمل بالنجاة أبدا، ويكون الحق المتعال غاضبا عليك، كما ورد في الحديث الشريف المنقول في ( الوسائل ) عن ( قرب الإسناد ) بسند متصل إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:"قَالَ رسُول اللهِ صلّى اللهِ عليه وآله وسلم: مَنْ تَزيَّتَ للنَّاس بِمَا يُحبُّ الله وبارزَ لِلّهِ في السرِّ بما يَكرَهُ اللهُ لَقِي اللهَ وهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ ولَهُ ماقِتٌ"(1).
وفي هذا الحديث الشريف احتمالان: الأول: هو ذلك الذي يظهر للناس الأعمال الصالحة ويخفى الأعمال القبيحة. والآخر: هو ذلك الذي يظهر للناس هيكل العمل وفي الباطن يقصد الرياء، وكلتا الصورتين يشملهما الرياء، لأن الإتيان بالواجبات والمستحبات، بغير قصد الرياء لا يستوجب الغضب، بل يمكن القول أن المعنى الثاني أفضل لأن التجاهر بالأعمال القبيحة أشد، وعلى كل حال؛ لا سمح الله أن يكون مالك الملوك وأرحم الراحمين غاضبا على الإنسان "أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ الحَلِيمِ".
في بيان حديث عَلَوي
نختم هذا المقام بحديث شريف روي في كتاب ( الكافي ) عن أمير المؤمنين عليه السلام ونقل الشيخ الصدوق رضوان الله عليه مثل هذا الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام وهو من جملة وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام وهو هذا:
بإسناده؛ عن أبي عبدالله عليه السلام: قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
ـــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة. المجلد الأول ـ الباب الحادي عشر من أبواب مقدمة العبادات ح 14 ص 50.

"ثلاثُ علاماتٍ لِلْمُرَائِي يَنْشَطُ إِذا رَأَى النَّاسَ وَيَكْسَلُ إِذا كَانَ وَحْدَهُ، وَيْحّب أَنْ يُحْمَدَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ"(1).
ولما كانت هذه السيئة ـ الرياء ـ الخبيثة شديدة الخفاء، غابت حتى عن الإنسان نفسه بحيث يكون في الباطن من أهل الرياء وهو يتوهم عمله خالصا، ولهذا ذكروا لها علامة، وبواسطة تلك العلامة يطلع الإنسان على سريرته، وينهض لمعالجتها. وهذه العلامة هي أن الإنسان يشاهد في نفسه عزوفا عن الطاعات عندما يكون وحده، وإذا تعبد فمع كلفة أو من منطلق العادة لا تكون ذات إقبال وتوجه، بل يأتي بالعبادة مقطعة الأوصال من غير كمال وتمام، ولكن عندما يحضر في المساجد والمجامع، وفي المحافل العامة يؤدي تلك العبادة في الظاهر بنشاط وسرور وحضور قلب ويميل إلى إطالة الركوع والسجود، ويؤدي المستحبات أداء حسنا مع توفير كافة أجزائها وشروطها.
إن الإنسان إذا كان منتبها بعض الشيء، ليسأل نفسه عن سبب مثل هذا التصرف؟ ولماذا تنصب شباكها باسم التقدس؟ لمّوهت على الإنسان وقالت: بما أن العبادة في المسجد أعظم ثوابا أو أن في صلاة الجماعة كذا من الثواب، يشتد النشاط. أما إذا صلّيت منفردا وفي غير المسجد، فيكون الاهتمام من أجل أنه:"يستحب أداء العمل أمام الناس بصورة حسنة لكي يقتدي به الآخرون ويرغبون في الدين". أنها ـ النفس ـ تخدع الإنسان بأية وسيلة كانت، ولهذا لا يفكر في العلاج. وإن المريض الذي يعتقد نفسه سالما، لا يؤمل له الشفاء، إن هذا الشقي يرغب في باطن ذاته ولب سريرته أن يظهر عمله للناس وهو غافل عن أن ذلك بدافع من الشيطان، بل إن نفسه تظهر له المعصية في صورة العبادة، وتظهر التكبر والغرور في شكل ترويج للدين. إن الإتيان بالمستحبات في الخلوات مستحب، فلماذا ترغب النفس دائما في أن تؤديها في العلن؟ إنه يبكي من خوف الله في المحافل العامة بحرقة وألم، ولكنه في الخلوات مهما ضغط على نفسه لا تندى عينه. ما الذي حدث لكي يذهب عنه خوف الله إلا بين الناس؟ تسمع له في ليالي القدر وفي جموع الناس الحسرات والنحيب والحرقة والبكاء، يصلي مائة ركعة ويقرأ دعاء الجوشن الكبير والصغير وعدة أجزاء من
ـــــــــــــــ
(1) أصول الكافي ـ المجلد الثاني ـ كتاب الإيمان والفر ـ بال الرياء ـ ح 8.

القرآن المجيد في وسط الجموع، دون أن يتلكأ أو يحس بالتعب.
إذا كانت أعمال الإنسان لأجل رضا الله فقط أو لإستحصال رحمته أو خوفا من النار وشوقا إلى الجنة، فلماذا يرغب في أن يمدحه الناس على كل عمل عمله؟ فنجد أُذُنُه متوجهة إلى ألسن الناس وقلبه عندهم، لكي يسمع من يمدحه، بقوله: ما أشد تدين والتزام هذا الإنسان؟ وما أحرصه على أداء الفرائض في مواعيدها والمستحبات في أوقاتها؟ وإنه إنسان مستقيم وصادق في معاملاته! إذا كان الله هو الهدف في عملك فما هذا الميل المفرط نحو الناس؟! وإذا كانت الجنة والنار هما اللتان تدفعانك إلى العمل فما الذي يحكي لنا هذا الانحراف؟! ان تبه، فإن هذا الحب هو من نفس شجرة الرياء الخبيثة، فاسع ما استطعت لإصلاح نفسك من أمثال هذا الحب إذا كان ذلك ممكناً.
في هذا المقام أُنبّه إلى نقطة مهمة وهي أن لكل واحد من هذه الصفات النفسانية، الحسنة منها والسيئة، درجات كثيرة جدا، بحيث أن مرتبة من الصفات يعتبر الاتصاف بها من الحسنات والتخلي عنها من السيئات وتكون من مختصات أولياء الله أو العرفاء بالله ولا يشاركهم فيها غيرهم من سائر الناس. والصفة التي تعتبر نقصا لأولياء الله، والعرفاء بالله، لا تعتبر نقصا لغيرهم من الناس حسب المقام الذي يتمتعون به، بل قد يكون بمعنى من المعاني كمالاً لهم. وكذلك تكون حسنات فئة سيئات لفئة أخرى.
والرياء من جملة ما يدور كلامنا عليه حاليا. فالإخلاص من جميع مراتب الرياء هو من مختصات أولياء الله والآخرون ليسوا شركاء في هذه المرتبة، واتصاف عامة الناس بدرجة من رجات الإخلاص ليس نقصا بالنسبة إليهم بحسب المقام الذي هم فيه، ولا يضر بإيمانهم وإخلاصهم. فمثلا تميل نفوس عامة الناس بحسب الغريزة والفطرة إلى أن تظهر خيراتها أمام الناس، وإن لم يقصدوا أن يظهروها، ولكن نفوسهم مفطورة على هذا الميل. وهذا ليس موجبا لبطلان العمل أو الشرك أو النفاق أو الكفر، وإن كان ذلك نقص بالنسبة للأولياء وشرك ونفاق لدى الولي أو العارف بالله. والتنزه عن مطلق الشرك والإخلاص في جميع مراتبه هو أول مقامات الأولياء ولهم مقامات أخرى لا يناسب هذا المجال ذكرها.
ثم إن قول الأئمة ( عليهم السلام ) أن"عبـَادَتِنَا عِبَادَةُ الأحْرارِ" أي حبا لله، لا طمعا بالجنة ولا خوفا من النار، فهو من المقامات الاعتيادية ـ بالنسبة إليهم ـ وهو أولى درجات الولاية، ولهم في العبادات حالات لا يمكن أن تستوعبها عقولنا ولا عقولكم.
وبهذا البيان ال ذي سمعت يمكن الجمع بين الحديث السابق المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام، والحديث الذي ينقله زرارة، عن أبي جعفر الإمام محمد الباقر عليه السلام وهو: حديث محمد بن يعقوب بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: "سَأَّلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَعْمَلُ الشِّيْءَ مِنَ الخَيْرِ فَيَرَاهُ إِنْسانٌ فَيَسَرَّهُ ذلِكَ، قالَ: ثُمَّ لا بَأْسَ، مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاّ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ فِي النَّاسِ الخَيْرُ إِذا لَمْ يَكُنْ صَنَعَ ذلِكَ لِذلِكَ"(1).
يعد في أحد الحديثين حب المدح علامة الرياء، ويعد في الآخر السرور بظهور الخيرات أمرا لا بأس به. وبكون هذا حسب اختلاف مراتب الأشخاص. وهناك وجه آخر للجمع بين الحديثين، صرفنا النظر نه هنا.
تتمة
اعلم، أن السمعة وهي عبارة عن إيصال خصال النفس إلى أسماع الناس لاجتذاب قلوبهم ولأجل الاشتهار، من شجرة الرياء الخبيثة. ولهذا السبب. ذكرناها مع الرياء في باب واحد، ولم نعمد إلى ذكر كل واحد منهما بصورة منفصلة.
ـــــــــــــــ
(1) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتـاب الإيمـان والكفر ـ باب في أصـول الكفر وأركانه ـ ح.


اللهم! طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وباعد بيننا وبين الكبر والعجب كما باعدت بين المشرق والمغرب، وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن
اللهم اجعلنا من المحسنين الصالحين الذين يرجون وجهك الكريم
اللهم إجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ...
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
والحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 

 

 

 

شجون الزهراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-2012, 12:23 AM   #2

 
الصورة الرمزية التائب

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 342
تـاريخ التسجيـل : Jul 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق/بغداد
االمشاركات : 6,700

افتراضي رد: تلاعب الشيطان مع الناس من خلال المناسك والعبادات

اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
مشكورة على النشر وأعاذنا الله وأياكم من العجب والرياء
وكل الآفات التسافلية الخفية والظاهرية

 

 

 

 

 

 

 

 

التائب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-2012, 02:17 PM   #3

 
الصورة الرمزية شجون الزهراء

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 387
تـاريخ التسجيـل : Aug 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : في أرض الله الواسعة
االمشاركات : 635

افتراضي رد: تلاعب الشيطان مع الناس من خلال المناسك والعبادات

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله تعالى وتقبل الله أعمالكم بأحسن القبول

وصل اللهم على محمد وآلِ محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم

 

 

 

 

 

 

 

 

شجون الزهراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



All times are GMT +3. The time now is 04:20 AM.


Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2024