العودة   منتدى جامع الائمة الثقافي > قسم القرآن والمعرفة > منبر تفسير القرآن ألكريم وبحوثه

منبر تفسير القرآن ألكريم وبحوثه مخصص لمواضيع التفسير والبحوث القرآنية

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
Bookmark and Share أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-03-2011, 03:05 AM   #1

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي

سورة الأنعام
19
في بعض التفاسير أنّ أهل مكة أتوا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا: أما وَجَدَ الله رسولاً غيرك ما نرى أحداً يصدّقك فيما تقول ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذِكر فأرِنا مَن يشهد أنك رسول الله كما تزعم، فنزلت هذه الآية ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً))، أي أعظم من حيث الشهادة، حتى آتيكم به دليلاً على صدقي وصحة نبوّتي، إنهم يتحيّرون في الجواب طبعاً، ويفكّرون في أفراد الإنسان العظماء بنظرهم ليقولوا: فلان، لكن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقطع تحيّرهم وتفكّرهم بما علمه الله سبحانه ((قُلِ)) يارسول الله ((اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ))، أي هو شاهد يشهد بصدق نبوّتي، وقد مرّ سابقاً أنّ شهادة الله هو إجراء الإعجاز على يده الكريمة ((وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ)) أنزله تعالى عليّ ((لأُنذِرَكُم بِهِ))، أي أخوّفكم بسببه من العقاب لمن كفر وعصى ((وَمَن بَلَغَ)) عطف على (كم)، أي أنذر به مَن بَلَغه هذا القرآن إلى يوم القيامة، وروي عن الباقر والصادق (عليه السلام): "إنّ (مَن بَلَغ) معناه مَن بَلَغ أن يكون إماماً من آل محمد فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول الله"، وعليه فهو عطف على الضمير المرفوع في "أنذر"، أي أُنذِر أنا الرسول والأئمة -الذين هم مصداق (مَن بلغ)- للناس ((أَئِنَّكُمْ))، أي هل أنكم أيها السامعون الكفار ((لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى)) إنه إستفهام إنكاري، أي كيف تشهدون بذلك بعد وضوح أدلّة التوحيد وقيام الحجّة والبرهان على بطلان كل شريك، والمراد الشريك مطلقاً لو كان واحداً، وذَكَرَ (آلهة) من باب المورد ((قُل)) أنت يارسول الله إذا لم يعترفوا أولئك بالتوحيد ((لاَّ أَشْهَدُ)) أنا بمثل شهادتكم بالشريك وإنما أنا لا أعتقد إلا إلهاً واحداً ((قُلْ)) يارسول الله ((إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ)) لا شريك له ((وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ))، أي من الأوثان التي تُشركون بسببها وتدخلون أنفسكم في زمرة المشركين من أجلها.

سورة الأنعام
20
ثم ذَكَرَ سبحانه أنّ أهل الكتاب كسائر المشركين يعلمون الحق لكنهم يتجاهلونه ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ))، أي أعطيناهم ((الْكِتَابَ)) يُراد به الجنس الأعم من التوراة والإنجيل وغيرهما ((يَعْرِفُونَهُ))، أي يعرفون الرسول ((كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ)) فكما يعرف الشخص إبنه بحيث لا يمكن أن يشتبه بغيره، وكذلك لا يشتبه أهل الكتاب يعرفون الرسول بوصفه ومزاياه الموجودة في كتبهم ((الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ)) بأن باعوها بالكفر، المتعقّبة ((فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)) إنّ عدم الإيمان مترتّب على الخسران، فالخاسر لا يؤمن والرابح يؤمن.



سورة الأنعام
21
((وَمَنْ أَظْلَمُ))، أي مَن يكون أكثر ظلماً وتعدّياً عن الحق ((مِمَّن افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا)) بأن جَعَلَ له شريكاً وزَعَمَ أنّ الله أمَرَه بذلك كأهل الكتاب وكقسم من المشركين الذين كانوا يقولون أنّ الله أمَرَنا باتخاذ الأنداد والشركاء ((أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ)) كما لو كذّب بالقرآن أو بالرسول أو بالمعاجز، فإنها كلها من آيات الله سبحانه، لكن الكتاب آية صامتة، والرسول آية ناطقة ((إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)) أنهم لا يفوزوا بخير الدنيا ولا سعادة الآخرة.



سورة الأنعام
22
((وَ)) اذكر يارسول الله ((يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا)) وهو يوم القيامة الذي يجمع فيه هؤلاء المشركون وسائر المكذبين ((ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ)) وجعلوا لله شريكاً ((أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ))، أي الشركاء لله الذين زعمتوها، والإضافة إلى (كُم) باعتبار أنهم إتّخذوها كما تُضاف إلى (الله) باعتبار أنه سبحانه المجعول في رد يُفهم فيُقال: شركائي ((الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)) أنهم شركاء لله سبحانه؟ واستفهام إنكاري للتوبيخ والتقريع.




سورة الأنعام
23
((ثُمَّ)) بعد هذا السؤال منهم ((لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ))، أي معذرتهم فإنّ الفتنة على معان منها المعذرة، أو هو على سبيل المجاز، أي لم تكن نتيجة فتنتهم بالأصنام إلا التبرّي منها، كما يُقال: لم يكن درسهم وقضائه إلا رشوة وخيانة، يُراد أنّ عاقبتهما كانت الرشوة والخيانة ((إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)) فيحلفون بالله كذباً أنهم ما كانوا مشركين كما إعتادوا في الدنيا أن يحلفوا كذباً حينما يقعون في المشاكل.



سورة الأنعام
24
((انظُرْ)) يارسول الله إلى حلف هؤلاء ((كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ)) بأنهم ما كانوا مشركين، وهذا أمر يُقصد به التعجيب والإستغراب ((وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ))، أي ضلّت عنهم أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ويفترون الكذب على الله بقولهم هذه شفعائنا عند الله، فلم يجدوها ولم ينتفعوا بها وإنما الأمر لله وحده.



سورة الأنعام
25
قيل أنّ نفراً من مشركي مكة جلسوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يقرء القرآن فقال بعضهم لبعض: ما يقول محمد؟ قال: أساطير الأولين مثل ما كنتً أحدّثكم عن القرون الماضية، فنزلت هذه الآية ((وَمِنْهُم))، أي من الكفار المشركين ((مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ))، أي إلى كلامك يارسول الله ((وَ)) لكن حيث أنهم أعرضوا عن الحُجّة بعد ما بيّن لهم ((جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً)) هي جمع كنان وهي ما ستر شيئاً، فإنّ الإنسان إذا أعرض عن الحق غشيت على قلبه غشاوة إذ صار الإعراض له مَلَكة وعادة، ونسبته إلى الله سبحانه باعتبار أنه سبحانه هو الذي جعل الإنسان هكذا، فإنه علّة كل شيء، وإنّ السبب المباشر هو الشخص ((أَن يَفْقَهُوهُ))، أي حتى لا يفقهوه بمعنى لا يفهموه ((وَ)) جعلنا ((فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)) الوقر هو الثقل في الأذن، فهم كمن لا يسمع حيث أنهم لا يستفيدون من سماعهم ((وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ)) ومعجزة خارقة على نبوّتك وصدقك ((لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا))، أي بتلك الآيات، إذ قدّر أنّ على قلوبهم ما كانوا يعملون ((حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ)) لا يطلبون الحق بل ((يُجَادِلُونَكَ)) ويناقشونك ((يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ))، أي ما هذا القرآن ((إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)) أساطير جمع أسطورة، بمعنى الخرافة، من سطر إذا كتب، يعني ما في القرآن من القصص والأحكام وغيرها ليست إلا أخبار الأقوام السابقة وترهّاتهم.



سورة الأنعام
26
((وَهُمْ))، أي هؤلاء الكفار الذين سبق ذكرهم ((يَنْهَوْنَ عَنْهُ))، أي عن النبي، أو القرآن، يعني ينهون الناس عن إتّباع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو القرآن ((وَيَنْأَوْنَ)) من نأى بمعنى تباعد، أي يتباعدون ((عَنْهُ))، أي عن الرسول أو القرآن، فهم يجمعون بين رذيلي الكفر والأمر بالمنكر ((وَإِن))، أي وما ((يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ)) فإنهم لا يضرّون النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل يضرّون أنفسهم بخزي الدنيا وعذاب الآخرة ((وَمَا يَشْعُرُونَ))، أي لا يعلمون أنهم بذلك يهلكون أنفسهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2011, 03:07 AM   #2

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي

سورة الأنعام
27
((وَلَوْ تَرَىَ)) يارسول الله أحوالهم في الآخرة وكيف أنهم يندمون وأفرطوا في دار الدنيا ((إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ))، أي أشرفوا واطّلعوا ووقفوا على حافّتها لدخولها ((فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ))، أي يرجعوننا إلى الدنيا ((وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا)) دلائله وبراهينه ((وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) بالله والرسول وماء به، وجملتا (لا نكذّب) و(نكون) من مدخول التمنّي والتقدير ياليت لنا إنتفاء التكذيب والكون من المؤمنين.

سورة الأنعام
28
((بَلْ بَدَا لَهُم))، أي ظهر لهؤلاء الكفار الحق جليّاً بحيث لا مجال لإخفائهم له ((مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ)) في دار الدنيا حيث كانوا يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ولعلّ وجه الإضراب بـ (بل) بيان أنه ليس الأمر على ما قالوه من أنهم لو رُدّوا إلى الدنيا لآمنوا فإنّ التمنّي الواقع منهم يوم القيامة ليس لأجل كونهم راغبين في الإيمان بل لأجل خوفهم من العقاب الذي يعاينوه ((وَلَوْ رُدُّواْ)) إلى الدنيا كما تمنّوا ((لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ))، أي لرجعوا إلى كفرهم وعصيانهم ((وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) في أنهم لو رُدّوا لعملوا صالحاً كما في آية أخرى (ربّ ارجِعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت) ولا يخفى أنّ الإنسان إذا كان ذا طبع عنادي لا ينفك عن طبيعته حتى ولو رأى المشاهد العظيمة من عناده كما هو المشاهَد المجرّب.

سورة الأنعام
29
وقد كان هؤلاء الكفار ينكرون المعاد وهم في دار الدنيا ((وَقَالُواْ إِنْ هِيَ))ن أي ما هي ((إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا))، أي الحياة القريبة التي نحن فيها وليس ورائها شيء ((وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)) بعد الموت والبعث هو الإرسال والإحياء.

سورة الأنعام
30
((وَلَوْ تَرَى)) يارسول الله أحوال هؤلاء الكفار يوم القيامة ((إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ))، أي في معرض خطابه وحسابه، كالشخص الذي يقف عند الملك وهو مجرم فإنه في حال يأس واضطراب ما ينطق الملك في حقه من العقاب، ومن المعلوم أنّ الله لا يُرى وليس بجسم ولا له مكان فالمعنى على سبيل المجاز ((قَالَ)) ربهم لهم ((أَلَيْسَ هَذَا)) اليوم الذي كان يخبر به الأنبياء وكنتم تنكرونه ((بِالْحَقِّ)) وهو إستفهام توبيخ وتقريع ((قَالُواْ)) مقرّين مذعنين ((بَلَى)) هو حق((وَرَبِّنَا)) وإنما حلفوا خوفاً فإنّ الخائن يردف كلامه بالحلف إستمالة لقلب المخوف منه وإظهاراً لأنه يوافق كلام المتكلّم ((قَالَ)) الله سبحانه ((فَذُوقُواْ العَذَابَ)) والمراد بالذوق ليست الذائقة اللسانية بل ذوق الجسد فإنه يُطلق عليهما ((بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ))، أي بسبب كفركم، وكان السؤال للإهانة والإذلال.



سورة الأنعام
31
ثم أخبر سبحانه عن حال هؤلاء الكفار بقوله ((قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ)) المراد بلقاء الله جزائه وعقابه كما يُقال: فلان لقي عمله، أي جزاء عمله وإلا فليس لله مكان يُرى ((حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ))، أي القيامة ((بَغْتَةً))، أي فجأة من بغت يبغت بمعنى فجأ وإنما ذكر ذلك لأنهم في دار الدنيا كانوا لا يحسبون حسابها حتى يستعدوا لها، وهل المراد بالساعة الموت -كما ورد: من مات قامت قيامته- حتى يلائم ما بعده أم المراد القيامة ويكون المراد العذاب الشديد لأنّ عذاب الآخرة أشد من عذاب القبر، إحتمالان ((قَالُواْ))، أي قال هؤلاء الكفار عند معاينة الأهوال والعذاب ((يَا حَسْرَتَنَا)) الحسرة شدة الندم يعني أيتها الحسرة أحضري فهذا وقتك ((عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا))، أي على ما تركنا وضيّعنا في الدنيا من أعمارنا ولم نقدّم عملاً صالحاً ننتفع به في هذا اليوم ((وَهُمْ))، أي هؤلاء الكفار ((يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ)) الوِزر الثقل وحيث أنّ للذنوب ثقلاً تُسمى أوزاراً ((عَلَى ظُهُورِهِمْ)) هذا من باب التشبيه فكما أنّ مَن يحمل ثقلاً على ظهره يكون في تعب وحرج كذلك مَن يحمل ذنباً ومنه عليه دَين ((أَلاَ)) للتنبيه ((سَاء))، أي بئس ((ما يَزِرُونَ))، أي ما يحملون من وِزر بمعنى إثم وحمل خطاءً.

سورة الأنعام
32
((وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا))، أي ليست الحياة القريبة التي إغترّ بها الكفار فعملوا لها وتركوا آخرتهم ((إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ)) اللهو هو ما يُلهي الإنسان عن الجد إلى الهزل، فإنّ الدنيا ليست إلا ألعاباً وملهيات، وإنما كانت كذلك لأنه لا حقيقة لأعمالها فهي فانية زائلة وإذا بالإنسان يرى نفسه ولم يحصل شيئاً وغير خافِ أنّ ذلك بالنسبة إلى الأعمال التي لا تعقب ثمرة صالحة، وإلا فالدنيا مزرعة الآخرة ونِعم متجر العقلاء ((وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ)) اللام للتأكيد، أي إنّ الدار الثانية التي هي الجنة ونعيمها ((خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ)) معاصي الله، وقد جرّد (خير) عن معنى التفضيل، أو بملاحظة أنّ في الدنيا أيضاً خيراً في الجملة، ثم أنها خير للمتقين، أما غيرهم فالدنيا خير لهم ولذا وَرَدَ " "أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" ((أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)) أيها البشر، فإنّ مَن عَقِلَ وأدرك عَلِمَ أنّ الباقي السرمدي الذي لا يشوبه حزن وهَم خير من الفاني المزيج بأنواع المصائب والرزايا.

سورة الأنعام
33
ثم سلّى سبحانه نبيّه على تكذيبهم إياه وعدم إنصياعهم لأوامره وإرشاده بقوله ((قَدْ نَعْلَمُ)) يارسول الله، و(قد) تُستعمل في المضارع للتحقيق، إلا إنّ الغالب أنها فيه للتقليل ((إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ)) مما سنيبونه إليك من أنّك شاعر وكاهن ومجنون وما أشبه ذلك من السُباب والإستهزاء الذي كانوا يُكيلونه للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((فَإِنَّهُمْ))، أي الكفار ((لاَ يُكَذِّبُونَكَ)) يارسول الله في قرارة نفوسهم لعلمهم أنك صادق، وهذا نوع من التسلية، إذ الإنسان إذا عَلِمَ أنّ عدوّه يُجلّه في قرارة نفسه كان ذلك سلوة له لما عَلِمَه من الإحترام الكامن، قالوا: إلتقى أخنس بن شريف وأبو جهل بن هشام فقال أخنس: ياأبا الحَكَم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جهل: ويحك والله إنّ محمداً لصادق وما كَذَبَ قط ولكن إذا ذَهَبَ بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والندوة والنبوّة فماذا يكون لسائر قريش؟، فنزلت هذه الآية، وروي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) معنى آخر للآية حاصله إنهم لا يُكذّبونك بحُجّة ولا يتمكنون من إبطال ما جئتَ به ببرهان ((وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ)) وهم الكفار الذين ظلموا أنفسهم بالكفر وغيرهم بالمنع عن الإسلام ((بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ))، أي ينكرون آيات الله كما قال سبحانه (وجَحَدوا بها واستيقنتها أنفسهم).

سورة الأنعام
34
ثم ذكر سبحانه تسلية للنبي أنه ليس بأول رسول يُكذّب بقوله ((وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ)) ليس تنكير الرُسُل لأنه ليس هناك رسول بكذب، حتى يُنافي قوله (ياحسرةً على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) المفيد لتكذيب كلّ رسول وإنما الكلام حيث جرى مجرى التسلية كان يكفي ذلك الإلماع، إلا أنّ هذا الجنس أيضاً في معرض التكذيب والإزدراء ((فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ))، أي على تكذيب الناس لهم ((وَأُوذُواْ)) أما عطف على (كُذّبوا) أو على (كذّبت) ((حَتَّى أَتَاهُمْ))، أي جائهم ((نَصْرُنَا)) إياهم على المكذّبين، فاصبر أنت يارسول الله حتى يأتيك النصر ((وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ))، اي لا أحد يقدر على تغيير ما أخبر به من نصر الرُسُل وإهلاك أعدائهم ((وَلَقدْ جَاءكَ)) يارسول الله ((مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ))، أي بعض أخبار الرُسُل السابقين كيف نصرناهم على أعدائهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2011, 03:09 AM   #3

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي

سورة الأنعام
35
ثم بيّن سبحانه أنّ هؤلاء الكفار لا يؤمنون فلا تتعِب نفسك لأجلهم ولا تحزن، وهنا نكتة بلاغية لا بأس ببيانها، وهي أنّ الألفاظ والجمل وُضعت للمعاني الخاصة، لكنها كثيراً ما تُستعمل لإنشاء مفهومها الموضوع له، لكن يُراد غير ذلك، كما يُستعمل الإستفهام والتعجّب بالنسبة إليه سبحانه، مع العلم أنه لا يجهل شيئاً ولا يتعجّب من شيء، وإنما إستعمال الإستفهام والتعجّب بداعي التحريض أو الردع أو نحوهما، وهكذا الخطاب الغليظ أو الرقيق لأحد قد يُراد به المعنى الموضوع له، وقد يُراد به داعي آخر يفرغ في مثل هذا القالب، فإنّك إذا أردت تنبيه أحد من جيرانك تغلظ لولدك في الخطاب مع أنك لا تريده بالذات، فمثلاً نقول: لو أنك ألقيت النفاية باب الدار لحبستك، فإنك لا تريده بل تنشأ هذا الكلام بداعي زجر الجار عن القيام بمثل هذا العمل، بل قد يكون عمل يُستفاد منه شيء حسب المتعارف، يأتي به الإنسان لغرض آخر، كما لو أردت تأديب ولدك لما إقترفه من عمل سيء فإنك تعمل إلى خادمك وترفسه برجلك -في هدوء- قائلاً: لماذا فعلت هذا الفعل؟ وإنكا لا تريده إطلاقاً وإنما تريد إفهام ولدك أنّ هذا العمل له هذا الجزاء، وعلى هذا الوجه جرى الكلام في هذه الآية الكريمة (وإن كانَ كَبُرَ) إنه سبحانه يريد بيان غلظة قلوب الكفار وعنادهم لكنه يصوغه في إسلوب خطاب للنبي بأنك توسّلت بكل الوسائل من الصعود إلى السماء وجعل النفق في الأرض -مما يتوسّل الناس بهما في مأربهما- فإنّ الكفار لا يؤمنون، كما إنّ قصة موسى (عليه السلام) (أخَذَ برأس أخيه يجرّه)، من هذا القبيل أيضاً ((وَإِن كَانَ)) يارسول الله ((كَبُرَ))، أي عَظُمَ واشتدّ ((عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ))، أي إعراض هؤلاء الكفار عن الإسلام ((فَإِنِ اسْتَطَعْتَ))، أي قدرت ((أَن تَبْتَغِيَ))، أي تطلب وتتّخذ ((نَفَقًا))، أي سرباً ((فِي الأَرْضِ)) تشبيه للمعقول بالمحسوس، فكما أنّ مَن يريد فتح مدينة يتّخذ الأنفاق من خارج المدينة إلى داخلها ثم يدخلها فجأة ليستولي عليها، فكذلك إن تمكّنت أن تصنع مثل ذلك للسيطرة على أرواح هؤلاء وقلوبهم ((أَوْ)) تبتغي وتطلب ((سُلَّمًا))، أي مصعداً ومرقاةً ((فِي السَّمَاء)) لتصعد عليه ((فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ))، أي حُجّة وبرهان، غير ما أنزلنا عليك، وجواب (إن) محذوف، أي فافعل، حُذف لدلالة الكلام عليه، كما تقول: إن تمكّنت أن تتصدّق، وتحذف قولك: فافعل ((وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ))، أي الناس ((عَلَى الْهُدَى)) بأن يُلجئهم إلى قبول الإيمان، لكنه لا يشاء ذلك لأنه حينئذٍ يُبطل الإمتحان والإختبار ((فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)) فإنّ الجاهل هو الذي يظنّ أنّ بالإمكان العادي إجتماع الناس كلهم على أمر، أما العاقل المجرّب فيعلم أنه ما من شيء إلا وفيه خلاف وخصام حتى البديهيّات الأولية كنور الشمس، فإنّ السوفسطائيين ينكرونه، ولم يكن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في معرض الجهل حتى يكون الكلام ردعاً له وإنما صيغَ الكلام لداعي تأنيب الكفار حتى إنّ قصد هدايتهم -جداً- يكون من أعمال الجاهلين، وهنا سؤال وهو أنه: كيف تقولون في الآيات النازلة بالنسبة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمثل هذه المحامل ولا تقولون في ما أشبهها من الآيات في غيره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمثل تلك؟، والجواب: القرينة الخارجية وهي أنّ النبي معصوم أوجبت ذلك كما إنّ القرينة الخارجية أوجبت حمل الإستفهام من الله تعالى على معنى آخر بينما الإستفهام من غيره سبحانه يحمل على معناه الحقيقي.


سورة الأنعام
36
إنّ الذين يستجيبوك يارسول الله هم أحياء، لم يمُت الضمير في أجوافهم والذين يكفرون أنهم أموات، فكما أنّ الميت لا يسمع ولا ينتفع كذلك هؤلاء ((إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ))، أي يقبل الإيمان مَن كان حيّاً يسمع ((وَالْمَوْتَى)) لا سماع لهم حتى ((يَبْعَثُهُمُ اللّهُ)) في الآخرة فيسمعون أنهم لا علاج لهم، يقول الشاعر:لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيّاً ولكن لا حياةَ لمن تنادي((ثُمَّ)) بعد البعث والحساب ((إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ))، أي يرجعون إلى حُكمه وقضائه، وهذا لتأكيد أنّ الكفار أموات، كقوله (عليه السلام): "ياأشباه الرجال ولا رجال"، فإنّ (ولا رجال) لتأكيد الجملة الأولى.

سورة الأنعام
37
((وَقَالُواْ))، أي قال الكفار ((لَوْلاَ))، أي هلّا ((نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ))، أي معجزة خارقة ((مِّن رَّبِّهِ)) فإنهم بعدما عجزوا عن مقابلة القرآن، قالوا للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنزِل علينا مثل عصى موسى وناقة صالح وأشباههما حتى نؤمن بك، فردّهم سبحانه بقوله ((قُلْ)) يارسول الله ((إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً)) كما تقترحون ((وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)) قدرة الله بل إنّ ليس في إنزالها من مصلحة، فإنهم معاندون والمعانِد لا تفيده ألف آية، كما لم تفِد مع فرعون عصى موسى (عليه السلام) ومع قوم صالح (عليه السلام) الناقة ولو لم يكن هؤلاء معاندون كفاهم الكتاب الحكيم، ثم إنّ إتيان آية موسى (عليه السلام) أو ما أشبهها أبعد لقبولهم إذ القرآن الذي هو لسانهم ينسبونه إلى السحر فكيف بالعصى التي ليست من مهنتهم.
سورة الأنعام
38
وحيث إنّ جو هذه السورة حول التوحيد وشؤونه والآيات الكونية وردع الكفار بمختلف صنوفهم عن عقائدهم الباطلة، بيّن سبحانه بعض مخلوقاته الدالة على وجوده وصفاته الكمالية بقوله ((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ)) من دبّ يدبّ إذا تحرّك، ثم عمّ كلّ حيوان ولو لم يتحرك، كما إنه يشتمل حيوانات البَر لمقابلته بالطائر، وذَكَرَ (في الأرض) للتعميم ((وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ)) كما إنّ ذِكر (يطير بجَناحَيه) للتعميم أيضاً، والسر أنه كثيراً ما يعبّر بمثل هذا التعبير ويُراد به العموم مبالغة، فإذا جاء القيد أفاد العموم الإستغراقي ((إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)) أيها البشر فإنّ كلّ نوع منها أمّة مستقلة وهي مثلكم في الإبداع ولُطف الصنع ودقّة التركيب ((مَّا فَرَّطْنَا))، أي ما تركنا ((فِي الكِتَابِ))، أي كتاب الكون، فإنّ الكون كتاب الله والموجودات كلماته، وإنما سمّي الكون كتاباً لأنّ الكتاب بمعنى الجمع، مِن كَتَبَ بمعنى جَمَعَ، وهذا الكون قد جمع الأشياء فهو كتاب الله التكويني ((مِن شَيْءٍ)) فهذا الكتاب قد إشتمل على جميع الأشياء ومختلف الأصناف، فهل بعد ذلك يطلب أحداً دليلاً على وجود الله؟ ((ثُمَّ)) هذه الأمم كلها بعد الممات ((إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ))، أي يجمعهم يوم القيامة جميعاً، كما قال (وإذا الوحوش حُشِرت) فهو بدئها وإليه عودها.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2011, 03:10 AM   #4

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي

سورة الأنعام
39
((وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا))، أي بدلائلنا الدالة على وجودنا وسائر صفاتنا، بعد هذه الدلائل الواضحة ((صُمٌّ)) جمع أصمّ وهو الذي لا يسمع ((وَبُكْمٌ)) جمع أبكم وهو الذي لا يتكلم، فهو كالذي لا يسمع ولا يتكلم حتى يتملّى العلم ويدركه، فإنّ العلم يأتي من الأذن ويخرج من اللسان ((فِي الظُّلُمَاتِ)) فلا يبصر حتى يرى الأشياء، إنّ الكافر مثل هذا الشخص لأنه قد عطّل جوارحه فلا يدرك شيئاً كما لا يدرك الأعمى الأبكم الأصم شيئاً ((مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ))، أي يتركه ولا يجبره على الهداية حتى يضلّ الطريق وذلك بعدما بيّن له الحجّة فلم يقبل بل أعرض عنها -وقد تقدّم معنى ذلك- ((وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) باللُطف الخفي به كما قال سبحانه (والذين اهتدوا زادهم هُدى) و(والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبُلنا).

سورة الأنعام
40
((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((أَرَأَيْتُكُم))، أي أخبروني، فإنّ (أرأيتَ) بمعنى أخبر، و(كُم) للخطاب، وهو يتغيّر حسب أفراد المُخاطَب وتثنيته وجمعه كقوله سبحانه (أرأيُكَ هذا الذي كرّمتَ عليّ) ((إِنْ أَتَاكُمْ))، أي جائكم ((عَذَابُ اللّهِ)) بأن نزلت صاعقة أو خسفت بكم الأرض أو ما أشبههما -كما حدث في الأمم السابقة- ((أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ))، أي القيامة بأهوالها وعذابها ((أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ)) لكشف العذاب والأهوال عنكم ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في أنّ هذه الأصنام آلهة؟ وهم بفطرتهم يجيبون بالنفي، وإنهم لا يدعون غير الله، بل يدعون الله وحده، وفي ذلك دلالة على بطلان الأصنام وعبادتها.

سورة الأنعام
41
ولذا قال سبحانه ((بَلْ إِيَّاهُ))، أي الله سبحانه ((تَدْعُونَ)) وتقبلون عليه في شدائدكم ((فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ))، أي يرفع الضُر الذي دعوتموه من أجله ((إِنْ شَاء)) الكشف عنكم ((وَتَنسَوْنَ)) في وقت الشدة ((مَا تُشْرِكُونَ)) من دون الله.

سورة الأنعام
42
ثم بيّن سبحانه أنّ الأمم الماضية لما أتَتهم الرُسُل لوم يؤمنوا يهم أصابتهم أنواع البلاء وإنّ حال هؤلاء كحال أولئك إن لم يؤمنوا ((وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ)) رُسُلنا ((إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ)) يارسول الله فلم يؤمنوا ((فَأَخَذْنَاهُمْ))، أي أخذنا تلك الأمم ((بِالْبَأْسَاء))، أي الفقر والبؤس ((وَالضَّرَّاء))، أي الأوجاع والأسقام ((لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ))، أي: كي يتضرّعوا إلى الله سبحانه، فإنّ الإنسان إذا إبتُلي بالبلاء كان أقرب إلى الله سبحانه، وفي ذلك لُطف بالنسبة إليه.

سورة الأنعام
43
لكنهم لم يتضرّعوا وحتى في هذه الحالة ركبوا العناد وسلكوا سبيل اللجاج ((فَلَوْلا))، أي هلّا -وهو كلمة توبيخ- ((إِذْ جَاءهُمْ))، أي جاء تلك الأمم ((بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ)) وخضعوا لله ((وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ)) سبب إستمرارهم في الكفر والعصيان فلم تجد الهداية إلى قلبهم سبيلاً ((وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) فرأوا أعمالهم حسنة، ولذا ما تركوها.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2011, 03:12 AM   #5

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي

سورة الأنعام
44
((فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ))، أي تركوا ما ذكّرناهم من أوامرنا ولم يعملوا بما دعاهم الرُسُل إليه ((فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ)) من النِعَم حيث قد أقبلت الدنيا عليهم من جميع النواحي، بعد تلك البأساء والضرّاء وذلك لأجل إحتمال إفادة التذكير بالنِعَم حتى يشكروا بارئ النِعَم والمتفضّل ((حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ))، أي بما أعطاهم الله من النِعَم واشتغلوا بالتلذّذ ولم يقبلوا أمر الرُسُل، بل صار ذلك سبباً لزيادة طغيانهم وكفرهم ((أَخَذْنَاهُم)) بالهلاك والنِكال ((بَغْتَةً))، أي فجأة ((فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)) من بَلَسَ إذا تحسّر، أي إنهم متحيّرون آيسون من النجاة.

سورة الأنعام
45
((فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ)) الدابر الأصل، أي إستوصل وانقطع أصل القوم بسبب العذاب ((وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) الذي أهلك الكفار وأراحَ البلاد والعباد منهم.

سورة الأنعام
46
ثم إحتجّ الله على الكفار بحجّة أخرى تدلّ على بطلان أصنامهم وأنّ الأمر لله وحده ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار الذين يُشركون بالله سبحانه ((أَرَأَيْتُمْ))، أي أخبروني، فقد تقدّم أنّ (رأيت) بمعنى أخبرني ((إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ))، أي ذَهَبَ بها فصرتم أصمّ وأعمى ((وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم))، أي سَلَبَ عقولكم حتى صرتم لا تعقلون، أو المراد الطبع عليها حتى تبتعد عن الخير ((مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ))، أي بذلك الشيء المأخوذ منكم، فإنهم يعترفون بأنّ الأصنام لا تتمكّن عن إعادة الأشياء المذكورة ((انظُرْ)) يارسول الله ((كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ))، أي نبيّن لهم في القرآن الآيات الدالّة على التوحيد، وتصريف الآيات توجيهها من صرف إذا أرسل (( ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ)) من صَدَفَ بمعنى أعرَضَ، أي يُعرضون عن الحق وعن القائل في الآيات.

سورة الأنعام
47
((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((أَرَأَيْتَكُمْ))، أي أخبروني ((إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ)) بعدما أنذرتُكُم ولم تؤمنوا ((بَغْتَةً)) أو مفاجأة -خُفية- فإنّ الفجأة تلازم الخفية ((أَوْ جَهْرَةً)) علانية بلا فجائة ((هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ)) الكافرون الذين ظلموا أنفسهم والعاصون، والمراد بالهلاك ما يسبّب خسارة الدارَين أما لو كان مؤمن فهلك فإنه لا يخسر إلا الدنيا ويُعوَّض عنها بأ،واع الإنعام، وفي هذا الإستفهام إيقاظ وتنبيه وردع لهم من الظلم، فأيّ أحد يحب أن يهلك إذا أتى العذاب.

سورة الأنعام
48
((وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ)) بالجنة والثواب لمن آمن وأصلح ((وَمُنذِرِينَ)) بالنار والعقاب لمن كفر أو عصى ((فَمَنْ آمَنَ)) بما أمَرَ الله الإيمان به ((وَأَصْلَحَ)) أعماله ((فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) لا في الدنيا ولا في الآخرة، أما في الآخرة فواضح، وأما في الدنيا فلأنّ الخوف والحزن الحقيقيين ما كانا مع الإنقطاع عن العوض والثواب وما أشبهها، وليس المؤمن كذلك فإنه يعلم أنّ ما يصيبه يعقبه الثواب والأجر، وليس المؤمن كذلك فإنه يعلم أنّ ما يصيبه يعقبه الثواب والأجر، ولذا قال الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء: "هوّنَ ما نَزَلَ بي أنه بعين الله"، والإرتباط بين هذه الآية والآية السابقة واضح فإنّ العذاب لما وُعد به الكفار بيّن إنّ الرُسُل شأنهم التبشير والإنذار.

سورة الأنعام
49
((وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ))، أي يصيبهم العذاب ((بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ))، أي بسبب فسقهم وخروجهم من طاعة الله سبحانه، ثم لا يخفى أنّ الغالب تفسير الآيات الدالة على العذاب بعذاب الآخرة، مع إنّ الإطلاق خلاف ذلك، فإنّ مَن أعرضَ عن ذكره سبحانه يصيبه العذاب في الدنيا وفي الآخرة، كما قال سبحانه (ومَن أعرَضَ عن ذِكري فإنّ له معيشةً ضنكى) وسببه واضح فإنّ المناهج التي يتّبعها الإنسان مما وضعها غير الله سبحانه لابد وأن تكون منحرفة، وهذا الإنحراف يسبّب الفوضى والإستبداد وما أشبه مما يؤذي الإنسان وينغّص عيشه.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأنعام , تفسير , صورة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



All times are GMT +3. The time now is 11:20 AM.


Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2025