العودة   منتدى جامع الائمة الثقافي > قسم آل الصدر ألنجباء > منبر شهيد ألله السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس)

منبر شهيد ألله السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس) المواضيع الخاصة بسماحة السيد الشهيد محمد الصدر قدس الله نفسه الزكية

إنشاء موضوع جديد  موضوع مغلق
 
Bookmark and Share أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-03-2012, 12:52 AM   #26

 
الصورة الرمزية ابو علي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 32
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 10,104

افتراضي رد: هنا جميع خطب السيد الشهيد مكتوبة

الجمعة السادسة والعشرون 17 جمادي الثاني1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
لاطاعة الدين الاسلامي واحترامه الصلاة على محمد وال محمد
لاطاعة واحترام ولاية امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام)، الصلاة على محمد وال محمد
لاطاعة واحترام الحوزة الشريفة الصلاة على محمد وال محمد
لدحر واستنكار مكر الماكرين وعناد المعاندين، الصلاة على محمد وال محمد
لدحر واستنكار الاستعمار الظالم، الصلاة على محمد وال محمد
لدحر واستنكار اسرائيل الظالمة المجرمة، الصلاة على محمد وال محمد
بقي شيء قبل الخطبة اود ان ابيّنه لكم ، بسيط وليس بسياسي لان الجمعة الاتية ان شاء الله هو الذكرى الاولى لاقامة صلاة الجمعة في وسط العراق وجنوبه فيحسن على من يستطيع منكم من اهل الفن والاختصاص ان يجعل لنا ويفكر لنا بوجود مجسمة رمزية تمثل صلاة الجمعة:
اولا: ان تكون فيها جهة دينية، وليس فيها عصيان للتعاليم الدينية من قبيل مجسمة ذوات الارواح مثلا
وثانيا: ان يكون تجسيما بالذوق الحديث وليس بالذوق القديم.
وثالثا: انا نعطي جائزة على ثلاثة من الفائزين الأوْل في مثل هذه المسابقة.
ونقبل الاعمال من الان الى نهاية شهر رجب، ان شاء الله تعالى شأنه العزيز.
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
توكلت على الله رب العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
الهي لا تؤدبني بعقوبتك، ولا تمكر بي في حيلتك. من اين لي الخير يا رب ولا يوجد الا من عندك، ومن اين لي النجاة ولا تستطاع الا بك. لا الذي احسن استغنى عنك، ولا الذي اساء خرج من قدرتك. يا رب بك عرفتك، وانت دليلي ولولا انت ما دريت ما انت. الحمد لله الذي ادعوه فيجيبني، وان كنت بطيئا حين يدعوني. والحمد لله الذي اسأله فيعطيني، وان كنت بخيلا حين يستقرضني. والحمد لله الذي وكلني اليه فاكرمني، ولم يكلني الى الناس فيهينوني. والحمد لله الذي تحبب الي، وهو غني عني. اللهم لا اجد شافعا اليك الا معرفتي بانك افضل من قصد اليه المضطرون، اسالك مقرا بان لك الطول والقوة والحول والقدرة، ان تحط عني وزري الذي قد خسأ ظهري، وتعصمني من الهوى المسلط على عقلي، وتجعلني من الذين انتجبتهم لطاعتك. اللهم اني ادين على طاعتك، وولاية محمد نبيك، وولاية امير المؤمنين حبيب نبيك، وولاية الحسن والحسين سبطي نبيك، وسيدي شباب اهل جنتك، وادينك يا رب بولاية علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، وسيدي ومولاي صاحب الزمان. ادينك يا رب بطاعتهم وولايتهم وبالتسليم بما فضلتهم راضيا غير متكبر على معنى ما انزلت في كتابك.
اللهم صل على محمد وال محمد وادفع عن وليك وخليفتك ولسانك والقائم بقسطك والمعظم لحرمتك والمعبر عنك والناطق بحكمك وعينك الناظرة واذنك السامعة واهد المجتهد في طاعتك واجعله في وديعتك التي لا تضيع وايده بجندك الغالب واعنه واعن عنه واجعلني ووالدي وما ولدت وولدني من الذين ينصرونه وينتصرون به في الدنيا والاخرة واشعب به صدعنا وارتق به فتقنا. اللهم امت به الجور ودمدم بمن نصب له واقصم به رؤوس الضلالة حتى لا تدع على الارض منهم ديارا.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
نعود الان الى الحديث عن المرأة، لاننا بدأناه قبل جمعة او اكثر ولم ينتهي المطلب لحد الان. وكان السؤال الرئيسي الذي قلناه عن الفوارق الواضحة في احكام الرجل والمراة بحيث يبدو ان احكام المراة اشد صعوبة من احكام الرجل، ويمكن الجواب على ذلك بعدة مستويات:
المستوى الاول: ان للرجل احكاما خاصة به اما تشريعا واما اجتماعيا واما اقتصاديا صعبة ايضا، قد وضعها الله تعالى ورفعها عن المراة وهي غير مسؤولة عنها وانما المسؤول عنها الرجل وهي عديدة يمكن ان نمثل لها بعدة امثلة:
المثال الاول والاوضح : الجهاد، فانه خاص بالرجل ولا يشمل المراة بضرورة الدين، والمفروض في الجهاد انه موجب للقتل او احتمال القتل وبهذا تحرز النساء سلامتهن من الموت وبقاءهن على قيد الحياة كما قال الشاعر:
كتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جر الذيول
المثال الثاني: العمل او الكسب، فانه خاص بالرجال اجتماعيا وعرفا وان لم يكن كذلك نظريا وتشريعيا. والعمل فيه مصاعب شتى، ومن جميع الجهات المحتملة الممكنة، حتى تعريض الحياة للخطر وقد سمعت من بعض اهل العمل يقول: (الحياة فداء للعمل) – وهي حكمة حقيقةً ، باب ينفتح منه كثير من الابواب - اي العمل لله سبحانه وتعالى بالحقيقة ، واما التعرض الكثير للانواء الجوية كالحر والبرد والرياح وغير ذلك فهو الغالب للناس في حين ان المراة تكون في راحة من ذلك كله ياتيها رزقها رغدا ومجانا صباحا ومساءا.
المثال الثالث: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فانه خاص عمليا واجتماعيا بالرجال، وان لم يكن تشريعيا طبعا كذلك . ومن المعلوم ان هذه الوظيفة الشرعية المقدسة ليست سهلة دائما، بل فيها مصاعب واحراجات قد لا تكون متوقعة، بل قد تؤدي احيانا بالفرد الى الموت. والمرأة في راحة من كل ذلك، فانها ان امرت بالمعروف او نهت عن المنكر‏ في نطاق ضيق وسالم النتائج اطمئنانا، فانها انما تفعل ذلك في نطاق سالم النتائج بحسب الاطمئنان النفسي.
المثال الرابع: عدم جواز ضربها او قتلها عند الصراع والعناد، لا اقل اجتماعيا ان لم يكن نظريا. فيقال عرفا عنها انها امرأة لايجوز فيها ذلك وهذا واضح عرفا. وهذا المعنى العرفي عام للرجال والنساء معا يعني كلا الجنسين لا يجوز ان يضرب المرأة او يقتلها لا الرجل يقتل المرأة ولا المرأة تقتل المرأة، وهل رأيت طول الزمان امرأتان تتضاربان او امرأة تقتل امرأة او سمعنا بذلك ؟ لا يوجد. اذن فالنساء من هذه الناحية في حماية بقدر الله وقضائه وارادته.
المثال الخامس: التدخل في الامور الاجتماعية، فانه غالبا وعرفا للرجال وليس للنساء ولا يخفى ما فيه ، طبعا كلنا نعرف ما فيه من احراجات وازعاجات حتى تؤدي الى السجن او التعويق او القتل او الغرق او الحرق مثلا ، اي شيء .. في حين تضمن المرأة سلامتها من هذ الجهات والشارع المقدس حين اعفاها عن الرئاسة والولاية انما ضَمِنَ سلامتها من هذه الجهة وضَمِنَ الراحة لها في الحقيقة.
المثال السادس: عدم جواز التجمل الزائد للرجل – الرجل يطلعلك متجمل بكثافة وكثرة لا يجوز اصلا ، حرام - وذلك على مستويين اما ان يكون تجمله مثيرا للفتنة النوعية والغريزة الجنسية فيكون حراما واما ان يكون متشبها بلباسه بالنساء فيكون حراما ايضا. فالمهم ان التجمل الزائد من الرجل حرام وكذلك هو ممنوع اجتماعيا وعرفا – كول لا - في حين هو جائز للمرأة بل احيانا يكون مطلوبا ومستحبا لها وبالتالي فهي ريحانة لا قهرمانة واما الرجل فلا يصدق عليه ذلك بطبيعة الحال.
المثال السابع: ان نسبة الجمال – لاحظ ، هذا قلما يلتفت اليه - ان نسبة الجمال بالخلقة الالهية في النساء اعلى جدا منه في الرجال ونسبة القبح بالخلقة ايضا في الرجال اعلى جدا منه في النساء. يكفي ان نلتفت - وهذا ايضا انا ملتفت اله منذ زمان ، ما اعرف اي واحد منك ملتفت - يكفي ان نلتفت الى ان نسبة الصلع في الرجال كثيرة في حين لا توجد امرأة صلعاء تقريبا او تحقيقا ولا واحدة فلم نسمع عن واحدة اصلا ، وهذا من الكرامات العالية والنعم الضافية على نوع المرأة حقيقة.
المثال الثامن: ان التربية الغالبة للاطفال انما هي بيد النساء وخارج عن طوق الرجال عمليا واجتماعيا وليس تشريعيا ولا نظريا وهذا وان كان صعبا نسبيا الا ان معناه ان الله تعالى حباها تكوينا بتحمل مسؤولية التربية الاساسية للانسان ومن ثم للبشرية وكانت هي الجانب الاهم فيها ومن المعلوم ان التربية الاساسية انما تكون في الصغر وما يتعلمه الفرد في صغره لا يستطيع ان يتخلى عنه في كبره ولذا نلاحظ انه لو كان الاب والام مختلفين في اللغة – لاحظ - او في اللهجة او في اسلوب الكلام كان الاتجاه الغالب في الذرية او قل في الولد او قل في البنت كان الاتجاه الغالب فيهم هو اسلوب الام – هم يحجون مثل امهم وليس مثل ابوهم - لكثرة المخالطة والمعاشرة بينهما بنسبة اعلى جدا من الرجل الاب.
المثال التاسع: ان الله تعالى ابتلى الرجل بمسؤولية الاجتهاد والفتوى بل قد يكون ذلك واجبا اما بالوجوب الكفائي او بالوجوب العيني احيانا. في حين يكون ذلك ساقطا عن ذمة المرأة - ليس واجبا وان كان مستحبا ولكنه لا يحتمل فيه الوجوب اصلا - فاذا علمنا ان مسؤولية الفتوى عظيمة عند الله وانها مظنة الحرام والعقاب في الجحيم – طبعا طبعا ، لانها اذا كانت بدون حق ماذا تكون نتيجتها غير الجحيم - ، عرفنا عندئذ ما حباه الله للمرأة من فراغ الذمة وعدم المسؤولية من هذه الناحية فلا مورد لها - للفتوى بالنسبة الى النساء - كي تبتلي بالعقوبة التي يمكن ان يبتلي بها الرجال. ويمكن ان نفهم اهمية الفتوى من عدة مضامين:
منها: الحكم بان من افتى بغير علم – ماذا صارت نتيجته ؟ - اكبه الله على منخريه في النار.
ومنها: ما هو مروي عن العلامة الحلي يوسف بن المطهر (قدس الله روحه الزكية) انه قال لولده - سامعين هالحجاية ؟! - : لولا كتاب الالفين وزيارة الحسين لقصمت الفتوى ظهر ابيك نصفين - يشعر باهمية الفتوى عند الله سبحانه وتعالى وخطورتها عند الله سبحانه وتعالى وحتى خطورتها الدنيوية ايضا موجودة سبحان الله وكلنا نعلم ذلك -
ومنها: ماورد بمضمون ان الحاكمين اربعة او القضاة اربعة على اية حال ، واحد منهم في الجنة وثلاثة منهم في النار – سبحان الله ، تسمعني؟ - قاض قضى بالباطل وهو يعلم انه باطل وقاض قضى بالباطل وهو لا يعلم انه باطل وقاض قضى بالحق وهو لا يعلم انه حق فهؤلاء كلهم في النار – يجوز الصدفة انه انا وانت نكون كذلك والعياذ بالله الا بتدبيره وتوفيقه - وقاض قضى بالحق وهو يعلم انه حق فهو في الجنة – الوحيد هو هذا ، سبحان الله -
ولا فرق من هذه الناحية بين القضاء والفتوى وكما ان الله سبحانه اسقط الفتوى عن ذمة المرأة اسقط القضاء عن ذمتها ايضا فهذه نعمة وان حسبها اهل الشبهات وجملة من النساء نقمة عليهن بل هي نعمة عليهن في الحقيقة.
المثال العاشر: - مثال بسيط وايضا قلما تلتفتون اليه - كشف الرجل رأسه في الحج فان ذلك واجب وجزء من الاحرام كما ثبت في الشريعة في حين ان هذا غير موجود للمرأة فلها ان تلف رأسها اعتياديا ويلحق بذلك عدم جواز التظليل للرجل ومعنى ذلك ان الرجل يجب ان يبقى رأسه تحت الانواء الجوية من حر او برد او رياح او شمس في حين ان المرأة سالمة من كل ذلك وهذا وان كان في سبيل الله والاطاعة لامر الله والتضحية في سبيل الله امر جيد وقليل امام الله سبحانه وتعالى ولكن كما قال الامام في بعض الادعية (ولكن عافيتك اوسع لي) فالمرأة من هذه الناحية في عافية.
فهذه عشرة موارد يكون موقف الرجل فيها اشد واصعب اما عرفا واما شرعا والمرأة فيها جميعا مرتاحة وفارغة الذمة وكل هذه الموارد قاعدة عامة تنطبق على كل الرجال وهذا يعني ان لها مئات الملايين من التطبيقات في اجيال البشرية. ومن الممكن القول - هاي بمنزلة النتيجة - انه اذا قيست مصاعب المرأة التي تشتكي منها هي بمصاعب الرجل فان مصاعب الرجل عموما اقوى وارجح من مصاعب المرأة وهذا من النعم الالهية بطبيعة الحال على المرأة. فهذا هو الكلام في المستوى الاول.
المستوى الثاني : ان ننظر الى الثواب الجزيل الذي وضعه الشارع المقدس الله سبحانه وتعالى المولى الحقيقي وضعه للمرأة اذا قامت بمسؤوليتها الشرعية واطاعت ربها حق الطاعة قال الله تعالى: ((اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى)) وقال تعالى: ((ان اكرمكم عند الله اتقاكم)) فلو كانت المرأة افضل في التقوى من اي واحد من الرجال كانت خير منه - ولا نُزاحم في ذلك ،لا بأس بذلك - ، وقال تعالى: ((لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)) فلو كانت المرأة اعلى درجة في العلم - اي في العلم الحق في الحقيقة - من اي واحد من الرجال كانت خيرا منهم. كما قال الشاعر:
ولو ان النساء كمن عنينا لفضلت النساء على الرجال
وقد ورد بمضمون: ان جهاد المرأة حسن التبعل وحسن تربيتها لاولادها وهو التعويض الذي عوضها الله سبحانه وتعالى به عن تحمل مسؤولية الجهاد للرجال. ومعنى ذلك - هذا ايضا قلما يلتفت اليه - ان لهن في العناية بالزوج والاولاد ثواب الجهاد فعلا وان التي تموت في هذا الصدد تموت شهيدة كالذي يموت في الجهاد فعلا ومن المعروف ان المرأة لو ماتت بالولادة ، تعرفوه وموجود في الارتكاز المتشرعي ومروي ان المرأة لو ماتت بالولادة فانها ممن تجب لها الجنة وقد كان الطب خلال مئات السنين السابقة ضعيفا ومن هنا كان موت الوالدات ظاهرة متكررة كثيرا، فاذا ماتت المرأة عند الولادة وهي بعقيدة سليمة دخلت الجنة لا محالة.
وقال الله تعالى: ((ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصاد قات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما)). وهذا واضح في تساوي الرجل والمراة من حيث الاهمية الدينية والثواب الاخروي كما قلنا في الجمعة السابقة. ولكن نريد ان نضيف الان بعض الاوصاف التي تكون بها المراة مصداقا وتطبيقا لهذه الصفات المذكورة في الاية:
اولا: المسلمات ، فانما تكون المراة مسلمة بحسن العقيدة اولا، والمهم هو الثاني ان الاسلام ياتي بمعنيين، بمعنى العقيدة التي جاء بها نبي الاسلام (صلى الله عليه واله)، والمعنى الثاني التسليم الحقيقي لله سبحانه وتعالى وكذلك قد ينطبق على المرأة كما قد ينطبق على الرجل وهذا اصعب الفردين في الحقيقة او بالتسليم الحقيقي لله عز وجل في قضاءه وقدره وعدم الاعتراض عليه بقليل او كثير وهذا هو الفرق بين قوله – اجعل لكم قرينة من الاية تدل على ذلك - وهو السؤال ما الفرق بين المسلمين والمسلمات من ناحية والمؤمنين والمؤمنات من ناحية ؟ اذا فسرناها بالعقيدة اذن يكون تكرار بمضمون الاية ! لا ، انا اقول ان المؤمنين والمؤمنات اي المؤمنين والمؤمنات بالعقيدة، والمسلمين والمسلمات هو التسليم لقضاء الله وقدره والصبر على حسن بلاءه – هالشكل -
ثانيا: القانتات ، والقنوت وان كان هو رفع اليد بالدعاء الا انه في الحقيقة اللغوية الخضوع والذلة امام الله سبحانه وتعالى والمفروض في الفرد المؤمن ان يستشعر الذلة امام الله سبحانه وتعالى باستمرار ما أوتي الى ذلك سبيلا.
ثالثا: الصادقات ، والصدق هو القول المطابق للواقع ومنه الفعل المطابق للواقع والوعد المطابق للواقع والعقيدة المطابقة للواقع فيقال هو صادق في قوله وهو صادق في فعله وهو صادق في وعده وهو صادق في عقيدته، وهذه صفات لا يفرق فيها بين الجنسين بطبيعة الحال. واذا كان المرء او المرأة كذلك كانوا في افضل الدرجات عند الله سبحانه وتعالى.
رابعا: الصابرات ، والصبر هو حسن التحمل لبلاء الدنيا باحتساب الى الله سبحانه وتعالى ورضىٍ بقضائه والا فمع الاعتراض على قضاء الله وقدره لا يكون الصبر اطلاقا موجودا ولا يحصل الثواب عليه بل يحصل العقاب - هم بلاء الدنيا وهم بلاء الاخرة في الحقيقة - والمهم ان الشارع المقدس ياخذ المؤمنين بنظر الاعتبار من حيث تعرضهم لانواع البلاء الدنيوي فيأمرهم بالصبر ويعطيهم الثواب عليه. ويأخذ المؤمنات بنظر الاعتبار من حيث تعرضهن لانواع البلاء من الزوج والاولاد واهل الزوج والجيران مثلا فيأمرهن بالصبر ويعطيهن الثواب الجزيل عليه - لاحظوا ، واحد او واحدة تجي تكول انا صابرة ومحتسبة وهي تكذب لماذا ؟ لانها لا تملك لسانها. فانها تتكلم ، كذا ليش ؟ وكذا ليش ؟ وكذا ليش ؟ ، مع ذلك تزعم انها صابرة ومحتسبة او الرجل كذلك يتكلم ضد القضاء والقدر الالهي ويزعم انه صابر ومحتسب ! خاب فالك وخسئت نفسك الامارة بالسوء - فالصبر لا يجوز ان يكون مع الكلام البذيء على المخلوق او على الخالق ثم يزعم الفرد انه صابر كلا بل هو فاجر وليس بصابر.
حتى لو تحمل الذلة من المخلوقين بالمقدار الممكن فانه سيكون عظيما عند الله وثوابه جليلا عند الله والذلة في الدنيا انما هي عزة الاخرة والعزة في الدنيا انما هي ذلة الاخرة. واما بالنسبة الى الله سبحانه وتعالى فالمسألة أكثر فيجب ان لا يخطر في البال إعتراض عليه فضلا عن التفوّه به والّا لم يحصل له ثواب الصابرين والله سبحانه عليم بما في القلوب والنفوس فيجب الحذر من هذه الناحية جداً .
بسم الله الرحمن الرحيم
والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا * فاثرن به نقعا * فوسطن به جمعا * ان الانسان لربه لكنود * وانه على ذلك لشهيد * وانه لحب الخير لشديد * افلا يعلم اذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور * ان ربهم بهم يومئذ لخبير *
صدق الله العلي العظيم

الجمعة السادسة والعشرون17 جمادي الثاني1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمدا دائما مع دوامك وخالدا مع خلودك. ولك الحمد حمدا لا امد له دون مشيتك ولك الحمد زنة عرشك ورضا نفسك ولك الحمد حمدا لا اجر لقائله دون رضاك. ولا حول ولا قوة الا بالله قوة كل ضعيف ولا حول ولا قوة الا بالله عز كل ذليل ولا حول ولا قوة الا بالله غنى كل فقير. ولا حول ولا قوة الا بالله عون كل مظلوم. ولا حول ولا قوة الا بالله ملجأ كل مهموم. ولا حول ولا قوة الا بالله كهف كل مغموم. ولا حول ولا قوة الا بالله فكّاك كل اسير. ولا حول ولا قوة الا بالله مؤنس كل وحيد. ولا حول ولا قوة الا بالله دافع كل بلية. ولا حول ولا قوة الا بالله عالم كل خفية. ولا حول ولا قوة الا بالله كاشف كل كربة. ولا حول ولا قوة الا بالله صاحب كل سريرة. ولا حول ولا قوة الا بالله موضع كل رزية. ولا حول ولا قوة الا بالله الفعال لما يريد. ولا حول ولا قوة الا بالله رازق العباد. لا حول ولا قوة الا بالله عدد ما خلق. ولا حول ولا قوة الا بالله غاية كل طالب. ولا حول ولا قوة الا بالله سرمدا ابدا لا ينقطع ابدا. ولا حول ولا قوة الا بالله عدد الشفع والوتر.
اللهم اني اسألك بحرمة هذا الدعاء وبحرمة هذا اليوم المبارك ان تصلي على محمد وال محمد وان تغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما ابديت وما اخفيت وما انت اعلم به مني وان تقدر لي خيرا من تقديري لنفسي وتكفيني ما يهمني وتغنيني بكرم وجهك عن جميع خلقك وترزقني حسن التوفيق وتصدق علي بالرضا والعفو عما مضى والتوفيق لما تحب وترضى وتيسر لي من امري ما اخاف عسره وتفرج عني الهم والغم والكرب وما ضاق به صدري وعيل به صبري فانك تعلم ولا اعلم وتقدر ولا اقدر وانت على كل شيء قدير برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وال محمد اوليائك على خلقك وحججك على عبادك صلاة كثيرة دائمة.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
نكمل الان ما بدأنا به في الخطبة الاولى.
خامسا: من الصفات المأخوذة في الاية الشريفة الخاشعين والخاشعات ، وهو الشعور بالذلة والضآلة امام العظيم المطلق جل جلاله وقد يخطر في الذهن اننا – لاحظوا - فسرنا القانتين والقانتات بنفس التفسير تقريبا فما هو الفرق بينهما ، كلاهما يعني الذلة امام الله سبحانه وتعالى اذن كانه لا فرق بينهما ؟ جواب ذلك ان المعنى في الشعور بالذلة امام الله تعالى مشترك بين اللفظين القانت والخاشع ولكن يتميز احدهما عن الاخر ببعض الصفات والخصوصيات منها ان يكون القنوت هو الدعاء بذلة امام الله تعالى يعني الشعور – الذلة هنا ماذا تعني ؟ - بالعجز عن نفع النفس وعن قضاء حوائج المرء ومن هنا يدعو الله تعالى لينفعه ويقضي حاجته وييسر اموره.
واما في الخشوع فليس للدعاء وانما هو لمجرد العاطفة ويرجع ذلك في الحقيقة الى ان القنوت انما يكون هو الذلة لتصور قدرة الله تعالى عليه وضعف الانسان تجاه خالقه. واما الخشوع فتصور عظمة الله تعالى وذلة الانسان تجاه عظمته تبارك وتعالى والله تعالى عظيم ولا نهائي من سائر الجهات والانسان حقير وذليل تجاهه من سائر الجهات.
سادسا: المتصدقين والمتصدقات ، ولعلك تقول اني حين اعطي الفقير او المتطلب شيئاً من المال فقد تصدقت عليه وهذا صحيح الا ان هذا الاسلوب ليس هو الفرد المنحصر والطريقة الوحيدة للصدقة اذ من الواضح ان الطلب لا دخل له في الصدقة بل هي مطلق قضاء حاجة المحتاج سواءً طلب منك شيئا او لم يطلب بل هي عند عدم الطلب اولى بالصحة واكثر ثوابا بالمبادرة اليه لقضاء حاجته قبل ان يطلب قضاء حاجته. كما انها غير منحصرة – لاحظ - بالمال القليل فلو قضيت حاجته بمال كثير فهو صدقة ايضا. كما انها غير منحصرة بالجانب الاقتصادي فلو قضيت للمؤمن اي نحو من انحاء الحاجة والضرورة فقد تصدقت عليه.
الا ان الفرد الاكمل والافضل من كل ذلك – ما هو ؟ - هو الصدقة بالنفس على الله سبحانه وتعالى وذلك ببذل النفس في سبيله بكل صورة يعني اطاعته والتذلل امامه في كل حكم مهما قل وكثر حتى لو لزم في ذلك القتل والتنكيل. الم تسمع قوله تعالى ((ويقبل الصدقات)) - يعني شنو ((يقبل الصدقات)) ؟ - يعني ان الله تعالى يقبل الصدقات هو بنفسه يقبل الصدقات وليس ان الفقير يقبلها. وفي الرواية ان الصدقة تقع في يد الله سبحانه قبل ان تقع في يد الفقير، وليس انه سبحانه محتاج اليها ولكنه قابل لها وشاكر عليها جل جلاله.
واذا – هاي الخطوة الاخرى ، شوفهه - كانت الصدقة بالنفس لم يكن غيره هو الذي يتقبل العمل ، نعم يمكن ان تفدي نفسك في سبيل غير الله سبحانه – يمكن - لكن كما ايضا يمكن ان تفدي نفسك في سبيل الله ولكن الاسلام يقول ان النفس ثمينة جدا بحيث لا يجوز بذلها في سبيل المخلوق بل يجب بذلها فقط في سبيل الخالق جل جلاله. وقال تعالى ((لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ)). فالجهة المادية وهو الاكل والاستهلاك تكون للجهة المادية وهو الفقير مثلا او اي شيء او صاحب الحاجة ، اي للبطون الجائعة لا انها تصل الى الله لانه غني عن العالمين والجهة المعنوية وهي التقوى هي التي تصل اليه سبحانه وتعالى ويتقبلها من عبده كما قال ((ولكن يناله التقوى منكم)). وايضا هو لا يستفيد منها، هل هو يستفيد من تقواي او تقواك ؟ ايضا هذا لا يفيده وانما المستفيد هو العبد نفسه وكل ذلك جعله الله من اجل فائدة البشرية وتكامل البشرية.
سابعا: الصائمين والصائمات ، والصوم معروف وهو الامساك عن المفطرات مع النية يعني قربة الى الله تعالى. الا ان المفطرات – لاحظ - تختلف باختلاف مستويات الفهم ويكون معنى الصوم مناسبا لها. فمرة تعتبر المفطرات هي المفطرات الفقهية الاعتيادية، ويكون الصوم عنها هو الصوم الواجب او المستحب. واخرى نفهم من المفطرات امورا اخرى كالشهوات وحب الدنيا وغير ذلك مما ينبغي الامساك عنه والصوم عنه كما قال تعالى – ماذا قال ؟ - : ((واما من خاف مقام امر ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى)). وفي الحديث القدسي (الصوم لي وانا أُجزى به) لانك لا تصوم عن شهواتك في سبيل اي شيء الا لله سبحانه وتعالى. وكذلك فان الصوم هو العبادة الوحيدة التي ليس لها مظهر خارجي وبذلك تكون بعيدة عن الرياء ما لم يصرح به صاحبه انا صائم انا صائم. وحين يكون بعيدا عن الرياء يتمحض لله سبحانه فيكون هو الذي يُجزى به.
ومن هنا ورد – وهذا ايضا ربما قليل مارين عليه - ما مضمونه: انه اذا سئلت انك صائم او انك صليت صلاة الليل؟ فلا تقل لا، لانك تكون كاذبا وانما تقول الله تعالى رزقني ذلك. يعني ان الفرد لاجل دفع احتمال الرياء يميل ان يقول لا فيكذب، فيقع فيما هو اشد حرمة وهو الكذب. ولذا يُعلّمُهُ المعصومون ما هو الجواب الصحيح وهو ان يقول الله رزق ذلك ووفقني له.
ثامنا: والحافظين فروجهم والحافظات ، يعني عن الزنا والشبهة مع حسن الالتفات والتدقيق في هذه الامور جيدا وعدم اهمالها او التسامح بها كما يفعل جماعة من غير المتفقهين او غير المتورعين فان الاحتياط في الدماء والفروج واجب باجماع الفقهاء جيلا بعد جيل. ويمكن ان يشمل هذا التوجيه القرآني الكريم امرين آخرين:
الامر الاول: صيانة سائر الجسد من الحرام الجنسي حتى العين والاذن وكله من الزنا ولذا سمي بزنا النظر سواءً كان من قبل الفاعل ، حرام على الفاعل ، وكذلك حرام على المنفعل اذا كان ملتفتا ومتعمدا، يعني الناظر والمنظور اليه. فكما ان الطرفين هو زاني بالزنا الحقيقي والفعلي احيانا فكذلك الطرفان زانيان بزنى النظر او بزنى السمع او بزنى اللمس وغيرها. ومن هنا كانت السافرة والمُكّشفة زانية بهذا المعنى الا انه زنا ليس عليه حد بل حده التوبة والاستغفار.
الامر الثاني: الصداقة مع من لا يستحق او بدون مبرر شرعي مرضي لله سبحانه او التعلم عند من لا يستحق وهكذا … فان الزنا - الزنا الاعتيادي - انما يكون بدون مبرر شرعي اذن فكل علاقة بين اثنين بدون مبرر شرعي بل لمجرد الشهوة النفسية وحب الدنيا والمصلحة الشخصية فهو من الزنا بالمعنى المعنوي. وانما تحفظ فرجك كما امرك الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في ما اذا لاحظت علاقاتك واصدقائك من جميع الجهات وحصرت ذلك كله برضا الله سبحانه وتعالى خدمة له وتضحية في سبيله.
تاسعا: الذاكرين والذاكرات ، قال الشاعر: والذكر للانسان عمر ثاني. يعني اذا تعذر الاتصال بالشخص بالمباشرة كان الذكر هو نوعاً من الاتصال. والله تعالى يتعذر اتصالنا به بالمباشرة فيكون ذكرنا له نوعا من الاتصال به. والذكر قد يكون من الواجبات وقد يكون من المستحبات كما قد يكون قليلا مقتصرا على الصلاة فقط وقد يكون كثيرا كما قال تعالى: ((اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة واصيلا)) اي صباحا ومساءً. كما ان الذكر ينبغي ان يكون مع الاخلاص والحب ومعه يكون طريقا واضحا وضروريا لزوال المستويات المتدنية لدى الانسان كالمحرمات والاسفاف والتسامح في الدين وترك الورع ونحو ذلك. بل يكون الذاكر لله سبحانه ملاحظا لنفسه معتنيا باقواله وافعاله فان صدرت منه طاعة حمد الله عليها وان صدرت منه سيئة بادر الى الاستغفار عنها. ومن الطبيعي ان امثال هؤلاء سواءً من الرجال او من النساء يكونون مشمولين لوعد الله سبحانه بالاجر والثواب وهو قوله تعالى ((اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما)) وهو في نهاية هذه الاية هكذا يقول : ((اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما)) ويستاهلون ، الله يجزيهم بالخير.
اذن فالاجر والثواب على كل مصاعب الدنيا مع حسن الصبر والاخلاص وعلى طاعة الله سبحانه ايضا مع الصبر والاحتساب موجود لكل البشر اي لمن كان كذلك منهم ويهتم بذلك منهم وكل من يكون كذلك في المستقبل فان الله خير لا يريد لنا الا الخير و لا يعطينا الا الخير وهذا امر مشترك بين الرجل والمرأة. بل ان تصورنا ان المرأة اصعب في امورها الدينية وقد ادت ذلك باخلاص كان ثوابها اكثر من ثواب الرجل لا محالة الا من ندر ولذا سمعنا قوله - قول الشاعر- : لفضلت النساء على الرجال.
ولكن من تكون وكيف تكون هذه المرأة التي تجرد كل ذاتها وتصرفاتها وكلامها وسكوتها وعلاقاتها وتجندها في سبيل الله تعالى وترضى بكل ما يقضي ويقدر ؟ والمفروض بجميع النساء ان يكن كذلك.
المستوى الثالث – من الجواب على اختلاف احكام الرجل عن احكام المرأة - اننا نعلم ان الله تعالى عادل مطلق وحكيم مطلق يضع كل شيء في موضعه المناسب له ماديا او معنويا او عقليا او نفسيا او اي شيء آخر ومن حيث المهم لنا الان انه يعطي لكل فرد ولكل مجموعة من الاحكام والاوضاع والحالات افضل ما يتصور له وانسب ما يكون به. كذلك خص الرجال ببعض الاحكام التي تناسبهم وتكون اوفق بحالهم وخص النساء ببعض الاحكام التي تناسبهن وتكون اوفق بحالهن كل ما في الامر اننا لا نعرف ما هو المناسب للرجل وما هو الموافق مع المرأة - ليش؟ - لاننا جاهلون بالحقائق وبعيدون عن الواقعيات والنفس الامارة بالسوء هنا موجودة. والله تعالى يجعل المناسب حسب علمه وحكمته لا حسب علمنا وشهواتنا والنفس الامارة بالسوء التي بين جنبينا بطبيعة الحال.
ومن الواضح ان الحكم الالهي من الدقة والعمق بحيث لا تصله عقولنا ولا تحيط به افهامنا كما قال تعالى ((ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء)) فما شاء من العلم اعطانا جل جلاله وما شاء من العلم منعنا جل جلاله. ومن الواضح ايضا ان الفروق في الاحكام بين الرجل والمرأة لا منشأ لها ولا سبب لها الا الاختلاف الحقيقي والتكويني بين الرجل والمرأة فباعتبار اشتراكهما في الانسانية – لاحظ - جعل الله لهم احكاما مشتركة وباعتبار اختلافهما في الحال والتفاصيل والخلقة جعل الله لكل منهما احكاما تخصه. والذي ينفعنا الان هو التعرض الى بعض جهات الاختلاف الحقيقية بينهما لكي نعرض بعض وجوه الحكمة في الاختلاف من الاحكام:
اولا: انه من الواضح ان المرأة لها فترات حمل وولادة وحيض واستحاضة ونفاس ورضاع وهي امور مهما قلنا فيها فهي اقرب الى معنى المرض منه الى معنى الصحة كما انها اقرب الى معنى الوسخ والقذارة منه الى النظافة والنزاهة وهذه الامور مركوزة في خلقة جسد المرأة لا يمكن لها التخلص منها بحال. ومن هنا كانت لها الاحكام الخاصة بها ومن الواضح انه كلما كان الوسخ اكثر كان تنظيفه اصعب سواءً من الناحية المادية او من الناحية المعنوية.
ثانيا: ان عاطفة المرأة اقوى من عاطفة الرجل. وهذا يؤدي الى عدة نتائج:
الاولى: ان نسبة عاطفتها او قوة عاطفتها إلى عقلها تكون اكثر من نسبة عاطفة الرجل الى عقله.
الثانية: ان هذه العاطفة تكون مؤيدة للنفس الامارة بالسوء لدى المرأة ما لم تكن وَرِعة حقيقةً وخاصة وقد اعطاها الله تعالى نسبة من الجمال والرقة ما لم يعطِ الرجل وهذا طريق كما يمكن صرفه في الحق كذلك يمكن صرفه في الباطل والعياذ بالله. كما حصل في اغلب النساء مع شديد الاسف.
الثالثة: ان هذه العاطفة تكون مؤيدة لحب الدنيا بما فيها من راحة ورفاه ومال وبنين وكذلك للغيرة من غيرها من النساء ومن الاُسرْ وهذا بطبعه كما يمكن صرفه بالحق كذلك يمكن صرفه بالباطل بل سيكون سببا للباطل لا محالة الا من عصم الله.
الرابعة: انها سوف تفضل مصلحة نفسها على مصلحة غيرها ويكون من الصعب عليها التضحية في سبيل الاخرين مع ان التضحية ستكون مع قوة القلب وقلة العاطفة كما في الرجل اسهل منها في المرأة.
الخامسة: انها سوف تفضل مصالحها الخاصة على المصالح العامة ولا تدرك او لا تحاول ان تدرك ان هناك مصالح عامة يجب التضحية لها والتطبيق لاحكامها بل كانها تعيش وحدها هي الامرة الناهية.
السادسة: ان قوة العاطفة سوف تصرف نفسها ووقتها الى تطبيقات هذه العاطفة وهي امور دنيوية في الغالب بل هي امور دنيوية دائما وتختلف باختلاف طبع المرأة وتطلعات المرأة. والمهم ان ذلك سوف يسيطر عليها ويمنعها من التفكير الجاد في مستقبلها ومجتمعها وآخرتها وبالتالي يصعب عليها اكثر من الرجل التدقيق العقلي في العلوم واستيعاب المصطلحات المعمقة بل ستأخذ الحياة على شكل ساذج وبسيط نسبيا.
ثالثا: من الفروق بين الرجل والمرأة انه يمكن ان يقال ان الكيان المعنوي للمرأة او الروحي او الباطني اضعف من كيان الرجل وهذا هو السبب الرئيسي حسب فهمي للحكم شرعا بان ((الرجال قوامون على النساء)) وان العمل خارج البيت للرجال لان امثال هذه الاعمال وهي كثيرة ومعقدة وخطرة احيانا تحتاج الى عمق عقلي وقوة قلب وسيطرة على الارادة اكثر مما تتحمله المرأة. وهذا معناه ان المرأة وان كان يجوز لها العمل خارج المنزل باي حقل من الحقول المناسبة للشريعة والمجتمع الا انها لا يمكن ان تصل في نجاحها وضبطها الى مستوى الرجل الا من عصم الله.
ومن اعظم ذلك امام الله سبحانه مسؤوليات القضاء والفتوى او التقليد ومسؤوليات الرئاسة والولاية فانها كلها مسؤوليات ضخمة لا تطيقها المرأة او قل انه لا يناسب مع الكيان المعنوي والباطني للمرأة وان الله تعالى رحم المرأة بابعادها عن هذا وغيره مما لا يناسبها وافرغ ذمتها منها. ومن هنا قيل خاب قوم حكمتهم امرأة وقال امير المؤمنين (عليه السلام): (يا اشباه الرجال ولا رجال) اي ولستم برجال (وعقول ربات الحجال) اي النساء. لان الحرب – ليش كان يعتب عليهم ؟ ، لانهم كانوا ينهزمون من الحرب - تحتاج الى عقل وصبر وتحمل لم ترزق المرأة مثله وانما هو خاص بالرجل ومن هنا سقطت مسؤولية الجهاد عن المرأة.
والظاهر ان جملة من الاحكام انما وضعت لمنع الاختلاط المتزايد بين الجنسين وفرض الحد والحشمة والجدية في العلاقة بينهما ولا اقل ان العلاقة ان وجدت فليست بامضاء ورضاء الله سبحانه وتعالى بما في ذلك – مصداقها شنو تطبيقه؟ - منع المرأة من امامة الجماعة للرجال وكذلك الشهادة بالهلال في اول كل شهر فان امثال هذه الامور فيها اهتمام وازدحام وازعاجات كفى الله تعالى المرأة عن تحمل مسؤولياتها ومضاعفاتها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * اياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين *
صدق الله العلي العظيم

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم


التعديل الأخير تم بواسطة خادم البضعة ; 11-04-2017 الساعة 03:14 PM
ابو علي غير متواجد حالياً  
قديم 22-03-2012, 12:53 AM   #27

 
الصورة الرمزية ابو علي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 32
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 10,104

افتراضي رد: هنا جميع خطب السيد الشهيد مكتوبة

الجمعة السابعة والعشرون 24 جمادي الثاني 1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
توكلت على الله رب العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
حياكم الله جميعا والشكر من الله لكم وليس مني لانكم تجشمتم الصعوبة في سبيل اقامة شعائر الله والدفاع عن الحق فجزاكم الله خير جزاء المحسنين.
انا انصحكم، انه بعد الصلاة تبقون في اماكنكم، لا يغادر احد حتى تصلوا ركعتين، شكرا لله على نهاية السنة الاولى لصلاة الجمعة، وبدأ السنة الثانية لصلاة الجمعة. فان انتهت صلاة الشكر، فتفرقوا جزاكم الله خيرا.
وانا سوف افتتح السنة الثانية لصلاة الجمعة المقدسة، بدعاء الافتتاح، كما فعلت في مناسبة سابقة. وانتم بعد كل فقرة قولوا يا الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اني افتتح الثناء بحمدك، وانت مسدد للصواب بمنك ، وايقنت انك انت ارحم الراحمين، في موضع العفو والرحمة ، واشد المعاقبين ، في موضع النكال والنقمة، واعظم المتجبرين ، في موضع الكبرياء والعظمة ، اللهم اذنت لي في دعائك ومسألتك ، فاسمع يا سميع مدحتي ، واجب يا رحيم دعوتي ، واقل يا غفور عثرتي ، فكم يا الهي من كربة قد فرجتها ، وهموم قد كشفتها ، وعثرة قد اقلتها ، ورحمة قد نشرتها ، وحلقة بلاء قد فككتها .
الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ، الحمد لله بجميع محامده كلها ، على جميع نعمه كلها ، الحمد لله الذي لا مضاد له في ملكه ، ولا منازع له في امره ، الحمد لله الذي لا شريك له في خلقه ، ولا شبه له في عظمته ، الحمد لله الفاشي في الخلق امره وحمده ، الظاهر بالكرم مجده ، الباسط بالجود يده ، الذي لا تنقص خزائنه ، ولا تزيده كثرة العطاء الا جودا وكرما ، انه هو العزيز الوهاب .
اللهم صل على محمد عبدك، ورسولك، وامينك، وصفيك، وحبيبك، وخيرتك من خلقك، وخليلك من خلقك، وحافظ سرك، ومبلغ رسالاتك، افضل واحسن واجمل واكمل وازكى وانمى واطيب واطهر واسنى، واكثر ما صليت وباركت وترحمت وتحننت وسلمت على احد من خلقك وانبيائك ورسلك وصفوتك واهل الكرامة عليك من خلقك. اللهم وصل على علي امير المؤمنين، ووصي رسول رب العالمين، عبدك ووليك واخي رسولك وحجتك على خلقك، وايتك الكبرى والنبأ العظيم. وصل على الصديقة الطاهرة، فاطمة الزهراء، سيدة نساء العالمين. وصل على سبطي الرحمة، وامامي الهدى الحسن والحسين، سيدي شباب اهل الجنة . وصل على ائمة المسلمين، علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والخلف الهادي المهدي، حججك على عبادك، وامنائك في بلادك، صلاة كثيرة دائمة. اللهم وصل على ولي امرك القائم المؤمل، والعدل المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وايده بروح القدس يا رب العالمين. اللهم اجعله الداعي الى كتابك، والقائم بدينك، استخلفه في الارض كما استخلفت الذين من قبله، مكن له دينه الذي ارتضيته له، ابدله من بعد خوفه امنا، يعبدك لا يشرك بك شيئا. اللهم اعزه واعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا يسيرا، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا. اللهم اظهر به دينك، وسنة نبيك حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة احد من الخلق. اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة، تعز بها الاسلام واهله، وتذل بها النفاق واهله، وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك، والقادة الى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والاخرة. اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه، وما قصرنا عنه فبلغناه.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
طبعا هذا اليوم هو الذكرى السنوية الاولى لحصول صلوات الجمعة في وسط العراق وجنوبه، وانتشارها بهذا المقدار المركز الشريف واللطيف، وذلك كله بفضل الله سبحانه وتعالى، وهمة المؤمنين المخلصين، جزاهم الله خير جزاء المحسنين.
ونحن بالرغم من اننا قاصرون عن اداء شكر الله حق شكره، وحمده حق حمده، وطاعته حق طاعته، واداء حقه حق اداءه. ولكن لا بد من اداء البعض اذ كان الجميع متعذرا. فنؤدي حمده وشكره مع الاعتراف بالقصور والتقصير، وبالتضييع والتبذير، والاعتراف بانه جل جلاله اعطانا اكثر من استحقاقنا، ومنّ علينا اكثر من توقعنا، وقد قال جل جلاله: ((لئن شكرتم لازيدنكم وان كفرتم ان عذابي لشديد)) ونحن نتوقع المزيد من مننه، والكثير من الطافه الخاصة والعامة جل جلال المعطي.
فله الحمد عدد ما في علمه، وزنة عرشه، وملىءِ كونه، ومداد قلمه، وعدد ما احاط به علمه، ووسعته قدرته، وشملته ارادته. وله الحمد عدد الحصى والنوى، وعدد ما في الدنيا والعلى. وله الحمد عدد انفاس الخلائق، وعدد اوراق الشجر، وعدد ضياء الشمس والقمر، وعدد كل شيء، وملء كل شيء، وزنة كل شيء. وله الحمد والشكر اكثر مما احصاه العادون، واحاط به الاولياء والعالمون. حمدا يدوم ببقاءه، ويتصل آخره باتصال ملكه، حمدا عدد نعمه التي لا تحصى، والآءه التي لا تجارى، وافضاله الذي لا يبارى، حمدا لا ينقطع عدده، ولا يفنى امده، ولا يحصى رفده، جل جلاله، ودام افضاله، ولا حد لسلطانه، ولا محصي لنعمه والآءه.
الان نحاول ان نستفيد العبرة من هذه التجارب الدينية والاجتماعية، التي حصلت من خلال صلاة الجمعة في هذا العام، فان لكل شيء عبرة وموعظة، مهما كان قليلا او كثيرا، كما قال تعالى ((وكأين من اية في السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون)). واذا كان الامر مهما، كانت عبرته اكثر وتجاربه اعمق لا محالة، وكان اولى بالتذكر والاعتبار. ولئن جعلنا هذه التجارب مرقاة وان شاء الله نجعلها مرقاة، الى رضاء الله تعالى، ومقدمة للمزيد من عبادته، كان افضل مما اذا اخذنا الفائدة الدنيوية فقط، والتي لعل فيها خسران الدنيا والاخرة ((ذلك هو الخسران المبين)). ما هي العبرة ؟
اولا: العزة والشرف والرفعة الاجتماعية والدينية. التي حصلت للمذهب في كل العالم عامة وفي العراق خاصة ورفع ما كان من ذلة وقنوط، وخنوع واقتصار على اللذائذ الشخصية، والارزاق التجارية والاسرية.
ومن هنا يمكن ان نلاحظ – فكرك يمي - ان ما حصل هنا - بهذه صلاة الجمعة الملتزمون بها جميعا ان شاء الله - ما لم يحصل على مدى التاريخ لاي احد. وامامنا الان ايران، فانهم حين اقاموا صلاة الجمعة، نعم ما فعلوا، ولكن لم تكتسب اقامتها هذه الاهمية التي رايناها هنا في العراق، بالرغم من وجود دولتهم وحوزتهم، وانما نظر اليها العالم هناك كعبادة اعتيادية حصّلت قناعة اعتيادية من قبلهم باقامتها .
واما هنا فكانت فتحا مبينا لا مثيل له، كما قال تعالى: ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) - القرآن ينطبق دائما ، افهموه من زاوية ما هو موجود الان - وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10))).
ولك ان تفهم هذه الايات الكريمات كما شئت، ولكني اقول انها تنطبق على مقامنا هذا انطباقا عاليا وجليلا، فله الحمد والمنة.
ثانيا: ان الذي حصل خلال هذه السنة المباركة، هو ما قلته خلال هذه السنة عدة مرات، والفضل لله سبحانه وحده، يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ولكن إذا نظرنا الى الاسباب – لاحظوا - فقد فُتِحت افواه جماعة من الخطباء (قد يصلون الى السبعين من خطباء الجمعة) في الموعظة والارشاد والترغيب والترهيب والتذكير بالامور الدينية والفقهية، بشكل يجب على الاخرين – مو كل موعظة هكذا واجب حضورها ، صلاة الجمعة معناتها انه يجب عليك ان تحضرها وتسمع الموعظة - حضورها والإصغاء اليها ، وهذا مما لا يحدث في سائر المواعظ، إذ قد لا يتيسر للكثيرين مجرد الحضور، وقد لا يستمعون الكلام – اما هنا الاستماع واجب ، سبحان الله - اما عمدا، أو غفلة في اي خطبة، أو قصيدة، أو تعزية، أو حفلة، وانواعها وغيرها بخلاف صلاة الجمعة من هذه الناحية، نظيفة من جميع الجهات.
وتكون نتيجة ذلك هو زيادة الموعظة، والتثقيف الديني، والدخول إلى النفوس والقلوب. فحيا الله خطباء الجمعة، الذين جاهدوا وافادوا. وحيا الله الحاضرين المخلصين في كل مكان وزمان. وليس عليّ شكرهم، بل على الله الحليم الكريم.
ثالثا: انه قالت جماعة من الحوزة، ولعلها لازالت تقول – لاحظوا - : (ان اقامة صلاة الجمعة فتنة). وانما الفتنة هم الذين فتحوها، باصرارهم على عدم الحضور، ولو حضروا، لكان الانتصار اكثر، واتحاد الحوزة والمذهب اكثر. حتى انني قلت، انه بغض النظر عن السلاح، فاننا نستطيع عندئذ من الناحية المعنوية ان نواجه اسرائيل نفسها، ونقول لها كلا ثم كلا، ارجعي من حيث اتيت.
فهم بعدم حضورهم، قد القحوا الفتنة، واوجدوها ونصروا اعداء الدين والمذهب، مع شديد الاسف، من حيث يعلمون أو لا يعلمون.
ويوجد – محل الشاهد هذا - هناك نص واضح في ان صلاة الجمعة ليست فتنة ، في مصدر رئيسي من مصادرهم، وهو احد اجزاء كتاب المستند للشيخ مرتضى البروجردي (قدس الله روحه)، وهو من تقريرات اية الله الخوئي (قدس الله روحه)، انقل لكم بعض عباراته التي تخص هذا الامر باختصار:
قال في الجزء الاول ص 32 بلسان من ينفي وجوب صلاة الجمعة، يورد على ذلك عدة ادلة بعنوان نفي صلاة الجمعة، ويردها ويناقشها. يقول: (الرابع: انه يقول الخصم - لو صح التعبير - ان ايجاد مثل هذا الحكم في زمن الغيبة مثار للفتنة وموجب للهرج والمرج، فلا يُظَنْ بالشارع الحكيم تشريعه). إلى ان يقول: (بل موجب لاختلال النظام، لإتشاح النفوس في طلب الرئاسة والتصدي لمقام الامامة، فربما يؤدي إلى التشاجر والنزاع بين المسلمين، لانتصار اهل كل محلة لامامها، وقد ينجر إلى القتل).
ويجيب على هذا الوجه بعدة ايرادات، منها: (ان هذا التقرير على تقدير تسليمه، فانما يجدي لنفي العينية (يعني القول بالوجوب العيني لصلاة الجمعة) لا اصل المشروعية ولو تخييرا (يعني بينها وبين صلاة الظهر)، فان الوجوب التخييري لا الزام فيه فلا يتضمن الفتنة لإمكان التخلص منها لوجود المندوحة).
ومنها: (ان الفتنة ممنوعة من اصلها – وهذا كلام المستند ايضا - حتى على القول بالوجوب العيني، فان من قُدِّم للامامة اما ان يرى غيره اهلا لاستجماعه للشرائط، او لا. فعلى الاول يجب عليه الائتمام به ولا حزازة فيه، وان كان دونه في المقام، فقد حث الشارع على التواضع ومجاهدة النفس، وحذّر عن الانانية والكبر، وقد شاهدنا – هو يقول - بعض زهاد العصر يأتم خلفه جم غفير من الجهابذة والاساطين وهم افقه منه واعظم شانا بمراتب غير قليلة …) إلى اخر ما قال.
والمهم – لاحظوا - انه إذا كانت مصادرهم الرئيسية تقول بعدم تحقق الفتنة، فماذا ولماذا هم يقولون بها ؟
رابعا: من النتائج التي حصلت والعبر التي حصلت بصلاة الجمعة، الشجاعة التي حصلت في الحوزة الشريفة من ناحية، وفي كثير من طبقات الناس جزاهم الله خير جزاء المحسنين، بل يمكن القول انها وجدت حتى – لاحظوا - في خصوم السيد محمد الصدر. وقد وصلت اليهم هذه الشجاعة من حيث لا يعلمون وكثير من هذه الامور وصلت اليهم وهم لا يعلمون. امثل لكم بمثالين:
المثال الاول : انه كان الاسلوب الاساسي هو التقليل من الدرس في الحوزة، واعتبار اكثر ايام السنة عُطل، حتى لا يكاد يصل عدد ايام الدراسة الى ثمانين او تسعين يوم في السنة كلها، ولكن حينما جاء السيد محمد الصدر الى المرجعية، واصر على تكثير عدد الدروس، وجدنا ان سائر المراجع يكثرون من دروسهم، حتى – لاحظوا - كان المتعارف عدم البدء يوم السبت بعد التعطيل. وهذا كانه من الضروريات في الحوزة – ربما جملة منكم ما سامعه ، أسألوا - كان ممنوعا في الحوزة الى عهد قريب الشروع يوم السبت بعد العطلة، والذي الغاه السيد محمد الصدر. فالان نجد ان كل المراجع او اغلبهم قد الغوه.
المثال الثاني : اني قبل حوالي اربع سنوات، وضعت لوحة للاعلانات في البراني، اعتيادي موجودة الى الان، وقد اثار ذلك في حينه موجة من الاحتجاج، حتى من قبل بعض خاصتي – وليسوا هؤلاء ، كانوا غيرهم - في ذلك الحين وانه لا توجد عند المراجع، وغير مناسبة لك، واصررت على استمرارها. والمهم انني بعد عدة سنوات، زرت احد المراجع، فوجدت لوحة اعلانات معلقة على جداره في برانيه.
اذن فكثير من الامور سرت اليهم من المصالح التي يراها المجتمع ضرورية وحيوية بعد ان كانت منسية ومطمورة ومنها الشجاعة، وانه لا حاجة للتقية المكثفة، والخوف المتزايد، بعد وضوح ان كثيرا من الامور فيها مصالح اكيدة، وليس فيها نقاط ضعف من هذا القبيل اكيدا، اذن فلا يرفضها، او يتجنبها، الا المدخول في عقله، ولو كانت للمصلحة الشخصية – لاحظوا - اذن لبادر اليها واسرع اليها، ولكن المصلحة العامة لا يهتم بها مع شديد الاسف.
ومن بوادر الشجاعة، ما حصل هنا في مسجد الكوفة وغيره، من الهتافات والاهازيج، وكنت انا اعتبرها بصراحة نصرا للدين، وعزا للمذهب، كما هي كذلك جزى الله قائليها خيرا، الا اننا حينما ظهر لنا ان مضاعفاتها المحتملة، التي قد تعود بالمفسدة على الحوزة والدين كثيرة مع الاسف، وما يسمى بـ(الاصطياد بالماء العكر)، كنا مضطرين للاعتذار عنها على اية حال، وانما الاعمال بالنيات، والله تعالى يعلم ما في قلوب المخلصين، واستعدادهم للتضحية على مختلف المستويات، وهذا كاف جدا جزاكم الله خيرا. واذا كانت هناك شجاعة ان شاء الله تعالى، فاصرفوها بحذر وبشكل مدروس، وبالاساس مع الاستئذان من الحوزة العلمية الشريفة، وليس باتخاذ عمل او قرار بالاستقلال عنها، ومن دون الاستئذان منها والعياذ بالله.
خامسا: الوعي الدين والاجتماعي الذي حصل لكافة الناس، الذي حصل في داخل الحوزة الشريفة وخارجها، ولم يكن ذلك ممكنا ان يكون بدون هذا النشاط الديني الشريف، اعني صلاة الجمعة المقدسة. ويمكن ان نضرب له عدة امثلة:
المثال الاول : ان الناس عرفوا بوضوح ان عددا من الحوزويين والوكلاء واضرابهم – لاحظوا - الذين كانوا يحسبونهم كجبرائيل (عليه السلام)، او ابو ذر (عليه الرضوان)، في السداد والصلاح، وكانوا يحملونهم على الصحة في كل اقوالهم وافعالهم وينخدعون بمظاهرهم.
اما الان فقد اصبح بكل وضوح، ان الاسلوب القديم قائم على القصور والتقصير، وعلى الاسفاف والتبذير، وعلى السكوت الشائن على المحرمات، مع انه ورد (الساكت عن الحق شيطان اخرس) وورد ما مضمونه: انه اذا كثر الفساد في المجتمع، فعلى العالم ان يظهر علمه، والا فعليه لعنة الله.
مع انه ليس في الاسلوب القديم شيء من ذلك، كما قال بعضهم - نقلته أنا ، لكن للتذكير لا بأس - ان لدينا امور اربعة: الاستخارة، والدرس، وصلاة الجماعة، وقبض الحقوق - فان كنت تسأل عن واحد منها فاهلا وسهلا، والا دير ظهرك وروح - واهمها بطبيعة الحال - في نظرهم طبعا - قبض الحقوق التي تصل باذن الله للتوزيع في المجتمع وقضاء حاجة المحتاجين، لكن هم لا يوزعونها في المجتمع ولا يقضون بها حاجة المحتاجين الا بنسبة ضئيلة جدا ونحو ذلك. فقد انكشف للمؤمنين الصديق من العدو، والناصح من الفاضح، بحسن توفيق الله سبحانه وتعالى.
المثال الثاني : ان عددا من الفروع الفقهية، لم يكن لها وجود في السنين السابقة، ولم تسجل في رسالة عملية، ولا استفتاء، منها – سبحان الله ، تعلموها جميعاً - قبض مجهول المالك، وان الصلاة في مجهول المالك، او في الاموال غير المخمسة باطلة، وان القاء المال في اضرحة المعصومين (عليهم السلام) حرام، وان تصليح الراديو والتلفزيون اعانة على الاثم، وان العمل بالمصارف ذات القطاع الخاص حرام، وان اخت الزوجة حرام، وان اخو الزوج حرام، وان زوجة الاخ حرام، وهكذا، الى فروع كثيرة خارجة عن حد الاحصاء، مما كان الجيل السابق في الحوزة ساكت عنه مع شديد الاسف.
المثال الثالث : ان اكثر الناس اصبحوا يهتمون فعلا بالمصالح الدينية والاجتماعية، ويفضلونها فعلا على مصالحهم الشخصية والاسرية، بل يتمنون الشهادة في سبيل الله تعالى، وهم بالمئات الان على ما اعتقد، او اكثر، والحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ونودوا ان تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون.
المثال الرابع : انهم عرفوا اثر الاستعمار الاكيد والشديد في المجتمع المسلم، منذ صدر الاسلام والى العصر الحاضر، حتى انه يمكن ان يقال بوضوح ان الذي قتل رسول الله (صلى الله عليه واله)، وقتل الزهراء (سلام الله عليها)، وقتل الحسين (عليه السلام)، وتسبب الى غيبة الامام المهدي (عليه السلام)، هو الاستعمار، باياديه الخفية المبثوثة في هذا المجتمع المسلم، وكذلك ما حصل بعده من الحروب الصليبية، ومعاهدة الخلافة العثمانية مع المانيا، وغزو الانكليز للعراق، وغزو الفرنسيين لمصر، وكذلك الغزو الثلاثي لمصر، وتاسيس اسرائيل عليها اللعنة والعذاب، وغير ذلك كثير، ومظالم الاستعمار عامة لكل مكان وزمان، ومنتشرة على وجه الارض، وفي كل دهر، وانا لله وانا اليه راجعون.
ومن ذلك كمثل ونموذج مقتل عدد من المؤمنين، ورجال الدين، باستمرار على طول السنين، والى العصر الحاضر، ومن اشهرهم الشهيد الاول، والشهيد الثاني، والقاضي نور الله التستري، والشيخ فضل الله النوري، وكثير غيرهم، حتى الف جناب الشيخ عبد الحسين الاميني (قدس سره)، كتاب " شهداء الفضيلة " ، بمقدار ما استطاع ان يحصي منهم، من الشهداء، وممن وصل اليه خبرهم، وما خفي عليك اكثر.
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *
الحمد لله واستغفر الله

الجمعة السابعة والعشرون 24 جمادي الثاني 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمدا يصعد اوله ولا ينفد آخره. اللهم لك الحمد حمدا تضع لك السماء كنفيها، وتسبح لك الارض ومن عليها. اللهم لك الحمد حمدا سرمدا ابدا، لا انقطاع له ولا نفاد، ولك ينبغي واليك ينتهي، في وعلي ولدّي ومعي وقبلي وبعدي وامامي وفوقي وتحتي، واذا مت وبقيت فردا وحيدا ثم فنيت. ولك الحمد اذا نشرت وبعثت يا مولاي. اللهم ولك الحمد ولك الشكر، بجميع محامدك كلها، على جميع نعمائك كلها، حتى ينتهي الحمد الى ما تحب ربنا وترضى. اللهم لك الحمد على كل اكلة وشربة وبطشة وقبضة وبسطة، وفي كل موضع شعرة. اللهم لك الحمد حمدا خالدا مع خلودك. ولك الحمد حمدا لا منتهى له دون علمك. ولك الحمد حمدا لا امد له دون مشيتك. ولك الحمد حمدا لا اجر لقائله الا رضاك. ولك الحمد على حلمك بعد علمك. ولك الحمد على عفوك بعد قدرتك. ولك الحمد باعث الحمد. ولك الحمد وارث الحمد. ولك الحمد بديع الحمد. ولك الحمد منتهى الحمد. ولك الحمد مبتدع الحمد. ولك الحمد مشتري الحمد. ولك الحمد ولي الحمد. ولك الحمد قديم الحمد. ولك الحمد صادق الوعد، وفي العهد، عزيز الجند، قائم المجد. ولك الحمد رفيع الدرجات، مجيب الدعوات، منزل الايات من فوق سبع سماوات، عظيم البركات، مخرج النور من الظلمات، ومخرج من في الظلمات الى النور، مبدل السيئات حسنات، وجاعل الحسنات درجات.
اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن المجتبى، والحسين الشهيد بكربلاء، وعلى الامام السجاد، والامام الباقر، والامام الصادق، والامام الكاظم، والامام الرضا، والامام الجواد، والامام الهادي، والامام العسكري، والامام الحجة المهدي، ائمتي وسادتي وقادتي، بهم اتولى، ومن اعدائهم اتبرأ، في الدنيا والاخرة.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
نستمر بذكر بعض النقاط الضرورية للايضاح:
اولا: اننا نسمع – لاحظوا ، فكرك يمي - ان بعض صلوات الجمعة يكون عددها كثيرا اولاً، ثم يقل عددها ويتضاءل، وهذا معناه ان بعض من حضر فعلا، واقتنع بصحتها وصلاها، انه تركها واعرض عنها – ليش هيج يصيرحبيبي ؟ - مع العلم اننا حينما نتكلم عن المجتمع ككل، فانه لا يحتمل ان يكون كل هؤلاء التاركين لصلاة الجمعة معذورين فيها، وانما معناه انهم تركوها تسامحا وتساهلا. وهذا هو الذي اريد ان اؤكد واركز عليه الان، من حيث ان هذا التسامح والتساهل انما هو تسامح في الدين، وتساهل في ولاية امير المؤمنين، بعد اتضاح المعاني الاساسية لهذه الصلاة المقدسة، وما فيها من مصالح وعبر وجلالة، والمفروض بكل فرد ان يطيع امر الولاية، ويذهب الى الصلاة، وكذلك باعتبار اجتماع العدد المعتبر في وجوب صلاة الجمعة، وهو متوفر وكثير بحمد الله فتكون الصلاة واجبا تعيينيا، ولا تبقى واجبا تخييريا على فتاوى الاعم الاغلب من العلم اء، كما هو الصحيح ايضا.
وانما يعود ترك بعض الناس للصلاة في هذا المورد الى عدة امور محتملة، اما الى الشك في عدالة امام الجماعة، واما الى الشك في قدرته على الاداء الصحيح للمعاني الدينية، واما لانه - هذا الفرد - سئِم من التكرار في بعض المطالب التي يقولها خطيب الجمعة، وليس لديه شيء جديد ربما، واما لانه رآه يخطأ كثيرا في الاعراب، او في الفاظه، او في مشتقاته، ونحو ذلك.
فهل يستلزم كل ذلك ترك الجمعة وعصيان الامر الشرعي بحضورها ؟ كلا طبعا. ان هذا من الممكن ان يحدث، لو كان الشعار الديني مستحبا، واما لو كان واجبا، كان تركه حراما لا محالة، ولا يعذر فيه انسان. فان كان راجعا الى الشك في العدالة، فهذا له جوابان:
اولا: انني – لاحظوا - حين اكلف اي شخص لاقامة صلاة الجمعة، فانني اشهد بعدالته، بمعنى قيام حجة شرعية كافية عندي في ذلك، فاعتبروني احد الشهود بعدالته، مضافا الى المشرفين العامين على صلاة الجمعة فانهم ايضا ثقات، وشهادتهم حجة، فيمكنك ان تصلي خلفه على ذمتنا، مالم تعلم منه الحرام والعياذ بالله، ولا اعتقد انه يوجد واحد منهم كذلك، بحيث تعلم منه الحرام.
ثانيا : ما قلته في موارد متعددة، من انك يمكنك اعادة الصلاة ظهرا، وهذا وارد دائما، كل ما في الامر ان الاحتياط استحبابي فيه، وربما يكون عند بعض المجتهدين احتياطا وجوبيا، والا فانه لا ينافي وجوب الحضور لصلاة الجمعة بطبيعة الحال. بل حتى لو كانت صلاة الجمعة مستحبة او تخييرية، وقبلنا ذلك تنزلا، فاننا نعرف الان ضرورتها وشعاريتها، وعزة الاسلام القائمة بها، فهل ترضى بان يكون عملك ضد عزة الإسلام، وشعار الاسلام اياً كان منشأ هذا العمل ؟!
ويمكننا ان نتصور النتيجة لمثل هذا الاتجاه الخطر، وهو ان الامر قد ينتج ترك بعض الجمعات، او الغاء صلاة الجمعة بالمرة، فما الذي سوف يحدث من الذلة والقنوط، والتسافل بالعزة الدينية والاجتماعية، الى حد يكون مجرد ذكره، او خطوره في البال سوءا شديدا، وموجبا للقشعريرة والانفعال، فضلا عن حدوثه والعياذ بالله، كما هو واضح سبحان الله ..
ولاجل هذا قلت اكثر من مرة، استمروا على صلاة الجمعة حتى لو مات السيد محمد الصدر، لانه لا يجوز لكم، ان تجعلوا موت السيد محمد الصدر سببا وذريعة لذلة الإسلام والتشيع، وتفرق الكلمة وكثرة المشاكل. بل الحوزة الشريفة تبقى بعون الله، وجملة من المراجع يبقون بعون الله. فتمسكوا بالحوزة، واستمروا على شرفكم، وعزتكم الدينية، وشجاعتكم القلبية، وعنايتكم بالمصالح العامة. ولا يجوز ان يحول دون ذلك اي شيء، حتى موت هذا العبد الخاطئ، الذي هو السيد محمد الصدر. وكذلك يوجد فيكم الكثير ممن يخطب على حد تعبير الروايات، ومن هو صالح لامامة الجماعة والجمعة، وليس انه – لاحظوا - حين يموت السيد محمد الصدر، يموت الكل اعوذ بالله اولاً وبكم من ذلك.
وبالاساس فان الحوزة هي التي تستطيع ان تبادر إلى ذلك، والمرجع الجديد - لو صح التعبير - وان لم يكن متفقا مع السيد محمد الصدر بكل التفاصيل، الا ان المهم فيه، هو الاتجاه نحو العدالة الاجتماعية، وانصاف الناس من نفسه، كما قيل في الحكمة: (قل الحق ولو على نفسك) وادراك المصالح العامة. فان وجدتموا شخصا من هذا القبيل فتمسكوا به، والا فدعوه إلى غيره. فان الانانية في المرجعية، هي العنصر الغالب مع الاسف جيلا بعد جيل، وهذا هو المضر حقيقة في الحوزة خاصة، وفي المجتمع عامة. فاتبعوا شخصا من المجتهدين ليس له مثل هذا الطبع، بل له اتجاه التضحية في سبيل الاخرين، وبذل النفس والنفيس في سبيل دينه ومذهبه. وهذا امر يطول فيه الحديث وليس الان محل الاستمرار فيه.
ثانيا: انه من النقاط المهمة والجليلة، التي حصلت بصلاة الجمعة المواجهة المباشرة بين الحوزة والمجتمع، وبين المرجعية والمجتمع. بينما كان الانفصال التام او الغالبي قبل ذلك موجودا مع شديد الاسف، ولا زال هذا الانفصال تلاحظوه موجودا بالنسبة الى المراجع الاخرين، من حيث اتصالهم بالمجتمع. فعن طريق صلاة الجمعة حصل المجتمع على الوعي، وحصل على الشجاعة، وحصل على العزة، وحصل على الثقافة الدينية، وعرف ما هي الحوزة، وما هو نفعها، وما هو اثرها، وما هو مقدار علمها وتعليمها.
كما استطاعت الحوزة من ناحيتها، ان تثبت نفسها امام الاخرين، وتوصل صوتها وكلماتها ومواعظها واوامرها ونواهيها إلى المجتمع. وان تُعرّف المجتمع بكثير من الامور الضرورية والراجحة، وتفتح عينه على مصالحه ومفاسده واعدائه واصدقائه وواجباته ولوازمه، وغير ذلك كثير، كل ذلك بنعمة من الله وفضل. والله تعالى هو المسبب الحقيقي والموفق لكل ذلك. ولكن عندنا الوعد القرآني بالنصر كقوله تعالى ((ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم)). وقوله تعالى ((ان الله لا يضيع اجر المحسنين)). وقوله تعالى ((اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى)). وقوله في الدعاء (انك اكرم من ان تضيع من ربيته، او تشرد من آويته، او تبعد من ادنيته، او تسلم الى البلاء من كفيته ورحمته). وكذلك قوله ((العاقبة للمتقين)). وقوله ((ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)) وغير ذلك كثير.
وهذه الوعود، غير موجودة لغيرنا، ولا تتمثل لسوانا، وانما يتمثل لهم الظلم والشيطان. كما قال تعالى ((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله)). وقوله تعالى ((وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير - اي الهيون ومتقون - فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين – شنو كانت النتيجة ؟ - فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة والله يحب المحسنين)). ثم يقول الله تعالى بعد ذلك مباشرة ((يا ايها الذين آمنوا ان تطيعوا الذين كفروا يردوكم على اعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)).
واما اذا كان الفرد مناوئا للحق, ومعارضا لعزة الدين والمذهب، فسيكون مشمولا لقوله تعالى، ايضا بعد تلك الايات مباشرة، وقلت لكم بان القرآن كله له معاني على طول الاجيال، جل جلال الله سبحانه وتعالى، لانه هو المتكلم، معانيه لا متناهية لانه هو لا متناهي جل جلاله.
فاذا كان الفرد مناوئا للحق، ومعارضا لعزة الدين والمذهب، فسيكون مشمولا لقوله تعالى، بعد تلك الايات مباشرة ((سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وماواهم النار وبئس مثوى المتكبرين)).
ثالثا: من النقاط التي وددت الاشارة اليها بهذا الصدد، ان للحوزة عدة اساليب للاتصال بالمجتمع ككل: صلاة الجماعة، وصلاة الجمعة، والمواعظ، وبيان الاحكام الشرعية، والاستفتاءات، وتأليف الكتب ونشرها، وكذلك تأسيس القضاء الشرعي، فانه من اساليب واسباب اتصال الحوزة بالمجتمع، وفي حدود فهمي ان القضاء الشرعي ليس محكمة بالمعنى المتعارف، لوضوح انه ليس دائرة رسمية، وليس له راتب قضائي، بل ان اخذ الراتب على القضاء محل اشكال وحرام، وانما نعطيه شيئا من الراتب باعتباره واحدا من الحوزة، لا باعتباره قاضيا، كما انه ليس له بناية مستقلة، ولا كاتب عدل مثلا، ولا معاونين قضائيين، وبالتالي يختلف كثيرا عن المحاكم المتعارفة، ومن هنا لا نستطيع ان نسميه محكمة بهذا المعنى، وانما هو قاضي شرعي، او نعتبره عالما ومتفقها، او مفتيا يتصدى للفتوى بين الناس في الامور الصعبة لا اكثر.
ومن الواضح ان كثيرا مما يقوم به القاضي الشرعي، ليس من القضاء الشرعي، كعقد النكاح، او الطلاق، او الطلاق بالولاية، او القيمومة، او الفتوى الاعتيادية في الامور العبادية والمعاملية – لاحظوا - وانما القضاء الحقيقي هو المرافعة في قضية فيها مُدّعي ومنكر، وهو موجود، الا انه لا يستوعب كل الامور التي يقوم بها القاضي الشرعي، بل لعله يمثل القسم الاقل من عمله. وانما العلماء استمروا على النظر في سائر مشاكل الناس بما فيها المشاكل القضائية، والدليل المعتبر من السنة الشريفة، قائم على ذلك، وهذا الحاصل الان مصداق وتطبيق من ذلك بعونه سبحانه.
وانما الفرق الرئيسي بين المحاكم العرفية من ناحية، والقضاء الشرعي الموجود فعلا من ناحية اخرى، امران رئيسيان يعتبر كل منهما نقطة قوة في احدهما ونقطة ضعف في الاخر.
اما نقطة القوة في القضاء الشرعي، فهو الحجية الشرعية، فكل ما يقوله ويحكم به نافذ شرعا ومجزي ومبرىء للذمة، بخلاف الانواع الاخرى من القضاء الدنيوي، او العرفي بطبيعة الحال، بما فيها القضاء الذي تقيمه العشائر بين المتخاصمين.
واما نقطة الضعف في القضاء الشرعي، فمن حيث ان سائر المحاكم لها قوة اجرائية او تنفيذية لتطبيق الحكم، من شرطة وسجون ونحوها، فانها مخولة بذلك بطبيعة الحال. في حين ان القضاء الشرعي هنا اعزل من هذه الامور، غير ان التعويض الرئيسي بهذا الصدد مهم جدا ولطيف جدا، وهو خوف الله سبحانه وتعالى. فان عقاب الاخرة اهم من عقاب الدنيا، وغضب الخالق اعلى واقسى من غضب المخلوق، كما قال في الدعاء: (وهذا لا يكون الا من غضبك وانتقامك وسخطك وهذا ما لا تقوم له السماوات والارض فكيف بي وانا عبدك الفقير المسكين المستكين الحقير الذليل المهين). فالمهم ان المتخاصمين، انما جاءا الى القاضي الشرعي، لانهما يخافان الله سبحانه، ويريدان باخلاص حل مشكلتهما حلا شرعيا مبرئاً للذمة، فيكون خوف الله سبحانه هو السند، والرصيد الاساسي للقضاء الشرعي واما من لا يخاف الله سبحانه، فانه لا يأتي الى القضاء الشرعي، بل يحاول ان يظلم خصمه، ويتسلط عليه بكل صورة.
رابعا: من النقاط التي وددت الاشارة اليها هنا، اني اوجه كلامي الى المؤمنين الذين الى الان لم يناصروا السيد محمد الصدر، ولم يكونوا معه سواء في داخل الحوزة، او في خارجها، اهلا بكم وسهلا بين هذا الجمع الحافل بالتقوى والشرف والفضائل، وان من احسن الكلمات التي قالها الاسلام والقرآن، وكل كلماته حسنة ((انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله)) ولا حاجة الى استمرار التباعد والتباغض، وتبادل التهم والاشكالات، بل تعالوا نتفق ونتصاحب ونتصافى ونتحابب في الله، وفي ولاية امير المؤمنين، وفي المذهب، وفي الدين، وبابي مفتوح، وقلبي مفتوح لكم جميعا، مهما كنتم الان واينما كنتم، ولا اريد منكم شيئا الا الاخوة في الله، وفي رسوله، وفي ولاية امير المؤمنين، وتبقى التفاصيل الاخرى ثانوية، يمكن المناقشة فيها بالتدريج.
يكفي الّا تكون اختلافاتنا وانشقاقاتنا فيها خدمة للعدو المشرك لاسرائيل والاستعمار، ولكل من هو بعيد عن الله وعن رسوله. فما دمنا تجمعنا الروابط الحقيقية المقدسة، فلماذا لا نتحد ولا نتآخى ولا نتقارب ؟ ولماذا ننصر عدو الله وعدو رسوله من حيث نعلم او لا نعلم ؟!

فما دامت هذه الحياة موجودة عندي، والنفس يصعد وينزل، فاني ارحب بكم بكل قلبي، واعذركم عن كل ما حصل منكم، وتعذروني ان كان حصل بعض الشيء مني، او ممن يرتبط بي، او ينتسب الي، ونفتح تاريخا جديدا، كما قال الشاعر،هذه الابيات احفظها من زمان وهي لطيفة:
من اليوم تعارفنا ونطوي ماجرى منا
فلا كان ولا صار ولا قلتم ولا قلنا
وما احسن ان نرجع الى الود كما كنا
اخص من هنا - وهذا منبر مقدس - بالذكر ال الحكيم قدس الله ارواح الماضين منهم، وحفظ الباقين. تلك الاسرة الطيبة المتفقهة الشريفة. فلماذا يكون - لو صح التعبير - بينها وبين ال الصدر اي خلاف ؟ ولماذا نزغ الشيطان بيننا ؟ وخاصة وان الفرصة مواتية بعد ان زال سبب الخلاف واسترجعت الوديعة. وبالتاكيد فان دوام الخلاف واستمراره، لا يخدم الا الاستعمار ولا يضر الا الحوزة والمذهب، وليكن زمام المبادرة بيدي واني قد ابرأت ذمتي، وارضيت ضميري بهذا العرض الدال على حسن النية.
وانا لست طامعا بخيرهم من اية جهة، ولا خائفا منهم من اية جهة أيضاً، وانما ذلك محضا لذات الله، ونصرة دينه الحنيف، وهذه يد الصلح والمصافحة امدها اليهم، فهل منهم من يمد يد المصافحة نحوي ؟ والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * اياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين *
صدق الله العلي العظيم

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم


التعديل الأخير تم بواسطة خادم البضعة ; 13-04-2017 الساعة 03:33 PM
ابو علي غير متواجد حالياً  
قديم 22-03-2012, 12:54 AM   #28

 
الصورة الرمزية ابو علي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 32
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 10,104

افتراضي رد: هنا جميع خطب السيد الشهيد مكتوبة

الجمعة الثامنة والعشرون \ 2 رجب 1419 هـ
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قفوا جميعاً رجاءً ، وجوهكم الى القبلة رجاءً ، أنا سوف أقرأ الدعاء ، وقولوا بعد كل فقرة ( يا كريم يا رحيم ) :
بسم الله الرحمن الرحيم
أرفعوا أيديكم للدعاء :
يا مَنْ تُحَلُّ بِهِ عُقَدُ الْمَكارِهِ، وَيا مَنْ يُفْثَأُ بِهِ حَدُّ الشَّدائِدِ، وَيا مَنْ يُلْتَمَسُ مِنْهُ الَمخْرَجُ اِلى رَوْحِ الْفَرَجِ، ذَلَّتْ لِقُدْرَتِكَ الصِّعابُ، وَتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الأسْبابُ، وَجَرى بِقُدْرَتِكَ الْقَضاءُ، وَمَضَتْ عَلى اِرادَتِكَ الأشْياءُ، فَهِيَ بِمَشِيَّتِكَ دُونَ قَوْلِكَ مُؤْتَمِرَةٌ، وَبِإِرادَتِكَ دُونَ نَهْيِكَ مُنْزَجِرَةٌ، اَنْتَ الْمَدْعُوُّ لِلْمُهِمّاتِ، واَنْتَ الْمَفْزَعُ في المُلِمّاتِ، لا يَنْدَفِعُ مِنْها اِلاّ ما دَفَعْتَ، وَلا يَنْكَشِفُ مِنْها اِلاّ ما كَشَفْتَ، وَقَدْ نَزَلَ بي يا رَبِّ ما قَدْ تَكأَّدَني ثِقْلُهُ، وَاَلَمَّ بي ما قَدْ بَهَظَني حَمْلُهُ، وَبِقُدْرَتِكَ اَوْرَدْتَهُ عَلَيَّ، وَبِسُلْطانِكَ وَجَّهْتَهُ اِلَيَّ، فَلا مُصْدِرَ لِما اَوْرَدْتَ، وَلا صارِفَ لِما وَجَّهْتَ، وَلا فاتِحَ لِما اَغْلَقْتَ، وَلا مُغْلِقَ لِما فَتَحْتَ، وَلا مُيَسِّرَ لِما عَسَّرْتَ، وَلا ناصِرَ لِمَنْ خَذَلْتَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وآلِهِ، وَاْفْتَحْ لي يا رَبِّ بابَ الْفَرَجِ بِطَولِكَ، وَاكْسِرْ عَنّي سُلْطانَ الْهَمِّ بِحَوْلِكَ، وَاَنِلْني حُسْنَ النَّظَرِ فيـما شَكَوْتُ، وَاَذِقْني حَلاوَةَ الصُّنْعِ فيـما سَاَلْتُ ، وَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمةً وَفَرجاً هَنيئاً، وَاجْعَلْ لي مِنْ عِنْدِكَ مَخْرَجاً وَحِيّاً، وَلا تَشْغَلْني بِالاْهتِمامِ عَنْ تَعاهُدِ فُرُوضِكَ، وَاسْتِعْمالِ سُنَّتِكَ فَقَدْ ضِقْتُ لِما نَزَلَ بي يا رَبِّ ذَرْعاً، وامْتَلأتُ بِحَمْلِ ما حَدَثَ عَليَّ هَمّاً، واَنْتَ الْقادِرُ عَلى كَشْفِ ما مُنيتُ بِهِ، وَدَفْعِ ما وَقَعْتُ فيهِ، فاَفْعَلْ بي ذلِكَ وَاِنْ لَمْ اَسْتَوْجِبْهُ مِنْكَ، يا ذَا الْعَرْشِ الْعَظيمِ، وَذَا الْمَنِّ الْكَريمِ، فَاَنْتَ قادِرٌ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ، آمينَ رَبَّ الْعالَمينَ.
أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
إلهِي أَصْبَحْتُ وَأَمْسَيْتُ عَبْداً دَاخِراً لَكَ، لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إلاَّ بِكَ أَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِي وَأَعْتَـرِفُ بِضَعْفِ قُـوَّتِي وَقِلَّةِ حِيْلَتِي فَأَنْجزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي،
وَتَمِّمْ لِي مَا آتَيْتَنِي; فَإنِّي عَبْـدُكَ الْمِسْكِينُ الْمُسْتكِينُ الضَّعِيفُ الضَّـرِيـرُ الذَّلِيلُ الْحَقِيرُ الْمَهِينُ الْفَقِيرُ الْخَائِفُ الْمُسْتَجِيرُ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَلاَ تَجْعَلْنِي نَاسِيَاً لِذِكْرِكَ فِيمَا أَوْلَيْتَنِي، وَلاَ غافِلاً لإحْسَانِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَنِي، وَلا آيسَاً مِنْ إجَابَتِكَ لِي وَإنْ أَبْطَأتَ عَنِّي فِي سَرَّاءَ كُنْتُ أَوْ ضَرَّاءَ، أَوْ شِدَّة أَوْ رَخَاء، أَوْ عَافِيَة أَوْ بَلاء، أَوْ بُؤْس أَوْ نَعْمَاءَ، أَوْ جِدَة أَوْ لأوَاءَ، أَوْ فَقْر أَوْ غِنىً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاجْعَلْ ثَنائِي عَلَيْكَ وَمَدْحِي إيَّاكَ وَحَمْدِي لَكَ فِي كُلِّ حَالاَتِي حَتَّى لاَ أَفْرَحَ بِمَا آتَيْتَنِي مِنَ الدُّنْيَا، وَلاَ أَحْـزَنَ عَلَى مَا مَنَعْتَنِي فِيهَا، وَأَشْعِرْ قَلْبِي تَقْوَاكَ، وَاسْتَعْمِلْ بَدَنِي فِيْمَا تَقْبَلُهُ مِنِّي، وَاشْغَلْ بِطَاعَتِكَ نَفْسِي عَنْ كُلِّ مَايَرِدُ عَلَىَّ حَتَّى لاَ اُحِبَّ شَيْئَاً مِنْ سُخْطِكَ، وَلا أَسْخَطَ شَيْئـاً مِنْ رِضَـاكَ.أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَفَرِّغْ قَلْبِي لِمَحَبَّتِكَ ، وَاشْغَلْهُ بِذِكْرِكَ، وَانْعَشْهُ بِخَوْفِكَ ، وَبِالْوَجَلِ مِنْكَ، وَقَوِّهِ بِالرَّغْبَةِ إلَيْكَ، وَأَمِلْهُ إلَى طَاعَتِكَ، وَأَجْرِ بِهِ فِي أَحَبِّ السُّبُلِ إلَيْكَ،وَذَلِّلْهُ بِالرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَكَ أَيَّامَ حَيَاتِي كُلِّهَا، وَاجْعَلْ تَقْوَاكَ مِنَ الدُّنْيَا زَادِي، وَإلَى رَحْمَتِكَ
رِحْلَتِي، وَفِي مَرْضَاتِكَ مَدْخَلِي. وَاجْعَلْ فِي جَنَّتِكَ مَثْوَايَ، وَهَبْ لِي قُوَّةً أَحْتَمِلُ بِهَا جَمِيعَ مَرْضَاتِكَ، وَاجْعَلْ فِرَارِي إلَيْكَ، وَرَغْبَتِي فِيمَا عِنْدَكَ، وَأَلْبِسْ قَلْبِي الْوَحْشَةَ مِنْ شِرارِ خَلْقِكَ. وَهَبْ لِي الأُنْسَ بِكَ وَبِأَوْلِيَـآئِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ لِـفَاجِـر وَلا كَافِر عَلَيَّ مِنَّةً، وَلاَ لَـهُ عِنْدِي يَداً، وَلا بِي إلَيْهِمْ حَاجَةً، بَل اجْعَـلْ سُكُـونَ قَلْبِي وَاُنْسَ نَفْسِي وَاسْتِغْنَـائِي وَكِفَايَتِي بِكَ وَبِخِيَـارِ خَلْقِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاجْعَلْنِي لَهُمْ قَـرِيناً، وَاجْعَلْنِي لَهُمْ نَصِيْراً، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِشَوْق إلَيْكَ، وَبِالْعَمَلِ لَكَ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ، وَذَلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ . أتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
غدا يوم الذكرى السنوية لاستشهاد الامام الهادي (عليه السلام)فيحسن جدا ان لا ننسى بعض مآثره وفواضله في هذه الجمعة اذكر لكم الان حادثة اشخاصه الى سامراء مع شيء من التحليل ، سامراء التي بقي فيها إلى ان قتل مظلوما مسموما وفيها مدفنه، ومدفن ولده الامام الحسن العسكري (عليهما السلام)وغيبة حفيده الإمام المهدي (عليه السلام) وشى عبد الله بن محمد، الذي كان يتولى الحرب والصلاة بمدينة الرسول المنورة،وشى بالأمام الهادي (عليه السلام)وكان يقصده بالأذى( رجل ناصبي ووالي على المدينة من قبل الدولة العباسية )فبلغ الإمام (عليه السلام) خبر وشايته فكتب إلى المتوكل العباسي يذكرتحامل عبد الله بن محمد عليه وكذبه فيما سعى به فنرى كيف ان عبد الله بن محمد هذايمثل خط الدولة يومئذ من الفزع من نشاط الإمام (عليه السلام) وتصرفاته وكيف وصل به الحال إلى ان يرسل إلى المتوكل العباسي(الذي كان في ذلك الحين عصر خلافته)يوصل الى المتوكل العباسي بخبره بعنوان كونه حريصا على مصالح الدولة ومنتبها إلى مواطن الخطر بها ومتقربا إلى الدولة بذلك. كما نرى الحال باستمرار على ذلك ولعله التفت إلى بعض النشاطات المهمة التي كان يقوم بها الإمام (عليه السلام) بعيدا عن اعين الدولة والسلطات فأوجس منها خيفة حدت به إلى هذه الوشاية الا ان المتوكل العباسي كان يعلم بكل وضوح عدم امكان الحصول على اي مستند ضد الإمام (عليه السلام) فان الائمة المعصومين (عليهم السلام) كان لهم اساليب من الرمزية والاخفاء يمكنهم من خلالها وبتأييد من الله سبحانه القيام بجملة من جلائل الاعمال بدون ان يعرف احد، - كما تدل عليه سياقات كثيرة من الروايات ولعل اهم اساليب الاخفاء هو تصديه إلى تكذيب الخبر الذي وشى به عبد الله بن محمد برسالة يرسلها إلى المتوكل العباسي نفسه يكذب فيها التهمة وينفي عن نفسه صفة التآمر ضد الدولة فإن نشاطه (هو صادق فيما يقول طبعا) فان نشاطه كان مقتصرا في الدفاع عن مواليه وقواعده الشعبية وشيعته وتدبير امورهم الدينية والدنيوية وليس له ضد الدولة اي عمل باعتباره غير مجدي ومخالف للحكمة والمصلحة في ذلك الحين وان كان قد اوجب عمله توهم عبد الله بن محمد بذلك والمتوكل العباسي هو من عرفه الجميع بموقفه المتزمت ضد الإمام (عليه السلام) وكل من يمت اليه بنسب أو عقيدة لاحظوا وهو الذي قام بأمر حرث قبر الحسين (عليه السلام) وتسليط الماء عليه- لأجل اخفاءه بعنوان جعله مزرعة اعتيادية غير ان الله سبحانه وتعالى كشف تلك المؤامرة النجسة حيث ان الماء حينما وصل إلى قرب قبر الحسين (عليه السلام)، حار ودار حوله ولم يدخل فيه ولم يغطه وبقيت منطقة في الوسط جافة وسمي من ذلك الحين بالحائر الحسيني واصبح مشمولا لحكم معين في الشريعة-وهو جواز الصلاة تماما للمسافر في تلك المنطقة وهذا يفتون به والى الان وهذا الحال ـ لاحظوا سبحان الله ـ وهذا الحال موجود إلى الان بالنسبة إلى المياه الباطنية وتستطيعون ان تسألوا اهل المعرفة والاختصاص فان المياه الباطنية بالرغم لاحظوا- بالرغم من سيطرتها على منطقة كربلاء كلها لاتصل إلى قبر الحسين ولا إلى قبر العباس (عليهما السلام) بل نجد ان منطقة القبر جافة تماما ومن الممكن التأكد من ذلك اذن ماذا نتوقع ان يكون موقف المتوكل العباسي من الإمام الهادي (عليه السلام) ومن كل من ينتمي اليه من نسب أو سبب الا شيء من هذا القبيل طبعا وما كان استقدامه واشخاصه(الامام) إلى سامراء الا تطبيقا لمؤامرة قديمة طبقت من قبل الخلفاء العباسيين السابقين عليه على جملة من المعصومين السابقين اشهرها تطبيق المأمون العباسي لنفس الفكرة على الإمام الرضا (عليه السلام) حيث استقدمه إلى بلدته التي كان يسكن فيها وجعل له دارا إلى جنب داره وكان بين الدارين باب يمكن للخليفة نفسه ان يدخله في اية لحظة من ليل أو نهار، يمكن للخليفة نفسه ان يدخله في اية لحظة من ليل أو نهاروكل ذلك للتقليل من نشاط الإمام (عليه السلام)وفصله عن قواعده الشعبية ومواليه وجعله تحت الرقابة المكثفة ليس من قبل الجلاوزة والموظفين فقط، بل من قبل الخليفة نفسه بعنوان المزيد من الصداقة والصلة وإنا لله وإنا اليه راجعون كل ما في الامر من الفرق ان المأمون كان في خراسان فاستدعى الامام الرضا عليه السلام) الى خراسان ايضا لوشاية لحقت به من قبل بعض النواصب المتزلفين للدولة حينئذ فكذلك الحال في الامام الهادي (عليه السلام) من حيث ان الوشاية هي نفسها او بمنزلتها غير ان البلدة كانت خراسان والان هي سامراء- وكلاهما (سلام الله عليهما) بقيا في البلدة بقية حياتهما الى ان قتلا مظلومين ودفنا في نفس تلك البلدة فأصبحت بذلك خراسان عتبة مقدسة مباركة وجليلة كما اصبحت سامراء عتبة مقدسة مباركة وجليلة مع فرق واحد وهو ان المعصوم المدفون في خراسان واحد والمعصوم المدفون في سامراء اثنين ومن هنا اكتسبت منطقة وسط العراق وجنوبه اهمية دينية عالية جدا لأنها مسكن ومدفن لسبع من الائمة المعصومين (عليهم السلام) هم امير المؤمنين (عليه السلام) والحسين (عليه السلام) والكاظم والجواد (عليهما السلام) والهادي والعسكري (عليهما السلام) .
ومحل غيبة الامام المهدي (سلام الله عليه وعجل الله فرجه) وهو فخر للمنطقة لم تنله اية منطقة في العالم كله بل لعله في الكون كله فاذا اضفنا الى ذلك ان هذه المنطقة عموما والكوفة خصوصا لاحظوا والكوفة خصوصا هي منطقة الحكم الرئيسي والمباشر لاثنين من المعصومين المبسوطي اليد والمتمكنين اجتماعيا وهما الامام امير المؤمنين في الماضي والامام المهدي في المستقبل اذن نعرف الفضل للمنطقة التي تسكنون فيها، والتي نسكن فيها ونعرف النعمة من الله سبحانه في انه جعلنا بها، وجعل الحوزة الشريفة فيها فينبغي من هذه الناحية ان نكون على مستوى المسؤولية من طاعة الله سبحانه وتعالى واداء حق المعصومين (عليهم السلام مهما كان ) وعلى اية حاليرسل المتوكل العباسي الى الامام جواب رسالته بكل لباقة وتلطف ظاهري من حيث ان الرسالة تحتوي على اجلاله واعظام منزلته ويعترف بها المتوكل ببراءة الامام (عليه السلام) من التهم وبصدق نيته ويوعز فيها بعزل عبد الله بن محمد عن منصبه بالمدينة ويدّعي المتوكل العباسي في الرسالة الاشتياق الى الامام-ويدعوه ان يشخص الى سامراء مع من اختار من اهل بيته ومواليه وهذا الطلب وان صاغه المتوكل بصيغة الرجاء الا انه هو الالزام بعينه فان الامام (عليه السلام) ان لم يذهب حيث امره يكون قد اثبت تلك التهمة على نفسه واعلن العصيان ضد الخلافة وبالاصطلاح الحديث ضد الدولةوكلاهما مما لا تقتضيه سياسة الامام (عليه السلام) وقناعته في ذلك الحين واما عام سفره فهذا قد ذكر في الارشاد للشيخ المفيد (قدس الله روحه الزكية)، ان الرسالة مؤرخة بجمادي الاخرة سنة ثلاث واربعين ومائتين للهجرة طبعا واعطى المتوكل رسالته هذه الى احد صنائعه وموظفيه يحيى بن هرثمة ليسلمها الى الامام (عليه السلام) في المدينة المنورة يسافر من سامراء الى المدينة المنورة ليسلم هذه الرسالة وامره باستقدامه الى سامراء فاسمعه يقول في روايته للحادثة: فلما صرت اليها (يعني المدينة المنورة) ضج اهلها وعجوا ضجيجا وعجيجا ما سمعت مثله فجعلت اسكّتهم واحلف لهم اني لم اؤمر به بمكروه وفتشت بيته فلم اجد فيه الا مصحفا ودعاءً وما اشبه ذلك لاحظ (هذا الشوق والاشتياق الذي يدعيه مع انه منضم الى قضية تفتيش البيت)عداوة صريحة فنعرف من ذلك مدى اخلاص اهل المدينة المنورة لأمامهم {علية السلام}وحرصهم الشديد عليهومدى تأثيره الحسن فيهمولم يكن هذا الضجيج الكبير منهم الا لمعرفتهم بوضوح سوء نية السلطات تجاه الإماموابتغائها الدوائر ضده فكان تأسفهم وتأوههم ناشئا من امرين حسب فهمنا :
الامر الاول :
انقطاعهم عن الامام وفراقهم له أذا تركهم وذهب الى سامراء وحرمانهم بالتالي من ارشاداته والطافه ونشاطه الاسلامي البناء وهذا ما اراده المتوكل فعلا وقد حصل بالفعل بسفر الامام (عليه السلام) فانه لم يعد الى المدينة المنورة بعد ذلك اطلاقا الى ان توفي
الامر الثاني :
مخافتهم (يعني أهل المدينة) مخافتهم على حياته لاحتمال قتله عند وصوله الى العاصمة العباسية وهذا هو الذي فهمه يحيى بن هرثمة من الضجيج وحاول ان لا يفهم غيره اي معنى آخر فحلف لهم انه لم يؤمر فيه بمكروه اي بقتل ولم يثن الضجيج هذا الرجل الجلواز عن غرضه السياسي بالتجسس ففتش دار الامام (عليه السلام) بالمقدار الذي حلى له وليس له دين ولا ورع لان ذلك يكون من تصرفه بأموال غيره بدون رضاه اذن فمن الاول هي خطوة واضحة للعداوة فلم يجد فيه اية وثيقة تدل على التمرد او الخروج عن النظام العباسي وبذلك يكون المتوكل قد فقد اي مستمسك يؤيد ما سمعه عنه او خاف منه (واستطاع الامام ان يحافظ على الكتمان وعلى السلبية الظاهرية )وخرج الامام الهادي (عليه السلام) مصاحبا لولده الامام العسكري (عليه السلام) وهو صبي طبعا، وعائلته ايضا معه مع ابن هرثمة متوجها الى سامراءوحاول ابن هرثمة في الطريق اكرام الامام واحسان عشرته وكان يرى منه الكرامات والحجج التي تدل على توليه طرف الحق وهذا فيه روايات ولكن انا اختصارا حذفتهاوتوضح لهذا الرجل الجلواز جريمته بإزعاج الامام وزعزعته والتجسس عليه وجريمة من امره بذلك ايضا ويمر الركب ببغداد من المدينة الى بغداد الى سامراء يمر ببغداد في طريقه الى سامراء فيقابل ابن هرثمة والي بغداد لان الخلافة كانت قد انتقلت الى سامراء من في بغداد؟ فيضعون واليا على بغداد وإلا فإن العاصمة الرئيسية آنذاك هي سامراء- فيقابل ابن هرثمة واليها اي الوالي الذي على بغداد وهو يومئذ اسحاق بن ابراهيم الطاهري وهو بمقتضى منصبه محل الثقة الكبرى من قبل المتوكل بحيث جعله واليا على عاصمته الثانية وقائما مقامه فيها فنرى اسحاق الطاهري يوصي ابن هرثمة بالأمام مستوثقاً من حياته قائلا له: يا يحيى تعلم ان هذا الرجل قد ولده رسول الله (صلى الله عليه واله) والمتوكل من تعلم وان حرضته على قتله كان رسول الله (صلى الله عليه واله) خصمك فيجيبه يحيى بن هرثمة- والله ما وقفت له الا على كل امر جميل ونحن حين نسمع هذا الحوار بين هذين الرجلين الذين يمثلان السلطات نفسها ويعيشان على موائدها نعرف كم وصل الحقد والتمرد على النظام القائم يومئذوكيف انه تجاوز القواعد الشعبية الى الطبقة العليا الخاصة من الحكام مواضع ثقة الخليفة، ومنفذي امره ايضا يحقدون عليه ويعرفون حقيقته كما نعرف مدى اتساع الذكر الحسن والصدى الجميل لأفعال الامام (عليه السلام) واقواله بين جميع الطبقات حتى طبقة الحكام انفسهم وماذا يستطيع والي بغداد من موقعه الرسمي ان يقول اكثر مما قال (يا يحيى ان هذا الرجل قد ولده رسول الله (صلى الله عليه واله) والمتوكل من تعلم وان حرضته على قتله، كان رسول الله خصمك ( اي يوم القيامة طبعا وواضح ان قوله (والمتوكل من تعلم) اختصار لتفاصيل كثيرة مطمورة في النفوس- من المظالم العظيمة للمجتمع
قد ارادها المتوكل واسلافه للناس والحقد المتزايد على خط المعصومين (عليهم السلام) ومواليه مو حين يصل الركب الى سامراء يبدأ ابن هرثمة بمقابلة وصيف التركي وهو احد القواد الاتراك المنتفعين بالوضع القائم ويبدو انه اعظمهم واشهرهم والاتراك في ذلك الحين كانوا هم المسيطرون على المجتمع- الى حد يستطيعون ان يعزلوا الخليفة، وينصبوا غيره، ويناقشوه في اعماله حتى قال الشاعر وهي ابيات معروفة الى حد ما : خليفة في قفص بين وصيف وبغى يقول ما قالا له كما تقول الببغاء ويظهر من التاريخ، ان وصيفا هذا كان هو ألأمر رسميا على ابن هرثمة ومن هنا جعل مروره عليه بمجرد وصوله من السفر وقال له وصيف: وصيف يقول لابن هرثمة والله لئن سقطت من شعر هذا الرجل شعرة، لا يكون المطالب بها غيري يقول ابن هرثمة: فعجبت من قولهما من حيث انه لم يكن متوقعا لذلك، من معرفتهما للأمام في الجملة، وحرصهما على حياته بالرغم من مواقعهما العليا في الدولة وهذه النماذج موجودة في الدول في كثير من الازمان والاجيال ان لم تكن هي الاكثر من حيث تعلم الدولة او لا تعلم ومن حيث تريد او لا تريد يقول: وعرّفت المتوكل ما وقفت عليه وسمعته من الثناء عليه فاحسن جائزته واظهر بره وتكرمته وقد عرفنا فيما سبق ان هذا الكرم الحاتمي على الامام لم يكن من اجل حفظ حق الامام (عليه السلام) وانما كان تغطية للمنهج السياسي الذي يريد المتوكل اتّباعه وهو عزل الامام (عليه السلام)عن نشاطه وقواعده الشعبية والحذر مما قد يصدر منه من قول او فعل .
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴿٣﴾
صدق الله العلي العظيم

الجمعة الثامنة والعشرون \ الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
أللَّهُمَّ يَا مَنْ لا يَصِفُهُ نَعْتُ الْوَاصِفِينَ ، وَيَا مَنْ لاَ يُجَاوِزُهُ رَجَاءُ الرَّاجِينَ ، وَيَا مَنْ لاَ ضِيعُ لَدَيْهِ أَجْرُ الْمُحْسِنِينَ، وَيَا مَنْ هُوَ مُنْتَهَى خَوْفِ الْعَابِدِيْنَ، وَيَا مَنْ هُوَ غَايَةُ خَشْيَةِ الْمُتَّقِينَ. هَذا مَقَامُ مَنْ تَدَاوَلَتْهُ أَيْدِي الذُّنُوبِ ، وَقَادَتْهُ أَزِمَّةُ الْخَطَايَا ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، فَقَصَّرَ عَمَّا أَمَرْتَ بِهِ تَفْرِيطَاً، وَتَعَاطى مَا نَهَيْتَ عَنْهُ تَعْزِيراً، كَالْجاهِلِ بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهِ، أَوْ كَالْمُنْكِرِ فَضْلَ إحْسَانِكَ إلَيْهِ، حَتَّى إذَا انْفَتَحَ لَهُ بَصَرُ الْهُدَى، وَتَقَشَّعَتْ عَنْهُ سَحَائِبُ الْعَمَى أَحْصَى مَا ظَلَمَ بِهِ نَفْسَهُ، وَفَكَّرَ فِيمَا خَالَفَ بِهِ رَبَّهُ، فَرَأى كَبِيْرَ صْيَانِهِ كَبِيْراً، وَجَلِيل مُخالفَتِهِ جَلِيْلاً، فَأَقْبَلَ نَحْوَكَ مُؤَمِّلاً لَكَ، مُسْتَحْيِيَاً مِنْكَ، وَوَجَّهَ رَغْبَتَهُ إلَيْكَ ثِقَةً بِكَ، فَأَمَّكَ بِطَمَعِهِ يَقِيناً، وَقَصَدَكَ بِخَوْفِهِ إخْلاَصَاً، قَدْ خَلاَ طَمَعُهُ مِنْ كُلِّ مَطْمُوع فِيهِ غَيْرِكَ، وَأَفْرَخَ رَوْعُهُ مِنْ كُلِّ مَحْذُور مِنْهُ سِوَاكَ، فَمَثَّلَ بَيْنَ يَدَيْـكَ مُتَضَرِّعـاً، وَغَمَّضَ بَصَرَهُ إلَى الأرْضِ مُتَخَشِّعَاً، وَطَأطَأَ رَأسَهُ لِعِزَّتِكَ مُتَذَلِّلاً، وَأَبَثَّكَ مِنْ سِرِّهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ خَضُوعاً، وَعَدَّدَ مِنْ ذُنُوبِهِ مَا أَنْتَ أَحْصَى لَهَا خُشُوعاً وَاسْتَغَاثَ بِكَ مِنْ عَظِيمِ مَاوَقَعَ بِهِ فِي عِلْمِكَ وَقَبِيحِ مَا فَضَحَهُ فِي حُكْمِكَ مِنْ ذُنُوب أدْبَرَتْ لَذَّاتُهَا فَذَهَبَتْ، وَأَقَامَتْ تَبِعَاتُهَا فَلَزِمَتْ، لا يُنْكِرُ يَا إلهِي عَدْلَكَ إنْ عَاقَبْتَهُ، وَلا يَسْتَعْظِمُ عَفْوَكَ إنْ عَفَوْتَ عَنْهُ وَرَحِمْتَهُ; لأِنَّكَ الرَّبُّ الْكَرِيمُ الَّذِي لا يَتَعَاظَمُهُ غُفْرَانُ الذَّنْبِ الْعَظِيم. أَللَّهُمَّ فَهَا أَنَا ذَا قَدْ جئْتُكَ مُطِيعاً لاِمْرِكَ فِيمَا أَمَرْتَ بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ، مَتَنَجِّزاً وَعْدَكَ فِيمَا وَعَدْتَ بِهِ مِنَ الإجَابَةِ إذْ تَقُولُ (اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). أللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَالْقَنِي بِمَغْفِـرَتِكَ كَمَا لَقِيتُكَ بِإقْرَارِي وَارْفَعْنِي عَنْ مَصَارعِ الذُّنُوبِ كَمَا وَضَعْتُ لَكَ نَفْسِي وَاسْتُرْنِي بِسِتْرِكَ كَمَا تَأَنَّيْتَنِي عَنِ الانْتِقَامِ مِنِّي. أللَّهُمَّ وَثَبِّتْ فِي طَاعَتِكَ نِيَّتِيْ، وَأَحْكِمْ فِي عِبَادَتِكَ بَصِيـرَتِي، وَوَفِّقْنِي مِنَ الأَعْمَالِ لِمَا تَغْسِلُ بِهِ دَنَسَ الخَطَايَا عَنِّي، وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِكَ وَمِلَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّـلامُ إذَا تَوَفَّيْتَنِي.
أتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
لاحظوا لو كان المتوكل العباسي الناصبي يريد حقا اكرام الامام الهادي (عليه السلام) واحترامه لما كان هذا عمله.

اولا:
لتركه في المدينة المنورة يمارس عمله الاعتيادي مهما كانت نتائجه.
ثانيا:
انه حين استقدامه إلى سامراء يخرج لاستقباله استقبالا رسميا ـ لو صح التعبير بصفته الزعيم الرئيسي والاكبر لطائفة معتد بها من المسلمين، ولم يفعل
ثالثا:
انه حين استقدمه إلى سامراء ولم يخرج لاستقباله فلا اقل ان يبادر بالأمر لإدخاله عليه والترحيب به، ولم يفعل وانما امر ان يحجب عنه الإمام يوما كاملا-زيادة في الاذلال والتنكيل.-
رابعا:
انه حين استقدمه إلى سامراء ولم يستقبله فلا اقل انه كان اعد له مكانا يأوي اليه ودارا معتدا بها يكون فيها واسرته، ولم يفعل بل تركه في الشارع زيادة في الاذلال والتنكيل ولجأ الإمام (عليه السلام) إلى مكان متواضع جدا يدعى بخان الصعاليك، -فقام فيه يومه- هو واسرته طبعا وليس وحده -وفي الروايات ما يدل على ان الدولة هي التي اجبرته وانزلته فيه ويدل من اسمه خان الصعاليك-على انه بناء فيه غرف ينزل فيه الصعاليك، وهو جمع صعلوك، وهو الفقير المفلوك الذي لا يجد بيتا ولا اسرة ولا طعاما ولا شرابا وهم اقل الناس قدرا من الناحية الاجتماعية ما علينا من الناحية الاخروية فقد جعلت الدولة الإمام (عليه السلام) مع امثال هؤلاء زيادة له في الاذلال التنكيل خذ مثلا اليك احد فضلاء الحوزة، او احد التجار، او احد المراجع ينزل مثل هذا المنزل الان او غدا ما كو فرق-فهل يصير هذا ؟ سبحان الله - ومر عليه وهو في هذا الخان-احد محبيه ومقدري فضله، صالح بن سعيد فاحزنه حال الامام (عليه السلام)، فقال له :- جعلت فداك في كل الامور ارادوا اطفاء نورك والتقصير بك-حتى انزلوك في هذا الخان الاشنع خان الصعاليك.-ويسمع الامام (عليه السلام) ما قال فيجيب،-وكأنه قد التفت اليه بعد استغراق تفكير وانشغال بال، وقال له: هاهنا انت يا بن سعيد ثم يريد الامام (عليه السلام) ان يفهم هذا المشفق بان الحالة الدنيوية وان كانت قد وصلت به نتيجة للظلم والغدر الى هذا الحد المنحدر، الا ان ذلك مما يرفعه عند الله قدرا ويزيده جهادا، ويضيف الى فضائله فضيلة فهو لم يخسر شيئا، وانما الامة الاسلامية هي التي خسرت وانه يعيش في الحقيقة في الانوار الروحية واللذائذ العلمية والنفحات القدسية، فكأنه في رياض الجنان قال صالح بن سعيد كما في الرواية :- ثم اومأ بيده (طبعا الامام عليه السلام) فاذا بروضات انيقات وانهار جاريات، وجنات فيها خيرات عطرات، وولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون واطيار وظباء وانهار تفور، فحار بصري، وكثر تعجبي، فقال لي عليه افضل الصلاة والسلام : حيث كنا فهذا لنا ، وفي رواية اخرى حيث كنا فهذا لنا عتيد يا بن سعيد نحن هنا لسنا في خان الصعاليك وقد علق الشيخ المجلسي في البحار الجزء الخمسين صفحة 133على هذه الرواية بقوله: لما قصر علم السائل وفهمه عن ادراكاللذات الروحانية، ودرجاتهم المعنوية وتوهم ان هذه الامور (يعني السكنى في خان الصعاليك) مما يحط من منزلتهم ولم يعلم ان تلك الاحوال مما يضاعف منازلهم ودرجاتهم الحقيقية، ولذاتهم الروحانية وانهم اجتنبوا لذات الدنيا ونعيمها وكان نظره (يعني السائل) مقصورا على اللذات الدنية الفانية اراه الامام (عليه السلام) ذلك لأنه كان مبلغه من العلم كما يقول تعالى (ذلك مبلغهم من العلم) قال اي المجلسي : (واما كيفية رؤيته لها، فهي محجوبة عنا. والخوض فيها لا يهمنا لكن خطر لنا بقدر فهمنا وجوه وهي ذكرها اربعة) اذكر لكم الان اثنين من اهمها في الحقيقة الثالث والرابع :
الوجه الاول :
وهو الثالث بحسب تقسيمه، انه اراه صورة اللذات الروحانية التي معهم دائمابما يوافق فهمه فانه كان (اي هذا الرجل) فانه كان في منام طويل وغفلة عظيمة عن درجات العارفين ولذاتهم اراها له كما يرى النائم العلم بصورة الماء الصافي واللبن اليقق والمال بصورة الحية وامثالها وهذا على مذاق الحكماء والمتألهين اقول : على هذا فهو كشف صوري برزخي تنزلي اما كونه صوريا فلأنه مرأي بالبصر، او هو صورة تراها العين واما كونه برزخيا، فلأنه دون العالم الاعلى الحقيقي المليء بالحقائق والانوار، والمستغني عن كل هذه اللذات واما كونه تنزليا فلأن الحكماء قالوا ان الفرد اذا بلغ الى درجة عليا من درجات اليقين، بحيث يستطيع بها ان يرى الحقيقة على حالها الاصلي فهو المطلوب وان لم يستطع ذلك فقد يكشفها الله له في المنام او في اليقظة على شكل صور من هذا القبيل وهي المناسبة لحاله وفهمه وثانيا هي مناسبة مع الحقيقة التي تعبر عنها فيرى العلم بحرا، والرحمة مطرا، والعدو افعى، وهلم جراالوجه الثاني : مما قاله الشيخ المجلسي في البحار قال :
ما حققته في بعض المواضع وملخصه : ان النشئات مختلفة والحواس في ادراكها متفاوتة كما ان النبي كان يرى جبرئيل (عليه السلام)، وسائر الملائكة والصحابة لم يكونوا يرونهم وامير المؤمنين (عليه السلام) كان يرى الارواح في وادي السلام وحبه العرني وغيره لا يرونهم وفيها رواية انه خرج مع حبة العرني فقال له : لو رأيتهم حلق كذا وكذا يتكلمون وهذا معناه ان امير المؤمنين يراهم يتكلمون الا ان حبة العرني لم يرهم طبعا فيمكن ان تكون جميع هذه الامور في جميع الاوقات حاضرة عندهم (يعني المعصومون عليهم السلام) ويرونها ويتلذذون بها-. لكن لما كانت اجساما لطيفة روحانية ملكوتية لم يكن سائر الخلق يرونها فقوى الله بصر السائل باعجازه (عليه السلام) اي بتسبيب من الامام الهادي (عليه السلام) حتى رأها اقول :- فيكون الفرق بين هذا الوجه وسابقه،-هو ان هذه الصورة التي راها هذا الرجل صورة خيالية مؤقتة تزول بزوال شعوره بها طبقا للوجه الاول ولكنها صورة ثابتة وحقيقية ومستمرة لعالم من عوالم الخلق طبقا للوجه الثاني ولا نريد التعمق في ذلك لكي لا نتجاوز الاسرار الالهية وانما فقط اريد التعليق على ما قاله المجلسي في نقطتين:-
النقطة الاولى :
ان ظاهر كلامه (رحمة الله عليه) وهو المشهور أيضاً ان من مفاخر النبي (صلى الله عليه واله) انه يرى جبرئيل ويسمعه ويتلقى منه القرآن وهذا أمر وان كان عظيما جدا، الا ان النبي (صلى الله عليه واله بحقيقته وروحه العليا اعلى حتى من هذه المرتبة لأننا حين نعتبره خير الخلق على الاطلاق واول الموجودات على الاطلاق واقربها الى الله على الاطلاق اذن فهو خير من جبرئيل ومن القرآن فلا يكون من مفاخره رؤيتهما والعلم بهما نعم هي من صفاته، ولكن ذلك بالنسبة اليه امر بسيط ومفروغ الوجود.
النقطة الثانية :
ان ظاهر كلام المجلسي، وهو المرتكز ايضا في اذهان المتشرعة ان مثل هذه الكشوفات البسيطة نسبيا خاصة بالمعصومين وانا اعتقد ان في ذلك تنزيل من شأنهم وليس اعلاء لحقهم اليس سمعنا قبل قليل ان من يرى الحقائقفهو مستغني عن رؤية صورها التنزلية وانما تكون هذه الصور لمن يعجز عن نيل تلك الحقائق العليا ومن المعلوم ان المعصومين (عليهم السلام اولى واحق من يرى تلك الحقائق والمدارك الجبروتية) ومعه يكونون مستغنين عن هذه الكشوف الصورية وانما يحصل ذلك لطبقة اقل من الاولياء والصالحين، باعتبار ان هذا هو المناسب لهم، ومدرك علمهم، ومبلغ علمهم على اية حال. كما ان ظاهر كلام المجلسي (عليه الرحمة) وكذلك اعتقاد طبقة من المتشرعة ان المعصومين (عليهم السلام) يتلذذون بهذه الصور المكشوفة وانها هي باقية عندهم باستمرار لأجل ان يتلذذوا بها وهذا الكلام مؤسف بطبيعة الحال.-فانه وان صدق في بعض المتقين والصالحين، لا يمكن ان يصدق على المعصومين بحال:
اولا:
لما عرفناه من انهم مطلعون على الحقائق العليا النورانية رأسا وبكل صراحة ووضوح.- اذن فهم لا يعولون على هذه الصور ولا يحتاجونها بل تكون بالنسبة اليهم حجابا عن المعرفة وقطعا للطريق وحاشاهم .
ثانيا:
انه في المستوى العالي جدا من درجات اليقين لا يكون الالتذاذ الا بالله وذكره وطاعته والالتذاذ بهذه الامور، انما هيإلتذاذ بالمخلوق دون الخالق.- وهو من الشرك الخفي وحا شاهم عنه.-ومن هنا ورد : (الاخرة حرام على اهل الدنيا والدنيا حرام على اهل الاخرة والدنيا والاخرة حرام على اهل الله) والمعصومون اولى البشر اجمعين، بل الخلق اجمعين ان يكونوا من اهل الله سبحانه وتعالى يكفينا في ذلك كمثال بسيط ان سكينة بنت الحسين (عليه السلام خطبها الى ابيها خاطب) ، فقال له ما مضمونه :-انها لا تصلح للزواج-لأنها مستغرقة في الله سبحانه وما ذلك أنا أقول وما ذلك الا لأنها تربية ابيها الحسين (سلام الله عليه) وجدها امير المؤمنين (سلام الله عليه)، فكيف بالمعصومين انفسهم ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ﴿١﴾اللَّـهُ الصَّمَدُ﴿٢﴾لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴿٣﴾وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴿٤﴾
صدق الله العلي العظيم

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم


التعديل الأخير تم بواسطة الراجي رحمة الباري ; 28-04-2017 الساعة 12:50 AM
ابو علي غير متواجد حالياً  
قديم 22-03-2012, 12:55 AM   #29

 
الصورة الرمزية ابو علي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 32
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 10,104

افتراضي رد: هنا جميع خطب السيد الشهيد مكتوبة

الجمعة التاسعة والعشرون \ 9 رجب 1419 هـ
الخطبة الأولى
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا مَنْ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنْبَآءُ الْمُتَظَلِّمِينَ وَيَا مَنْ لاَ يَحْتَاجُ فِي قِصَصِهِمْ إلَى شَهَادَاتِ الشَّاهِدِينَ وَيَا مَنْ قَرُبَتْ نُصْرَتُهُ مِنَ الْمَظْلُومِينَ وَيَا مَنْ بَعُدَ عَوْنُهُ عَنِ الظَّالِمِينَ قَدْ عَلِمْتَ يَا إلهِي مَا نالَنِي مِنْ [فُلاَنِ أبْنِ فُلاَن] مِمَّا حَظَرْتَ وَانْتَهَكَهُ مِنّي مِمَّا حَجَزْتَ عَلَيْهِ بَطَراً فِي نِعْمَتِكَ عِنْدَهُ وَاغْتِرَاراً بِنَكِيرِكَ عَلَيْهِ فَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَخُذْ ظَالِمِي وَعَدُوِّي عَنْ ظُلْمِي بِقُوَّتِكَ وَافْلُلْ حَدَّهُ عَنِّي بِقُدْرَتِكَ وَاجْعَلْ لَهُ شُغْلاً فِيَما يَلِيهِ وَعَجْزاً عَمَّا يُناوِيْهِ أللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَلاَ تُسَوِّغْ لَهُ ظُلْمِي وَأَحْسِنْ عَلَيْـهِ عَوْنِي، وَاعْصِمْنِي مِنْ مِثْـلِ أَفْعَالِهِ، وَلا تَجْعَلْنِي فِي مِثْلِ حَالِهِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَعِدْنِي عَلَيْهِ عَدْوى حَاضِرَةً تَكُونُ مِنْ غَيْظِي بِهِ شِفَاءً، وَمِنْ حَنَقِي عَلَيْهِ وَفَاءً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَعَوِّضْنِي مِنْ ظُلْمِهِ لِي عَفْوَكَ، وَأَبْدِلْنِي بِسُوْءِ صنِيعِهِ بِيْ رَحْمَتَكَ، فَكُلُّ مَكْرُوه جَلَلٌ دُونَ سَخَطِكَ، وَكُلُّ مُرْزِئَةٍ سَوَاءٌ مَعَ مَوْجِدَتِكَ. أللَّهُمَّ فَكَمَا كَـرَّهْتَ إلَيَّ أَنْ أَظْلِمَ فَقِنِي مِنْ أَنْ أُظْلَمَ. أللَّهُمَّ لاَ أَشْكُو إلَى أَحَد سِوَاكَ، وَلاَ أَسْتَعِينُ بِحَاكِم غَيْرِكَ حَاشَاكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَصِلْ دُعَائِي بِالإِجَابَةِ، وَأَقْرِنْ شِكَايَتِي بِالتَّغْيِيرِ. أَللَّهُمَّ لا تَفْتِنِّي بِالْقُنُوطِ مِنْ إنْصَافِكَ، وَلاَ تَفْتِنْـهُ بِالأَمْنِ مِنْ إنْكَارِكَ، فَيُصِرَّ عَلَى ظُلْمِي وَيُحَاضِرَنِي بِحَقِّيْ وَعَرِّفْهُ عَمَّا قَلِيْل مَا أَوْعَدْتَ الظَّالِمِينَ، وَعَرِّفْنِي مَا وَعَدْتَ مِنْ إجَابَةِ الْمُضْطَرِّينَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَوَفِّقْنِي لِقَبُولِ مَا قَضَيْتَ لِيْ وَعَليَّ، وَرَضِّنِيْ بِمَا أَخَذْتَ لي وَمِنِّي وَاهْـدِنِي لِلَّتِيْ هِي أَقْوَمُ وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا هُوَ أَسْلَمُ. أللَّهُمَّ وَإنْ كَانَتِ الْخِيَرَةُ لِيْ عِنْدَكَ فِي تَأْخِيرِ الأَخْذِ لِي وَتَرْكِ الانْتِقَامِ مِمَّنْ ظَلَمَنِيْ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ وَمَجْمَعِ الْخَصْمِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَيِّدْنِي مِنْكَ بِنِيَّة صَادِقَة وَصَبْر دَائِم، وَأَعِذْنِي مِنْ سُوءِ الرَّغْبَةِ، وَهَلَعِ أَهْلِ الْحِرْصِ، وَصَوِّرْ فِي قَلْبِي مِثَالَ مَا ادَّخَـرْتَ لِي مِنْ ثَوَابِـكَ، وَأَعْدَدْتَ لِخَصْمِي مِنْ جَزَائِكَ وَعِقَابِكَ ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ سَبَباً لِقَنَاعَتِي بِمَا قَضَيْتَ ، وَثِقَتِي بِمَا تَخَيَّرْتَ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ .
اللهم صل على المصطفى محمد والمرتضى علي والزهراء فاطمة والمجتبى الحسن والشهيد الحسين والسجاد علي والباقر محمد والصادق جعفر والكاظم موسى والرضا علي والجواد محمد والهادي علي والعسكري الحسن والمهدي المنتظر (عجل الله فرجه ) أئمتي وسادتي وقادتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرء في الدنيا والآخرة اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
نستمر في ذكر بعض الاهداف التي بدأنا بذكرها في الجمعة السابقة مما سعى اليه الامام الهادي (سلام الله عليه) وهو موقفه من غيبة حفيده محمد بن الحسن بن علي الحجة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) وذلك ،ان هذه الغيبة باتت قريبة نسبيا (في زمانه طبعا) ولابد من تحضير الذهنية العامة لدى قواعده الشعبية ومواليه لذلك (اي لفكرة الغيب)لأجل تقبل فكرة الغيبة عموما لآنها اذا جاءت بشكل فجائي فانه يسبب انكار المجتمع لها، واستبعاده اياها ومن ثم قد يوجب ارتداد الكثير من الناس عن المذهب الحقواما مع التمهيد والتبليغ والتعويد للناس فان امثال هذه النتائج الوخيمة ستكون غير متحققة وكان موقفه من ذلك بالمقدار الذي نستطيع ادراكه يتلخص بأمرين :
الامر الاول:
التبشير بوجوده ووروده وظهوره غير ان هذا التبشير والتبليغ كان خاصا بموالي الامام المعتقدين به ومقتصرا على اصحابه، ولم يكن يعم الاخرين لانهم لم يكونوا يؤمنون بتسلسل خط الائمة الاثنى عشر (عليهم السلام) اذن فيكون تبليغهم بذلك تبليغا بلا موضوع ويلاحظ في تبليغ الامام الهادي (عليه السلام) ضمناً ، التخطيط لحماية الحجة المهدي (سلام الله عليه) عند غيبته فنرى لاحظوا- فنرى ان كلام الامام حوله محاط بهالة من القدسية والغموض ومشفوع في التأكيد المتزايد على انه لا يحل لاحد ذكر اسمه وذلك توصلا الى عدم تسربه الى الجهاز الحاكم اذا وقع الاسم وقع الطلب: كما ورد في الرواية وقد وردت عن الامام الهادي (عليه السلام) بهذا الصدد عدة احاديث نقتصر على بعضها، فمن ذلك قوله في كلام له: (ومن بعد الحسن ابني فكيف للناس بالخلف من بعده) قال الراوي: فقلت: وكيف ذلك يا مولاي ؟ قال: (لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكر اسمه حتى يخرج فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا) ومن غامض قوله (عليه السلام) في ذلك: (اذا رفع علمكم من بين اظهركم فتوقعوا الفرج من تحت اقدامكم) والمفهوم من رفع العلم حصول الغيبة ومن توقع الفرج حصول الظهور بطبيعة الحال وكذلك قوله (عليه السلام): (فأنّى لكم بالخلف بعد الخلف) والخلف للأمام الهادي هو الامام الذي بعده وهو الامام العسكري (عليه السلام) والخلف بعد الخلف هو الامام الذي بعد العسكري وهو الحجة المهدي (سلام الله عليه) .
الامر الثاني:
هو اتخاذ الامام الهادي (عليه السلام) مسلك التخفي والابتعاد عن المجتمع تمهيدا للغيبة التي ستحصل لحفيده المهدي (سلام الله عليه) لما قلناه انتبه لي شوية لما قلناه من ان حصولها المفاجئ مما يسبب ارباكا وتشكيكا في العقيدة فلابد من التدرج النسبي في التخفي بحيث يراه الناس ويعهده المجتمع التخفي طبعا ويرى في الامكان (المجتمع) الاستفادة من الامام المعصوم بدون حصول رؤيته مباشرة وهذا هو التخطيط الذي بدأه الامام الهادي (عليه السلام) واتمه وركز عليه الامام العسكري (عليه السلام) ثم تم وجوده حقيقة وعلى الوجه الكامل بيد الامام المهدي (سلام الله عليه) ومن هنا نرى ان هذا التخطيط قد مرّ بأربعة مراحل:
المرحلة الاولى:
تلك التي بداها الامام الهادي (عليه السلام) قبل ما كان الأئمة يفكرون هكذا التخطيط بدء بالإمام الهادي (عليه السلام)بحكمة من الله طبعا تلك المرحلة التي بداها الامام الهادي (عليه السلام)كما ذكرنا الان حيث انه بدا بالتخفي الجزئي او القليل والابتعاد عن المجتمع تدريجا
المرحلة الثانية:
ما حصل من الامام العسكري (عليه السلام) بعد ابيه حينما تحمل المسؤولية بعد ابيه من التخفي والابتعاد، ولكن بشكل اكثر من ابيه حتى انه كان لا يدخل عليه الا بعض خاصة اصحابه ولا يتصل بشيعته مباشرة وانما يتصل بهم عن طريق المراسلة وهذا ما تدل عليه روايات عديدة
المرحلة الثالثة:
الغيبة الصغرى التي بداها الامام المهدي (عليه السلام )بعد ابيه مباشرة وهي تتمثل بزيادة في التخفي عن الامامين السابقين فكان بحيث لا يراه احد الا حسب المصلحة الاكيدة والضرورية والغالب انها لمجرد اثبات وجوده (سلام الله عليه) ضد المشككين طبعا وتتميز هذه المرحلة بنصب السفراء او الوكلاء الاربعة معروفة اسماؤهم ( عثمان بن سعيد عليه الرحمة - ومحمد بن عثمان عليه الرحمة - والحسين بن روح عليـه الرحمـة ــ وعـلي بن محمد السمري رحمة الله عليه ) وهذا معناه انه لا يراه بالتزام وفي كل وقت او في اي وقت الا واحد هو السفير الموجود منهم في زمانه وفي ذلك الحين وفي ذلك الوقت
المرحلة الرابعة:
الغيبة الكبرى التي ارادها الله تعالى وتسبب لها المهدي نفسه بقطع سلسلة السفراء بالحديث الوارد عنه الى السفير الرابع ( رحمة الله عليه) وهي الفترة التي نعيشها في هذه الايام وفي هذا الدهر كله الى ان يأمر الله سبحانه وتعالى بالظهور اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه واجعلنا من اصحابه وانصاره انك على كل شيء قدير واهدنا بهداه وارزقنا رضاه) هذه الغيبة التي بداها سلام عليه بقطع سلسله السفراء بالحديث الوارد عنه الى السفير الرابع ( رحمة الله عليه) ونصه: بسم الله الرحمن الرحيم ( يا علي بن محمد السمري عظم الله اجر اخوانك فيك فانك ميت ما بينك وبين ستة ايام فاجمع امرك ولا توصي الى احد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور الا بأذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الامد وقسوة القلوب وامتلاء الارض جورا وسياتي لشيعتي من يدعي المشاهدة الا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيموبهذا نجد ان هذه المراحل متدرجة في التخفي والابتعاد عن المجتمع وان الغيبة الكبرى التي نعيشها الان قد خطط لها المعصومون (عليهم السلام)بثلاثة مراحل مقدمة لها حتى ان الغيبة الصغرى تعتبر من هذه الناحية مقدمة للغيبة الكبرى لأجل استساغة الناس لها، وحسن تلقيهم اياها وعدم حصول المضاعفات بمفاجئتهم بها فنرى الامام المهدي (عليه السلام) قد ركز واكد في هذا البيان على عدة امور- :

الامر الاول :
اخباره بموت الشيخ السمري السفير الرابع (رحمة الله عليه) في غضون ستة ايام وهو من الاخبار بالغيب الذي نقول بإمكان حصوله للإمام عليه السلام ( بتعليم من الله ورسوله ولم يشك احد يومئذ في صدق هذا الخبروقد غدى عليه اصحابه بعد ستة ايام فوجوده محتضرا يجود بنفسه وهذا موجود في النقل التاريخي والروايات
الامر الثاني :
نهي الامام المهدي (سلام الله عليه) اياه (اي للسمري) عن ان يوصي الى احد ليقوم مقامه، او يطلع بمهام السفارة بعد وفاته وبذلك يكون هو (اي السمري) آخر السفراء ولا سفير بعده ويكون خط السفارة قد انقطع ويكون عهد الغيبة الصغرى قد انتهى .
الامر الثالث :
انه لا ظهور الا بأذن الله تعالى ذكره وهذا معناه الاغماض في تاريخ الظهور وايكال علمه الى الله وحده، وارتباطه بأذنه جل جلال ، (ولا يظهر على غيبه احدا)ولهذا الاغماض عدة فوائد، اهمها اثنان:
الفائدة الاولى :
بقاء قواعده الشعبية ومواليه منتظرة له في كل حين متوقعة ظهوره في اي يوم وهذا الشعور اذا وجد لدى الفرد، فانه يحمله على السلوك الصالح وتقويم النفس، ودراسة واقعه المعاش، ومعرفة تفاصيل دينه جهد الامكان ليحظى في لحظة الظهور بالزلفى لدى المهدي (عليه السلام) والقرب منه ولا يكون من المغضوب عليهم لديه والمبعدين عن شرف ساحته بل ان الفرد ليشعر وهو في حالة انتظار امامه في اي يوم ،ان انحرافه وفسقه قد يؤدي به الى الهلاك والابتعاد كليا عن العدل الاسلامي العظيم الذي يسود العالم يومئذ تحت قيادة الامام المهدي (سلام الله عليه) فان الامام المهدي (عليه السلام)، بعد ظهوره سيكون حديا في تطبيق العدل الاسلامي وسيذيق كل منحرف عقائديا او سلوكيا اشد الوبال فانه لا مكان للانحراف في مجتمع العدل المطلق كما ورد في بعض الروايات انه يضع السيف يقتل هرجا لا يرحم احدا) وفي رواية اخرى انه يقتل حتى يقال انه ليس من اولاد فاطمة لو كان من اولاد فاطمة لرحم) .
الفائدة الثانية :
للإغماض في موعد ظهوره حماية المهدي (عليه السلام) من اعدائه بعد ظهوره او عند ظهوره فان الاغماض في التاريخ يوفر محض المفاجئة والمباغتة للعدو على حين غرة وهذا من اقوى عناصر النصر واسبابه وان لم يكن هو اهمها واقواها على الاطلاق حيث توجد هناك عناصر اقوى منه على حين لو كان الموعد معينا لكان بالإمكان تماما للأعداء ان يجمعوا امرهم ويهيئوا اسلحتهم قبيل الموعد المحدد حتى ما اذا آن موعد الظهور قاتلوه واستأصلوه قبل ان يفهم به الناس، ويجتمع حوله الاعوان والاخوان وبذلك تفشل حركته فشلا ذرعا. وحاشا لله من ذلك بطبيعة الحال
لا يفرق في ذلك في اعداء المهدي (عليه السلام) بين من يعتقد بظهوره وبين من لا يعتقد فان الموعد لو كان محددا طيلة هذا الزمان لكان امرا مشهورا ولأوجد في اذهان الاعداء احتمالا على الاقل بظهوره وهو مساوق مع احتمال استئصال الاعداء واجتثاثهم وهذا الاحتمال بنفسه يكفي للتألب عليه واعلان التعبئة العامة وحالة الطوارئ باللغة الحديث ضد الامام المهدي (عليه السلام)والآن ،لاحظوا ـ والظاهر انكم تعلمون بذلك ولكن هذا محل بيانه يوجد من الاخبار ما يكفي من ان امريكا قد اسست منذ عدة سنوات، ربما عشرة سنين ما يسمى بقوات التدخل السريع تحسبا لظهور المهدي (عليه السلام) وليس لشيء آخر كما انها افتعلت لاحظوا - كما انها افتعلت حرب الخليج لأجل ان تملء بالبوارج الحربية تحسبا لظهور المهدي (عليه السلام) كما ان من الاكيد ان له في البنتاغون ملفا كاملا وضخما عن اخباره التي تستطيع امريكا جمعها حتى قالوا انه يفتقر فقط الى الصورة الشخصية له، وطبعا هي مفقودة ولا شك ايضا انها تأخذه بنظر الاعتبار في كومبيوتراتها السياسية كأحد اهم المحتملات للتغير الاجتماعي الممكن حصوله في الشرق المسلم طبعا، مع التعتيم التام على كل هذه الامو وعلى اي حال فيكون من الحكمة الالهية اخفاء موعد ظهور المهدي وبقاء الموعد غامضا مجهولا منوطا بأذن الله سبحانه وتعالى
الامر الرابع :
الاشارة في التوقيع الشريف الى ان امد الغيبة (الامر الرابع مما هو موجود بالتوقيع الذي صدر إلى السمري) الاشارة في التوقيع الشريف الى ان امد الغيبة التامة الكبرى سوف يكون طويلا ومديدا وانما ينص المهدي على ذلك حسب فهمنا ليجعل الفرد المؤمن مسبوقا ذهنيا بطول الغيبة ومتوقعا لتماديها في الزمان فلا يأخذه اليأس ولا يتلبسه الشك مهما طالت او تمادت وان اصبحت الاف السنين او الملايينفانه ما دام المؤمن عارفا بانها ستطولوانها منوطة بأذن الله عز وجل عند تحقق المصلحة للظهور وتهيأ البشرية لتلقي الدعوة الاسلامية الكبرى فان الفرد يعرف عند تأخر الظهور ان المصلحة بعد لم تتحقق لاحظوا لم تتحقق وان الاذن الالهي لم يصدر وهذا السبق الذهني( يعني احتمال طول المدة)، لا ينافي باي حال، حال الانتظار وتوقع الظهور في كل يوم وكل شهر وكل عام فان طول الامد الموعود به في كلام المهدي (عليه السلام) لفظ عام ينطبق على السنين القليلة والسنين الطويلة والكثيرة على حد سواء بل لو كان الامام المهدي (عليه السلام) قد ظهر بعد الغيبة الصغرى بقليل لكان قد ظهر بعد طول الامد لان السبعين عاما (التي هي طول الغيبة الصغرى تقريبا- مع الشعور بالظلم وحالة الانتظار،- (لان السبعين عاما تكون امدا طويلا بحسب الجو النفسي للفرد والمجتمع لا محالة هذا فضلا عما اذا تأخر الامام المهدي (عليه السلام) في ظهوره عشرات السنين او مئات السنين او الالاف فان طول الامد يكون قد تحقق بأوضح صوره واصعب انحائه ومعه يكون الفرد متوقعا لانتهاء هذا الامد الطويل في كل ساعة وفي كل يوم ولصدور الاذن الالهي بالظهور
الامر الخامس :
مما يشير اليه الامام (عليه السلام) بالتوقيع الشريف الاشارة الى قسوة القلوب (بيت القصيد) والمراد به ضعف الدافع الإيماني، وقلة الشعور بالمسؤولية والمشارفة على الانحراف، او الوقوع في الانحراف فعلا بل سقوط افراد او اغلب افراد المجتمع فيه ولربما اكثر المجتمعات فيه وذلك لان الفرد يواجه امتحانا الهيا صعبا خلال الغيبة الكبرى من جهات ثلاثة يكون واجبا عليه امام الله ان يخرج منه ناجحا ظافرا في رضا الله سبحانه وتعالى والخروج منه ليس بأكل التمن والقيمة فالخروج منه بنجاح يحتاج الى عمق في الايمان والاخلاص والارادة لا يتوفر الا في القليل من الناس
الجهة الاولى :
موقف الفرد تجاه شهوات نفسه ونوازعه الغريزية التي تتطلب الاشباع باي شكل من الاشكال وكما قالوا: ان الغرائز لا عقل لها فعلى الفرد ان يلاحظ ذلك فيكفكف من غلواء شهواته ويوزعها بعقله وايمانه عن الحرام الى الحلال
الجهة الثانية :
موقف الفرد تجاه الضغط الخارجي الذي يعيشه وما يتطلبه من تضحيات في سبيل دينه وايمانه ضد الفقر والمرض والسلاح والحرج الاجتماعي ونحو ذلك،من المصاعب التي تصادف الفرد في طريقه الإيماني الطويل فان كان الفرد شاعرا بالمسؤولية، قوي الارادة استطاع تذليل هذه الصعوبة والتضحية في سبيل الايمان بقوة الارادة وارادة الله سبحانه واما إذا كان ضعيف الارادة وغير شاعر بالمسؤولية فانه سوف يعطي الدنيّة من نفسه بقليل أو بكثير ويتعرض للانحراف في كثير من مناطق طريقه الطويل
الجهة الثالثة :
موقف الفرد المؤمن تجاه الاعتقاد بوجود امامه الغائب وقائده المحتجب (سلام الله عليه) فانه بعد ان عرفه بالدليل القطعي لا ينبغي ان تثبطه الشكوك ولا ان تزعزعه الاوهام ولا ان يؤثر في زحزحة اعتقاده طول الامد وفي الحديث ما مضمونه (ان الله علم ان اوليائه لا يشكون ولو علم انهم يشكون لما غيب عنهم وليه طرفة عين وعلى اية حال فاذا كان الفرد ناجحا من سائر الجهات في الدين واليقين كان من الأقلين عددا المرتفعين شأنا الواعين لدينهم وسوف لن يبتلي بقسوة القلب التي اشار لها المهدي (عليه السلام) في بيانه وكلامه تلك القسوة التي يبتلي بها الاكثرون الذين لا يكونون على المستوى المطلوب من الاخلاص والايمانالامر السادس : مما هو مبين في التوقيع الشريف ،الاشارة في التوقيع الشريف الى امتلاء الارض جورا وفيه تطبيق واضح للكلام النبوي الشريف حسب الرواية المستفيضة، بل المتواترة المنقولة عن النبي (صلى الله عليه واله) ما مضمونه : ان الامام المهدي يظهر فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وهو الحديث المستفيض الذي رواه عدد من علماء الاسلام والمحدثين العظاممن مختلف المذاهب وليس في مذهبنا فقط
الامر السابع : اثبات حدوث السفياني والصيحة وهو امر يحصل التنبؤ به قبيل ظهور الامام (عليه السلام) بصفتهما احدى العلامات القريبة وان كانت كثير من هذه الامور هذالأجل سبقكم الذهني وانتباهكم والتفاتكم وان كانت كثير من هذه الامور قابلة لتعلق البداء بها في الحقيقة الذي نؤمن بإمكانه لله عز وجل مثلا يظهر الامام والسفياني لا يظهر او يظهر الامام ولا توجد صيحة او لا يوجد خسففهذا ممكن بداء من الله سبحانه والسفياني موصوف في الاخبار تفصيلا وليس هنا محل ذكره كما ان الصيحة مذكورة في الاخبار، ما هي الصيحة ؟ هي النداء من قبل جبرائيل الامين (سلام الله عليه) باسمه واسم ابيه وانه قد حصل ظهوره ووجب اتباعه ليأخذ له المؤمنون اهبتهم ويتوجهوا الى نصرته وفي بعض الروايات انه نداء لاحظوا-انه نداء يسمعه كل اهل لغة بلغتهم وفي بعضها ما مضمونه انه من الوضوح والارتفاع بحيث يفزع الناس ويخرج العذراء من خدرها حيث يكون الظهور لدى وقوعه
صريحا واضحا علنيا تدعمه المعجزة وتؤيده الارادة الالهية لا يستطيع المؤمنون التخلف عنه ولا يطيق الاعداء دحره وافشاله
بسم الله الرحمن الرحيم
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴿١﴾ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴿٢﴾ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴿٣﴾ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ﴿٤﴾ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴿٥﴾ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى ﴿٦﴾ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴿٧﴾ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴿٨﴾ فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى ﴿٩﴾ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى ﴿١٠﴾ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴿١١﴾ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴿١٢﴾ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى ﴿١٣﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ﴿١٤﴾ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴿١٥﴾ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿١٦﴾ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴿١٧﴾ إِنَّ هَـذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى ﴿١٨﴾ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴿١٩﴾ صدق الله العلي العظيم

الجمعة التاسعة والعشرون \ الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

إلهِي : لا تُشْمِتْ بِي عَدُوِّي ، وَلاَ تَفْجَعْ بِي حَمِيمِي وَصَدِيقِيإلهي : هَبْ لِي لَحْظَةً مِنْ لَحَظاتِكَ ، تَكْشِفُ عَنِّي مَا ابْتَلَيْتَنِي بِهِ ، وَتُعِيدُنِي إلَى أَحْسَنِ عَادَاتِكَ عِنْدِي ، وَاسْتَجِبْ دُعَائِي وَدُعَاءَ مَنْ أَخْلَصَ لَكَ دُعآءَهُ ، فَقَدْ ضَعُفَتْ قُوَّتِي ، وَقَلَّتْ حِيلَتِي ، وَاشْتَدَّتْ حَالِي ، وَأَيِسْتُ مِمَّا عِنْدَ خَلْقِكَ ، فَلَمْ يَبْقَ لِي إلاَّ رَجآؤُكَ عَلَيَّ .
إلهِي : إنَّ قُدْرَتَكَ عَلَى كَشْفِ مَا أَنَا فِيهِ ، كُقُدْرَتِكَ عَلى مَا ابْتَلَيْتَنِي بِهِ ، وَإنَّ ذِكْرَ عَوآئِدِكَ يُونِسُنِي ، وَالرَّجآءُ فِي إنْعَامِكَ وَفَضْلِكَ يُقَوِّينِي ; لاَِنِّي لَمْ أَخْلُ مِنْ نِعْمَتِكَ مُنْذُ خَلَقْتَنِي . وَأَنْتَ إلهِي : مَفْزَعِي وَمَلْجَأي ، وَالْحَافِظُ لِي وَالذَّآبُّ عَنِّي ، الْمُتَحَنِّنُ عَلَيَّ ، الرَّحِيمُ بِيَ ، الْمُتَكَفِّلُ بِرِزْقِي ، فِي قَضآئِكَ كَان ما حَلَّ بِي ، وَبِعِلْمِكَ مَا صِرْتُ إلَيْهِ .
فَاجْعَلْ يا وَلِيِّي وَسَيِّدِي : فِيما قَدَّرْتَ وَقَضَيْتَ عَلَيَّ ، وَحَتَمْتَ عافِيَتِي ، وَما فِيهِ صَلاَحِي وَخَلاصِي مِمَّا أَنَا فِيهِ ; فَإنِّي لا أَرْجُو لِدَفْعِ ذلِكَ غَيْرَكَ ، وَلا أَعْتَمِدُ فِيهِ إلاَّ عَلَيْكَ ، فَكُنْ يا ذَا الْجَلاَلِ وَالاِكْرَامِ ، عِنْدَ أَحْسَنِ ظَنِّي بِكَ ، وَارْحَمْ ضَعْفِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي ، وَاكْشِفْ كُرْبَتِي ، وَاسْتَجِبْ دَعْوَتِي ، وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِذلِكَ ، وَعَلى كُلِّ داع لَكَ. أَمَرْتَنِي يا سَيِّدِي: بِالدُّعآءِ ، وَتَكَفَّلْتَ بِالاجابَةِ ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ الَّذِي لا خُلْفَ فِيهِ وَلا تَبْدِيلَ .
فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد نَبِيِّكَ وَعَبْدِكَ، وَعَلَى الطَّاهِرِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَأَغِثْنِي ; فَإنَّكَ غِياثُ مَنْ لا غِيَاثَ لَهُ ، وَحِرْزُ مَنْ لا حِرْزَ لَهُ ، وَأَنَا الْمُضْطَرُّ الَّذِي أَوْجَبْتَ إجابَتَهُ ، وَكَشْفَ ما بِهِ مِنَ السُّوءِ ؛ فَأَجِبْنِي ، وَاكْشِفْ هَمِّي ، وَفَرِّجْ غَمِّي ، وَأَعِدْ حالِي إلى أَحْسَنِ ما كانَتْ عَلَيْهِ ، وَلا تُجازِنِي بِالاسْتِحْقاقِ ، وَلكِنْ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء يا ذَا الْجَلالِ وَالاِكْرامِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَاسْمَعْ وَأَجِبْ يا عَزِيزُ . جل جلالك وعمّ أفضالك ودام مجدك ولا إلاه غيرك ، لا إلاه إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك نُنجي المؤمنين أتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
لاحظوا بدقة – انكم تسمعون مني في كل جمعة تقريبا وفي هذه الجمعة ايضا، وفي كل جمعة مكرراشيء لا تفهموه، اوالمظنون ان اكثركم لم يفهموه وهي قوله تعالىاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون) وهي اية كريمة واقعة في سياق قرآني للنصائح والمواعظ، وكل القرآن نصائح ومواعظ ونصائح القرآن دائما مؤثرة وصحيحة فنسمع الان بعضا من هذا السياق اقرأ لكم جملة من الآيات مع محاولة فهمها والالتفات والانتباه الى مضامينها بطبيعة الحال قال تعالى:
(قل يا اهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن )
(تبغونها عوجا وانتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون)
يا ايها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتابيردوكم بعد ايمانكم كافرين )
وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم آيات اللهوفيكم رسوله- صل الله عليه وعلى اله
ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم
يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته
(هذه الآية) يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون –واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا-واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم-فأصبحتم بنعمته اخوانا-وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها –كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون-ولتكن منكم امة يدعون الى الخير- ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر –و اولئك هم المفلحون-ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفواـ من بعد ما جاءهم البينات -و اولئك لهم عذاب عظيم –يوم تبيض وجوه وتسود وجوه-فأما الذين اسودت وجوههم اكفرتم بعد ايمانكم-فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون-واما الذين ابيضت وجوههم – ففي رحمة الله هم فيها خالدون-تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق-

وما الله يريد ظلما للعالمين)ويمكن شرح الفقرة التي نتحدث عنها-وهي قوله تعالى: ((اتقوا الله حق تقاته -ولا تموتن الا وانتم مسلمون)-في عدة خطوات:
الخطوة الاولى :
انها وقعت في خطاب الذين امنوا لأنه تعالى قال: ((يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته -ولا تموتن الا وانتم مسلمون) لوضوح ان من لم يكن من الذين امنوا لا يناسب ان تطلب منه التقوى وانما يطلب منه ان يكون اولا من الذين امنوا فاذا كان منهم، كانت التقوى منه مطلوبة لان الايمان درجات ولا يمكن ان يطلب من الفرد درجتين او اكثر فوراوانما تطلب بالتدريج طبعا تطلب الاسبق ثم التي بعدها ثم التي بعدها وهكذا وفي الحديث ما مضمونه القريب (ان الاسلام عشر درجات اقصاها الايمان والايمان عشر درجات اعلاها التقوى والتقوى عشر درجات اعلاها اليقين والناس تمسكوا من الاسلام باقل درجاته) وهي هذه الفضيحة ومن هذا الحديث، يتضح ان درجات التقوى بعد درجات الايمان مباشرة ودرجات الايمان بعد درجات الاسلام مباشرة ومن هنا صح ان يكلف بالتقوى او يخاطب بها المؤمنون خاصة دون من كان اقل منهم
الخطوة الثانية:
ان التقوى اصلها اللغوي من اتقاء الشر وفي حدود فهمي اعطيك اطروحة بسيطة
ان الشر الذي يتقيه الإنسان، ان كان شرا دنيويا فهو التقية قال الله تعالى: الا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه) وان كان شرا اخروياً فهو التقوى اذن التقية في الشر الدنيوي والتقوى في الشر الأخروي وان كان شرا اخروياً فهو التقوى اي اتقاء غضب الله جل جلاله وعقابه بالاختصار على الطاعة وترك المعاصي والصبر على البلاء والرضا بالقضاء
الخطوة الثالثة:
انني وجدت حسب اطلاعي القاصر ان اعظم من وعد بالأجر والثواب والمقامات العالية في القران الكريم هو عنوانين و مجموعتين من الناس المتقون والصابرون ونتحدث الان عن المتقين وليس عن الصابرين قال تعالى وتزودوا فان خير الزاد التقوى) وقال: (والعاقبة للمتقين) وقالوالعاقبة للتقوى) (والله ولي المتقين) (وازلفت الجنة للمتقين)وقال: (ان للمتقين مفازا ) وقال: (واتقوا الله واعلموا ان الله مع المتقين) وقال: (وان للمتقين لحسن مآبحتى انه من الممكن القول ان النجاة الحقيقية والعاقبة الحقيقية، انما هي للمتقين ومالم يصل الفرد الى درجات التقوى تبقى نفسه غير صافية واخرته غير صافية ومن ثم لا يكون (في مقعد صدق عند مليك مقتدر)
الخطوة الرابعة :
اننا اذا فسرنا التقوى لاحظوا-اننا اذا فسرنا التقوى على انها اتقاء المحرمات واتقاء العذاب الأخروي الناتج منها اذن لا يبقى بينها وبين الورع اي فرق لان الورع هو اتقاء المحرمات والتقوى هي ايضا
اتقاء المحرمات اذن لا فرق بين الورع والتقوى وفي الحديث: (لا دين لمن لا ورع له)
وفي الحقيقة لا دين لمن لا ورع له لان الذي تراه يستهين بالمعاصي ويرتكبها فهو انما يستهين بأمر الله سبحانه وتعالى كما انه يستهين بحقوق الاخرين طبعا ومن يكون كذلك فهو لا دين له حتى لو شهد ان لا اله الا اللهوان محمدا رسول الله وان عليا ولي الله ( والذي ما يرضى يلبس الباب) لأنه لو كان له دين ولو كان يشعر بأهمية دينه- لحجزه عن معاصي الله سبحانهولحصل لديه الورع عن المحرمات فمن لا ورع له لا دين له حقيقة نقسم على هذا المصحف الشريف المهم ان الورع هو ترك المحرمات والتحاشي عنها والحذر منها فاذا فسرنا التقوى بذلك ايضا لم يبق فرق بين الورع والتقوى وانا اشعر ان المتشرعة ليس لديهم اطروحة واضحة للفرق بين الورع والتقوى بالرغم من انهم يشعرون بارتكازهم بوجود فرق بينهما وان التقوى هي بلا شك اعلى مرتبة من الورع ولكن بأي شيء تختلف وبأي شيء تتصف فهذا مجهول عندهم
الخطوة الخامسة :
ان احسن ما يمكن بيانه كفرق بين التقوى والورع ان الورع هو ترك المحرمات واما التقوى فهي ترك الشبهات او قل ترك موارد الشبهات فاذا كان الفرد شاعرا بالمسؤولية تجاه الله تعالى بحيث يكون مجتنباً لموارد الشبهات وكل ما يحتمل ان يكون فيه حرمة، او جرأة على الله سبحانه فانه يتركه من اجل رضاء الله سبحانه وتعالى والقرب له ونيل الزلفى لديه، فهو متقي . كما ورد في الدين ما مضمونه: (الامور ثلاثة) (مسبوقين بها ولكن تتناسوها حبيبي) امر بَيّن رشده فيتبع وامر بَيّن غيه فيجتنب (لا تقترب من الاجرب فتجرب) وامر بَيّن غيه فيجتنب وشبهات بين ذلك فمن اقتحم في الشبهات كاد ان يقع في المحرمات (كول لا !) واما اذا لم يقتحم في الشبهات ووقف عندهاواحتاط لنفسه فيها فهو المطلوب وعندئذ سيكون من المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنونوهذا معناه ان المؤمن يمنع نفسه على مستويين وليس على مستوى واحد
اولا:
المحرمات الواضحة الفردية والاجتماعية وكذلك الباطنية والظاهرية كسوء النية والوسواس والاعتداء، واي شيء آخر من المحرمات وهذا معنى قوله .(امر بين غيه فيجتنب)
ثانيا:
ان الفرد يترك كل ما هو محتمل ان يكون كذلك من الافعال والاقوال ولا يحاول المشي في هذا الطريق المشبوه مهما امكنه وانما يقتصر فقط على الطريق الواضح لرضاء الله سبحانه وتعالى ونيل ثوابه وهو معنى قوله: (امر بين رشده فيتبع) اي الطريق الواضح الذي يوصل الى رضاء الله سبحانه وهذا هو ايضا فرقه عن الورع فان الورع هو ترك ما احرز الفرد كونه حراما وما علم الفرد كون حرامادون ان يترك الشبهات فيكون ورعا ولو بعنوان ان الشبهات مما لم تثبت حرمتها وكل ما لم يثبت حرمته فهو جائزبأصالة البراءة عن الحرمة ونحو ذلك وهذا صحيح فقهيا الا انه هذا النحو من السلوك والافعال، لا يصل به الى درجة التقوى ما لم يقف عند الشبهة، ويتجنب كل ما يحتمل ان يكون سببا لغضب الله سبحانه وتعالى . بقيت خطوة بسيطة ولكن من الواضح في هذه الدرجة من التفكير ان احتمال السوء ينبغي ان يكون واضحا او معتدا به لكي يتجنبه بالرغم من جريان اصالة البراءة في نفيه واما اذا كان احتمال السوء ضعيفا مرجوحا جاز له عمله مع وجود اصالة البراءة في نفيه
الخطوة السادسة :
أننا الان وان عرفنا معنى الورع، ومعنى التقوى الا اننا لم نصل الى معنى العبارة لأنه تعالى يقول
(اتقوا الله حق تقاته) وقد عرفنا اصل التقوى ولم نعرف معنى كونها حق التقوى مع الالتفات الى ان قوله((اتقوا الله حق تقاته)) امر-والامر ظاهر في الوجوب والمخاطب به هو الذين آمنوا وان شاء الله كلنا من الذين آمنوا فماذا ستكون النتيجة ؟ يكون من الواجب على الذين آمنوا ان يتقوا الله حق تقاته فان قلت ان نيل درجة الورع وان كانت واجبة فقهيا لأنها تعني الورع عن المحرمات الا ان نيل درجة التقوى مستحبة فضلا عن حق التقوى او التقوى الحقة التي تأمر بها الاية ولا يحتمل فيها الوجوب قلنا نعم. هكذا الامر في الفقه لان الفقهاء يأخذون بنظر الاعتبار فقط ان لا يكون المسلم ممن يستحق العقاب فان لم يستحقه كان من الناجحين وهذا يكفي وما عليهم من درجات الكمال الاخرى في حين ان القرآن الكريم يتكفل ذلك لا محالة وكل توجيهاته نصائح لأجل نيل الكمال البشري الحقيقي النوراني اذن فمن المستطاع القول بحمل هذه الآية على الوجوب اخلاقيا او قل هي اشتراط لزومي بنحو الحكم الوضعي او الاثر الوضعي للتكامل اي لا يكون التكامل الا هكذا بمعنى ان من لم يصل الى التقوى لم يستطع التكامل الى حق التقوى طبعا لأنها درجة بعدها واكبر منها بطبيعة الحال
الخطوة السابعة :
انه يمكن تفسير حق التقوى بتفسيرين:
التفسير الاول :
الدقة في تطبيق التقوى وعدم محاولة التغافل والاهمال في اي شيء اذا كان من الشبهات بحيث يحاول الفرد ان لا يكون فيه نسيان او اشتباه او تسامح مهما كان يحاول على اية حال بمقدار ما هو متيسر فهو ليس بمعصوم . وعندئذ ستكون تقواه حقا وليست شكلية فقط، او معمقة وليست ضحلة
التفسير الثاني :
ان التقوى ما دامت هي اجتناب الشبهات كما فسرناها وحللناها وقلنا قبل قليل ان الفرد المؤمن انما يجب ان يجتنب الشبهات الواضحة الراجحة دون غيرها وهذا كاف على مستوى التقوى الا ان الفرد اذا اراد ان يصل الى مرتبة حق التقوى فعليه ان يجتنب كل الشبهات وان ضعف احتمالها ما لم يحصل الاطمئنان بالصحة ورضا الله سبحانه وتعالى فيكون له ان يفعل والا لم يجز له العمل والاقتحام وهذا معناه أولا الدقة والتوسع في الملاحظة والاجتناب ومحاولة اكتساب رضاء الله سبحانه ومن هنا قال اهل المعرفة بانعدام المباح للمؤمن الحق وكذلك ما سبق ان سمعناه من (ان الدنيا حرام على اهل الاخرة) يعني الدنيا بكل تفاصيلها وكذلك قولهم (الدنيا والاخرة حرام على اهل الله سبحانه وتعالى)
الخطوة الثامنة :
انه تعالى قال: ((اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون)) فما معنى مسلمون هنا ؟ مع الالتفات الى ان المخاطب به هو الذين آمنوا يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاتهولا تموتن الا وانتم مسلمون والذين آمنوا هم مؤمنين ومسلمين فيخاطبون بالإسلام لماذا ؟ فلو كان المراد به اصل الاسلام

اي الدخول في الدين الاسلامي لم يصح لان ذلك مطلوب من الكفار لا من المؤمنين ونحن نعرف ان كل مؤمن مسلم فاذا كان مؤمنا ومسلما فهو حاصل على الاسلام فلا معنى لطلبه منه وكذلك مع الالتفات الى ان هذا المعنى من الاسلام في الآية قد جاء بعد طلب التقوى الحقة قال: (واتقوا الله حق تقاته ) ثم (ولا تموتن الا وانتم مسلمون) اذن فهو يمثل مرحلة اعلى من ذلك كله وهو امر طويل المدى لا يأتي في ساعة او ساعتين او يوم او يومين وانما يأتي في طول السنين وبالتدريج البطيء ولذا قال تعالى: (ولا تموتن الا وانتم مسلمون) واحسن تفسير ممكن لذلك هو التضحية في سبيل هذه النتائج واسلام النفس اي تسليم النفس والعقل والجسم لها بحيث لا يعيش في غيرها ولا يفكر في سواها وهذه تضحية كبيرة في سبيل الله كما قال في الحكمة: (ما ترك الحق لي من صديق) بل الامر اكثر من ذلك لان الفرد يشعر بوضوح ان عدوه موجود عنده وباستمرار متمثلا في نفسه الامارة بالسوء اذن ما ترك الحق لي من صديق حتى نفسي.(كول لا !) كما قال في الحكمة: (اجعل نفسك عدوا تحاربه) وسلم بهذه التضحية الكبرى في سبيل الله تسليما كاملا ولاحظ ذلك طول عمرك ملاحظة مستمرة جزاك الله خير جزاء المحسنين
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴿١﴾ وَطُورِ سِينِينَ ﴿٢﴾ وَهَـذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴿٣﴾ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴿٤﴾ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴿٥﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴿٦﴾ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ﴿٧﴾ أَلَيْسَ اللَّـهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴿٨﴾
صدق الله العلي العظيم

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم


التعديل الأخير تم بواسطة الراجي رحمة الباري ; 28-04-2017 الساعة 01:15 AM
ابو علي غير متواجد حالياً  
قديم 22-03-2012, 12:55 AM   #30

 
الصورة الرمزية ابو علي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 32
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 10,104

افتراضي رد: هنا جميع خطب السيد الشهيد مكتوبة

الجمعة الثلاثون 16 رجب 1419
الخطبة الاولى
الى طاعة الحوزة العلمية وانتصار الحوزة العلمية الشريفة الصلاة على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد)
الى طاعة القضاء الشرعي الحوزوي وانتصار القضاء الشرعي الحوزوي الصلاة على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد)
الى شجب واستنكار محاولات منع القضاء الحوزوي الصلاة على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد) اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت عل الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم

اللّهُمَّ ياذا المِنَنِ السَّابِغَةِ وَالآلاءِ الوازِعَةِ وَالرَّحْمَةِ الواسِعَةِ وَالقُدْرَةِ الجامِعَةِ وَالنِّعَمِ الجَسِيمَةِ وَالمَواهِبِ العَظِيمَةِ وَالاَيادِي الجَمِيلَةِ وَالعَطايا الجَزِيلَةِ، يا مَنْ لا يُنْعَتُ بِتَمْثِيلٍ وَلا يُمَثَّلُ بِنَظِيرٍ وَلا يُغْلَبُ بِظَهِيرٍ، يا مَنْ خَلَقَ فَرَزَقَ وَأَلْهَمَ فَأَنْطَقَ وَابْتَدَعَ فَشَرَعَ وَعَلا فَارْتَفَعَ وَقَدَّرَ فَأَحْسَنَ وَصَوَّرَ فَأَتْقَنَ وَاحْتَجَّ فَأَبْلَغَ وَأَنْعَمَ فَأَسْبَغَ وَأَعْطى فَأَجْزَلَ وَمَنَح فَأَفْضَلَ، يا مَنْ سَما فِي العِزِّ فَفاتَ نَواظِرَ الاَبْصارِ وَدَنا فِي اللُّطْفِ فَجازَ هَواجِسَ الاَفْكارِ يا مَنْ تَوَحَّدَ بِالمُلْكِ فَلا نِدَّ لَهُ فِي مَلَكُوتِ سُلْطانِهِ وَتَفَرَّدَ بِالآلاِء وَالكِبْرِياءِ فَلا ضِدَّ لَهُ فِي جَبَرُوتِ شَأْنِهِ، يا مَنْ حارَتْ فِي كِبْرياءِ هَيْبَتِهِ دقائِقُ لَطائِفِ الاَوْهامِ وَانْحَسَرَتْ دُونَ إدْراكِ عَظَمَتِهِ خَطائِفُ أَبْصارِ الاَنامِ، يا مَنْ عَنَتِ الوُجُوهُ لِهَيْبَتِهِ وَخَضَعَتِ الرِّقابُ لِعَظَمَتِهِ وَوَجِلَتِ القُلُوبُ مِنْ خِيفَتِهِ ؛ أَسْأَلُكَ بِهذِهِ المِدْحَةِ الَّتِي لا تَنْبَغِي‌ إِلاّ لَكَ وَبِما وَأَيْتَ بِهِ عَلى نَفْسِكَ لِداعِيكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَبِما ضَمِنْتَ الاِجابَةَ فِيهِ عَلى نَفْسِكَ لِلدَّاعِينَ، ياأَسْمَعَ السَّامِعِينَ وَأَبْصَرَ النَّاِظرِينَ وَأَسْرَعَ الحاسِبِينَ، ياذا القُوَّةِ المَتِين صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَاقْسِمْ لِي فِي شَهْرِنا هذا خَيْرَ ما قَسَمْتَ وَاحْتِمْ لِي فِي قَضائِكَ خَيْرَ ما حَتَمْتَ وَاخْتِمْ لِي بِالسَّعادَةِ فِيمَنْ خَتَمْتَ، وَأَحْيِنِي ما أَحْيَيْتَنِي مَوْفوراً وَأَمِتْنِي مَسْرُوراً وَمَغْفوراً، وَتَوَلَّ أَنْتَ نَجاتِي مِنْ مُسأَلَةِ البَرْزَخِ وَادْرأ عَنِّي مُنْكَراً وَنَكِيراً وَأَرِعَيْنِي مُبَشِّراً وَبَشِيراً، وَاجْعَلْ لِي إِلى رِضْوانِكَ وَجِنانِكَ مَصِيراً وَعَيْشاً قَرِيراً وَمُلْكاً كَبِيراً وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كَثِيراً. (اللهم صل على محمد وال محمد )
اتقوا الله حق تقاته ولأتمون إلا وانتم مسلمون
قبل يومين تقريبا مرت الذكرى السنوية لولادة الامام امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) فلابد من التعرض الى بعض مناقبه وفضائله (عليه السلام) لنستلهم منها الهداية والعبرة والموعظة. وكيف نستطيع ان نتعرف عليه او نصل الى حقيقته، وانما هذا في عداد المستحـيل وخـاصة بعـد ان نسمـع الحـديث الـمروي عـن النـبي (صلى الله عليه واله): (ما عرف الله الا انا وانت، وما عرفني الا الله وانت، وما عرفك الا الله وانا). وكذلك الحديث الاخر: (يا علي انا وأنت ابوا هذه الامة). وكذلك حينما نسمع قوله تعالى{فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} ولم يكن مصداق لهذه الاية من الرجال الا علي (عليه السلام)، ولا من النساء الا فاطمة (عليها السلام)، ولا من الابناء الا الحسن والحسين (عليهما السلام) بأجماع علماء المسلمين واهل الحديث.
ولذا روي عن الجاثليق الذي هو الزعيم الديني للطرف المسيحي للمباهلة ما مضمونه: انه (يعني النبي (صلى الله عليه واله)) لو جاء مع جماعة كثيرة او كبيرة فباهلوه، واذا جاء مع اشخاص قليلين فلا تباهلوه فتهلكوا. وعنـد مجيئهم قـال: اني ارى وجوها لو باهلتـكم لاضطرم عليكم الوادي نارا.
اذن فلابد من الاقتصار على الجوانب الممكنة من وجوه التعرف عليه (سلام الله عليه) وهي ايضا فوق حد الاحصاء، حتى قال بعضهم بما مظمونه: ماذا اقول في رجل كتم اعدائه فضائله حقدا، وكتم محبوه فضائله خوفا، وظهر من بين هذا وهذا ما يملأ الخافقين. فاذا كانت فضائله تملأ الخافقين فما هو عمل او قول رجل ضعيف جاهل مسكين مستكين مثلي وامثالي.
وايضا نعود الى ذكر بعض ما هو ممكن من ذلك على اي حال واود الان ان اذكر لكم بعض الجوانب الذي تفرد بها امير المؤمنين بحيث لا يحتمل ان يضاهيه احد فيها اطلاقا من البشر اجمعين مهما كان دينه او مذهبه ومهما كانت مدعياته لنفسه من العلم والكمال، فانه لا يستطيع ان يصل الى درجة امير المؤمنين (عليه السلام)، سبحان الله حتى المعصومين من اولاده فكيف بغيرهم.
وقد ورد عن الامام السجاد (عليه السلام) الذي كان هو الاشهر من المعصومين (عليهم السلام) بكثرة العبادة، حتى سمي زين العابدين وسيد الساجدين والسجاد انه قال: (ومن يطيق عبادة علي بن ابي طالب)
اقول : وهذا هو بعض ما هو مفهوم من قول امير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خطبه: (ينحدر عني السيل ولا يرقى اليّ الطير). أنه يمثل نفسه بالجبل العالي الاشم، والقمة الشامخة جدا. ينحدر منها السيل وهو سيل العلوم والعطاء والمراحم على البشرية بمقدار استحقاق كل فرد منها فانهم (سلام الله عليهم) ابواب الله وخزان علمه واسباب رحمته. واولى من يكون كذلك منه هو جدهم واميرهم وامامهم علي بن ابي طالب (عليه الصلاة والسلام) .
(ولا يرقى اليّ الطير) يعني (بحسب فهمي ولكل واحد فهمه): المتكاملين الصاعدين في درجات الكمال، يمثلهم بالطير الذي يستمر في صعوده. والمتكاملون من البشرية على اشكال مختلفة واتجاهات متباينة. فان كل ملكات الأنسان قابلة للتكامل على مختلف المستويات وبأسباب مختلف العلوم، جسديا وعقليا ونفسيا وروحيا وغير ذلك. واعلاها واهمها هو الكمال النوراني في عالم الروح.
فهو (يعني امير المؤمنين) يمثل الصاعدين في هذا المجال بالطير. وانهم لا يحتمل ان يرقوا اليه او يصلوا الى مرتبته. (ولا يرقى اليّ الطير) وانما غاية ما لديهم بكل تواضع ورغما على انافهم اي هؤلاء الذين يدعون الكمال الان انهم لا يتكاملون الا بحبه وولايته. ولا يأتيهم عطاء حقيقي الا بتسبيبه وشفاعته.
والمميزات التي انفرد بها امير المؤمنين (عليه السلام) كثيرة جدا دنيويا و اخرويا. بل من الممكن القول انه انفرد بكل مميزاته وعالي بكل اوصافه. وان كانت هذه الاوصاف موجودة عند البشر الا انه بالنسبة الى مرتبته لا يماثله فيها احد. وخاصة اذا قصدنا مرتبة الكمال الحاصل عليها في اي حقل من حقول المعرفة بإزاء الاشخاص الاخرين غير شخص رسول الله (صلى الله عليه واله). فان تلك المزية من الكمال هي ارقى من الجميع وقد انفرد بها امير المؤمنين (عليه السلام) .
الان نعطي نقاط حول ذلك :
النقطة الاولى : اتفق كل اهل الفكر والعلم من البشرية اجمعين بمختلف اديانهم ومذاهبهم وطبقاتهم واختصاصاتهم على علو مرتبته وارتفاع منزلته بشكل لم يحصل مثل هذا الاتفاق على اي شخص غيره. يكفينا من ذلك اشهر المسيحين الذين كتبوا في فضله جورج جرادق وبولس سلامة وكتبهم موجودة على اية حال وربما راها اكثركم. واما الذين تركوا المسيحية الى الاسلام فهم كثيرون بطبيعة الحال وكان الفضل الاكبر لهم في ذلك هو حسن ظنهم بأمير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام (.
الخطوة الاخرى انه كل البشرية هكذا ؟ لا مع شديد الاسف. لا يستثنى من ذلك الا صنفين من الناس حدى بهم سوء توفيقهم وانفسهم الامارة بالسوء الى خلاف ذلك وهم:
اولا : بنو امية حين حكموا طبعا ما عدا عمر بن عبد العزيز منهم. فانهم لعنوا ابا تراب على المنابر في صلوات جمعاتهم طيلة مدة حكمهم وهذا هو احد تفاسير قوله تعالى{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} يعني الف شهر حصلت فيها هذه الجريمة الشنعاء وهو مدة ملك بني امية تقريبا وليس تحقيقا. ومن الملاحظ انهم لم يذكروه بمنقصة بصراحة وليس لهم ان يقولوا ذلك وانما لعنوه فقط حقدا عليه واخذا بمصالحهم الدنيوية الضائعة عنهم مع ولايته واخذا بأحقاد بدر وحنين، كما قال يزيد الاموي: ماذا فال
ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
لا هلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
قد قتلنا القرم من اسيادهم وعدلناه ببدر فاعتدل
لست من خندف ان لم انتقم من بني احمد ما كان فعل
واشياخه حين يقول (ليت اشياخي) هم المشركون الذين قتلهم امير المؤمنين (عليه السلام) في وقعة بدر الكبرى واحد وامثالها. فهو يقول مثل هذا الكلام الفاسد في حين ان جبرائيل (سلام الله عليه) يقول: (لا فتى الا علي لا سيف الا ذو الفقار). كما قال الشاعر:
جبريل نادى معلنا والنقع ليس بمنجلي
والمسلمون قد احدقوا حول النبي المرسل
لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي
وكذلك كقول النبي (صلى الله عليه واله) ما مضمونه: (ضربة علي في الخندق تعدل عمل الثقلين) يعني طاعات الانس والجن جميعا. (اللهم صل على محمد وال محمد). وحسب فهمي ان كل ضرباته هكذا وليس هذه الرواية فقط، فهذه الرواية ليس فيها مفهوم نافي ان الضربات الاخرى ليست هكذا.
ثانيا : اليهود. فانهم حيث خاصموا نبي الاسلام وعادوه واصبحوا الاعداء التقليدين للمسلمين لم يكن في الامكان ان نتوقع منهم اي كلام جيد او منصف في اي رجل من رجال الاسلام مهما كان. ولكن الملاحظ (وهي تشبه الملاحظة التي قلناها هناك) بالرغم من كل ذلك هو انهم لم يطعنوا برجال الاسلام الا من حيث اصل دينهم، لا من حيث علومهم وسلوكهم وافعالهم واقوالهم ونحو ذلك. وليسوا هم (اعني اليهود) مخولون بذلك بطبيعة الحال بعد ان كان رجال الاسلام مشهورين ومشهود لهم بالصدق والصحة والعظمة. اذن فمن ينتقدهم انما يؤدي الى فشل نفسه وسقوط كلامه وعدم بلوغ مرامه.
والسبب الرئيسي للخلاف بين واليهود والمسلمين ونحن ينبغي ان نكون على بينة من ذلك تجاه اسرائيل وغير اسرائيل هو ان اليهود كانوا يبشرون بسيطرة دينهم على البشرية وكانوا ولا زالوا يعملون لذلك حيث يزعمون ان دينهم هو الذي يملئ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا لو تكلمنا باللغة الإسلامية هكذا نقول . وان القائد العالمي المهدي منهم وان عاصمة هداية العالم هي اورشليم التي هي القدس. هكذا هم يقولون ولا زالوا ويعملون لذلك. وكثير من فقرات التوراة الرائجة الحالية تدل على ذلك. ومن هنا اخذهم الحماس في هذا المجال.
وحين جاء رسول الله (صلى الله عليه واله) وقال بالمضمون ولو بلسان حاله) : ان القسط والعدل العالمي المتوقع انما هو اسلامي وليس يهوديا وان المستقبل للحق المتمثل بالإسلام لا باليهودية ولا بغيرها). أبوا عليه ذلك وعاندوه واصبحوا ولا زالوا اعدائه التقليدين لانهم يطمعون بان يكون مستقبل الهداية العالمي لهم. ومن الممكن مناقشتهم في ذلك بنقطتين على الاقل :
النقطة الاولى : ان دعوتهم اليهودية في نظرهم وليس في نظرنا ليست عالمية بل هي عنصرية وطبقية تتحدد بالولادة. فعندهم اليهودي من الدرجة الاولى واليهودي من الدرجة الثانية (سبحان الله .. هل يوجد مسلم من الدرجة الاولى ومسلم من الدرجة الثانية ؟!). واليهودي من الدرجة الاولى وهم بنو اسرائيل اي بني يعقوب (عليه الصلاة والسلام) وهم شعب الله المختار. واليهودي من الدرجة الثانية هم سائر اليهود من الاصناف الاخرى من البشر. معنى ذلك ان كل من دخل في اليهودية سيكون يهوديا من الدرجة الثانية ومحتقر من حيث يريد او لا يريد ولن يمكنه ان يكون عزيزا في مجتمعهم. والظاهر ان كتابهم الرئيسي الذي يكتمونه (التلمود) واضح وطافح في ذلك. ولذا يخفون نسخته عن الناس لان اعلانه يوجب فشل سياساتهم ومدعياتهم.
في حين ان الاسلام بريء من كل ذلك ويعتبر اولاد آدم كأسنان المشط كما في الرواية. وقال تعالى: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم). وهذا النحو من الاتجاه هو الذي يستطيع ان يكرم البشرية وان يعدل فيها وان يرحمها وليس الاتجاه العنصري والطبقي.
النقطة الثانية : اننا نعرف وكثير من المفكرين يعرفون ان البشرية مجموعا او عموما هي في تكامل، وهم يمثلونها بالطفل والشاب حين ينمو ويترعرع ويتكامل ويتعلم. يمثلونها بشخص انسان يولد وهو اولا طفل ثم يصبح شابا ثم يصبح كهلا ثم يصبح شيخ ثم يموت والبشرية لها موعد موت طبعا.
ما هو السبب الرئيسي للتكامل ؟ ربما كنا نعرفه ولكن كلنا غافلين عنهسبحان الله

والسبب الرئيسي للتكامل البشري هو بعثة الانبياء. وكلما تربت البشرية على يد نبي، استحقت التربية على يد النبي الذي بعده وهكذا
حتى اذا وصلت البشرية الى كامل استحقاقها لفهم المطالب الدقيقة والحقيقية في اصول الدين وفروعه وفي صفات الله واسمائه، ماذا حصل بُعث نبينا نبي الاسلام (صلى الله عليه واله) وقدم اعمق فهم على الاطلاق لكل من اصول الدين وفروعه وقدم التجريد الكامل والحقيقي لأسماء الله وصفاته وذاته جل جلاله. وقدم العدل الكامل القابل لحل كل المشاكل والمواكب للبشرية من صدر الاسلام الى يوم القيامة (كول لا !). اليس نسمع (حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرام محمد حرام الى يوم القيامة) زين
وهذا ينتج بوضوح ان البشرية التي تتكامل ولا زالت تتكامل على يد تعاليم الاسلام لا يمكن ان يحكمها او يكفي لانتشار العدل فيها دين سابق بسيط نسبيا يمثل مرحلة وحقبة معينة من تربية البشرية وليس هو الكل في الكل ولا يمثل الحقيقة حقيقةً.
يكفي ان نلتفت الى ان من حقنا ان نقول في الاسلام (ما من واقعة الا ولها حكم). في حين لا يستطيع اي دين آخر ان يقول ذلك (كول لا !) وليقل اليهود لا ! فأين هي الـ(ما من واقعة ولها حكم) في دين اليهودية او دين المسيحية او دين البوذية او اي دين آخر لا استثني منها شيئا. سبحان الله وهذه هي معجزة الاسلام الرئيسية.
ومعنى ذلك ان جملة من مشاكل البشرية الحديثة ليس لها اي حكم في الاديان السابقة، وانما كان الدين السابق على الاسلام يعالج المشاكل الوقتية في زمانه فقط، مما يؤدي ان يملئها الحاكم برأيه الخاص وبالأهواء والمصالح غير المستندة الى قانون السماء كما يعبرون.
اذن فاليهودية بل اي دين آخر سابق على الاسلام فضلا عن الفكر البشري المنقطع عن السماء وعن تعاليم الله لن يستطيع ان يتكفل عدل البشرية العام في مستقبل الزمان، وانما الذي يملؤها قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا هو الاسلام المحمدي الحق وحده.
مضافا الى نقطة أخرى مهمة جدا وهي تحريف الاديان المتأخرة للدين السابق سواء في اليهودية او في المسيحية حتى صدر كتاب بعنوان المسيح ليس مسيحيا وانا رأيته ومترجم الى اللغة العربية، اي ليس على الاوضاع والمفاهيم التي يعيشها المسيحيون في القرون المتأخرة جيلا بعد جيل وحاشاه ان يكون كذلك بطبيعة الحال. فهؤلاء متسيبون فهل كان هو متسيبا في يوم ما سبحان الله ! بل هي ظلة وظنة في عقولهم.
وكذلك الحال في اليهود فليسوا هم احسن حالا من هذه الناحية. حتى قال الله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} وفسر في الروايات وهذا التفسير قريب الى فهمي جدا بانهم اطاعوهم في عصيان الله وليس (( اتخذوهم اربابا) معناه عبدوهم، بل بمعنى اطاعوهم في عصيان الله فمثلا قالوا لهم اشربوا خمر فشربوا وقالوا لهم كلوا لحم الخنزير فاكلوا وقالوا لهم خذوا الربا اضعافا مضاعفة فأخذوه وهكذا وهكذا … لماذا ؟ لان النفس الامارة بالسوء هكذا تقول باختصار شديد.
ونحن نعلم بأجماع المسلمين ان التوراة المتعارفة ليست هي التوراة الاصلية وانما هي نسخة محرفة وضعها والفها اشخاص عديدون اسماءهم موجودة في التوراة مثل عزرا وشعيا وارميا ودانيال وآخرين وليس فيها من وحي الله شيء اطلاقا. وكيف يمكن ان نجد حوادث موت موسى (سلام الله عليه) وما بعد موته في التوراة المنزلة على موسى نفسه ؟! ان هذا لا يكون. اذن فاليهودية المعاصرة الان ليست هي دين موسى (عليه السلام) ولا التوراة هو كتابه ولا الوصايا العشر هي تعاليمه. اذن فليعطونا تعاليم موسى الحقيقية ومفاهيمه الحقيقية لكي نتبعها. ولو عرفناها حقيقة لرجعنا الى الاسلام، لأننا نعلم ان الانبياء جميعا دعاة للولاء الى الاسلام. كما قال الله تعالى : {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)}واما بالنسية للمسيحية فقوله تعالى : {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}وهذا يعني أن هؤلاء الدبن يدعون اليهودية وهؤلاء الذين يدعون النصرانية بجب أن يسلموا كما أسلم
انبيائهم وقادتهم الاوائل لكي يرشدوا ويتكاملوا ويحصلوا على الحق الصحيح والصريح دون العكس بطبيعة الحال.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}
صدق الله العلي العظيم
الجمعة الثلاثون 16 رجب 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَعَانِي جَمِيعِ مَا يَدْعُوكَ بِهِ وُلَاةُ أَمْرِكَ الْمَأْمُونُونَ عَلَى سِرِّكَ الْمُسْتَبْشِرُونَ بِأَمْرِكَ الْوَاصِفُونَ لِقُدْرَتِكَ الْمُعْلِنُونَ لِعَظَمَتِكَ وَ أَسْأَلُكَ بِمَا نَطَقَ فِيهِمْ مِنْ مَشِيَّتِكَ فَجَعَلْتَهُمْ مَعَادِنَ لِكَلِمَاتِكَ وَ أَرْكَاناً لِتَوْحِيدِكَ وَ آيَاتِكَ وَ مَقَامَاتِكَ الَّتِي لَا تَعْطِيلَ لَهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ يَعْرِفُكَ بِهَا مَنْ عَرَفَكَ لَا فَرْقَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهَا إِلَّا أَنَّهُمْ عِبَادُكَ وَ خَلْقُكَ فَتْقُهَا وَ رَتْقُهَا بِيَدِكَ بَدْؤُهَا مِنْكَ وَ عَوْدُهَا إِلَيْكَ أَعْضَادٌ وَ أَشْهَادٌ وَ مُنَاةٌ وَ أَزْوَادٌ وَ حَفَظَةٌ وَ رُوَّادٌ فيهم [فَبِهِمْ‌] مَلَأَتْ سَمَاءَكَ وَ أَرْضَكَ حَتَّى ظَهَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ فَبِذَلِكَ أَسْأَلُكَ وَ بِمَوَاقِعِ الْعِزِّ مِنْ رَحْمَتِكَ وَ بِمَقَامَاتِكَ وَ عَلَامَاتِكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ
وَ أَنْ تَزِيدَنِي إِيمَاناً وَ تَثْبِيتاً يَا بَاطِناً فِي ظُهُورِهِ وَ ظَاهِراً فِي بُطُونِهِ وَ مَكْنُونِهِ يَا مُفَرِّقاً بَيْنَ النُّورِ وَ الدَّيْجُورِ يَا مَوْصُوفاً بِغَيْرِ كُنْهٍ وَ مَعْرُوفاً بِغَيْرِ شِبْهٍ حَادَّ كُلِّ مَحْدُودٍ وَ شَاهِدَ كُلِّ مَشْهُودٍ وَ مُوجِدَ كُلِ‌ مَوْجُودٍ وَ مُحْصِيَ كُلِّ مَعْدُودٍ وَ فَاقِدَ كُلِّ مَفْقُودٍ لَيْسَ دُونَكَ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ أَهْلَ الْكِبْرِيَاءِ وَ الْجُودِ يَا مَنْ لَا يُكَيَّفُ بِكَيْفٍ وَ لَا يُؤَيَّنُ بِأَيْنٍ يَا مُحْتَجِباً عَنْ كُلِّ عَيْنٍ يَا دَيْمُومُ يَا قَيُّومُ وَ عَالِمَ كُلِّ مَعْلُومٍ صَلِّ عَلَى عِبَادِكَ الْمُنْتَجَبِينَ وَ بَشَرِكَ الْمُحْتَجِبِينَ
وَ مَلَائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ وَ بُهَمِ الصَّافِّينَ الْحَافِّينَ وَ بَارِكْ لَنَا فِي شَهْرِنَا هَذَا الْمُرَجَّبِ الْمُكَرَّمِ وَ مَا بَعْدَهُ مِنْ أَشْهُرِ الْحُرُمِ وَ أَسْبِغْ عَلَيْنَا فِيهِ النِّعَمَ وَ أَجْزِلْ لَنَا فِيهِ الْقِسَمَ وَ أَبْرِرْ لَنَا فِيهِ الْقَسَمَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ الْأَعْظَمِ الْأَجَلِّ الْأَكْرَمِ الَّذِي وَضَعْتَهُ عَلَى النَّهَارِ فَأَضَاءَ وَ عَلَى اللَّيْلِ فَأَظْلَمَ وَ اغْفِرْ لَنَا مَا تَعْلَمُ مِنَّا وَ مَا لَا نَعْلَمُ وَ اعْصِمْنَا مِنَ الذُّنُوبِ خَيْرَ الْعِصَمِ وَ اكْفِنَا كَوَافِيَ قَدَرِكَ وَ امْنُنْ عَلَيْنَا بِحُسْنِ نَظَرِكَ وَ لَا تَكِلْنَا إِلَى غَيْرِكَ وَ لَا تَمْنَعْنَا مِنْ خَيْرِكَ وَ بَارِكْ لَنَا فِيمَا كَتَبْتَهُ لَنَا مِنْ أَعْمَارِنَا وَ أَصْلِحْ لَنَا خَبِيئَةَ أَسْرَارِنَا وَ أَعْطِنَا مِنْكَ الْأَمَانَ وَ اسْتَعْمِلْنَا بِحُسْنِ الْإِيمَانِ وَ بَلِّغْنَا شَهْرَ الصِّيَامِ وَ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَيَّامِ وَ الْأَعْوَامِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَ الْإِكْرَامِ
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
نستمر الان في ذكر الخصائص والصفات الخاصة بأمير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) وكثير منها اجمع عليه علماء الاسلام بمختلف مذاهبهم. وبطبيعة الحال لا نستطيع استيعابها، وانما نتعرف على ما يسع الوقت منها:
اولا : انه (عليه افضل الصلاة والسلام) رباه رسول الله (صلى الله عليه واله)في صغره حين مر ابو طالب (عليه الرضوان) بضائقة اقتصادية. فاقترحوا عليه ان يقسم اولاده بين اقاربه، فكان علي (عليه السلام) من حصة محمد (صلى الله عليه واله) وبقي بين يديه في خدمته وتحت تربيته طول حياته.
ولا يعدله في ذلك الا الزهراء (سلام الله عليها) فإنها ايضا تربية رسول الله (صلى الله عليه واله) مع فارق في الجنس بطبيعة الحال وفارق في الزمن. فان المظنون ان رسول الله (صلى الله عليه واله) كفل عليا (عليه السلام) قبل ولادة الزهراء (عليها السلام) بمدة فتكون المدة التي قضياها معا اطول من المدة التي قضتها الزهراء (سلام الله عليها) مع ابيها. وطول المدة يؤثر بعمق التربية بطبيعة الحال وفي مستوى العلم بطبيعة الحال.
ثانيا : انه يلقب بأمير المؤمنين (عليه السلام) وهو لقب خاص به ولا يحق لأي شخص اخر التلقب به. وورد النهي عن النبي (صلى الله عليه واله) في ذلك. والظاهر ان اول من خرج على هذا التعليم الاسلامي المحمدي هو معاوية بن ابي سفيان (عليه اللعنة). ودوافعه في ذلك واطماعه الدنيوية معروفة. واستمر الحال عليه في كل سلاسل الخلفاء الذين جاءوا بعده.
ولكننا نسأل سؤالا بسيطا لأخوانا في المذاهب الاخرى، هل ان الخلفاء الامويين او العباسيين افضل ام المشايخ في الخلافة الاولى افضل ؟! طبعا سيجيبون بان المشايخ هم الافضل (كول لا !). فلماذا سمي المفضول بامير المؤمنين ولم يسم الافضل بذلك ؟ وبالتأكيد لم يكن المشايخ يسمون بذلك وانما كانوا ينادون يا خليفة رسول الله، كما هو مسجل في كتبهم.
ومن هنا اعطيت في كتابي تأريخ ما بعد الظهور هذه الفكرة في صفحة106. قال الشيخ علي القاري في المشرب الوردي في مذهب المهدي: (ومما يدل على افضليته ( اي المهدي (عليه السلام) ) ان النبي سماه خليفة الله، وابو بكر لا يقال له الا خليفة رسول الله .
وقال البر زنجي في كتابه الاشاعة في اشراط الساعة: (وتقدم عن الشيخ (ابن عربي) في الفتوحات (يعني الفتوحات المكية) انه (يعني المهدي (عليه السلام )في حكمه مقتفٍ اثر النبي (صلى الله عليه واله) لا يخطئ ابدا، ولا شك ان هذا لم يكن في الشيخين. وان الامور التسعة التي مرت (يعني من فضائل المهدي ((عليه السلام)) لم تجتمع كلها في امام من ائمة الدين قبله). قال: (فمن هذه الجهة يجوز تفضيله عليهما وان كان لهما فضل الصحابة ومشاهدة الوحي والسابقة وغير ذلك والله اعلم ).
ثالثا : من مختصات امير المؤمنين (عليه السلام) تزويجه بفاطمة الزهراء (سلام الله عليه) بنت رسول الله (صلى الله عليه واله). وهذا من الواضحات في التاريخ ويزداد وضوحا لو قلنا بانها البنت الوحيدة للنبي (صلى الله عليه واله) ولا اقل انها البنت الافضل والاهم للنبي (صلى الله عليه واله) ولا احد يستطيع ان ينكر ذلك.
رابعا: انه اول من آمن بالنبي (صلى الله عليه واله) نتيجة لتربيته اياه في بيته وفي عائلته وزقه العلم زقا. وكانا يصليان جماعة مع المؤمنين خديجة بنت خويلد بإمامه النبي (صلى الله عليه واله) زمنا طويلا وردحا طويلا قبل ان يلتفت غيرهم الى الاسلام، اصلا قبل ان يعلن الاسلام. وفي ذلك روايات عديدة رواها مختلف المحدثين في مختلف المذاهب، منها ما عن عفيف الكلبي قال: كنت امرأ تاجرا فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لابتاع منه بعض التجارة وكان امرأ تاجرا فوالله اني لعنده بمنى اذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر الى الشمس فلما راها قد مالت (يعني الزوال طبعا) قام يصلي ثم خرجت امرأة من الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه فصلت ثم خرج غلام حين رافق الحلم من ذلك الخباء فقام معه فصلى. قال: فقلت للعباس من هذا يا عباس ؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن اخي. قال فقلت : من هذه المرأة ؟ قال: امرأته خديجة بنت خويلد. قال فقلت: من هذا الفتى ؟ قال: علي بن ابي طالب ابن عمه. قال فقلت له: ما هذا الذي يصنع ؟ قال: يصلي وهو يزعم انه نبي ولم يتبعه على امره الا امرأته وابن عمه هذا الفتى وهو يزعم انه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر. وكان عفيف وهو ابن عم الاشعث بن قيس يقول بعد ذلك وقد اسلم وحسن اسلامه : لو كان رزقني الله الاسلام يومئذ فأكون ثانيا مع علي (عليه السلام). وقد رواه بطوله احمد بن حبل في مسنده.
رابعا : مؤاخاة النبي (صلى الله عليه واله) يوم آخى بين المؤمنين والانصار. فعن مسند احمد بن حنبل عن سعيد بن المسيب ان رسول الله (صلى الله عليه واله) آخى بين الصحابة فبقي رسول الله وابو بكر وعمر وعلي. فآخى بين ابي بكر وعمر وقال لعلي انت اخي. صلوا على محمد وال محمد. سبحان الله (اللهم صل على محمد وال محمد )
وبالأسناد عن عمر بن عبد الله عن ابيه عن جده ان النبي (صلى الله عليه واله) آخى بين الناس وترك عليا حتى بقي آخرهم لا يرى له اخا فقال : يا رسول الله آخيت بين الناس وتركتني. قال (صلى الله عليه واله) : ولمن تراني تركتك ؟ انما تركتك لنفسي انت اخي وانا اخوك.
صلوا على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد(
فان ذاكرك احد فقل انا عبد الله واخو رسول الله لا يدعيها بعدك الا كذاب.
صلوا على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد)
خامسا : ان النبي (صلى الله عليه واله) امر بسد الابواب حول المسجد الحرام الا بابه. يعني باب امير المؤمنين (عليه السلام) وهو منزل الاسرة الشريفة (سلام الله عليها) علي وفاطمة والحسن والحسين.
فعن مسند ابن حنبل عن زيد ابن ارقم قال : كان لنفر من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله) ابواب شارعه في المسجد. فقال يوما : سدوا هذه الابواب الا باب علي. قال : فتكلم في ذلك الناس. قال: فقام رسول الله (صلى الله عليه واله) فحمد الله واثنى عليه ثم قال: اما بعد فاني امرت بسد هذه الابواب غير باب علي فقال فيه قائلكم ما سددت شيئا ولا فتحته ولكني امرت بشيء فاتبعته.
وبالأسناد عن ابن عمر قال: كنا نقول خير الناس ابو بكر ثم عمر وقد أوتي خصالا لئن يكون لي واحدة منها احب الي من حمر النعم: زوجه رسول الله (صلى الله عليه واله) بنته وولدت له وسد الابواب الا بابه في المسجد واعطاه الراية يوم خيبر. (اللهم صل على محمد وال محمد(
ومن مناقب الفقيه بن المغازلي عن عدي بن ثابت قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه واله) الى المسجد فقال: ان الله اوحى الى نبيه موسى (عليه السلام) ان ابن لي مسجدا طاهرا لا يسكنه الا موسى وهارون وابنا هارون (فموسى لم يكن عنده اولاد بل هارون كان عنده اولاد وهذا اكيد) وأن الله اوحى الي ان ابن مسجدا طاهرا لا يسكنه الا انا وعلي وابنا علي. (اللهم صل على محمد وال محمد).
هذا ونحن لا نستطيع في خطبة او خطبتين استيعاب خصائص امير المؤمنين (عليه السلام) ولكن اود ان اشير الى خصيصة قلما يلتفت اليها احد وهو انه هو (سلام الله عليه) المؤسس لكثير من العلوم والفنون العقلية والانسانية وفعلا تفتخر كل مجموعة من الناس بنسبة مسلكهم الى امير المؤمنين وليس الى رسول الله (صلى الله عليه واله) كما هو الملحوظ منهم.
مع الالتفات بوضوح الى ان العلوم اليونانية والفارسية لم تكن قد ترجمت او جلبت الى البلاد الاسلامية في ذلك الحين (كول لا !) لا احد يستطيع ان يقول لا. ولم يكن لأفلاطون ولا لأرسطو اي ذكر في ذلك الحين. اذن فكل علم جاء به امير المؤمنين (عليه السلام) انما هو بتسديد من الله والهام حسب تلك الطاقة الضخمة العقلية والروحية التي يتصف بها (سلام الله عليه) والتي تفوق كل تصور، منها الفلسفة ويكفينا من ذلك خطبته المشهورة التي اختارها الشريف الرضي (عليه الرحمة) لتكون اول خطب نهج البلاغة والتي يقول فيها: (اول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الاخلاص له وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه بشهادة كل صفة انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة ..) الى ان يقول: (ومن قال فيما فقد ضمنه ومن قال علاما فقد اخلى منه كائنا لا عن حدث موجود لا عن عدم مع كل شيء لا بمقارنة وغير كل شيء لا بمزايلة فاعل لا بمعنى الحركات والالة بصير اذ لا منظور اليه من خلقه متوحد اذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش بفقده انشاء الخلق انشاءا وابتدأه ابتداءا بلا روية اجالها ولا تجربة استقادها ولا حركة احدثها ولا همامة نفس اذ طلب فيها احال الاشياء لا وقاتها ولائم بين مخلفاتها وغرز غرائزها والزمها اشباحها (يعني اجسامها) عالما بها قبل ابتدائها محيطا بحدودها وانتهائها عارفا بقرائنها واحنائها ..) الى آخر كلامه (سلام الله عليه). فليأتي الفلاسفة بشيء من هذا القبيل، بل هم متحيرون في تفسير كلامه (سلام الله عليه).
ومنها: العرفان وهو المعرفة بالله سبحانه بالمقدار الذي تطيقه النفس البشرية. وهو (سلام الله عليه) سيد العارفين وامير المؤمنين وامام المتقين. يكفينا في ذلك نفس الخطبة التي سمعناها. انه لو لم يعرف الله حق معرفته لما وصفه بهذه الصفات الجليلة. ونلاحظ عمليا ان كل الطرق الصوفية تنتهي بدعوى اصحابها انفسهم الى امير المؤمنين (عليه السلام)
ومنها: مسلك الزهد والاعراض عن الدنيا ونهج البلاغة طافح بالعديد من الخطب التي تذم الدنيا وتحذر الناس من شرها وحبها والقيد اليها. واما زهده فيكفينا قوله في بعض خطبه: (ولقد رقعت مدرعتي حتى استحييت من راقعها). وما ورد من احدى بناته قدمت له خبزا وخلا وملحا، فأمرها برفع احد الادامين (بدون تعيين ولم يقل لها ارفعي واحد منها بالتعيين) وقال لها: اترضين ان يطول مقامي بين يدي الله سبحانه. من الخل والملح يطول مقامه بين يدي الله فكيف اذا اكل تمن وقيمة ؟! او كيف اذا اكل حرام حبيبي ؟!
ومنها: التصدي للقضاء الشرعي. فانه اول شخص تصدى له في الاسلام ووفر وقتا كافيا له ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه واله) كذلك، وانما كان يحل المشاكل بالتعاليم والكلمات، كما ان الجرائم والمشكلات لم تكن في عصره (صلى الله عليه واله) كثيرة بل كانت نادرة. وفي الحديث عن النبي (صلى الله عليه واله): أقضاكم علي. وعن عمر بن الخطاب: لا ابقاني الله لمعضلة ليس لها ابو الحسن. حتى قيل: معضلة ولا ابا حسن لها. (اللهم صل على محمد وال محمد )
ومنها: الرياضيات. وهي علم الحساب، وقد وردت في ذلك روايات عديدة منها استخراج القاسم المشترك الاصغر بين الارقام العشرة كلها. فحين سُئل عن ذلك وكان راكبا فرسا فوقف لحظة ثم قال: اضرب عدد ايام سنتك في ايام اسبوعك. ثم نخس فرسه وذهب.
اقول : يراد بأيام السنة 360 وبأيام السبعة 7 طبعا. فيصير 360 × 7 =2520 وهو رقم ينقسم على كل الارقام العشرة بدون باقي. (اللهم صل على محمد وال محمد)
وفي تلك المسائل ما روي ان يهوديا جاء الى امير المؤمنين (عليه السلام)فقال: يا علي اعلمني اي عدد يتصحح فيه الكسور التسعة جميعا من غير كسر وكذلك من كل من كسوره التسعة الا من خمسة فيكون له كل من الكسور التسعة مصححا من غير كسر الا الثمن لربعه والربع لثمنه والسبع لسبعه والتسع لتسعه والثمن لثمنه (هو فهم السؤال دوخة ! بعد تعال جاوب). فقال (عليه السلام): ان اعلمتك تسلم ؟ قال: نعم. قال: اضرب اسبوعك في شهرك ثم ما حصل في سنتك تظفر بمطلوبك. (اللهم صل على محمد وال محمد).
يعني 7 × 30 × 360 =75600 وهو المطلوب كما شرحنا ذلك في الجزء التاسع من كتابنا ما وراء الفقه.
وكذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سمعت ابن ابي ليلى يحدث اصحابه قال: قضى امير المؤمنين (عليه السلام) بين رجلين اصتحبا في سفر فلما ارادا الغداء اخرج احدهما من زاده خمسة ارغفة واخرج الثالث ثلاثة ارغفة فمر بهما عابر سبيل فدعواه الى طعامهما فاكل الرجل معهما حتى لم يبق شيء فلما فرغوا اعطاهما المعتر بهما ثمانية دراهم ثواب ما اكله من طعامهما فقال صاحب الثلاث ارغفة لصاحب الخمسة: اقسمها نصفين بيني وبينك. وقال صاحب الخمسة: لا. بل يأخذ كل منا من الدراهم على عدد ما اخرج من الزاد. لان عدد ارغفتهم مجموعها ثمانية والدراهم المعطاة ايضا ثمانية فيأخذ صاحب الخمسة خمسة وصاحب الثلاثة ثلاثة. فآتيا امير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك. فلما سمع مقالتهما قال لهما: اصطلحا فان قضيتكما دنية. فقالا: اقض بيننا بالحق. قال: فأعطى صاحب الخمسة ارغفة سبعة دراهم واعطى صاحب الثلاثة أرغفة درهما واحدا، وقال: اليس اخرج احدكما من زاده خمسة ارغفة والاخر ثلاثا. قالا: نعم. قال: اليس اكل ضيفكما معكما مثل ما اكلتما. قالا: نعم. قال: اليس اكل كل واحد منكما ثلاثة ارغفة غير ثلث .يعني رغيفين وثلثين قالا: نعم. قال: اليس اكلت انت يا صاحب الثلاثة ثلاثة ارغفة غير ثلث واكلت انت يا صاحب الخمسة ثلاثة ارغفة غير ثلث واكل الضيف ثلاثة ارغفة غير ثلث اليس بقي لك يا صاحب الثلاثة ثلث رغيف من زادك (وهو الذي اكله الضيف طبعا) وبقي لك يا صاحب الخمسة رغيفان وثلث ( وهو ايضا الذي اكله الضيف) واكلت ثلاثة غير ثلث واعطاكما لكل ثلث رغيف درهما. فأعطى (امير المؤمنين) صاحب الرغيفين وثلث سبعة دراهم (يعني بقدر ما اكل منه)واعطى صاحب الثلاث ارغفة درهما.
وفي رواية اخرى ان شخصا مات وخلف مجموعة من الابل واوصى ان يدفع نصفها لشخص وثلثها لشخص وتسعها لشخص وحين عدوا الجمال عرفوا انها سبعة عشر جملا وهي لا تقبل الكسور المشار اليها. فرفعوا الامر الى امير المؤمنين فامر بضم جمله الى هذه الجمال فاصبح المجموع ثمانية عشر جملا ثم دفع نصفها تسعة) لصاحب النصف وثلثها (ستة) لصاحب الثلث وتسعها (اثنين) لصاحب التسع وبقي جمله له. (اللهم صل على محمد وال محمد). لان تسعة زائد ستة زائد اثنين يساوي سبعة عشر وبقي الجمل الثامن عشر واسترجعه لنفسه.
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ﴿١﴾اللَّـهُ الصَّمَدُ﴿٢﴾لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴿٣﴾وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴿٤﴾

صدق الله العلي العظيم



 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم


التعديل الأخير تم بواسطة الراجي رحمة الباري ; 28-04-2017 الساعة 12:31 AM
ابو علي غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



All times are GMT +3. The time now is 07:01 PM.


Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2024