العودة   منتدى جامع الائمة الثقافي > قسم الثورة الحسينية وعطائها المتجدد > منبر مواساة الحسين عليه السلام فكرياً وثقافياً ( بحوث حسينية )

منبر مواساة الحسين عليه السلام فكرياً وثقافياً ( بحوث حسينية ) جزء يسير من المواساة من مداد أقلامنا الى أن يأذن الله ونرخص الدماء لمواساته مع إمامنا المهدي ( ع )

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
Bookmark and Share أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-10-2017, 01:28 PM   #1

 
الصورة الرمزية الاقل

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 211
تـاريخ التسجيـل : Apr 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 12,641

حسين جون مولى ابي ذر نموذج من الوفاء في عرصة كربلاء.

ما أروع ان يتصف الإنسان بالقيم النبيلة والمبادي السامية حينها سوف تتجلى الإنسانية بأجمل صورها وأبهى مناظرها، ويرتقي حاملها في السمو والرفعة حتى يغدو نجما لامعا في سماء الخلد والكمال، ومن مميزات ملحمة الطف الخالدة كثرة نجومها الذين اصبحوا منارا وقدوة للإنسانية، ومن هؤلاء النجوم الذين انكشف في الطف معدنهم الاصيل، وبان جوهرهم النفيس، سيدنا جون بن حوي الذي ضرب نموذجا رائعا من الوفاء في عرصة كربلاء.

ان المصادر التاريخية المتعرضة لذكر سيدنا جون والمتيسرة للقراء لم تتطرق لبيان سيرة حياته التفصيلية، ولكنها تطرقت اجمالا لبيان دوره النبيل في نصرة الحق واهله وخصوصا في ملحمة الطف حيث بذل كل ما يملك في خدمة ثورة الاصلاح ونصرة القائد المصلح ، وهذا بحد ذاته يكفي في كشف هوية هذا البطل الذي وصل الى مقام اصحاب الامام الحسين وختمت حياته بالشهادة في طريق الاصلاح .
وفي هذا المبحث يتم التشرف بذكره من خلال عدة نقاط والتعليق على بعضها بإيجاز وبمستوى الفهم القاصر ، عسى ان تكون محاولة في الاقتراب من هذا النبع الصافي الذي يفيض بالماء المعين والذي تفوح منه رائحة ازكى من المسك والعنبر فطوبى لمن نهل منه .

النقطة الاولى. اسمه الشريف:

ا. اشهر اسمائه الواردة في المصادر التاريخية هو:
جون مولى ابي ذر الغفاري ، فقد جاء ذكره في زيارة الناحية المقدسة بـ :
«اَلسَّلَامُ عَلَى جَوْنٍ مَوْلَى أَبِي‌ ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ».
كان سيدنا جون عبدا مملوكا للفضل بن العباس بن عبد المطلب اشتراه أمير المؤمنين عليه السلام بمائة وخمسين ديناراً، ووهبه لأبي ذر الغفاري وكان عنده متحملا معه الكثير من الصعوبات التي مر بها ابو ذر الغفاري، والتي آخرها كانت محطة نفي الربذة فقد خرج اليها معه ولازمه الى ان توفي أبو ذر سنة 32 هـ ، حينها رجع جون إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام ، بعد ان تأهل في مدرسة استاذه الجليل ابو ذر الغفاري، وبقي جون مع أمير المؤمنين عليه السلام ، حتى شهادته، ثم إلى الامام الحسن(عليه السلام)، ثم إلى الامام الحسين(عليه السلام)، وكان في بيت السجاد(عليه السلام)، قال الفتّونيّ:
«كان جون مُنضمّاً إلى أهل البيت عليهم السّلام بعد أبي ذرّ رضي الله عنه، فكان مع الحسن بن عليّ عليهما السّلام، ثمّ انضمّ إلى الحسين عليه السّلام وصَحِبَه في سفره إلى مكّة ثمّ إلى العراق»
ولعل في شهرته باسم:
جون مولى ابي ذر الغفاري، عدة نكات لطيفة والتي منه ما يلي:

1.فيه تذكير لصحابي جليل عزيز على قلوب اهل البيت (عليهم السلام)، وهو ابو ذر الغفاري.

2.ان الذي وهب جون لابي ذر هو مولانا امير المؤمنين عليه السلام ، فاصبح جون ومنذ ذلك الحين يعرف بـ جون مولى ابي ذر الغفاري، وهذا الفعل من قبل امير المؤمنين عليه السلام له حكم كثيرة ، ولكن قبل محاولة التعرف عليها من النافع الالتفات الى ان الفتوحات الاسلامية بعد استشهاد رسول الله(صلى الله عليه وآل وسلم)، قد انحرفت شيئا فشيئا عما رسمه الاسلام واختطه رسول الله من منهج ، وذلك لتدخل السياسة الدنيوية والمصالح والاطماع فيها...،مما ادى الى بروز عدد من النتائج السلبية ومنها كثرة الرقيق وازدحام سوق النخاسة بهم، والكثير من هؤلاء الرقيق كان يشعر بالغبن والظلم والحيف الذي لحقه نتيجة سوء ادارة المتسلطين على زمام الامور في الدولة الاسلامية وسوء تصرف بعض قادة الحملات العسكرية آنذاك، وبالرغم من ان الاسلام قد وضع كافة الحلول والاحكام الكفيلة بمعالجة موضوع الرق ، فقسم من الكفارات تتم عن طريق عتق رقبة، اضافة الى الاجر العظيم لمن قام بعتق رقبه، ومع ذلك تجد ان هذه الحالة استمرت لعدة قرون نتيجة استمرار احد اهم اسبابها وهي الفتوحات بالإضافة الى ان بعض الذين تم تحريرهم من الرق تحولوا الى رق من نوع آخر نتيجة افتقارهم للمسكن والمأوى والعمل والحماية...، لذا تجد ان اهل البيت عليهم السلام يقومون بتأهيل العبيد فكريا ونفسيا قبل عتقهم اضافة الى قيامهم بإعطاء حصة من الاموال لمن يعتقون رقبته ، تكفي لبدأ حياة جديدة تليق بكرامة الإنسان، وهذا من ميزات اهل البيت وهو سعيهم المتواصل في بناء الانسان ونصرته واعطائه قيمته الحقيقية التي سلبت منه نتيجة بعض الظروف السيئة، وموضوع تأهيل هؤلاء العبيد وكيفيته ومدة الفترة الزمنية للتأهيل تختلف باختلاف الافراد يقينا ومدى قابلياتهم واستعدادهم لتلقي المعارف والعلوم ومقدار تحملهم للصعاب النفسية والبدنية، وفيما يخص سيدنا جون فقد كان تأهيله عند ابي ذر الغفاري المعروف بشخصيته المثالية النادرة ، قال عنه الذهبي في ترجمته له في كتابه «سير أعلام النبلاء»:
«كان رأسًا في الزُهد، والصدق، والعلم والعمل، قوّالاً بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، على حِدّةٍ فيه».
فهو الذي جهر في بداية الدعوة بأحقية منهج الاسلام في قلب قريش وعلى مسامع جبابرتها ، ونال نتيجتها الضرب المبرح ، وأتى العباس، فأكب عليه، وقال: «ويلكم، ألستم تعلمون أنه من غفار! وأنه من طريق تجارتكم إلى الشام؟»، فأنقذه منهم، وبعد استشهاد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقف ابو ذر بوجه الظالمين ناصحا لهم ومحذرا من سوء عواقب فعلتهم، الا انهم لم يرتدعوا بل زادوا عتوا ونفورا ، وبقي ابو ذر ثابتا على نهجه الاصلاحي الرافض للظلم والفساد حتى قاموا بنفيه الى الشام ، وبالرغم من دهاء معاوية وشدة قبضته على الشام الا انه لم يتحمل وجود ابا ذر فيها فقد نغص عليه عيشته ، حينها طلب من الخليفة الثالث اخراجه من الشام وفعلا تم اخراجه ورجع الى المدينة وهو يرى ويسمع ما وصلت اليه امة المصطفى نتيجة سوء ادارة وفساد المتسلطين على زمام الامور فبالغ في تحذيرهم ونصحهم وارشادهم لما يرى ويسمع من ظلم وجور في بلاد المسلمين
وأخيرا اجمع القوم على نفيه الى الربذة والتي قضى فيها آخر ايام حياته مظلوما محروما الى ان انتقل الى جوار ربه سنة 32هـ
كان جون في هذه المسيرة رفيق الدرب لسيده ابو ذر الغفاري ومشاركا له في تحمل البلاءات حتى صقلت مواهبه وهذبت نفسه .
اذن فأمير المؤمنين عليه السلام ارسل جون الى استاذا لامعا في العلوم الالهية لكي ينهل من علومه ويتخلق بأخلاقه بعد ان اطلع وعن قرب على جوهر استاذه النفيس وشدة تقواه وورعه وكيف ان هذا الصحابي الجليل يتقوت واسرته بالقليل من عطائه وينفق الباقي على الفقراء والمحرومين ، رافضا لمختلف الإغراءات التي تقدم له من قبل الحاكم ، لثنيه عن معارضة، ولكن دون جدوى فبقى ابا ذر صلب الارادة مخلصا لدينه ومحبا للناس ورافضا للظلم والفساد ...
كل هذا وغيره جعل من جون انسانا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ومؤهل لتلقي المعارف الالهية والكمالات المعنوية من لدن المعصومين بالمباشر.
ومن جهة اخرى فان امير المؤمنين عليه السلام قد وهب خير تلميذ وتابع ومعين لابي ذر، ليخفف عنه وحشة الغربة ويشاركه في الآم تحمل حصار الظلمة، الذين ينتقدهم بشدة جهارا نهارا سيما وان ابا ذر لم يكن له ابن صلبي فكان جون بمثابة الابن له في التربية والتعليم والرعاية، والسلطة آنذاك نادرا ما تقتل مولى الانسان بجريرة سيده باعتبار اتباع المولى لسيده طبيعيا ومتعارفا، اما الابن فالموضوع مختلف فقد تتجرأ السلطة على قتله او سجنه اذا وقف مع ابيه المعارض لسياستها ، خصوصا اذا كان الابن سائرا على خطا ابيه
اذن فالصعاب التي لاقاها جون مع سيده لا يمكن لأي احد ان يتحملها يقينا وهذا كاشف عن استعداده العالي وقابلياته المتميزة .

3.احصى الشيخ محمد حسين الغروي النائيني اكثر من عشرين مجلس عزاء اقامه رسول الله لولده الحسين عليه السلام ، اضافة الى الاحاديث والروايات المتعلقة بالإمام الحسين عليه السلام وثورته الاصلاحية ، وهذا ما سمعه جل الصحابة ناهيك عن الاحاديث الخاصة التي يجود بها المعصومين عليهم السلام على الخلص من الصحابة
اذن فأبي ذر كان حتما يتمنى ان يكون من انصار المعصوم في حالة خروجه لطلب الاصلاح ، وبما ان اجله سوف يحين قبل موعد الخروج فقد وهبه الامام شخص يؤهله لحمل نفسا من انفاسه، وجهدا من جهوده، وثمرة من ثماره في ملحمة الطف الخالدة ، فأهل البيت عليهم السلام يراعون شيعتهم بصورة كبيرة جدا قد لا نعقل حدودها ويهتمون بهم الاهتمام العالي ، ويحرصون على بقاء حبل خيرهم ممدود في الدنيا والآخرة .

ب. اسمائه الاخرى الواردة في المصادر التاريخية :

1: جون، (أبو الفرج الأصفهاني والشيخ الطوسي والسيد بن طاووس)
2:جوين(الارشاد للشيخ المفيد، ج2، ص93)
3:جوين أبي مالك(مناقب ابن شهر آشوب، ج4، ص103)
4:حويّ(أنساب الأشراف، البلاذري، ج3، ص196.تاريخ الطبري،ج4، ص420).
5:جون بن حويّ، جون بن حريّ (محمد الريشهري ،الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام ، الجزء : 1 صفحة : 713)

النقطة الثانية. اعطاء الامام الحسين عليه السلام الاذن لمعسكره بالانصراف.

ا. الاذن العام من الامام الحسين عليه السلام لمعسكره بالانصراف.
عندما اعلن الامام الحسين(عليه السلام)، الخروج طلبا للإصلاح في امة جده رسول الله(صلى الله علي وآله وسلم)، التحق جون بقافلة ثورة الاصلاح ، وبقي مع الامام الحسين عليه السلام طيلة رحلة القافلة الى ان استقرت في عرصة كربلاء وفي عشية يوم الخميس لتسع خلون من المحرم أي قبل الفاجعة بليلة واحدة ، وحينما اجتمع المعسكر الحسيني ، اعطى الامام الحسين عليه السلام اذناً عاما لجميع اهل بيته وانصاره بالانصراف قائلا لهم :
اثني على الله أحسن الثناء واحمده على السراء والضراء اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ولم تجعلنا من المشركين ، أما بعد فاني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت ابر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعا ، وقد أخبرني جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأني سأساق إلى العراق فأنزل ارض يقال لها عمورا وكربلا وفيها استشهد وقد قرب الموعد ألا واني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا واني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا خيرا ، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فان القوم إنما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري .
ويمكن ان يستشف الفرد من هذا الاذن العام:

1.ان الامام الحسين(عليه السلام)، جعل من نفسه الطاهرة فداءً للإنسانية وقيمها النبيلة ومضحيا بنفسه من اجل الحفاظ على حياة وكرامة الانسان لأنه قائد مصلح والفداء من سماته اكيدا .
وفي الجانب الآخر وجد اهل المعسكر الحسيني ان مثل هذا القائد المصلح الذي يبتغي خير البشرية وصلاحها واصلاحها ...، ينبغي ان يؤيد وينصر لأنه الانسان الكامل والاب الحنون الذي لا ينبغي ان يترك في مواقف الشدة وان اقتضى الامر التضحية بالغالي والنفيس من اجله وقد اجمعوا على هذا القرار واعلنوه بمليء الفم .

2.ان الامام الحسين عليه السلام في اذنه العام قد جمع معسكره بأجمعه على قدم المسواة ولم يفرق بين اهل بيته وانصاره ، او القادة الاحرار والعبيد الموالي واعطاهم اذنه العام ، وفي هذا درس للأجيال في المساواة والعدالة الاجتماعية.

ب. الاذن الخاص من الامام الحسين عليه السلام لبعض افراد معسكره بالانصراف.
بعد الاذن العام ، اعطى الامام الحسين عليه السلام اذنا خاصا لبعض افراد معسكره، والذين منهم سيدنا جون، فحينما رآه الامام الحسين عليه السلام، قال له : أنت في إذْنٍ منّي، فإنّما تَبِعْتَنا طلباً للعافية، فلا تَبْتَلِ بطريقنا.
وقبل محاولة التعرف على بعض المعاني التي يمكن للفرد ان يستشفها من الاذن الخاص الذي منحه الامام الحسين(عليه السلام)، لبعض انصاره من النافع معرفة بعض المعاني اللغوية لمفردات كلمة الامام الحسين(عليه السلام)، لجون التي رويت عنه انه(عليه السلام )،قالها في اذنه الخاص.
... فإنّما تَبِعْتَنا طلباً للعافية، فلا تَبْتَلِ بطريقنا.

انّما: حرف: أداة حصر مركّبة من ( إنّ )( ما ) الكافَّة الزائدة التي منعتها من العمل ، وتفيد التوكيد.

تبعتنا، اِتِّباع):اسم) ، مصدر إِتَّبَعَ
اتَّبَعَ الإِمامَ : حذا حَذْوَه، واِقْتفى أَثَرِهِ ، وسار عَلَى نَهْجِهِ

طلبا: طَلَبَ: (فعل)
طلَب المجدَ : سعى للحصول عليه ، توخَّاه ، نشَده

للعافية: عَافِيَة: (اسم)، مصدر عافَى، والعَافِيَةُ : الصحَّةُ التامَّة، عكْسها بلاء

ابتَلَى: (فعل)، اِبْتَلاَهُ : اِخْتَبَرَهُ واِمْتَحَنَهُ

طريقنا: طَريق: (اسم)، الجمع : طُرُق ، والطريق : هو السبيل الواسع والمسلك ، والمَسَار .

والآن نحاول معرفة بعض المعاني التي يمكن للفرد ان يستشفها من الاذن الخاص والتي منها ما يلي:

1.قد يراد منه اظهار ميزة من ميزات هؤلاء المخلصين المجهولين عند عامة الناس والذين اكتفوا بأجوبة من سبقوهم بالكلام في حضرة الامام الحسين عليه السلام ، لأنهم رأوها عين اجوبتهم التي خالجت وجدانهم واقرتها عقولهم .
2. زيادة في اجر هؤلاء المخلصين.
3.اظهار كلماتهم للناس لما فيها من نفع في تربيتهم وتكاملهم.
4.لكي لا يبقى مجال لمشكك في نوايا جون وانه قد يكون مجبر على البقاء كونه من موالي اهل البيت(عليهم السلام).
5. ان المعصوم يعطينا درسا عمليا في احترام الإنسان ومراعاة مشاعره في ادق الحالات مهما كانت الظروف صعبه ففي بعض المواقف الحرجة الخطيرة التي فيها شيء من التشابه في شدة وهول ليلة عاشوراء وقبل زحف جيش العدو لتطويق معسكر الامام الحسين عليه السلام ، وعندما يعطي القائد الاذن العام لأنصاره بالانصراف ليتحمل القائد بنفسه فقط المسؤولية وما يترتب عليها من عواقب ، وتتكلم فئه من معسكره بان قرارها البقاء مع القائد ونصرته واستعدادها الكامل لتحمل المسؤولية مهما كانت العواقب
فهنا المعصوم يبعث للأجيال الانسانية رسالة وخصوصا قادتها، بان على القائد الانساني ان يكون ابا ومصلحا ومربيا ...، ويشكر الذين اعلنوا بقائهم معه في نصرته مهما كانت العواقب ، وفي نفس الوقت عليه ان يلتفت الى الذين لم يتكلموا في محظره لاحتمال تأثير قيد من القيود على اجابتهم كقيد الرق وما يشبهه او قيد اسر الابن وما يشبهه...، فيستحون ان يتكلموا بالمحفل العام بما ينافي المروءة والوفاء حينئذ يتكلم معهم القائد على انفراد ويعطيهم الاذن بالانصراف رافعا عنهم الاحراجات، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على رائعة من روائع الانسانية النبيلة ، فليس المهم عند القائد الانسان كثرة الذين يقتلون معه من اجل نصرته ، بل المهم عنده بنائهم وتكاملهم وتربيتهم وتعليمهم ورقيهم الانساني.

النقطة الثالثة : نموذج الوفاء.

ا. القصد من نموذج الوفاء في هذا المبحث.
نموذج الوفاء المعني بهذا المبحث هو جواب سيدنا جون في محضر الامام الحسين(عليه السلام) والذي اجاب به بعد سماعه للاذن الخاص بالانصراف، فقد قال سيدنا جون:
يا ابن رسول الله، أنا في الرخاء ألحَسُ قِصاعَكم وفي الشدّة أخذُلُكم؟! واللهِ إنّ ريحي لَنتِن، وإنّ حَسَبي لَلئيم، ولوني لأسوَد، فتَنَفّسْ علَيّ بالجنّة فتطيبَ ريحي، ويَشرُفَ حَسَبي، ويَبيضَّ وجهي، لا واللهِ لا أُفارقُكم حتّى يختلطَ هذا الدمُ الأسود مع دمائكم.

والمتأمل في هذا الجواب يجد فيه معاني كثيرة والتي منها ما يلي:

1.فيه درس متكامل للأجيال في كيفية مخاطبة المعصوم حيث ان جون في جوابه مع المعصوم لم يشير الى اي قيمة واهمية لنفسه اطلاقا بل قدم احتياجه وافتقاره في محظر المعصوم اضافة الى ما فيه من جوانب تربوية اخرى رائعة للأجيال في كيفية مخاطبة المعلم والمربي والطبيب والاب والام ...

2.فيه نموذج عالي من الوفاء ورد الجميل على من احسن اليك ورعاك حينما يبين لنا جون ان أهل البيت عليهم السلام الذين اغدقوا عليه بالعطاء والنعم في الرخاء لا يمكن له ان يخذلهم بالشدة ، لأن من معاني الوفاء ، هو الاخلاص والاعتراف بالجميل
فان دل هذا على شيء فإنما يدل على الدرجة الرفيعة التي وصل اليها سيدنا جون من التكامل وتهذيب النفس ومدى صواب قراره حينما اعطي الاستقلال والحرية باتخاذ قراره.

3.فيه كشف لقوة ايمانه وشدة يقينه بالإمام المعصوم بانه ولي الله حقا وحجته البالغة وان الجنة بيده، وان هذه المعركة هي معركة الحق ضد الباطل ومعركة الاصلاح ضد الفساد.

ب. حسن خاتمة حياة سيدنا جون مولى ابي ذر الغفاري.

بعد ان أخذ أصحاب الامام الحسين(عليه السّلام)، يبرزون واحداً واحداً أو اثنين اثنين، برز جون يستأذن الامام الحسين عليه السّلام، فأذِن له، فحمَلَ جون وهو يرتجز ويقول:
كيف تَرى الفُجّارُ ضَربَ الأسْودِ بالمـشـرفـيِّ القـاطعِ المُـهنَّدِ
أحمـي الخيـارَ مِن بنـي محمّدِ أذُبُّ عنـهم بـاللـسـانِ واليـدِ
أرجو بذاك الفـوزَ عندَ المـوردِ مِـن الإلهِ الـواحدِ المـوحَّدِ
فقَتَل جونٌ خمسةً وعشرين رجلاً من الأعداء. حتّى تعطّفوا عليه فقتلوه رحمه الله. فجاءه الإمام الحسين عليه السّلام ووقف عليه قائلاً:
«اللهمّ بَيِّضْ وجهَه، وطَيِّبْ ريحَه، واحشُرْه مع محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وعَرِّفْ بينه وبين آل محمّد عليهم السّلام».

وهنا تجد ان سيدنا جون(عليه السلام)، قد حصل على تكريم عالي من لدن المعصوم (عليه افضل الصلاة واتم التسليم)، حيث وقف عليه الامام ، وأبنه ودعا له بدعاء خاص تحقق مباشرة فكانت له خصوصية في ملحمة الطف بالرغم من تخمة خصوصياتها وعظيم احداثها فتحول لون جسده من الاسود الى الابيض وكانت تفوح منه رائحة ازكى من المسك والعنبر، وهنا يمكن لنا ان نستشف بعض المعاني والتي منها :
1.البياض هو مرتكز ذهني للطهارة وتحول الخلقة بعد الموت لها قيمة رائعة بمعنى ان ثورة الامام الحسين عليه السلام، طاهرة في باطنها ومن ادلة ذلك استحالة بشرة احد ثوارها من السواد الى البياض، اي ان جنبه من حقيقتها التطهيرية قد خرجت في هذا التحول وان هذا التحول ليس مرضي او سلبي بدلالة الرائحة الزكية العطرة ، فكان البياض هنا ثمرة من ثمرات الاصلاح واثره المادي.

2.هي رسالة من الغيب على رسوخ قدم هذه الثورة ومدى حقانيتها ، وعظيم نتائج ثمراتها وانه مهما كانت حالة الفرد والمجتمع متردية وكثيرة القيود والمشاكل ، فانه سوف يتم معالجتها بنحو اكثر من المتوقع اذا انقادت الانقياد الصحيح للمصلح.
.

النقطة الرابعة. نتائج المبحث.

1.ان الانسان قيمة عليا يجب احترام مشاعره وحفظ كرامته ويجب الوقوف بوجه كل من ينتهك حقوقه.
2.من الضروري ان يتأهل الفرد والمجتمع علما واخلاقا حينها سيكون قادرا على اتخاذ القرار الصائب المستقل مهما كانت الظروف صعبة، حينها سوف لن يتمكن الفاسدين من سلب حقوقه.
3.يجب ان لا تكون القيود التي لحقت ببعض الافراد والمجتمع ، عائق ومعرقل امام نيل مطالبه وانتزاع حقوقه.
4.ان الانقياد والتسليم لنصائح وتوجيهات المصلح كفيلة بعلاج امراض الفرد والمجتمع مهما كانت كثيرة وعميقة.
5.كلما زاد ايمان الفرد بمنهج الحق وجه الحق خف ثقل اهوال المسير وصعابه من على كاهله.
6.سوف يرى الفرد والمجتمع ثمرة ونتيجة اتباعه للمصلح في الدنيا قبل الاخرة.
7.سوف تبقى ثورة الامام الحسين بيضاء نقية لا شائبة فيها وطاهرة زكية مادامت السماوات وارضين وسوف تزيح طهارتها كل الانجاس التي لحقت بالأرض ومن عليها نتيجة فساد المفسدين.

من مصادر ومراجع المبحث:
1.أعيان الشيعة، السيد محسن الامين.
2.نفس المهموم في مصيبة سيدنا الحسين المظلوم، الشيخ عباس القمي.
3. الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء وأصحابه عليهم السّلام، محمد الريشهري.
4.ذخيرة الدارين فيما يتعلق بمصائب الحسين(ع)، جمعی از نویسندگان.
5. إبصار العين في أنصار الحسين، الشيخ محمّد بن طاهر السَّماويّ.
6.اللهوف ،السيد بن طاووس. الارشاد ، للشيخ المفيد. مناقب ابن شهر آشوب.
7.أنساب الأشراف، البلاذري، تاريخ الطبري.
8. سير أعلام النبلاء، الذهبي. مقاتل الطالبيين ، ابو الفرج الاصفهاني.
9. معجم المعاني الجامع ، معجم عربي عربي. المعجم الوسيط . معجم اللغة العربية المعاصر . المعجم الوسيط .معجم الرائد.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
الاقل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-10-2017, 04:20 PM   #2

 
الصورة الرمزية الاستاذ

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 13,247

افتراضي رد: جون مولى ابي ذر نموذج من الوفاء في عرصة كربلاء.

اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن عدوهم
أحسنتم وجزاكم الله تعالى خير الجزاء

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن عدوهم
الاستاذ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
جون، مولى ابي ذر

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



All times are GMT +3. The time now is 01:38 AM.


Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2024