العودة   منتدى جامع الائمة الثقافي > قسم الثورة الحسينية وعطائها المتجدد > منبر مواساة الحسين عليه السلام فكرياً وثقافياً ( بحوث حسينية )

منبر مواساة الحسين عليه السلام فكرياً وثقافياً ( بحوث حسينية ) جزء يسير من المواساة من مداد أقلامنا الى أن يأذن الله ونرخص الدماء لمواساته مع إمامنا المهدي ( ع )

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
Bookmark and Share أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-01-2013, 09:15 PM   #1

 
الصورة الرمزية أبو الفضل

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : Aug 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 5,427

حصري اطروحات بالمصطلحات الحديثة ورؤى جديدة عن ثورة وشخصية الامام الحسين (عليه السلام) بقلم وإفاضات سماحة السيدالقائد مقتدى الصدر(دام عزه وتايده)

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تتشرف شبكة ومنتديات جامع الأئمة (عليهم السلام ) الإسلامية بإن تزين جنبات منبر ( مواساة الإمام الحسين عليه السلام فكرياً وثقافياً ) بالبحث القيم لسماحة القائد الحبيب السيدمقتدى الصدرأعزه الله ونصره الموسوم
( إطروحات بالمصطلحات الحديثة ورؤى جديدة عن ثورة وشخصية الامام الحسين عليه السلام)
والذي القي من على منابر صلوات الجمعة المباركة في شهر محرم الحرام لعام 1434 ومساهمة منا في مواصلة النشر نصرة للحق وأهله نقدم هذا الجهد المتواضع سائلين الله جل شأنه ان يوفقنا للثبات في السير على نهج الشهيدين الصدرين تحت راية قائدنا الهمام السيد القائدمقتدى الصدر ( أدام الله تأييده ) .
بسم الله الرحمن الرحيم

لعلَّ الخطأ الشائع بين الأغلب الأعم ممن أرادوا نشـر الوعي الحسيني الصحيح، أو لعل الأعم الأغلب منهم وقعوا باشتباه في نشرهم ودعوتهم لتلك الشخصية العظيمة التي من أعظم صفاتها العصمة والإباء والتَّضحية .... وهذا فيضٌ من غيظ، وليس مثلي بل وليس مثل أي أحد غير معصوم يستطيع أن يحصي صفاته سلام الله عليه.



وقد وقع الأغلب في اشتباه قد أعتبره كبيراً، ألا وهو بيان تفاصيل الحرب التي خاضها الإمام الحسين (ع) وهي على الرغم من أنها ذات أهمية كبرى لا يجب التَّغافُل عنها، إلا أن الأهم في الحرب التي خاضها الإمام الحسين (ع) وأصحابه وآله، أنهم أرادوها مدرسة، وأرادوها منهلاً ننهل منه ونتعلم منه.



فلعلَّ قيادة الحروب لا تقتصر عليه، ولا على المعصوم، بل الكثير ممن حاربوا إما على حق أو على باطل، والكل بين خاسر وبين منتصر.... إلا أن الأهم في البين وعلى الرغم من اعتراف الجميع بأن الإمام الحسين قائد عظيم، لكنهم تغافلوا عن أمور تُظهِر عظمته. إضافة إلى أمر مهم آخر،
وهو أننا لا يجب علينا كمُحبِّين، أن نجعل الإمام الحسين (ع) كغيره من القادة العسكريين أو الأعم من ذلك، بل لا بد من أن نُظهِرَهُ كأتباع بأنه سيد القادة ومدرسة للقادة، وليس قائداً فقط.



بل ولا يجب علينا أن نُضَيِّـقَ الخناق على قيادته (إن جاز التعبير) فإن قيادته قد ضُيِّقَت من عدة جهات، منها:-



أولاً: جعلها قيادة عسكرية محضة، وذلك من خلال ذكر التفاصيل التي دارت في معركة الطف، ما بين فسطاط الحق والجهة الأخرى المتمثلة بالباطل، كما نحن نُقِرُّ بذلك والجميع على ذلك.



ثانياً: أنها جُعلَت طائفية بالمصطلح الحديث، أو أنها حرب بين عقيدتين، أو بين جهتين ذات صِدامٍ شخصـي أو حرب على السلطة، وهذا وإن كان واضح البطلان عند البعض، إلا أنه ذا ضبابية عند الآخرين، فلا يجب التَّغافُل عنه، بل لا بد من العمل على تفهيم القواعد الشعبية على ذلك، خصوصاً بعد أن نعلم أن الإمام الحسين ليس حكراً على جهة معينة دون أخرى، بل هو قائد إنساني، أعني لكل الإنسانية جمعاء، فإن هدفه إحلال السلام من خلال إحلال الإسلام الحقيقي وبوجهه الوضّاء، لا الوجه الآخر الـمُتَّسخ والمتَّشح بالظلام.



بل ويمكن أن نذكر نقطة ثالثة في مقامنا هذا: فإن مَحوَرَةَ البعض للحرب التي قادها الإمام الحسين، وتضييق الخناق عليها لجعلها في كربلاء أو في أرض الطف فقط، على الرغم من كونها واقعة تاريخية لكنها ذات عِضَة عامة، ولذا ورد (كلُّ أرضٍ كربلاء).



فإننا نستطيع أن نقول ولو كأطروحة أن كربلاء أم القرى بالنسبة لمحبي الإمام الحسين، والذين يريدون السير على نهجه من الثوار والمجاهدين والمقاومين للباطل واهل الباطل في كل زمان ومكان، فإن أم القرى وما حولها كلُّها طَفٌّ وكلُّها كربلاء، تعجُّ بالظالمين وبأهل الحق دائماً وأبداً....



عموماً، فليس الحسين لشيعته فقط، ولا الحسين للحرب فقط، وليس الحسين في كربلاء فقط، وليس في الطف فقط، وليس في سنة أو زمان واحد، بل في كل الأزمنة.



ولذا فإنني أريد تسليط الضوء على (الإمام الحسين) (ع) باعتباره مدرسة لكل الأجيال بكل الطوائف والأديان، عبر مرِّ العصور والأزمان، وأنَّ كل مَن مَحْوَرَ أو ضَيَّـقَ فهو خاطئٌ وعليه إصلاح ذلك الخطأ.



ومما يمكننا أن نستنبطه من سيرته عموماً ومن حربه خصوصاً، الكثير، إلا أننا وفي هذه المحاضرات يمكننا تسليط الضوء على بعضها، وإنما سلطت الضوء على (معركة الطف) لا لكي أقع في نفس المحذور الذي قلته قبل قليل، من تضييق الخناق على ثورة الإمام الحسين بل لأُثبت لمن ضَيَّـقَ أنها واسعة ولا يحقُّ له التضييق، ولذا فإنني في بادئ الأمر لم أرِد كتابة أو إلقاء تلك المحاضرات في شهر محرم الحرام، لكي لا يكون حصراً لثورة الإمام (ع) وذكره في محرم الحرام، دون غيره من الأشهر.



فإنه وكما يجب الصوم في شهر رمضان حصـراً، إلا أنه يستحب في كل أيام السنة تقريباً، فكذلك أحفاد من نزل القرآن في ديارهم، فإن ذكره -أعني الإمام الحسين- وإن كان واجباً في محرم الحرام إلا أنه لا يُعقَل التَّغافُل عنه بغير هذا الشهر العظيم، وليعلم الجميع أن في ذكره رحمةً للذاكر لا للمذكور بطبيعة الحال، لكن لا لكل ذاكر، بل لمن يذكر الحقائق ويجعلها بين يدي الناس بما يفهمون.



فليس كل من تُسـرَد عليه (واقعة الطف) أو ثورة الإمام الحسين (ع) أو الحرب التي قادها، سيفهم منها العِبَر والمواقف الجليلة، بل سيمرُّ عليها كحربٍ عسكرية، وكقائد عسكري محضٍ، لا يفهم منها المغازي الحقيقية والمواعظ المطلوب فهمها مع شديد الأسف، ولا سيما أن البعض تحكمه العاطفة دون التعقُّل والفهم.



وقبل الخوض بالموضوع الأساسي، ألا وهو أخذ العِبَر العامة من تلك الثورة، يجب أن نعلم أن الإمام الحسين (ع) ذاك القائد المعصوم الذي نَهَلَ من الدوحة المحمدية، كما لم ينهل من قبله أحدٍ إلا أمه وأبيه وأخيه سلام الله عليهم، فلا يمكن القول أن تلك الثورة عبثية أو أنها إلقاء للنفس في التَّهلُكَة، أو أنها محضُ حربٍ شخصية أو دنيوية.



فليس حفيد الدوحة المحمدية من يتصارع على الدنيا، وليس مثله وهو المعصوم أن يبحث عن حل مشاكله مع الآخرين عبر السلاح، وليس مثله وهو الذي قال فيه الرسول الأعظم (ص): «حسين مني وأنا من حسين»، ليس مثله يكون لأحدٍ دون آخر، بل إن ثورته وإن اكتنفت بعض المخاطر، إلا أنها ذات ثمار لا زلنا نقطف منها وستكون كذلك إلى الأبد، فإن ثمارها ذات فوائد جمّة على الصعيد الديني والدنيوي وتطبيقاً للحكم الشرعي الذي خاف الحسين (ع) من اندثاره، لأنه كان بأيدٍ غير أمينة والعياذ بالله.... ولأن من أخذ بزمام القيادة كان بعيداً كل البُعد عن الوحي والرسالة والرسول.



ورجوعاً للموضوع نقول: أن هناك بعض العِبَر العامة التي يمكن استنباطها من خلال ثورة الإمام الحسين (ع) ولكني سوف أخوض بهذا الموضوع بأسلوب حديث، أعني باللغة أو الإصطلاحات الحديثة وفي خِضَمِّ الفهم الحالي، وليس بأسلوب قديم نسبياً، فإني إن فعلت ذلك بأسلوب قديم أكون قد ضَيَّقتُ الخناق على ثورة الإمام الحسين (ع) وجعلته للقرون السابقة دون الحالية واللاحقة.



العِبرَة الأولى:- لعلَّنا وإياكم قد سمعنا بإحدى المصطلحات الحديثة القائلة بما فحواه: بالحرب العادلة، وهذا مصطلح حديث سنَّتهُ بعض الدول والقوانين والأنظمة، من أجل التَّفرِقة بين الحروب الظالمة والعادلة، فإن العالم الحديث قد انجرف بحروب عمياء كثيرة بما لا يعدُّ ولا يحصى، وذهب خلالها الآلاف بل الملايين فهي حصدت ولا زالت تحصد بالأنفس والأرواح وتُزهِقَها، وخلّفت الكثير من الأضرار، ونَجَمَ عنها الكثير من المفاسد وما إلى ذلك.



لكن هذه المفاسد بنظر البعض محاسن، وهذا الخلاف يعتبر متجذِّراً، ولذا فإن الحل في وضع أسس للحرب من خلالها تكون الحرب عادلة وذات هدف سامٍ، ومع الإخلال بتلك الأُسُس أو القواعد أو حتى الشروط فإنها ستكون ظالمة لا محالة -طبعاً طبقاً لتلك الأُسُس الوضعية- والتي وضعت مؤخراً.



فإن تلك الأُسُس التي وضعت من قبل أناس لا يَمُتُّون إلى العصمة بصلةٍ، لا من بعيد ولا من قريب، بل العكس تماماً، فقد جاءت بأزمنة متأخرة بعد أن عاثت الحروب في العالم بأسره فساداً وظلماً وتقتيلاً وتهجيراً وسبياً وأسراً، وما إلى ذلك من الوقائع التاريخية للحروب.



فيمكننا القول بأن تلك الحلول أو الأسس التي وُضِعَت وسُنَّت لتقنين الحروب قد جاءت متأخرة جداً، إضافة إلى أمر مهم آخر، وهو أنهم سيُعمِلون تلك الأُسُس حسب شهواتهم وميولاتهم ومصالحهم ليس إلا، وخصوصاً بعد أن تضرَّروا منها، أعني تضرُّر دول الحروب والإستكبار العالمي منها.



فلعل بعض القوانين التي يسُنُّها أمثالهم، أنها جُعلَت لمصالح شخصية كما في محاربة الإرهاب، فإنه لم يوضع مفهوماً (دولياً) للإرهاب حتى يتم محاربته إن كان إرهاباً، وتجنُّب الحرب معه إن لم يكن إرهاباً...



ولعل من تلك الأُسُس عدم هدم دور العبادة مطلقاً، وعدم قتل السفراء والأسرى والرُّسل والوفود والنساء والكهول والأطفال، بل وعدم ضرب مصالح الشعب الخدمية وما شابه ذلك، وطبعاً على الرغم من خُبث سريرة الواضع الحالي وجَرِّهِ النار إلى قرصه، لكن لا ينبغي أن نُنكر أو نطعن بصحة هذه الأمور عقلاً ونقلاً، فكلها أمور إنسانية بحتة يجب تجنبها في الحروب مطلقاً، بل وخارجها أيضاً.



وبتعبير آخر، فإنه بغض النظر عن من سنَّ هذه القوانين، فإننا لا يمكننا التغاضي عنها بأي نحو من الأنحاء، فإنه قد يصدر الحق من أهل الباطل بعد أن يذعنوا به أو يضطروا إليه، كما ينطق الحق على لسان الباطل، وهذه القوانين التي سَنُّوها لتقنين الحروب وتنظيمها، هي ليست قوانين وضعية قد تغافل عنها الإسلام على الإطلاق، بل هي ذات منشأ إسلامي قد خُطَّ وأُسِّسَ له قبل تأسيس تلك القواعد الوضعية والقوانين الحديثة بزمن طويل جداً، فإن السير إلى تقنين وتنظيم و(أَنْسَنَةِ) كل شيء حتى الحروب إنما هو أمر إسلامي محض، بل هو عقلي إنساني لا شوب فيه، وكذلك سَنُّ الحروب ضد (الإرهاب) إنما هو عقلي بغض النظر عن تعريفه في مقامنا هذا.



لكن المهم في تقنين الحروب وشنها ضد (الإرهاب) لا يَمتُّ إلى القوانين الوضعية أو الغربية ولا الحداثوية والحضارية بصلة أبداً، بل هو ما سار عليه قادتنا وسادتنا المعصومين  وكذلك الإمام الحسين (ع) في معركته وثورته ضد الظلم والطغيان.



فإن الإمام الحسين (ع) هو القائل: (ما خرجت أشراً....) إلى آخر قوله (ع) يعني ما خرجت أشراً ولا إرهاباً ولا ظلماً، بل خرجت حقاً وصدقاً وعدلاً. وهو القائل أيضاً: (لا أرى الحياة مع الظالمين إلا برماً)، يعني أن من يواجههم، إنما يواجههم لكونهم ظَلَمَة، وليس لأسباب شخصية أو فئوية على الإطلاق.



وإنه وعلى الرغم من أن الإرهاب والظلم لم يُتَّفَق عليه لا سابقاً ولا لاحقاً لأمور عديدة لا يمكننا الخوض بها، فإنه خروج عن الموضوع، إلا أن المسلَّم به عند الكثير أن الإرهاب لا يصدر من الشعوب كشعوب، بل من الأنظمة والتنظيمات التي قد تأخذ على عاتقها إرهاب الناس والشعوب، عبر القتل والتفخيخ والحروب والإحتلال، وأما الشعوب فهي على حق دائماً إذا اجتمعت على ذلك بغض النظر عن العقيدة أو الطائفة.



وما بين أيدينا من الثورات فيه دليل على ذلك، ولذا فإنها قد انتصرت في أغلب الأماكن لأنها كانت من الشعوب كشعوب، لا كتنظيمات أو تحزُّبات أو ما شابه ذلك. وحسب فهمي فإن الإمام الحسين(ع) كان ولا يزال يُمثِّل الشعوب المظلومة التي أخذت على عاتقها الخروج من الخنوع والذُّل، ولذا صاح(ع) صيحته المشهورة: (هيهات منا الذلة).



فكان سلام الله عليه صوت الشعب الهادر الذي سلك كلَّ الطرق لإنهاء الظلم، ولم يبقَ له إلا (إسقاط النظام) فإن الشعب في حينها قرر وأرسل الرسائل له سلام الله عليه لإسقاط النظام، فهبَّ هو ومن معه بوجه الإرهاب والظلم، أو قل هبَّ ضد دولة الإرهاب، مُتناسياً كل المصاعب، كما تناست شعوبنا الآن كل المخاوف وانتصر وانتصرت.



ولم تَكُ ثورة الحسين من أجل الحرب فقط، بل من أجل أن تكون مدرسة للشعوب عبر مرِّ السنين في رفض الباطل، وفي أنها مدرسة الإباء والتضحية، ولم تكُ في ثورتهم وحربهم جَزُّ رؤوس أو اعتداء على نساء أو أطفال أو أسير أو سفير، كما سَنَّت الإنسانية قوانينها ورضي بها الإمام الحسين (ع) وطبَّقها في حربه على الرغم من أن الطرف الآخر لم يَعِيَها ولم يفهمها ولم يُطبِّقها على الإطلاق، فقد خَرَّت رؤوسهم وقُطِّعت أجسادهم وذُبحت أطفالهم وسُبيت نساؤهم وهُدِّمت خيامهم وبيوتهم، فأُرعبوا وأُرهبوا من لدن إرهاب تحت طائلة ومظلة الدولة والقانون الذي وضع من طرف واحد، وبلا رجوع للأسس المنطقية والعقلية ولا الشعبية على الإطلاق وكانت بعيدة عن سنن الإسلام.



إذن فمن العبر التي يمكن الإستفادة منها من ثورة الحسين بخصوص هذه النقطة ما يلي:-



أولاً: عدم الدخول بالحروب الظالمة تحت قيادة فاسدة، بل إن كان ولا بد، فإن الفرد يجب عليه أن يكون من ضمن الطرف الحق الذي يخوض الحرب العادلة، وهو أمر نسبي أو كما قال أمير المؤمنين(ع) : «ما اختلفت رايتان إلا وكانت إحداهما على حق».



ثانياً: إن الحروب العادلة هي التي يخطها المعصوم أو الشعوب لا غير، بشرط أن تكون ضد الظلم والطغيان والإستبداد.



ثالثاً: إن الحروب العادلة هي التي تتحلّى بروح الإنسانية وحسب قوانينها وقوانين العقل الصحيحة، وإلا فقد تكون ظالمة من بعض الوجوه.



رابعاً: إن الإمام الحسين (ع) قائد إنساني لم يَهِنُ ولم يَضعُف، ولم يستعمل الأساليب الظلمانية حتى مع أعدائه الذين حاربوه بإرهاب وعنف.



خامساً: إن الإمام الحسين (ع) قائدُ سلام، وإن شَنَّ الحروب، فهو الذي جعل أو طبَّق أُسُس الإنسانية في حروبه، وسار عليه مَن خلفه من المحبِّين، بل وخارج هذا النطاق أيضاً باعتباره قائداً للجميع.



هذه النقاط وغيرها مما يمكن استنتاجه من وحي الحسين (ع) وثورته، وهي ما يجب أن يتحلى به كل محبِّي الحسين وجده وأمه وأبيه وأخية وذريته، وعليه فلا يمكن أن يَزُجَّ المرء نفسه بحرب عادلة، لكنه لا يتبع خطوات الإمام الحسين التي قام بها، لتكون حربه حرب عادلة بمعنى الكلمة ولا يشوبها ظلم وأذى.



العبرة الثانية: وعلى غرار النقطة الأولى لكونها باللغة الحديثة واصطلاحاتها الدارجة والمعمول بها في زماننا هذا، من أمور وضعية وغربية قد سَنَّها البعض لجعل العالم أكثر أمناً كما يُعبِّرون، أو لأمور أخرى يمكن القول بأنها (العولمة).



والعولمة كما تعلمون: هي جعل العالم كقرية صغيرة بيد جهةٍ معيَّنة، قد تكون معلومة عندنا وعندكم وهو الإستكبار العالمي عموماً، فجعلت تلك الدول من كل الأنظمة والقوانين بل وكل التجمعات الأممية والدولية، نهراً يصب في حوضها وصالحها أينما كان وبلا استثناء، لكي تتجنَّب كل المخاطر الـمُحدِقة بها من هنا وهناك.



وقد يحاول البعض منهم جعل (الشرعية الدولية) لصالحه، ولو في واقعة معينة أو حرب معينة كي تكون تلك الشرعية الدولية سنداً له، وعوناً على آثامه وأفعاله الـمُشِينة كما هو المعلوم، والأدهى من ذلك أن تلك الخدعة قد تَنطَلي على البعض ويؤمن بشرعية أفعالهم وما شابه ذلك.



ولعلَّ الكثير ممن لم ولن يؤمنوا بما سماه الغرب (الشـرعيَّة الدَّولية) ولذا قد يحاولون الخروج عنها بصورة أو أخرى، وذلك لأسباب عديدة ليس العِناد أو عدم التَّحَضُّر منها في شيء، ومن الأسباب التي دعت هؤلاء الثُّلَّة إلى الخروج عن تلكم الشرعية الـمُدَّعاة هي:



أولاً: إنَّ تلك الشرعية خارجة عن قواعد العقل، وتتنافى مع أبسط قواعده، فإن من المعلوم أن تلك الشرعية قد تستند على إنقاذ الشعوب، بَيْدَ أنَّ إنقاذ الشعوب لا يكون بالإحتلال على الإطلاق، بمعنى أن تلك الشرعية إما أن تتنافى مع القواعد العقلية، أو أنها تُناقِض القواعد التي تَسُنُّها، وكِلا الأمرين غير مقبول على الإطلاق.



ثانياً: إن تلك الشرعية الدولية جاءت لفرض سيطرة بعض الأمم على بعضها الآخر من خلال الحروب والإحتلال، وهذا ما لا ترتضيه الشعوب المؤمنة بقضيتها أياً كانت، سواء كانت من داخل الإسلام أم خارجه... ولذا فإن تلك الشرعية الـمُدَّعاة إنما جاءت مُناقِضَةً لرأي الشعوب كما هو واضح.



ثالثاً: إنَّ مَنْ خَطَّ تلك الشرعية الـمُدَّعاة وسَنَّها، هي مجموعة من الدول التي قد ينعتها البعض بـ(الدول العظمى) أو الكبرى أو أي تعبير مُشابه لذلك، مُتناسيةً كل الدول الأخرى، بل وقد وضعتها خلف ظهرها كما يعبرون، وهذا ما لا يجعل للشرعية الدولية الـمُدَّعاة أي مقبولية من لَدُن الدول الفقيرة أو التي أقل منها بقليل أو أكثر منها بقليل... وما أكثرها بطبيعة الحال.



رابعاً: إنَّ تلك الشرعية الدولية قد سَنَّت قوانين تتوافق مع مُتطلباتها وأهوائها، لا ما تحتاجه الشعوب في كل مكان وزمان، فتجعل من بعض الشعوب وثورتها إرهاباً، وتدعم الآخر بما يتنافى مع كل القوانين الأخرى الموضوعة من لدنها.



خامساً: إنَّ تلك الشرعية الـمُدَّعاة قد وضعت قوانين للحرب كما هو واضح، لكنها تناست ما هو أهم من الحرب، من فقر وجوع وجهل يَنخَرُ جسد العالم الثالث يومياً، ويُعَدُّ أخطر من أكبر الحروب التي جرت في العالم كله... فقد حصد الجوع والفقر والمرض من الأرواح ما لا يُعَدُّ ولا يحصـى، وأقرب مثال ما يحدث في أفريقيا وآسيا وغيرها من القارات العالمية الحالية..



كل تلك الأسباب وغيرها دعت البعض إلى الإبتعاد عن تلك الشرعية الدولية والخروج عنها، وبالتالي عدم الخضوع لها ولشخصياتها، فإنَّ تلك الشرعية التي نصبت أدعيائها وأتباعها حكاماً يحكمون بالحديد والنار ضد الشعوب، أو لا أقل أنهم يحكمون بقمع الأصوات وتكميم الأفواه، ويجعلون من الشعوب في بحبوحة الفقر والجوع لكي يخضعون لهم، لكثرة الذُّل والهوان الذي يعيشون فيه... إلا أن الثُّلَّة التي خرجت من الشـرعية الـمُدَّعاة ولم يرهبها الذُّل والهوان، صرخت بربيع شعبي أسقط الدكتاتوريات التي كانت عيناً ساهرة للغرب وأهوائه، ولا زالت تسقط بعون الله وفضله...



فإنَّ هؤلاء الثُّلَّة المؤمنة أخذت على عاتقها عدم تصديق كل ما يصدر من تلك الشـرعية الـمُدَّعاة، وهي لا تـأخذها مُسَلِّمَة لما تراه من خطأ بعضها وسوء تطبيق الآخر، حتى وصل الأمر الى تجريد المقاومين من سلاحهم، أو لجعل المقاومين إرهابيين، وجعل كل معارض (للدول العظمى) خارجاً عن الشرعية الدولية، فأي ديمقراطية هذه وأي حرية وأي شرعية تَدَّعي ذلك؟



ولسنا هنا لسرد وقائع سياسية، أو تَهجُّم على جهة معنية، بل لمجرد بيان حقائق لكي نربطها بموضوعنا الذي قد بدأنا به من تسليط الضوء على الثورة الحسينية الكبرى، التي لا يجب تضييقها على الإطلاق، بل الواجب هو توسعتها ونشرها وتطبيقها على الواقع الحالي بالمنطق والعقل والأدلة.



لكن هذا الكلام الذي قلناه بخصوص الشرعية الدولية الـمُدَّعاة ليست حِكراً على زمن معين، على الرغم من أن هذا الزمن هو الأوضح، لكن لا دلالة فيه على عدم وجود تلك الشـرعية الـمُدَّعاة قهقرياً أو قل سابقاً...



فإن الدولة البيزنطية وكما قال السيد الوالد  في إحدى خطبه في مسجد الكوفة المعظم وكأطروحة أسنَدَها بالأدلة، بأن الدولة البيزنطية هي التي أمرت بقتل الحسين وكان مبعوثها للشـرق يسمى (سرجون)...



وحسب فهمي فإنَّ الدولة البيزنطية كانت تَدَّعي أنها من الدول العظمى والكبرى، وأنَّ الشرعية الدولية تحت هيمنتها، وذلك من خلال سيطرتها على الكثير من الأمم شرقاً وغرباً... ولعلَّ تلك السيطرة والهيمنة هي التي جعلت منها مسيطرة على الشرعية الدولية الـمُدَّعاة كما هو في زماننا هذا، وما يحدث حالياً لهو أكبر دليل على ما نَدَّعي..



إلا أن هذا لا يعني الخضوع للدولة البيزنطية على الإطلاق، فأعلن الإمام الحسين خروجه من جهة، عن تلك الشرعية الـمُدَّعاة وقال: هيهات مِنا الذلة، وأثبت الشـرعية الحقيقية لله ولرسوله من جهة أخرى، لذا قال: «يأبى الله ورسوله لنا ذلك وحجور طابت وطهرت... الخ».



وصارت الشرعية الدولية العالمية الحقيقية للإمام الحسين (ع) لأنه الممثِّل للحكم الإلهي من جهة، ولأنه الممثل لصوت الشعب من جهة أخرى، كما قلنا سابقاً من أنه لم يخرج (لإسقاط النظام) إلا بأمر إلهي، وذلك لعصمته وعدم إمكان القول بأنه خالف الإرادة الإلهية، وكذلك لم يخرج إلا بعد مطالبة الشعوب بتغيير النظام، وتأسيس نظام عادل جديد، من خلال الحرب الحسينية العادلة وثورته الشعبية الإلهية الكاملة.



فإنه (سلام الله عليه) رفض الخضوع بكل وضوح وصراحة حينما قال (ع) : «ومثلي لا يبايع مثله...» وكان مخاطباً لعمر بن سعد ويقصد عدم مبايعة يزيد، الذي قد يعتبر في حينها حاكماً مُنَصَّباً من الدولة البيزنطية، وقد خرج الحسين مطالباً بالحرية وإسقاط النظام، لتبديله بنظام شعبي عادل يُؤَمِّن للجمع الحياة الرغيدة تحت كَنَف الإسلام، وبعيد عن الهمجية والغوغاء والدكتاتورية.



ولكن قد يَرِدُ أن بعض الثورات في الربيع العربي قد نجحت وأطاحت بالحُكّام والدكتاتورية، وهذا لم يحدث مع الإمام الحسين (ع) ، فإن قيل ذلك فنقول: يُـجاب ذلك بعدة أجوبة، منها:



الجواب الأول: إن انتصاره انتصاراً للدم على السيف، وهذا أمر واضح ووارد بطبيعة الحال.



الجواب الثاني: إن ثورة الحسين لا زالت تَـتَّـقِدُ، وإن نجاحها يظهر يوماً بعد يوم، ومنه قول الشاعر:



كذب الموت فالحسين مخلد كلما مر الزمان ذكره يتجدد



وهذا دلالة واضحة على ما ورد من أن: كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء..



الجواب الثالث: إنَّ الحسين انتصر معنوياً، وقد خسر يزيد شرعيته وهيبته، وفعلاً، فإن دولته لم تَدُم كثيراً.. وذلك لما أُرِيقَ من دماء طاهرة لأجل ذلك.



إذن فثورة الإمام الحسين قد أثمرت، وأصلحت، ونجحت فعلاً، كما في الثورات الـحَقَّة والحروب العادلة، وما يمكن استنباطه من تلك النقطة ما يلي:



1- إن الشرعية الدولية هي الشرعية الإلهية.



2- إن الشرعية الدولية هي بيد المعصوم (ع) .



3-إن الشرعية الدولية هي التي تنسجم مع حقوق الشعوب، وتطلعاتها المشروعة.



4- إن الشـرعية الدولية الـمُدَّعاة لا يمكن الخضوع لها دوماً، لأنها سُنَّتْ من عقول غير معصومة، بل وذات أهواء ومصالح خاصة تَصُبُّ كلها داخل نطاق العولمة.



5- إن كل حاكم يتعاون مع الشرعية الدولية تاركاً الشعوب تعاني، فإن مثواه الأخير هو الزوال عن كُرسيِّه ومنصبه.



فلا يسعنا هنا إلا أن نقول: إن على كل مُـحِب لمدرسة الإمام الحسين (ع) أن يلتزم بالطاعة لله ولرسوله ولأهل بيته ولصحبه الـمُنتجبين الأخيار، ويجعل منهم شرعية دولية يسير على خُطاهم ويوالي من والاهم ويعادي من عاداهم، ولو كان ذاك الذي عاداهم هو (الشـرعية الدولية الـمُدَّعاة) طبعاً الحالية، التي خُطَّتْ بأقلامٍ وعقولٍ ساذجة غربية لا تَـمُتُّ لعالم المعنى بشيء.



العبرة الثالثة: لا ينبغي أن نغفل عن الأحاديث الواردة عن نبي الرحمة محمد o بمدح الإمام الحسين (ع) ، فإن لنا في تسليط الضوء عليها حقيقة قد خفيت عن البعض، أو تغافل عنها البعض الآخر.



فإن الرسول o حينما يقول: «حسين مني وأنا من حسين» أو «الحسين سفينة النجاة» أو «أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً» كلها ذات مغازٍ كبيرة وكثيرة، لكن الوقوف لا ينبغي أن يقتصـر على كونه مدحاً، فيكون فضلاً للإمام الحسين (ع) فحسب، فإن هذا أمر مُسَلَّمٌ بل لعله آخر ما يُفهَم من كلام النبي o فما من قادح له (ع) لكي يكون مدح الرسول o نَفيٌ لهذا مثلاً، بل إن له مَغازٍ ومَرامٍ أُخَر.



وباللغة الحديثة، فإن أي قائد أو مسؤول عن أي جهة سواء كانت إسلامية أم غير ذلك، بل هي مطلقة عند الجميع، إن ذلك المسؤول أو القائد، أو حتى ما يسمى بالأمين العام، أو الرئيس، أو الدولة، أو أي وزير وما شابه ذلك، يحتاج الى من يُمَثِّلُه في أعماله، وأفعاله، وتصريحاته الإعلامية، وغيرها كثير.



وبطبيعة الحال: يجب حـصر هذا التمثيل بجهة معيَّنة، أو شخص معيَّن، أو شركة معيَّنة، أو مؤسسة معيَّنة، وما الى ذلك من أمور كُلٌّ بِحَسَبِه، ولا يحق لغير هؤلاء تمثيل الجهة العليا أياً كانت، بأي محفل من المحافل على الإطلاق... بل وإن مَثَّلَهُ بغير وجه حق أو ما شابه ذلك، فقد يكون عُرضَة للنفي أو الرَّد أو حتى المسائلة القانونية وقد يلجأ البعض لأمور أخرى كُلٌّ بِحَسَبِه.



ويحتاج التَّمثيل والتَّصريح لأمور عديدة قد تتمحور بالـ(التَّخويل) أو قد يكون (غض النظر) في بعض الحالات، إلا أن الأمر المؤكد هو (التَّخويل) حتى يكون المتكلم أو الممثل رسمياً، ويمثل الجهة العليا حتماً وبدون شك، ولا ريب من هذه الناحية.



فكذلك أحاديث الرسول o هي بمثابة تخويل واضح للإمام الحسين (ع) بالتَّمثيل والتصـريح وكافة الأفعال والأعمال. طبعاً يجيء هذا التخويل إضافة الى كونه الحفيد لرسول الله o... فيكون هذا التخويل قاحماً لكل الشكوك التي قد تزيغ القلوب، وردعاً لكل الأقاويل التي يمكن أن يَدُسَّها العدو في العسل.



فقوله o: حسين مني، تخويل واضح وكناية واضحة وجَلِيَّة عن أن الإمام يمثل الرسولo صريحاً. بل وقوله o: «من أحب حسيناً فقد أحب الله» هو تأكيد على ذلك لا محالة...



وخصوصاً أننا نعلم أن الرسول o معصوم، ولا يَصدُر منه الخطأ، فيكون قوله هذا، أو قل تخويله هذا، تخويل معصوم لمعصوم، ينتج منه فوائد جَـمَّة ومصالح عُليا، قد نعي بعضها ولا نعي البعض الآخر قصور أو تقصيراً.



وإذا ثَبُتَ ما تقدم، فيكون الإمام الحسين هو (ممثل الرسول الأكرم) ويكون قائد جيشه، ورئيس أركانه إن جاز التعبير، وكذلك الناطق الرسمي له بمعنى من المعاني، فتكون كل أفعال الإمام وأقواله طبقاً للجهة العليا وهي رسول الله o.



ولا يخفى أيضاً أن من يُـخَوِّلُه المعصوم لا بد أن يكون معصوماً، ولا يمكن القول بتخويل غيره من هذه الناحية، وكل ما يصدر من الـمُخَوَّل يكون فعل معصوم لا يمكن النقاش فيه.



ولكني لا أريد إثبات صحة تحركات الإمام (ع) ، ولا إثبات أَحَقِّيَّتِهِ بإسقاط النظام أو التحرُّك نحو ثورة ضدَّ الفساد، أو نحو الإصلاح، بل أردت بهذا الكلام أمراً آخر غير ذلك، يمكن أن نقول فيه:



بما أن رسول الله o هو الجهة العُليا في الإسلام، فهو يُمثِّل الإسلام لا محالة وهو قائد الإسلام ورئيسه وسيده ورسوله ومسؤوله إن جاز التعبير، ولا سيما وفقاً للمصطلحات الحديثة في زماننا هذا كما تعلمون.. ولا يمكن أن يُـجعَل غير الرسول o ممثلاً للإسلام وسيداً عليه وقائداً له على الإطلاق، فهو سيد الكونين وخاتم الرُّسل ، وهذا مُسَلَّمٌ عندنا وعند الجميع.



بل يمكن القول بأنه يُمثِّل كل الأديان التي تؤمن بالله الواحد الأحد، فهو الـمُرسل من لدنه مؤيَّداً بكتابه العزيز، الذي أنزله الله على قلبه ليكون له عضيداً، وللمسلمين منهاجاً ودستوراً...



وبمعنى من المعاني فهو كما يعبرون: رسول الإنسانية جمعاء، فهو الذي أرسى أُسُس الأخلاق، ونشر مبادئ السلام وجاء كما قال o: لِيُتَمِّمَ مكارم الأخلاق، ويُـخرِجَ البشـر من التَّعاسة الى السعادة شيئاً فشيئاً.



ولست هنا بصدد اثبات رسالته أو نبوَّته أو عصمته، أو ما شابه ذلك من أمور، فإني هنا أخذتها من الـمُسَلَّمات حيث أنه ليس موضوع هذا البحث، وليس للإستدلال على أنه يمثل الإنسانية، فهذا أيضاً من ثوابتنا وما جُبِلْنَا عليه نحن المسلمون، بل ومُـحبُّو السلام في مشارق الأرض ومغاربها.



لكني أريد أستنتج من ذلك، أنَّ من يُـخَوِّلُهُ زعيم الأمة جمعاء بكل طوائفها واتجاهاتها هو مُمثِّلٌ لكل الجهات والطوائف بلا استثناء، ما داموا من اتباع الجهة العليا المتمثلة بالرسول الأعظم محمدo... ولا يمثل جهة دون أخرى على الإطلاق... وإلا فيكون قد طَعَنَ بتمثيل الرسول o العام وضَيَّقَ منه والعياذ بالله.



إذن فالإمام الحسين خرج بالنيابة عن كل المسلمين عامَّة، وليس يمثل جهة دون أخرى، ولاسيما بعد أن نعلم أن المسلمين كانوا موحَّدين في ذلك الزمن، ولم تَكُ الطوائف قد تَفَشَّت بل إن شيعة محمدo هم المسلمون كافة، وإن المسلمون هم محبُّو الرسول وأتباعه ومن أطاعوه كافة ولم يتفرقوا بعد، ولم يكونوا شِيَعَاً وأصنافاً وطوائف.



ولذلك فإن المقاتلين معه في يوم الطف، ومن حاربوا وذادوا عنه لم يكونوا مُصنَّفين على طائفة دون أخرى على الاطلاق، بل والتحق به من الجيش النظامي الحكومي آنذاك كما ورد، وعلى رأسهم (الـحُر).



فيمكننا القول أن الإمام الحسين (ع) هو (مُوَحِّد صفوف المسلمين) ولم يفرِّق بين أحد منهم إلا بالتقوى، وقد قاتل معه الجميع واعترفوا بقيادته، بل وحتى بإمامته، فإنهم لم ولن يذودوا بأنفسهم ويستشهدوا بين يديه وهم غير مقتنعين بذلك، فكانوا بالفعل أفضل أصحاب كما هو واضح وجَـلِـيّ، فإنهم قد أقبلوا على الموت حباً وطاعة، فزادهم الله عِزاً وشرفاً.



العبرة الرابعة: قال الإمام الحسين (ع) : «ما خرجت أشِراً ولا بَطِراً ولا ظالماً ولا مُفسِداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله o».



ولعلَّ الكثير من علمائنا الأعلام قدس الله أسرار الماضين منهم وحفظ الباقين، وكذلك خطباؤنا وأفاضلنا، قد ذكروا هذه المقولة وأفاضوا في شرحها وأعطوا بعض العِبَر منها فأفادونا جزاهم الله خير جزاء المحسنين.



بَيْدَ أني وفي هذا الحديث المختصـر، أريد أن أُبَيِّنَ نقطة مهمة يمكن استنباطها واستنتاجها من تِلكُمُ المقولة العظيمة من ذلك القائد الفذ العظيم (ع) ، ولا يعني أن نتعدى كلام مثله بدون تدقيق النظر وإمعان الفكر، فإن في كل حرف لهم وفي كل سكنة وحركة فائدة، بل فوائد جمة قد نَتَفَهَّم بعضها ونَعِيَ بعضها الآخر، ونتعلم البعض الآخر، وقد تخفى عنا بعض العِبَر والأفهام... وإنما هذا لعِظَمِ وكِبَرِ ودِقَّة ما يقولون، ولصِغَرِ ما نَعِي ونفهم.



ولعل من المسلَّمات التي ذُكرت في مقولته (ع) ، بأنه ما خرج (أشِراً) ولا (بَطِراً) ولا (ظالماً) ولا (مفسداً) فمنه وهو المعصوم، لا تَصدُر مثل تلك الأمور، هذه عقيدتنا ولن نتنازل عنها الى يوم الدين... ولست الآن بصدد إثباتها كما قلنا سابقاً، بل إنني أخذتها من المسلَّمات في كل نقطة وفي كل عِبرَة من العِبَر السابقة التي طرقتها ووضعتها بين أيديكم.



ولكني أريد تسليط الضوء على جهة أخرى من مقولته (ع) ألا وهي: «لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله o»، ولي على ذلك بعض التعليقات التي تخص موضوعنا أهمها أمران:-



الأول: (طلب الإصلاح) والتي جاءت محصورة ومحددة بـ(إنما) التي قد جعلها النُّحاة ووضعها اللغويون لهذا في الكثير من كلامهم، بل هذا ما ورد في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } وغيرها من الآيات القرآنية الكريمة.



إذن فقد حصر الإمام الحسين ثورته وجعل ثمارها (الإصلاح)، فيا ترى هل يُساوى الإصلاح مع الشهادة؟ أو بتعبير آخر: ما عِظَم (الإصلاح) وما فائدته، بحيث يُقدِّم الإمام الحسين (ع) نفسه وعائلته وأسرته وأولاده وأتباعه ومُتعلِّقيه فداءاً لذلك الهدف أعني (الإصلاح).



ويمكننا أن نجيب على ذلك بعدة أجوبة قد ندَّعي أنها حضارية أو بِلُغَةٍ ومصطلحات حضارية تتأقلم مع زماننا هذا، من تلك التعليلات:



أولاً: إن قيام الدولة الظالمة أو الفاسدة يُسيء لسمعة الإسلام، وبالتالي فإنه قد يضـر حتى بـ (بيضة الإسلام) ولذلك يجب معها (الجهاد) أو (الثورة) أو قل (إسقاط النظام).



ثانياً: إن الفساد يعني أن الحكومة ستكون ولو تدريجياً ظالمة، وهذا يعني تسلطها على رقاب المؤمنين، ولن يُعبَد الله ولن يُطاع شيئاً فشيئاً، وهذا مخالف للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا سُكِتَ عنه، فلا بد من القيام والمطالبة بسقوط النظام.



ثالثاً: إن وجود الفساد مع وجود الإمام قد يحسب ضد الإمام وحاشاه، ولو بعد حين، أو بتعبير آخر: إن وجود الفساد مع عدم الوقوف ضده من قبل المعصوم أو من قبل أي جهة أخرى من الأحزاب والمؤسسات كما في تعبيرنا الحالي يعني الرضا به، وبالتالي الدخول فيه (والعياذ بالله) ولذلك يجب التحرك (للإصلاح) لكي لا يكون الفرد راضياً به أو ساكتاً عنه.



رابعاً: إن الفساد كالنار التي تأكل الحطب ولا سيما أنه من الحكومة أو الجهة المتسلطة والمتنفِّذة، وهذا يعني سهولة انتشاره وسرعة سريانه بين الجميع شيئاً فشيئاً، وبالتالي يجب الإسراع في (الإصلاح) لزوال الفساد.



تلك الأسباب وغيرها كانت موجبة للتضحية بالغالي والنفيس، بل وعلى جميع المؤمنين ولو بالطرق اللائقة، الوقوف ضد الفساد المستشـري في بلدان الإسلام، حتى صارت الحكومات المحسوبة على الإسلام تتنافس على الصدارة بالفساد والرشوة والظلم مع شديد الأسف... أفهذا الذي استشهد الإمام (ع) من أجله؟!!!.



عموماً إن الإمام قد قَدَّمَ نفسه من أجل (الإصلاح) وإنهاء (الفساد) فهو المصلح الأول وقامع الفساد الأول، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وسنبقى له أوفياء سائرين على نهجه وخطِّه ما حيينا أبداً أبداً.



الثاني: طلب الإصلاح «في أمة جدي رسول الله o» وفي هذه الحِكمَة الكثير من العِبرَة التي يمكن للفرد أو الحكومات أو أصحاب النفوذ أو الثوار أو المجاهدين الإستفادة منها في زماننا هذا، وفي عصرنا هذا، الذي قد تشتَّـتَت فيه الأمة وانحرفت كثيراً حتى أصبح «القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار».



وسنأخذ تلك الحكمة من ناحيتين:



الناحية الأولى: إنها إثبات لوجود الفساد في أمة محمد o، وخصوصاً أن هذا الكلام قد صدر من لدن (معصوم) أخذ العصمة عن أبيه وأمه ومن قَبْلُ جدُّه رسول الله o، وعليه نستنتج ما يلي:



1- إن الفساد قد يصدر من المحسوبين على الإسلام وهو المقصود من «أمة جدي رسول اللهo».



2- إن الفساد إذا صدر من المحسوبين على (الأمة) أو المذهب أو الإسلام أو العقيدة، يجب محاربته، لا الوقوف مكتوف الأيدي بعنوان عدم معاداة أبناء جلدته أو المنتمي إليهم.



3- إن الفساد لم يقف عند كبار الحكام، أو عند يزيد فقط أو تابعيه، بل استشـرى الى (أمة جدي)، وخصوصاً بعد الإلتفات الى محور، الإمام قد لا يقصد منه إدخال يزيد ومن لَفَّ لَفَّهُ (بالأمة) إذن فالمقصود أعم منه ومن أتباعه... ولو قوةً إن لم يَكُ فعلاً. وهذا ما نَوَّهنا له من قبل، بأن وجود الفساد في السلطة يكون عنصراً فاعلاً في زيادة وسرعة انتشار الفساد بين الرعية وهي الطامَّة الكبرى...



أما الناحية الثانية: إن في تلك الحِكمَة عِبرة مهمة، وهي البدء بالإسلام من الداخل، فإن أي كيان سياسي أو حزبي، أو حتى كيان الدولة نفسها لا يمكن أن يكون صالحاً لنشـر أهدافه واتِّساع رقعته خارجاً، ما لم يصلح داخله، والعمل من أجل إصلاح الداخل، ثم العمل من أجل إصلاح الخارج، ولو تدريجياً...



فلا يمكن لدولة فَتِيَّةٍ مثلاً، قد أخذ منها الفساد مأخذاً، أن تأخذ على عاتقها السير قُدُماً نحو إصلاح المجتمع العالمي أو الدولي، ونشـر أسسها وأهدافها إلا بعد أن تقوم بإصلاح ما حطمه الفساد وأتلفه. ولا يمكنها إلا بعد أن تقوم على أسس صحيحة فكما ورد: فاقد الشـيء لا يعطيه، مطلقاً حتى في عالم السياسة، فهل سمعت بدولة تخوض حرباً داخلية ترسل جيشاً لمساعدة دولة جارة مثلاً؟، أو هل سمعت بدولة قائمة على الفساد تصدر بياناً تنتقد به فساداً في دولة أخرى؟!!



لذا فإن الإمام الحسين (ع) أخذ على عاتقه إصلاح ما أفسده البعض، ثم القيام بواجباته الخارجية الأخرى ولو بعد حين، إذن فهو القائد السياسي الـمُحنَّك الذي لا يأخذ الأمور بنظرة سطحية، بل بكل دِقَّة وتدريج، وكما يعبرون فإنه (يطبخ المجتمع على نار هادئة) حتى تثمر عن هداية ناضجة للجميع بلا استثناء.



إذن فالحِكمَة والحِنكَة مطلوبة من هذه الناحية لا محالة، ولاسيما فيما يخص (الإصلاح الداخلي) سواء في زمن الإمام (ع) وكما طبقه على أتمِّ وجه، أو في زماننا هذا ولم يُطبَّق الى أن يأذن الله، والله خير الناصرين... طبعاً ولا أعني بذلك دولة أو جهة معينة، ولكن من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصورة عامة، هدانا الله وإياكم وجعلنا من السائرين على نهج الإمام الحسين (ع) .









ولتحميل ملف الصور كاملاً تفضل اضغظ على لعبارة التالية :
اللهم احفظ السيد القائد مقتدى الصدر

 

 

 

 

 

 

 

 


التعديل الأخير تم بواسطة خادم البضعة ; 14-09-2018 الساعة 09:07 PM
أبو الفضل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-01-2013, 09:39 PM   #2

 
الصورة الرمزية ابو علي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 32
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 10,104

افتراضي رد: اطروحات بالمصطلحات الحديثة ورؤى جديدة عن ثورة وشخصية الامام الحسين (عليه السلام) بقلم وإفاضات سماحة السيدالقائد مقتدى الصدر(دام عزه وتايده)

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مجهود رائع ومتميز
جعله الله في سجل اعمالك الصالحة

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم


التعديل الأخير تم بواسطة ابو علي ; 23-01-2013 الساعة 09:45 PM
ابو علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-01-2013, 09:41 PM   #3

 
الصورة الرمزية طالب رضا المعصوم

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 38
تـاريخ التسجيـل : Nov 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق . ارض المقدسات
االمشاركات : 6,391

افتراضي رد: اطروحات بالمصطلحات الحديثة ورؤى جديدة عن ثورة وشخصية الامام الحسين (عليه السلام) بقلم وإفاضات سماحة السيدالقائد مقتدى الصدر(دام عزه وتايده)

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
احسنت اخي الغالي على المجهود الكبير
والابداع المتواصل

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
طالب رضا المعصوم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-01-2013, 09:46 PM   #4

 
الصورة الرمزية ابو محمد الشمري

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 596
تـاريخ التسجيـل : Oct 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : بغداد
االمشاركات : 976

افتراضي رد: اطروحات بالمصطلحات الحديثة ورؤى جديدة عن ثورة وشخصية الامام الحسين (عليه السلام) بقلم وإفاضات سماحة السيدالقائد مقتدى الصدر(دام عزه وتايده)

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
جزاك الله خيرا اخي العزيزعلى
مجهود رائع وجميل
ثبتنا الله واياكم على سير على منهج السيد القائد

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
ابو محمد الشمري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-01-2013, 10:26 PM   #5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1376
تـاريخ التسجيـل : Jun 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 23

افتراضي رد: اطروحات بالمصطلحات الحديثة ورؤى جديدة عن ثورة وشخصية الامام الحسين (عليه السلام) بقلم وإفاضات سماحة السيدالقائد مقتدى الصدر(دام عزه وتايده)

بارك الله بالجهود المبذوله

 

 

 

 

 

 

 

 

الصدر ممهدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



All times are GMT +3. The time now is 09:24 PM.


Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2024