العودة   منتدى جامع الائمة الثقافي > القسم الإسلامي العام > منبر الكتب الاسلامية العامة

منبر الكتب الاسلامية العامة كتب اسلامية للتحميل

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
Bookmark and Share أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-12-2012, 05:57 PM   #1

 
الصورة الرمزية المؤمل

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1721
تـاريخ التسجيـل : Oct 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : البصرة
االمشاركات : 152

للأهمية مقتبس من كتاب ليالي بيشاور (كتاب جداً قيم)

المجلس الأول
ليلة الجمعة 23 / رجب / 1345 هج



المكان: بيت المحسن الوجيه الميرزا يعقوب علي خان قزل باش(1)، من الشخصيات البارزة في بيشاور.

الابتداء: أول ساعة من الليل بعد صلاة المغرب.

إفتتاحية المجلس: حضر المشايخ والعلماء وهم:

الحافظ(2) محمد رشيد والشيخ عبد السلام، والسيد عبد الحي، وغيرهم من العلماء، وعدد كبير من الشخصيات والرجال من مختلف الطبقات والأصناف.

فرحبت بهم واستقبلتهم بصدر منشرح ووجه منبسط، كما ورحب بهم صاحب البيت واستقبلهم استقبالا حارا، ثم أمر خدمه فقدموا الشاي والفواكه والحلوى لجميع من حضر.

هذا، ولكن مشايخ القوم كانوا على عكس ما كنا معهم، فقد رأينا الغضب في وجوههم، إذ أنهم واجهونا في البداية بوجوه مقطبة مكفهرة، وكأنهم جاؤونا للمعاتبة لا للتفاهم والمناظرة.

أما أنا فكنت لا أبالي بهذه الأمور، لأني لم أبتغ من وراء هذا اللقاء هدفا شخصيا، ولأم أحمل في نفسي عنادا ولا في صدري تعصبا أعمى ضد أحد، وإنما كان هدفي ان أوضح الحق وأبين الحقيقة.

ولذلك لم أتجاوز عما كان يجب علي من المعاملة الحسنة فقابلتهم بالبشر والابتسامة، والترحيب والتكريم، وطلبت منهم أن يبدؤوا بالكلام بشرط أن يكون المتكلم شخصا معينا عن الجماعة حتى لا يضيع الوقت، ولا يفوت الغرض الذي اجتمعنا من أجله.

فوافقني القوم على ذلك وعينوا من بينهم الحافظ محمد رشيد ليتكلم نيابة عنهم، وربما خاض الآخرون ـ أحيانا ـ في البحث ولكن مع إذن مسبق.


بدء المناظرة

بهذا أخذ المجلس طابعه الرسمي، وبدأت المناظرات بيني وبينهم بكل جد وموضوعية، فبدأ الحافظ محمد رشيد وخاطبني بلقب: (قبله صاحب)(3) قائلا:

منذ نزولكم هذا البلد، شرفتم مسامع الناس بمحاضراتكم، وخطبكم، ولكن بدل أن تكون محاضراتكم منشأ الألفة والإخاء فقد سببت الفرقة والعداء، ونشرت الإختلاف بين أهالي البلد، وبما أنه يلزم علينا إصلاح المجتمع، ورفع الاختلاف منه، عزمت على السفر، وقطعت مسافة بعيدة مع الشيخ عبد السلام وجئنا إلى بيشاور لدفع الشبهات التي أثرتموها بين الناس.

وقد حضرت اليوم محاضرتكم في الحسينية، واستمعت لحديثكم، فوجدت في كلامكم سحر البيان وفصل الخطاب أكثر مما كنت أتوقعه، وقد اجتمعنا ـ الآن ـ بكم لننال من محضركم الشريف ما يكون مفيدا لعامة الناس إن شاء الله تعالى.

فإن كنتم موافقين على ذلك، فإنا نبدأ معكم الكلام بجدّ، ونتحدث حول المواضيع الأساسية التي تهمنا وتهمكم؟

قلت: على الرحب والسعة، قولوا ما بدا لكم، فإني أستمع لكم بلهفة، وأصغي لكلامكم بكل شوق ورغبة، ولكن أرجو من السادة الحاضرين جميعا ـ وأنا معكم ـ ان نترك التعصب والتأثّر بعادات محيطنا وتقاليد آبائنا، وأن لا تأخذنا حمية الجاهلية، فنرفض الحق بعد ما ظهر لنا، ونقول ـ لا سمح الله ـ مثل ما قاله الجاهلون : (حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) (4) أو نقول: (بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) (5).

فالرجاء هو أن ننظر نحن وأنتم إلى المواضيع والمسائل التي نناقشها نظر الإنصاف والتحقيق، حتى نسير معا على طريق واحد ونصل إلى الحق والصواب، فنكون كما أراد الله تعالى لنا: إخوانا متعاضدين ومتحابين في الله تبارك وتعالى.

فأجاب الحافظ: إن كلامكم مقبول على شرط أن يكون حديثكم مستندا إلى القرآن الكريم فقط.

قلت إن شرطكم هذا غير مقبول في عرف العلماء والعقلاء، بل يرفضه العقل والشرع معا، وذلك لأن القرآن الكريم كتاب سماويّ مقدّس،فيه تشريع كل الأحكام بإيجاز واختصار مما يحتاج في فهمه إلى من يبينه، والسنة الشريفة هي المبينة، فلا بدّ لنا أن نرجع في فهم ذلك إلى الأخبار والأحاديث المعتبرة من السنة الشريفة ونستدل بها على الموضوع المقصود.

الحافظ: كلامكم صحيح ومتين، ولكن أرجو أن تستندوا في حديثكم إلى الأخبار الصحيحة المجمع عليها، والأحاديث المقبولة عندنا وعندكم، ولا تستندوا بكلام العوام ّ والغثّ من عقائدهم.

وأرجو أيضا أن يكون الحوار هادئا، بعيدا عن الضوضاء والتهريج حتى لا نكون موضع سخرية الآخرين ومورد استهزائهم.

قلت: هذا كلام مقبول، وأنا ملتزم بذلك قبل أن ترجوه منّي، فإنه لا ينبغي لرجل الدين والعالم الروحي إثارة المشاعر والتهريج في الحوار العلمي والتفاهم الديني، وبالأخص لمن كان مثلي،إذ إن لي العزّ والفخر وشرف الانتساب إلى رسول الله (ص)، وهو صاحب الصفات الحسنة والخصال الحميدة والخلق العظيم، الذي أنزل الله تعالى فيهإنّك لعلى خلق عظيم) (6).

ومن المعلوم أني أولى بالالتزام بسنة جدي، وأحرى بأن لا أخالف أمر الله عز وجل حيث يقول: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (7).

الحافظ: ذكرت أنك منتسب إلى رسول الله (ص) ـ وهو المشهور أيضا بين الناس ـ فهل يمكنكم ان تبينوا لنا طريق انتسابكم إلى النبي الأعظم (ص)، والشجرة التي تنتهي بكم إليه؟

قلت: نعم، إن نسبي يصل عن طريق الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه الصلاة والسلام إلى رسول الله (ص)، وذلك على النحو التالي:


شجرة المؤلف

أنا محمد بن علي أكبر " أشرف الواعظين " بن قاسم " بحر العلوم " ابن حسن بن إسماعيل " المجتهد الواعظ " بن ابراهيم بن صالح بن أبي على محمد بن علي " المعروف بالمردان " بن أبي القاسم محمد تقي بن " مقبول الدين " حسين بن أبي علي حسن بن محمد بن فتح الله بن إسحاق بن هاشم بن أبي محمد بن إبراهيم بن أبي الفتيان بن عبدالله بن الحسن بن أحمد " أبي الطيب " ابن أبي علي حسن بن أبي جعفر محمد الحائري " نزيل كرمان " ابن إبراهيم الضرير المعروف بـ " المجاب " ابن الأمير محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي السجاد " زين العابدين " بن الإمام أبى عبدالله الحسين " السبط الشهيد " بن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم أجمعين).

الحافظ: جيد، لقد انتهى نسبك ـ حسب بيانك هذا ـ إلى علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، وهذا الانتساب يثبت أنك من أقرباء النبي (ص) لا من أولاده، لأن الأولاد إنما هم من ذرية الإنسان ونسله، لا من ختنه وصهره، فكيف ادّعيت مع ذلك بأنك من أولاد رسول الله (ص)؟!

قلت إن انتسابنا إلى النبي الأكرم (ص) إنما يكون عن طريق فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله (ص)، لأنها أم الإمام الحسين الشهيد عليه السلام.

الحافظ: العجب كل العجب منك ومن كلامك! إذ كيف تتفوّه بهذا الكلام وأنت من أهل العلم والأدب؟!

ألست تعلم أن نسل الإنسان وعقبه إنما يكون عن طريق الأولاد الذكور لا الإناث؟! ورسول الله (ص) لم يكن له عقب من أولاده الذكور!! فإذن أنتم أسباطه وأبناء بنته، لا أولاده وذريته!!

قلت: ما كنت أحسبك معاندا أو لجوجا، وإلا لما قمت مقام المجيب على سؤالكم، ولما قبلت الحوار معكم!

الحافظ: لا يا صاحبي لا يلتبس الأمر عليك، فإنّا لا نريد المراء واللجاج وإنما نريد أن نعرف الحقيقة، فإني وكثير من العلماء نظرنا في الموضوع ما بينته لكم، فإنا نرى أن عقب الإنسان ونسله إنما هو من الأولاد الذكور لا البنات، وذلك كما يقول الشاعر في هذا المجال:

بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فإن كان عندكم دليل على خلافه يدلّ على أن أولاد بنت رسول الله (ص) أولاده وذريته فبينوه لنا حتى نعرفه، وربما نقتنع به فنكون لكم من الشاكرين.

قلت: إني وفي أثناء كلامكم تذكرت مناظرة حول الموضوع، جرت بين الخليفة العباسي هارون، وبين: الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، فقد أجابه عليه السلام بجواب كاف وشاف اقتنع به هارون وصدقه.

الحافظ: كيف كانت تلك المناظرة أرجو أن تبينوها لنا؟

قلت: قد نقل هذه المناظرة علماؤنا الأعلام في كتبهم المعتبرة، منهم: ثقة عصره، ووحيد دهره، الشيخ الصدوق في كتابه القيم: (عيون أخبار الرضا) (8).

ومنهم: علامة زمانه، وبحّاثة قرنه، الشيخ الطبرسي في كتابه الثمينالاحتجاج) وأنا أنقلها لكم من كتاب (الاحتجاج)(9) وهو كتاب علمي قيّم، يضم بين دفتيه أضخم تراث علمي وأدبي لا بدّ لأمثالك أيها الحافظ من مطالعته، حتى ينكشف لكم الكثير من الحقائق العلمية والوقائع التاريخية الخافية عليكم.


أولاد البتول عليها السلام ذرية الرسول (ص)

روى العلامة الطبرسي أبو منصور أحمد بن علي في الجزء الثاني من كتابهالاحتجاج) رواية مفصلة وطويلة تحت عنوان: " أجوبة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لأسئلة هارون " وآخر سؤال وجواب، كان حول الموضوع الذي يدور الآن بيننا، وإليكم الحديث بتصرّف:

هارون: لقد جوّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى النبي (ص) ويقولوا لكم: يا أولاد رسول الله، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي جدكم من قبل أمكم؟؟!

الإمام عليه السلام: لو أن النبي (ص) نشر فخطب إليك كريمتك، هل كنت تجيبه؟!

هارون: سبحان الله! ولم لا أجيبه، وأفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.

الإمام عليه السلام: لكنه لا يخطب إليّ، ولا أزوّجه.

هارون: ولِمَ؟!

الإمام عليه السلام: لأنه ولدني ولم يلدك.

هارون: أحسنت!!

ولكن كيف قلتم: إنا ذرية النبي (ص) والنبي لم يعقّب؟! وإنما العقب للذكر لا للأنثى، وأنتم ولد بنت النبي، ولا يكون ولدها عقبا له (ص)!!

الإمام عليه السلام: أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلا أعفيتني عن هذه المسألة.

هارون: لا... أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم، كذا أنهى لي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، وأنتم معشر ولد علي تدّعون: أنه لا يسقط عنكم منه شيء، ألف ولا واو، إلا تأويله عندكم واحتججتم بقوله عز وجل: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)(10) وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم!!

الإمام عليه السلام: تأذن لي في الجواب؟

هارون: هات.

الإمام عليه السلام: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيمومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين) (11) فمن أبو عيسى عليه السلام؟

هارون: ليس لعيسى أب!

الإمام عليه السلام: فالله عز وجل ألحقه بذراري الأنبياء عن طريق أمه مريم عليها السلام وكذلك ألحقنا بذراري النبي (ص) من قبل أمنا فاطمة عليها السلام... هل أزيدك؟

هارون: هات.

الإمام عليه السلام: قال الله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)(12) ولم يدّعِ أحد أنه أدخله النبي (ص) تحت الكساء وعند مباهلة النصارى، إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليها السلام، واتفق المسلمون: أن مصداق (أبناءنا) في الآية الكريمة: الحسن والحسين عليهما السلام، (ونساءنا): فاطمة الزهراء عليها السلام. (وأنفسنا) : علي بن أبي طالب عليه السلام.

هارون: أحسنت يا موسى! ارفع إلينا حوائجك.

الإمام عليه السلام: ائذن لي أن أرجع إلى حرم جدي رسول الله (ص) لأكون عند عيالي.

هارون: ننظر إن شاء الله (13).


الاستدلال بكتب العامة ورواياتهم

هناك دلائل كثيرة جاءت في نفس الموضوع تدل على ما ذكرناه وقد سجّلها علماؤكم ونقلها حفاظكم ورواتكم. منهم: الإمام الرازي في الجزء الرابع من (تفسيره الكبير) (14) وفي الصفحة (124) من المسألة الخامسة قال في تفسير هذه الآية من سورة الأنعام: إن الآية تدل على أن الحسن والحسين [ عليهما السلام ] ذرية رسول الله (صلى الله عليه [وآله ] وسلم) لأن الله جعل في هذه الآية عيسى من ذرية ابراهيم ولم يكن لعيسى أب، وإنما انتسابه إليه من جهة الأم، وكذلك الحسن والحسين [ عليهما السلام ] فإنهما من جهة الأم ذرية رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم.

كما إن الإمام الباقر عليه السلام استدل للحجاج الثقفي بهذه الآية لإثبات أنهم ذرية رسول الله (ص) أيضا(15):

ومنهم: ابن أبي الحديد في: " شرح نهج البلاغة "، وأبو بكر الرازي في تفسيره استدل على أن الحسن والحسين عليهما السلام أولاد رسول (ص) من جهة أمهم فاطمة عليها السلام بآية المباهلة وبكلمة: (أبناءنا) كما نسب الله تعالى في كتابه الكريم عيسى إلى إبراهيم من جهة أمه مريم عليها السلام.

ومنهم: الخطيب الخوارزمي، فقد روى في (المناقب) والمير السيد علي الهمداني الشافعي في كتابه (مودة القربى) والإمام أحمد بن حنبل وهو من فحول علمائكم في مسنده، وسليمان الحنفي البلخي في (ينابيع المودة)(16) بتفاوت يسير: أن رسول الله (ص) قال ـ وهو يشير إلى الحسن والحسين عليهما السلام:ـ " إبناي هذان ريحانتاي من الدنيا، إبناي هذان إمامان إن قاما أو قعدا ".

ومنهم: محمد بن يوسف الشافعي، المعروف بالعلامة الكنجي، ذكر في كتابه (كفاية الطالب) فصلا بعد الأبواب المائة بعنوان: فصل: في بيان أن ذرية النبي (ص) من صلب علي عليه السلام " جاء فيه بسنده عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنه قال: قال رسول الله (ص) إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه، وإن الله عز وجل جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب " (17).

ورواه ابن حجر المكي في صواعقه المحرقة: ص74 و94 عن الطبراني، عن جابر بن عبدالله، كما ورواه أيضا الخطيب الخوارزمي في (المناقب) عن ابن عباس.

قلت(18): ورواه الطبراني في معجمه الكبير في ترجمة الحسن، ثم قال:

فإن قيل: لا اتصال لذرية النبي (ص) بعلي عليه السلام إلا من جهة فاطمة عليها السلام وأولاد البنات لا تكون ذرية، لقول الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
قلت: في التنزيل حجة واضحة تشهد بصحة هذه الدعوى وهو قوله (عز وجل)(19): (ووهبنا له [أي:ابراهيم] إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ـ إلى أن قال: ـ وزكريا ويحيى وعيسى)، فعد عيسى (عليه السلام) من جملة الذرية الذين نسبهم إلى نوح (عليه السلام) وهو ابن بنت لا اتصال له إلا من جهة أمه مريم.

وفي هذا أكد دليل على أن أولاد فاطمة (عليها السلام) ذرية النبي (ص) ولا عقب له إلا من جهتها، وانتسابهم الى شرف النبوة ـ وان كان من جهة الأم ـ ليس ممنوع، كانتساب عيسى الى نوح، إذ لا فرق.

وروى الحافظ الكنجي الشافعي في آخر هذا الفصل، بسنده عن عمر بن الخطاب، قال سمعت رسول الله يقول: كل بني أنثى فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة، فإني أنا عصبتهم وأنا أبوهم(20).

قال العلامة الكنجي: رواه الطبري في ترجمة الحسن.

هذا ونقله أيضا بتفاوت يسير وزيادة في أوله، بأن رسول الله (ص) قال: كل حسب ونسب منقطع يوم اليوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي(21).

أقول: ونقله كثير من علمائكم وحفاظكم، منهم الحافظ سليمان الحنفي في كتابه: (ينابيع المودة)(22) وقد أفرد بابا في الموضوع فرواه عن أبي صالح، والحافظ عبدالعزيز بن الأخضر وأبي نعيم في معرفة الصحابة، والدار قطني والطبراني في الأوسط.

ومنهم: الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي فيالإتحاف بحب الاشراف).

ومنهم: جلال الدين السيوطي في (إحياء الميت بفضائل أهل البيت) (23).

ومنهم: أبو بكر بن شهاب الدين في: (رشفة الصادي في بحر فضائل بني النبي الهادي) ط. مصر، الباب الثالث.

ومنهم: ابن حجر الهيتمي في (الصواعق المحرقة) الباب التاسع، الفصل الثامن، الحديث السابع والعشرون، قال: أخرج الطبراني عن جابر، والخطيب عن ابن عباس... ونقل الحديث.

وروى ابن حجر أيضا في (الصواعق الباب الحادي عشر، الفصل الأول، الآية التاسعة...): وأخرج ابو الخير الحاكمي، وصاحب (كنوز المطالب في بني أبي طالب) إن عليا دخل على النبي (ص) وعنده العباس، فسلم فردّ عليه (ص) السلام وقام فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه عن يمينه.

فقال له العباس: أتحبه؟

قال (ص): يا عمّ! واللهِ الله ُأشدّ حبا له مني، إن الله (عز وجل) جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا.

ورواه العلامة الكنجي الشافعي في كتابه: (كفاية الطالب الباب السابع) (24) بسنده عن ابن عباس.

وهناك مجموعة كبيرة من الأحاديث الشريفة المعتبرة، المروية في كتبكم، المقبولة عند علمائكم، تقول، إن النبي (ص) كان يعبر عن الحسن والحسين عليهما السلام بأنهما ابناه، ويعرفهما لأصحابه ويقول: هذان ابناي.

وجاء في تفسير: (الكشاف) وهو من أهم تفاسيركم، في تفسير آية المباهلة: لا دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء، وهم: علي وفاطمة والحسنان، لأنهما لما نزلت، دعاهم النبي (ص) فاحتضن الحسين وأخذ بيد الحسن ومشت فاطمة خلفه وعلي خلفهما، فعلم: إنهم المراد من الآية، وإن أولاد فاطمة وذريتهم سيمون أبناءه، وينسبون إليه (ص) نسبة صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة(25).

وكذلك الشيخ أبو بكر الرازي في (التفسير الكبير) في ذيل آية المباهلة، وفي تفسير كلمة (أبناءنا) له كلام طويل وتحقيق جليل، أثبت فيه أن الحسن والحسين هم أبنا رسول الله (ص) وذريته، فراجع(26).

ثم قلت بعد ذلك: فهل يبقى ـ يا أيها الحافظ ـ بعد هذا كله، محل للشعر الذي استشهدت به؟! بنونا بنو أبنائنا...الى آخره.

وهل يقوم هذا البيت من الشعر، مقابل هذه النصوص الصريحة والبراهين الواضحة؟!

فلو اعتقد أحد بعد هذا كله، بمفاد ذلك الشعر الجاهلي ـ الذي قيل في وصفه: إنه كفر من شعر الجاهلية ـ لردّه كتاب الله العزيز وحديث رسوله الكريم (ص).

ثم أعلم ـ أيها الحافظ ـ أن هذا بعض دلائلنا في صحة انتسابنا إلى رسول الله (ص)، وبعض براهيننا على أننا ذريته ونسله، ولذا يحق لنا أن نفتخر بذلك ونقول:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
الحافظ: إني أقر وأعترف بأن دلائلكم كانت قاطعة، وبراهينكم ساطعة، ولا ينكرها إلا الجاهل العنود، كما وأشكركم كثيرا على هذه التوضيحات، فلقد كشفتم لنا الحقيقة وأزحتم الشبهة عن أذهاننا.


صلاة العشاء:

وهنا علا صوت المؤذن في المسجد وهو يعلن وقت صلاة العشاء، والأخوة من العامة ـ بخلافنا نحن الشيعة ـ يوجبون التفريق بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وقد يجمعون أحيانا، وذلك لسبب كالمطر والسفر.

لذا فقد تهيئوا جميعا للذهاب إلى المسجد، فقال بعضهم: وبما أنّا نريد الرجوع بعد الصلاة إلى هذا المكان لمتابعة الحديث، فالأحسن أن تقام جماعة في المسجد وجماعة في هذا المكان بالحاضرين، حتى لا يفترق جمعنا ولا يفوت وقتنا، فهذه فرصة ثمينة يجب أن نغتنمها.

فوافق الجميع على هذا الاقتراح، وذهب السيد عبد الحي ـ إمام المسجد ـ ليقيم الجماعة فيه بالناس.

وأمّا الآخرون فقد أقاموا صلاة العشاء جماعة في نفس المكان واستمروا على ذلك بقية الليالي التالية أيضا.


مسالة الجمع أو التفريق بين الصلاتين

ولما استقرّ بنا المجلس بعد الصلاة، خاطبني أحد الحاضرين، ويدعى النواب عبد القيوم خان، وكان يعد من أعيان العامة وأشرافهم، وهو رجل مثقف يحب العلم والمعرفة، فقال لي: في هذه الفرصة المناسبة التي يتناول العلماء فيها الشاي أستأذنكم لأطرح سؤالا خارجا عن الموضوع الذي كنا فيه، ولكنه كثيرا ما يتردد على فكري ويختلج في صدري.

قلت: تفضل واسأل، فإني مستعد للاستماع إليك.

النواب: كنت أحب كثيرا أن ألتقي بأحد علماء الشيعة حتى أسأله: أنه لماذا تسير الشيعة على خلاف السنة النبوية حتى يجمعون بين صلاتي الظهر والعصر وكذلك المغرب والعشاء؟!

قلت:

أولا: السادة العلماء ـ وأشرت إلى الحاضرين في المجلس ـ يعلمون أن آراء العلماء تختلف في كثير من المسائل الفرعية، كما أن أئمتكم ـ الأئمة الأربعة ـ يختلفون في آرائهم الفقهية فيما بينهم كثيرا، فلم يكن إذن الاختلاف بيننا وبينكم في مثل هذه المسألة الفرعية شيئا مستغربا.

ثانيا: إن قولك: الشيعة على خلاف السنة النبوية، ادّعاء وقول لا دليل عليه، وذلك لأن النبي (ص) كان يجمع حينا ويفرق أخرى.

النواب ـ وهو يتوجه إلى علماء المجلس ويسألهم ـ: أهكذا كان يصنع رسول الله (ص) يفرق حينا ويجمع أخرى؟

الحافظ: يلتفت إلى النواب ويقول في جوابه: كان النبي (ص) يجمع بين الصلاتين في موردين فقط: مورد السفر، ومورد العذر من مطر وما أشبه ذلك، لكي لا يشق على أمته.

وأما إذا كان في الحضر، ولم يك هناك عذر للجمع، فكان يفرّق، وأظن أن السيد قد التبس عليه حكم السفر والحضر!!

قلت: كلا، ما التبس عليّ ذلك، بل أنا على يقين من الأمر، وحتى أنه جاء في الروايات الصحيحة عندكم: بأن رسول الله (ص) كان يجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر.

الحافظ: ربما وجدتم ذلك في رواياتكم وتوهمتم أنها من رواياتنا!!

قلت: لا، ليس كذلك، فإن رواة الشيعة قد أجمعوا على جواز الجمع بين الصلاتين، لأن الروايات في كتبنا صريحة في ذلك، وإنما الكلام والنقاش يدور فيما بين رواتكم حول الجمع وعدمه، فقد نقلت صحاحكم وذكرت مسانيدكم، أحاديث كثيرة وأخبارا صريحة في هذا الباب.

الحافظ: هل يمكنكم ذكر هذه الروايات والأحاديث وذكر مصادرها لنا؟

قلت: نعم، هذا مسلم بن الحجاج، روى في صحيحه في باب (الجمع بين الصلاتين في الحضر) بسنده عن ابن عباس، أنه قال: صلّى رسول الله (ص) الظهر والعصر جمعا، والمغرب والعشاء جمعا، في غير خوف ولا سفر.

وروى أيضا، بسنده عن ابن عباس، أنه قال: صلّيت مع النبي (ص) ثمانيا جمعا، وسبعا جمعا (27).

وروى هذا الخبر بعينه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج2 ص221 وأضاف إليه حديثا آخر عن ابن عباس أيضا، أنه قال: صلى رسول الله (ص) في المدينة مقيما غير مسافر، سبعا وثمانيا.

وروى مسلم في صحيحه أخبارا عديدة في هذا المجال، إلى أن روى في الحديث رقم 57، بسنده عن عبدالله بن شقيق، قال: خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، فجعل الناس يقولون: الصلاة.. الصلاة! فلم يعتن ابن عباس بهم، فصاح في هذه الأثناء رجل من بني تميم، لا يفتر ولا ينثني: الصلاة.. الصلاة!

فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة؟ لا أم لك!

ثم قال: رأيت رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

قال عبدالله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدّق مقالته.

وروى مسلم في صحيحه الحديث رقم 58 ذلك أيضا بطريق آخر عن عبدالله بن شقيق العقيلي، قال: قال رجل لابن عباس ـ لما طالت خطبته: الصلاة! فسكت، ثم قال: الصلاة! فسكت. ثم قال: الصلاة! فسكت، ثم قال: لا أم لك! أتعلمنا بالصلاة، وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (ص)؟!

وروى الزرقاني وهو من كبار علمائكم، في كتابه (شرح موطأ مالك ج1 ص 263، باب الجمع بين الصلاتين) عن النسائي، عن طريق عمرو بن هرم، عن ابن الشعثاء، أنه قال: إن ابن عباس كان يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وصلاتي المغرب والعشاء في البصرة، وكان يقول هكذا صلى رسول الله (ص).

وروى مسلم في صحيحه، ومالك في (الموطأ) وأحمد بن حنبل في (المسند) والترمذي في صحيحه في (باب الجمع بين الصلاتين) باسنادهم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة، من خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟

قال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته.

هذه بعض رواياتكم في هذا الموضوع، وهي أكثر من ذلك بكثير، ولكن ربما يقال: إن أوضح دليل على جواز الجمع بين الصلاتين، من غير عذر ولا سفر، هو أن علمائكم فتحوا بابا في صحاحهم ومسانيدهم بعنوان: (الجمع بين الصلاتين) وذكروا فيه الروايات التي ترخص الجمع مطلقا، في السفر والحضر، مع العذر وبلا عذر.

ولو كان غير ذلك، لفتحوا بابا مخصوصا للجمع في الحضر وبابا مخصوصا للجمع في السفر، وبما أنهم لم يفعلوا ذلك، وإنما سردوا الروايات في باب واحد، كان دليلا على جواز الجمع مطلقا!

الحافظ: ولكني لم أجد في صحيح البخاري روايات ولا بابا بهذا العنوان.

قلت:

أولا: إنه إذا روى سائر أصحاب الصحاح ـ غير البخاري ـ من مثل مسلم والترمذي والنسائي وأحمد بن حنبل، وشرّاح صحيحي مسلم والبخاري، وغيرهم من كبار علمائكم، أخبارا وأحاديث في مطلب ما وأقروا بصحتها، ألم تكن رواية أولئك كافية في إثبات ذلك المطلب....، فيثبت إذن هدفنا ومقصودنا؟!

وثانيا: إن البخاري أيد ذكر هذه الروايات في صحيحه، ولكن بعنوان آخر، وذلك في باب (تأخير الظهر إلى العصر) من كتاب مواقيت الصلاة، وفي باب (ذكر العشاء والعتمة) وباب (وقت المغرب).

أرجو أن تطالعوا هذه الأبواب بدقة وإمعان حتى تجدوا أن كل هذه الأخبار والروايات الدالة على جواز الجمع بين الصلاتين منقولة هناك أيضا.


الجمع بين الصلاتين عند علماء الفريقين

والحاصل: إن نقل هذه الأحاديث من قبل جمهور علماء الفريقين ـ مع الإقرار بصحتها في صحاحهم ـ دليل على أنهم أجازوا الجمع ورخصوه، وإلا لما نقلوا هذه الروايات في صحاحهم.

كما أن العلامة النوري في (شرح صحيح مسلم) والعسقلاني والقسطلاني وزكريا الأنصاري، في شروحهم لصحيح البخاري، وكذلك الزرقاني في (شرح موطأ مالك) وغير هؤلاء من كبار علمائكم ذكروا هذه الأخبار والروايات، ثم وثقوها وصححوها، وصرحوا أنها تدل على الجواز والرخصة في الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر ولا مطر، وخاصة بعد رواية ابن عباس وتقرير صحتها، فإنهم علقوا عليها بأنها صريحة في جواز الجمع مطلقا، وحتى لا يكون أحد من الأمة في حرج ومشقة.

النواب ـ وهو يقول متعجبا ـ: كيف يمكن مع وجود هذه الأخبار والروايات المستفيضة والصريحة في جواز الجمع بين الصلاتين، ثم يكون علماؤنا على خلافها حكما وعملا.

قلت ـ بديهي، ومع كامل العذر على الصراحة ـ: إن عدم التزام علمائكم بالنصوص الصريحة والروايات الصحيحة التي لا تنحصر ـ مع كل الأسف ـ بهذا الموضوع فقط، بل هناك حقائق كثيرة نص عليها النبي (ص)، وصرح بها في حياته، ولكنهم لم يلتزموا بها، وإنما تأولوها وأخفوا نصها عن عامة الناس، وسوف تنكشف لكم بعض هذه الحقائق خلال البحث والنقاش في موضوع الإمامة وغيره إن شاء الله تعالى.

وأما هذا الموضوع بالذات، فإن فقهائكم لم يلتزموا ـ أيضا بالروايات التي وردت فيه مع صراحتها، وإنما أولوها بتأويلات غير مقبولة عرفا.

فقال بعضهم: إن هذه الروايات المطلقة في الجمع بين الصلاتين لعلها تقصد الجمع في أوقات العذر، مثل الخوف والمطر وحدوث الطين والوحل، وعل هذا التأويل المخالف لظاهر الروايات أفتى جماعة كبيرة من أكابر متقدميكم، مثل: الإمام مالك والإمام الشافعي وبعض فقهاء المدينة فقالوا: بعدم جواز الجمع بين الصلاتين إلا لعذر كالخوف والمطر!

ومع ان هذا التأويل يرده صريح رواية ابن عباس التي تقول: " جمع النبي (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة من غير خوف ولا مطر ".

وقال بعضهم الآخر في تأويل هذه الروايات المطلقة الصريحة في الجمع بين الصلاتين مطلقا، حتى وغن كان بلا عذر ولا سفر،: لعل السحاب كان قد غطى السماء، فلم يعرفوا الوقت، فلما صلوا الظهر وأتموا الصلاة، زال السحاب وانكشف الحجاب، فعرفوا الوقت عصرا، فجمعوا صلاة العصر مع الظهر!!

فهل يصح ـ يا ترى ـ مثل هذا التأويل في أمر مهم مثل الصلاة، التي هي عمود الدين؟!

وهل أن المؤولين نسوا أن المصلي ـ في الرواية ـ هو رسول الله (ص) وأن وجود السحاب وعدمه لا يؤثر في علم النبي (ص)، الذي يعلم من الله تعالى، وينظر بنور ربه (عز وجل)؟!

وعليه فهل يجوز أن نحكم في دين الله العظيم استنادا إلى هذه التأويلات غير العرفية، التي لا دليل عليها سوى الظن المرجوح! وقد قال تعال: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) (28).

إضافة إلى ذلك ما الذي تقولونه في جمع النبي (ص) بين صلاتي المغرب والعشاء، مع أنه لا أثر حينها للسحاب وعدمه فيه؟!

إذن فهذا التأويل وغيره من التأويلات، خلاف ظاهر الروايات، وخلاف صريح الخبر القائل: " إن ابن عباس استمر في خطبته حتى بدت النجوم، ولم يبال بصياح الناس: الصلاة.. الصلاة، ثم ردّ ابن عباس على التميمي بقوله: أتعلمني بالسنة؟! لا أم لك! رأيت رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء " ثم تصديق أبي هريرة لمقالة ابن عباس.

وعليه: فإن هذه التأويلات غير معقولة ولا مقبولة عندنا، وكذا غير مقبولة عند كبار علمائكم أيضا، إذ أنهم علقوا عليها: بأنها خلاف ظاهر الروايات.

فهذا شيخ الإسلام الانصاري في كتابه (تحفة الباري في شرح صحيح البخاري في باب صلاة الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء آخر ص 292 في الجزء الثاني) وكذا العلامة القسطلاني في كتابه (إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري في ص293 من االجزء الثاني) وكذا غيرهما من شراح صحيح البخاري، وكثير من محققي علمائكم، قالوا: هذه التأويلات على خلاف ظاهر الروايات، وإن التقيد بالتفريق بين الصلاتين ترجيح بلا مرجح وتخصيص بلا مخصص.

النواب: إذن فمن أين جاء هذا الاختلاف الذي فرق بين الأخوة المسلمين إلى فرقتين متخاصمتين، ينظر بعضهم إلى الآخر بنظر البغض والعداء، ويقدح بعضهم في عبادة البعض الآخر؟!

قلت:

أولا: بما أنك قلت بأن المسلمين صاروا فريقين متعاديين، أوجب عليّ الوقوف قليلا عند كلمة: متعاديين، لنرى معا هل العداء ـ كما قلت ـ كان من الطرفين، أو من طرف واحد؟

وهنا لا بد لي ـ وأنا واحد من الشيعة ـ ان أقول دفاعا عن الشيعة ـ أتباع أهل البيت عليهم السلام، وإزاحة لهذه الشبهة عنهم: بأنّا نحن معاشر الشيعة، لا ننظر إلى أحد من علماء العامة وعوامهم بعين التحقير والعداء، بل نعدهم إخواننا في الدين.

وذلك بعكس ما ينظره بعض العامة إلينا تماما، إذ أنهم يرون أن الشيعة أعداءهم، فيتعاملون معهم معاملة العدو لعدوه، ولم تأتهم هذه النظرة بالنسبة إلى شيعة آل محمد (ص)، وأتباع مذهب أهل بيت رسولهم الكريم، إلا بسبب التقوّلات والأباطيل التي نشرت ضدهم بواسطة الخوارج والنواصب وبني أمية وأتباعهم من أعداء النبي (ص) وأعداء آله الكرام (ص) وبسبب الاستعمار ـ في يومنا هذا ـ الذي هو ألد أعداء الإسلام والمسلمين، والذي يخشى على منافعه ومطامعه من وحدة المسلمين واجتماعهم.

ومع الأسف الشديد فإن هذه التضليلات العدوانية أثّرت في قلوب وأفكار بعض أهل السنة، حتى نسبونا على الكفر والشرك!

ويا ليت شعري هل فكروا في أنهم بأي دليل ذهبوا إلى هذا المذهب وفرقوا بين المسلمين؟!

ألم يفكروا في نهي الله تعالى المسلمين عن التفرقة بقولهواعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) (29)؟

ثم أليس الله عز وجل، وحده لا شريك له، ربنا جميعا، والإسلام ديننا، والقرآن كتابنا، والنبي الكريم محمد (ص) خاتم النبيين وسيد المرسلين نبينا، وقوله وفعله وتقريره سنتنا، وحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، وأن الحق ما حققه، والباطل ما أبطله، ونوالي أولياءه، ونعادي أعداءه، والكعبة مطافنا وقبلتنا جميعا، والصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، والزكاة الواجبة وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، فرائضنا، والعمل بجميع الأحكام والواجبات والمستحبات وترك الكبائر والمعاصي والذنوب مرامنا؟

ألستم معنا في هذا كله؟

أم أن شرعنا أو شرعكم، وإسلامنا وإسلامكم غير ما بيناه من الدين المبين؟؟!

وأنا على علم ويقين بأنكم توافقوننا في كل ما ذكرناه، وإن كان بيننا وبينكم شيء من الخلاف فهو كالخلاف الموجود فيما بينكم وبين مذاهبكم، فنحن وأنتم في الإسلام سواء (كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) (30).

إذن فلماذا صار بعض العامة ينسبوننا إلى ما لا يرضى به الله ورسوله، ويبغون الفرقة بيننا وبينهم، وينظرون إلينا بنظر العداوة والبغضاء؟! وهذا ما يتربصه بنا أعداء الإسلام ويريده لنا الشيطان، شياطين الإنس والجن، قال تعالى في ذلك: (.... شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول... ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه ....) (31).

وقال تعالى: (إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر....) (32). فتارة يوقع الشيطان العداوة والبغضاء بين المسلمين بواسطة الخمر والميسر، وتارة بواسطة التسويلات والأوهام التي يلقيها في قلوبهم عبر التهم والأباطيل التي ينشرها شياطين الإنس في أوساطهم.

ثانيا: سالت: من أين جاء هذا الاختلاف؟

فإني أقول لك وقلبي يذوب حسرة وأسفا: لقد جاء هذا وغيره من الاختلافات الفرعية على أثر اختلاف جذري وخلاف أصولي، ليس هذا الوقت مناسبا لذكره، ولعلنا نصل إليه في مباحثنا الآتية فنتعرض له إذا دار النقاش حوله، وحين ذاك ينكشف لكم الحق وتعرفون الحقيقة إن شاء الله تعالى.

ثالثا: وأما بالنسبة إلى مسألة الجمع والتفريق بين الصلاتين، فإن فقهاءكم بالرغم من أنهم رووا الروايات الصحيحة والصريحة في الرخصة وجواز الجمع لأجل التسهيل ورفع الحرج عن الأمة، أولوها ـ كما عرفت ـ ثم أفتوا بعدم جواز الجمع من غير عذر أو سفر، حتى أن بعضهم ـ مثل أبي حنيفة وأتباعه ـ أفتوا بعدم جواز الجمع مطلقا حتى مع العذر والسفر(33).

ولكن المذاهب الأخرى من الشافعية والمالكية والحنابلة على كثرة اختلافاتهم الموجودة بينهم في جميع الأصول والفروع أجازوا الجمع في الأسفار المباحة كسفر الحج والعمرة، والذهاب إلى الحرب، وما أشبه ذلك.

وأما فقهاء الشيعة، فأنهم تبعا للأئمة الأطهار من آل النبي المختار (ص) ـ الذين جعلهم رسول الله (ص) ميزانا لمعرفة الحق والباطل، وعدلا للقرآن، ومرجعا للأمة في حل الاختلاف، وصرح بأن التمسك بهم وبالقرآن معا أمان من الفرقة والضلالة بعده ـ أفتوا بجواز الجمع مطلقا، لعذر كان أم لغير عذر، في سفر كان أم في حضر، جمع تقديم في أول الوقت، أم جمع تأخير في آخر الوقت، وفوّضوا الخيار في الجمع والتفريق إلى المصلّي نفسه تسهيلا عليه ودفعا للحرج عنه، وبما أن الله يحب الأخذ برخصه، اختارت الشيعة الجمع بين الصلاتين، حتى لا يفوتهم شيء من الصلاة غفلة أو كسلا، فجمعوا تقديما، أو تأخيرا.

ولما وصل الكلام في الجواب عن الجمع بين الصلاتين إلى هنا قلت لهم: أرى الكلام عن هذه المسألة بهذا المقدار كافيا، فإني أظن بأن الشبهة قد ارتفعت عن أذهانكم وانكشف لكم الحق، وعرفتم: أن الشيعة ليسوا كما تصورهم البعض أو صوروهم لكم، بل إنهم إخوانكم في الدين، وهم ملتزمون بسنة النبي الكريم وبالقرآن الحكيم(34).


عود على بدء

قلت: والآن أرى أن من الأفضل أن نعود إلى حوارنا السابق، ونتابع حديثنا حول المسائل الأصولية المهمة، فإن هناك مسائل أصولية أهم من هذه المسائل الفرعية، فإذا توافقنا على تلك المسائل الأصولية، فالموافقة على أمثال هذه المسائل الفرعية حاصلة بالتبع.

الحافظ: إنني فرح بمجالسة عالم فاضل ومفكر نبيل، ومحادثة متفكر، ذي اطلاع وافر على كتبنا ورواياتنا مثل جنابكم، فقد بان لي فضلكم وعلمكم في أول مجلس جلسناه معكم، وكما تفضلتم فإن من الأفضل ـ الآن ـ أن نتابع حديثنا السابق.

غير أنني أستأذن سماحتكم لأقول متسائلا: لقد ثبت لنا بكلامكم الشيق، وبيانكم العذب، أنكم من الحجاز، ومن بني هاشم، فأحب أن أعرف ـ أنكم مع هذا النسب الطاهر والأصل المنيف ـ ما حدا بكم حتى هاجرتم من الحجاز وعلى الخصوص من المدينة المنورة، مدينة جدكم ومسقط رأسكم وسكنتم في إيران؟!

ثم في أي تاريخ تم ذلك ولماذا؟!

 

 

 

 

 

 

 

 

المؤمل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-12-2012, 06:37 PM   #2

 
الصورة الرمزية الاخوة

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 20
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : عاصمة دولة العدل الالهي
االمشاركات : 2,667

افتراضي رد: مقتبس من كتاب ليالي بيشاور (كتاب جداً قيم)

السلام عليك اخي الفاضل
هنا اقيم جهدك مشكور وانت تنقل من كتب علمائنا الاعلام قدس الله اسرارهم
الا ان لكل حادث حديث
ونحن اليوم نحتاج كل قلم يبحث عن نقاط التوافق بين ابناء الاسلام
تماشيا مع المشروع الوحدوي للسيد القائد اعزه الله
لذى ارجو منك ان تكون جنديا يدعوا بقلمه لذلك المشروع وتحقيق اهداف قائده
موفق لكل خير

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
الاخوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-2013, 11:56 AM   #3

 
الصورة الرمزية خادم لبو هاشم

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1907
تـاريخ التسجيـل : Jan 2013
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : عراق الصمود
االمشاركات : 76

افتراضي رد: مقتبس من كتاب ليالي بيشاور (كتاب جداً قيم)

احسنت اخي على النقل

 

 

 

 

 

 

 

 

خادم لبو هاشم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



All times are GMT +3. The time now is 05:07 PM.


Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2024