![]() |
![]() |
![]() |
|
ألمنبر الإسلامي العام لجميع المواضيع الإسلامية العامة |
|
![]() |
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#1 |
|
![]()
ج ـ هل يجوز الحلف بغير اللّه أو لا؟ هذه المسألة هي الّتي عقدنا الفصل لبيان حكمها. قال ابن تيمية : « لا يشرع ذلك بل ينهى عنه إمّا نهي تحريم وإمّا نهي تنزيه ، وإنّ للعلماء في ذلك قولين ، والصحيح أنه نهي تحريم ، وفي الصحيح عنه ( صلى اللّه عليه وآله ) أنه قال : من كان حالفاً فليحلف باللّه أو ليصمت ، وفي الترمذي أنه قال : من حلف بغير اللّه فقد أشرك (1). وقال الصنعاني : إنّ الحلف بغير اللّه شرك صغير (2) ، وقال ابن قدامة : ولا يجوز الحلف بغير اللّه وصفاته ، نحو أن يحلف بأبيه أو الكعبة أو صحابي أو إمام. قال الشافعي : أخشى أن يكون معصية. قال ابن عبد البر : وهذا أصل مجمع عليه ، وقيل; يجوز ذلك لأنّ اللّه تعالى أقسم بمخلوقاته فقال : « والصّافّات صفّاً ، والمرسلات عرفاً ، والنازعات غرقاً » ، وقال النبي للأعرابي السائل عن الصلاة : « أفلح وأبيه إن صدق » وفي حديث أبي الشعراء : « وأبيك لو طعنت في فخذها لأجزاك » ثم إن لم يكن الحلف بغير اللّه محرّماً فهو مكروه ، فإن حلف فليستغفر اللّه تعالى ، أو ليذكر اللّه تعالى ، كما قال النبي : من حلف باللاّت والعزّى فليقل : لا إله إلاّ اللّه (3). أنت ترى أنّ ابن تيمية وتلميذ منهجه الشيخ الصنعاني أفتيا بالحرمة ، ولكن الظاهر من عبارة ابن قدامة أن المسألة مما اختلف فيه الفقهاء ، فهم بين محرّم ومجوّز ، حتّى أنّ الشافعي قال : أخشى أن يكون معصية ، وإذ كانت المسألة على هذا المستوى من الاختلاف ، فهل يجوز تكفير الحالف بمثل هذه المسألة؟ مع أنّ أكثر الفقهاء قائلون بالجواز. قال في الفقه على المذاهب الأربعة : « إذا قصد الحالف إشراك غير اللّه معه في التعظيم ففيه تفصيل في المذاهب ، ثم ذكر التفصيل بالنحو الآتي » : « الحلف بالطلاق نحو : علىّ الطلاق : إن فعلت كذا ، جائز بدون كراهة ، ويلزمه الطلاق إذا كان الغرض منه الوثيقة ، أي وثوق الخصم بصدق الحالف ، جاز بدون كراهة. وإذا لم يكن الغرض منه ذلك ، أو كان حلفاً على الماضي فإنه يكره ، وكذلك الحلف ( بنحو وأبيك ولعمرك ) . وقالت الشافعية : يكره الحلف بغير اللّه إذا لم يقصد شيئاً مما ذكر في أعلى الصحيفة ، ويكره الحلف بالطلاق ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ مجموعة الرسائل والمسائل : ج 1 ص 17. 2 ـ تطهير الاعتقاد ، ص 14. 3 ـ المغني لابن قدامة : ج 11 ص 163 ( كتاب الأيمان ) طبع دارالكتاب العربي ـ بيروت. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ (303) وقالت الحنابلة : يحرم الحلف بغير اللّه وصفاته ، ولو بنبي أو ولي ، ويكره الحلف بالطلاق والعتاق والمشهور الحرمة » (1). فعلى ضوء هذا فقد أفتى الحنابلة من بين المذاهب الأربعة بالحرمة ، وذهبت الحنفية والشافعية إلى الجواز وللمالكية قولان. هذه هي الأقوال في المسألة ، وإليك تحليلها فقهياً واجتهاداً : عرض المسألة على القرآن إنّ القرآن الكريم هو الثقل الأكبر والقدوة العليا والمثل الحي لكل مسلم ، نرى فيه الحلف بغير اللّه في غير واحد من السور ، فقد أقسم تعالى في سورة الشمس وحدها بغير ذاته وصفاته ، أعني الشمس وضحاها ، والقمر والنهار والليل ، والسماء والأِض ، والنفس الإنسانية ، وأقسم سبحانه في سورة النازعات بأمرين : المرسلات والناشرات ، كذلك ورد الحلف بغير اللّه في سورة « الطارق » و « القلم » و « العصر » و « البلد » وغيرها. وإليك نماذج من آيات الحلف بغير اللّه سبحانه الواردة في غير هذه السور : ( وَالتِّينِ وَالزَّيتُونِ * وَطُورِ سِينيِينَ * وَهَذَا البَلَدِ الأمينِ ) (2) . ( وَالليلِ إذَا يَغْشَى * وَالنَّهارِ إذَا تَجَلّى ) (3) . ( وَالفَجْرِ * ولَيال عَشْر * والشَّفْعِ وَالوَتْرِ * وَالليلِ إذَا يَسْرِ ) (4). ( وَالطُّورِ * وَكِتاب مَسْطُور * فِي رَقٍّ مَنْشور * وَالبَيتِ المَعْمُورِ * والسَّقْفِ المَرفُوعِ * وَالبَحْرِ المَسجُورِ ) (5). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ 1 ـ الفقه على المذاهب الأربعة ، ج 2 ( كتاب اليمين ) ، ص 75. 2 ـ سورة التين : الآية 1 ـ 3. 3 ـ سورة الليل : الآية 1 ـ 2. 4 ـ سورة الفجر : الآية 1 ـ 4. 5 ـ سورة الطور : الآية 1 ـ 6. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ (304) إذا كان القرآن كتاب هداية للبشر والناس يتخذونه قدوة وأُسوة ، فلو كان هذا النوع من الحلف حراماً على العباد ، وأمراً خاصاً باللّه سبحانه ، لكان المفروض أن يحذّر منه القرآن ، ويذكر بأن هذا من خصائصه سبحانه. ومن هنا يعلم أنّ توصيف الحلف بغير اللّه بكونه شركاً صغيراً يستلزم نسبة الشرك إلى اللّه سبحانه ، وإذا كانت ماهية الحلف بغير اللّه ماهية شركية فلا يفرق بينه وبين عباده ، فإذا كانت ماهية الشيء ظلماً وتجاوزاً على البريء ، فاللّه وعباده فيه سيان ، قال تعالى : ( قُلْ إنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لا تَعْلَمونَ ) (1). إنّ الحلف بهذه العظائم كما يتضمن الدعوة إلى التدبّر والدقة في صنعها ، والنواميس السائدة عليها ، واللطائف الموجودة فيها ، وبالتالي يحتج بها على صانع لها عالم وقادر وحي و ... ، كذلك يتضمن جواز الحلف بها إذا كان موجوداً مقدساً ، كما حلف سبحانه بحياة النبي وقال : ( لَعَمْرُكَ إنَّهُم لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمِهُونَ ) (2). عرض المسألة على الأحاديث هذا بالنسبة إلى القرآن ، وإليك عرض المسألة على سنة النبي الأكرم ، أعني قوله وفعله وتقريره ، فقد حلف بغير اللّه في موارد عديدة منها : 1 ـ روى مسلم في صحيحه : « جاء رجل إلى النبي فقال : يا رسول اللّه أىّ الصدقة أعظم أجراً؟ فقال : أما وأبيك فننبئنّك : أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح ، تخشى الفقر وتأمل البقاء » (3). 2 ـ روى مسلم أيضاً : 1 ـ سورة الأعراف : الآية 28. 2 ـ سورة الحجر : الآية 72. 3 ـ صحيح مسلم ، ج 3 ، كتاب الزكاة ـ باب أفضل الصدقة ، ص 94. (305) « وجاء رجل إلى رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) ـ من نجد ـ يسأل عن الإسلام ، فقال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : خمس صلوات في اليوم والليل. فقال : هل علىّ غيرهن؟ قال : لا ... إلاّ أن تطّوّع ، وصيام شهر رمضان. فقال : هل علىّ غيره؟ قال : لا ... إلاّ أن تطّوّع ، وذكر له رسول اللّه الزكاة. فقال الرجل : هل علىَّ غيرها؟ قال : لا ... إلاّ أن تطّوّع. فأدبر الرجل وهو يقول : لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول اللّه : أفلح وأبيه (1) إن صدق. أو قال : دخل الجنة ـ وأبيه ـ إن صدق » (2). 3 ـ وروي الحديث في مسند أحمد بن حنبل ، وفي نهايته : أنّ النبي قال له : « ... فلعمري لئن تتكلم (3) بمعروف و تنهى عن منكر ، خير من أن تسكت » (4). وهناك أحاديث أُخرى لا يسع الكتاب ذكرها (5). وقد أقسم الإمام علىّ ( عليه السَّلام ) ـ ذلك النموذج البارع في التربية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ 1 ـ أي حلفاً بأبيه ، فالواو واو القسم. 2 ـ صحيح مسلم ، ج 1 باب ما هو الإسلام ، ص 32. 3 ـ أي تتكلم ـ للمخاطب ـ كما في قوله تعالى : « فأنت له تصدى » « أي تتصدى ». 4 ـ مسند أحمد ، ج 5 ص 225. 5 ـ راجع مسند أحمد : ج 5 ص 212 ، وسنن ابن ماجة : ج 1 ص 255 وج 4 ص 595. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ (306) الإسلامية والقيم العالية ـ بنفسه الشريفة مرات في خطبه ورسائله وكلماته (1). وهذا أبوبكر بن أبي قحافة يقول للسارق الّذي سرق حلي ابنته ، فقال : « وأبيك ما ليلك بليل سارق » (2). ولا أرى البحث أكثر من هذا إلاّ تطويلا بلا طائل ، وبما أنّ الوهابيين يتمسكون ببعض الأحاديث فلا بأس بدراستها : 1 ـ إنّ رسول اللّه سمع عمر و هو يقول : وأبي ، فقال : إنّ اللّه ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، ومن كان حالفاً فليحلف باللّه أو يسكت (3). يلاحظ على الاستدلال : بأنّ وجه النهي عن الحلف بالآباء ، أنّ أباءهم في الغالب كانوا مشركين وعبدة الأصنام ، فلم تكن لهم حرمة ولا كرامة حتّى يحلف أحد بهم ، ويؤيد ذلك ما روي عن النبي أنه قال : « ولا تحلفوا بآبائكم ولا بأُمهاتكم ولا بالأنداد » (4) وروي أيضاً : « لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت » (5). على أنّه يحتمل أن يكون النهي عن الحلف بالأب في مقام فصل الخصومات و حسم الخلافات ، وقد عرفت أنّ الفاصل في هذا المجال هو الحلف باللّه وصفاته. وأكثر ما يمكن أن يقال : إنّ النهي تنزيهي لا تحريمي بشهادة ما سبق من الحلف بغير اللّه في حديث الرجل النجدي. 2 ـ جاء ابن عمر رجل فقال : أحلف بالكعبة؟ قال له : لا ، ولكن احلف برب الكعبة ، فإنّ عمر كان يحلف بأبيه ، فقال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ 1 ـ نهج البلاغة : تعليق محمد عبده : الخطبة رقم 22 و25 و56 و85 و161 و168 و182 و183 و187 والرسالة رقم 6 و9 و54. 2. الموطأ ، أخرجه في باب الحدود برقم 29. 3 ـ سنن ابن ماجة : ج 1 ص 277 ، سنن الترمذي : ج 4 ص 109 وغيرهما. 4 ـ سنن النسائي ج 7 ص 9. 5 ـ سنن النسائي : ج 7 ص 7 ، سنن ابن ماجة : ج 1 ص 278 ـ والطواغيت هي الأصنام. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ (307) لا تحلف بأبيك فإنّ من حلف بغير اللّه فقد أشرك (1). يلاحظ على الاستدلال : أنّ الحديث يتألف من أُمور ثلاثة : 1 ـ إِنَّ رجلا جاء إلى ابن عمر فقال : أحلف بالكعبة؟ فأجابه بقوله : لا ، ولكن احلف برب الكعبة. 2 ـ إِنَّ عمر بن الخطاب كان يحلف بأبيه ، فنهاه النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) عن ذلك. 3 ـ إِنَّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) علل ذلك بقوله : « من حلف بغير اللّه فقد أشرك ». والمتبادر من كلام الرسول حيث وقع تعليلا لنهي عمر عن الحلف بوالده ـ الكافر ـ ما إذا كان المحلوف به شيئاً غير مقدس كالكافر والصنم ، وأما إذا كان المحلوف به مقدساً وذا فضيلة وكرامة كالكعبة ، فكلام الرسول منصرف عنه ، وإنما اجتهد ابن عمر حيث حمل كلام الرسول حتّى على الحلف بالمقدس ، كالكعبة ، واجتهاده حجة على نفسه لا على غيره. وهناك جواب آخر ، وهو أنه يحتمل وقوع التحريف في الخبر ، وأن قوله فقال : « رسول اللّه » مصحّف قوله : وقال رسول اللّه ، وعندئذ يكون كلام الرسول مستقلا ، لا تعليلا بشيء حتّى النهي عن الحلف بالكافر ، وعلى هذا فالحديث مركب من أُمور ثلاثة جمعها ابن عمر في حديث واحد. والّذي يعرب عن أنّ كلام الرسول كان كلاماً مستقلا غير واقع في ذيل النهي عن الحلف بالأب ، ما رواه إمام الحنابلة عن ابن عمر ، قال : « كان يحلف أبي ، فنهاه النبي وقال : من حلف بشيء دون اللّه فقد أشرك » (2) فلو كان كلام الرسول مصدّراً بنهي عمر عن الحلف بأبيه كان اللازم أن يقول : « فقال » مكان « قال » وعلى فرض استقلاله ووروده بدون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ 1 ـ السنن للبيهقي : ج 1 ص 29 ، وقريب منه في مسند أحمد : ج 2 ص 69. 2 ـ مسند أحمد : ج 2 ص 34. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (308) « الفاء » يكون القدر المتيقن منه الحلف بالأصنام. ويشهد على ذلك ما رواه النسائي : أن النبىَّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) قال : « من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلاّ اللّه » (1). والحديث يعرب عن أن رواسب الجاهلية كانت باقية في بعض النفوس ، فكانوا يحلفون بأصنامهم المعبودة ، فأمرهم النبي أن يقولوا بعد الحلف : « لا إله إلاّ اللّه » ليقضي على تلك الرواسب الجاهلية. وحصيلة الجوابين : إنَّ قول النبي : « من حلف بغير اللّه فقد أشرك » إمّا مختص بغير المقدسات كالحلف باللات والعزى والكافر ، أو مختص بالأصنام والأوثان فقط ، ولا يعم الكافر فضلا عن المقدسات. 1 ـ سنن النسائي : ج 7 ص 8. نقلا من كتاب بحوث في الملل والنحل الجزء الرابع للاستاذ الشيخ جعفر السبحاني ملاحظة /الموضوع له تكملة وهي قول احدهم ( اللهم ان اسالك بحق ........ شرك ؟ ) ساوافيكم به لاحقا ان شاء الله
|
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الله , القسم , بغير , وعلا |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
![]() |