العودة   منتدى جامع الائمة الثقافي > قسم القرآن والمعرفة > منبر تفسير القرآن ألكريم وبحوثه

منبر تفسير القرآن ألكريم وبحوثه مخصص لمواضيع التفسير والبحوث القرآنية

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
Bookmark and Share أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-03-2011, 03:33 AM   #1

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي

سورة الأنعام
125
إنّ النبي إذا جاء حكّم عقله وآمن، كان له من الله اللُطف الخفي وشرح الصدر، ومَن أعرَضَ وبقي على كفره أعرَضَ سبحانه عنه وخلّى بينه وبين ما يفعل الشيطان به من تضييق الصدر ((فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ)) إلى الإيمان ((يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ)) الشرح هو التوسعة، وهذا من باب التشبيه، فكما إنّ الشيء الوسيع له مجال أن ينفذ فيه شيء كذلك القلب المنشرح له محل أن ينفذ فيه الإسلام ((وَمَن يُرِدْ)) الله ((أَن يُضِلَّهُ)) لأنه تَرَكَ الإيمان وعانَد، فاقتضت المشيئة أن يخلّي بينه وبين الضلال حتى تكون عاقبة أمره خسراً ويذوق وَبال إعراضه ((يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا)) لا ينفذ فيه الإسلام ((حَرَجًا)) هو أضيق الضيّق -كما قالوا- ((كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء)) فإنّ الإنسان إذا جُرّ إلى السماء جراً أحسّ بضيق شديد في صدره، من جهة أنّ الهواء كلما لطف كان التنفس فيه أشكل، ومعنى (في) الولوج في طبقات السماء ليعطي معنى الشدة أكثر من (إلى) وكذلك التثقيل في (يصّعّد) ((كَذَلِكَ))، أي كما ذُكر من تضييق الصدر ((يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ)) وهو العذاب والصعوبة، أو المراد به المعنى الظاهري له، فإنّ للكفر رجساً ((عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)) فعلى وجه العقوبة لمن لا يؤمن يُجعل صدره ضيّقاً حَرَجاً، فليس ذلك إبتداءاً منه سبحانه، كما قد يزعم الناظر في أول الآية، وهذا كقولك: أنّ من يريد خيره من أبنائي أعطيه المال، وإنّ من أريد شرّه أقطع عنه المال، وهكذا أعمل بمن لا ينصاع إلى أوامري.

سورة الأنعام
126
((وَهَذَا))، أي الإسلام ((صِرَاطُ رَبِّكَ)) يارسول الله ((مُسْتَقِيمًا)) لا إعوجاج فيه ولا إنحراف فمن لم يقبله لم يفرّ من المنحرف وإنما زاغَ وانحرف ((قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ))، أي بيّناها وشرحناها ((لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ)) أصله يتذكّرون، ثم أُدغِمت التاء في الذال وأُدخِلت همة الوصل في أوله لتعذّر الإبتداء بالساكن، والمراد أنه لمن يتذكّر ما أودع فيه من الفطرة الآمرة باتباع الطريق المستقيم.

سورة الأنعام
127
((لَهُمْ))، أي للذين تذكّروا وعرفوا الحق ((دَارُ السَّلاَمِ)) وهي الجنة، فإنها دار السلامة التي لا حرب فيها ولا بغضاء ولا مرض ولا همٌّ ولا ينغّص العيش ((عِندَ رَبِّهِمْ))، أي إنّ تلك الدار عند كرامة الله ولُطفه وفي ضمانه وعهده ((وَهُوَ))، أي الله سبحانه ((وَلِيُّهُمْ)) الذي يتولّى أمورهم ((بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ))، أي بسبب أعمالهم الصالحة واتّباعهم أوامره.

سورة الأنعام
128
((وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا))، أي نجمعهم، والضمير عائد إلى الجن والإنس، الذين تقدّم الكلام عنهم بأنهم يوحي بعضهم إلى بعض زُخرف القول غرورا، وأنه جَعَلَ لكل نبي عدواً منهم، وإذ يجمعون يُقال لهم: ((يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ))، أي إتّخذتم أتباعاً كثيرة منهم وأحتشدتم حشداً عظيماً من التابعين الذين اتّبعوكم في وساوسكم وغروركم، ولفظة (يوم) منصوبة بـ (يُقال) المقدّر ((وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم))، أي إتّباع الجن ((مِّنَ الإِنسِ)) الذين إتّبعوهم وأخذوا بوساوسهم وإيحاءاتهم ((رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ)) فلقد كان الإغواء نأخذه متاعاً واستمتاعاً، فإنّ الإنسان الذي لم يملأ فراغ قلبه الحق طلب متعة يستمتع بها، وما أجدر الإغواء والإيحاء أن يملأ ذلك الفراغ، وهذا كالإعتذار من الأتباع الإنسيين، كما يقول أحد الناس إذا سُأل عن عمله الباطل؟ أنه اتّخذه وسيلة للتسلية وسدّ الفراغ ((وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا))، أي الموت ((الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا))، أي وقّتّه وجعلته مدة، فقد أدركنا الموت ونحن في الإستمتاع ((قَالَ)) الله تعالى لهم ((النَّارُ مَثْوَاكُمْ))، أي مقامكم، والثواء الإقامة، والضمير عائد إلى الجن والإنس ((خَالِدِينَ فِيهَا))، أي في النار أبد الآبدين ((إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ)) أن تنقطع النار، وذلك بالنسبة إلى عصات المؤمنين ((إِنَّ رَبَّكَ)) يارسول الله ((حَكِيمٌ)) وبمقتضى حكمته جعل النار مثوى لهم ((عَليمٌ)) يعلم الصالح من الفاسد.

سورة الأنعام
129
((وَكَذَلِكَ))، أي كما تقدّم من الأخلّاء بين الجنّ والإنس، ليغوي بعضهم بعضا ((نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا)) فنجعل الظالم وليّاً للظالم في الدنيا، وفي الآخرة ((بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ))، أي بسبب كسبهم الأعمال السيئة وإعراضهم عن الحق.

سورة الأنعام
130
ثم يخاطب الجنّ الذين أوحوا إلى الإنس وأضلّوهم بهذا الخطاب ((يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ)) والمعشر هو الجماعة ((أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ)) على وجه الإستفهام الإنكاري، و(منكم) باعتبار أنّ الإنس والجنّ من مادة سفلية، فبعضهم من بعض أو باعتبار أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أرسَلَ رُسُلاً من الجنّ إليهم ((يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ))، أي يتلون لكم ((آيَاتِي))، أي حُجَجي ودلائلي ((وَيُنذِرُونَكُمْ))، أي يخوّفونكم ((لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا))، أي يوم القيامة ((قَالُواْ))، أي قالت الجنّ في جواب هذا الإستفهام ((شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا)) بما تستحق من العقاب حيث خالفنا وعصينا فإنّا معترفون بالجرائم، ثم يقول سبحانه ((وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا))، أي تزيّنت لهم أغوتهم ((وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ)) في الآخرة ((أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ)) في الدنيا فاستحقّوا العقاب.

سورة الأنعام
131
إنّ هؤلاء الجماعة الذين حُكِمَ عليهم بالنار لم يكن إعتباطاً وإنما كان بعد الإنذار والتبليغ و((ذَلِكَ)) الإرسال والإنذار لأجل ((أَن لَّمْ يَكُن))، أي لأنه ليس ((رَّبُّكَ)) يارسول الله ((مُهْلِكَ الْقُرَى))، أي يُهلِك ويعذّب أهل المدن ((بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُون)) عن الدين والطريق، بل إنما يهلكهم إذا أتمّّ الحجّة عليهم ثم خالَفوا وعصوا.

سورة الأنعام
132
ثم إنه ليس التعذيب إعتباطاً بأن يُحشرون جميعاً في درجة واحدة -كما قد ينساق من الآيات السابقة- بل ((وَلِكُلٍّ)) من المجرمين، أو الأعم منهم ومن المطيعين ((دَرَجَاتٌ))، أي مراتب خاصة به ((مِّمَّا عَمِلُواْ)) (من) نشوية، أي تنشاء تلك الدرجات من أعمالهم في الدنيا ((وَمَا رَبُّكَ)) يارسول الله ((بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)) فلا يدري مَن عَمِلَ وما عَمِلَ، بل كل شيء عنده محفوظ بقدره وخصوصياته.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2011, 03:35 AM   #2

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي

سورة الأنعام
133
إنّ هذه الأوامر وتلك العقوبات ليست لاحتياج الله سبحانه إلى هذه أو تلك ((وَرَبُّكَ)) يارسول الله ((الْغَنِيُّ)) الذي لا يحتاج إلى شيء إطلاقاً ((ذُو الرَّحْمَةِ)) ومن رحمته جَعَلَ الأوامر ليرحم العباد بها ((إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ))، أي يهلككم أيها البشر ((وَيَسْتَخْلِفْ))، أي يجعل خليفة لكم وفي محلكم ((مِن بَعْدِكُم))، أي بعد الإذهاب بكم ((مَّا يَشَاء)) من أنواع المخلوقات ((كَمَآ أَنشَأَكُم)) وأوجدكم ((مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ)) حيث أذهبهم وأتى بكم، فإنّ ذلك عليه يسير.

سورة الأنعام
134
((إِنَّ مَا تُوعَدُونَ)) أيها البشر من القيامة والحساب والثواب والعقاب ((لآتٍ))، أي يأتي لا محالة ((وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ))، أي لستُم تقدرون أن تسبّبوا عجزه سبحانه حتى لا يتمكن من إعادتكم والإتيان بكم لساحة الحساب.

سورة الأنعام
135
((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء ((يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ))، أي منزلتكم ومقدار تمكّنكم من الدنيا، وهذا الأمر للتهديد، أي إعملوا الكفر والمعاصي كما تتمكّنون ((إِنِّي عَامِلٌ)) بما أمَرَني الله سبحانه -فلكم دينكم ولي دين- ((فَسَوْفَ)) في الآخرة ((تَعْلَمُونَ)) جزاء أعمالكم ((مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ))، أي العاقبة المحمودة في دار السلام، هل أنتم أم أنا؟ لكن إعلموا أنّ عاقبة الدار لي فـ ((إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ)) ولا يفوز بالسعادة ((الظَّالِمُونَ)) الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي.

سورة الأنعام
136
ثم يعود السياق إلى معالجة العقيدة في بعض نواحيها فيحكي ما كان يفعله أهل الجاهلية من تقسيم ما ينفقوه من الزرع والأنعام بين الله وبين الأصنام ((وَجَعَلُواْ))، أي جعل الكفار ((لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ))، أي خَلَقَ ((مِنَ الْحَرْثِ))، أي الزرع ((وَالأَنْعَامِ))، أي المواشي الإبل والبقر والغَنَم ((نَصِيبًا))، أي حظاً وقسماً، وجعلوا للأصنام نصيباً ((فَقَالُواْ هَذَا)) القِسِم ((لِلّهِ)) تعالى ((بِزَعْمِهِمْ)) وإنما نَسَبَهم إلى الزعم لأنه لم يكن لله، فإنّ الله لا يقبل الشيء الذي أُشرِكَ فيه ((وَهَذَا)) القِسِم ((لِشُرَكَآئِنَا))، أي الأوثان، أي الشركاء الذين نحن شاركناهم مع الله -وفي الإضافة تكفي أدنى ملابسة، ككوكب الخرقاء- ((فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ)) من الأنعام والحرث ((فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ))، أي إنّ الله لا يقبله، وكنّى بالإيصال لتشبيه المعقول بالمحسوس تقريباً للأذهان ((وَمَا كَانَ لِلّهِ)) بزعمهم ((فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ)) وهذا مجاز، فإنّ الأصنام تنتفع بهذا النصيب حتى ترنح لها القلوب الجاهلة المكانة المكينة، أو المراد أنهم كانوا إذا خصّصوا نصيباً للشركاء لا يأخذون منه لجانب الله شيئاً، أما الحصة المخصّصة لله سبحانه فقد يأخذون منها ليوفّروا المأخوذ على مال الأصنان، روي عن أهل البيت (عليهم السلام) أنهم كانوا يعيّنون من حرث ونتاج لله ويصرفونه إلى الضيوف والمساكين وشيئاً منها لآلهتهم وينفقونه على سَدَنَتَها ويذبحون عندها ثم إن رأوا ما عيّنوا لله أزكى بدّلوه بما لآلهتهم وإن رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها حبّاً لآلهتهم واعتلوا لذلك بأنّ الله غني، وروي أيضاً أنه كان إذا إختلط ما جُعل للأصنام بما جُعل لله ردّوه وإذا إختلط ما جُعل لله بما جعلوه للأصنام تركوه وقالوا: الله غني وإذا إنخرق الماء مِن الذي لله في الذي للأصنام لم يسدّوه وإذا إنخرق مِن الذي للأصنام في الذي لله سدّوه وقالوا: الله غني، فردّ عليهم سبحانه بقوله ((سَاء مَا يَحْكُمُونَ))، أي إنّ حكمهم بالتشريك أو عند الإختلاط والتزكية شيء فإنّ الله وإن كان غنياً لكن هذا العمل مخالف لجلال شأنه وعظم كبريائه.

سورة الأنعام
137
((وَكَذَلِكَ))، أي كما جعل المشركون في الحرث والأنعام ما لا يجوز كذلك فعلوا بالنسبة إلى أولادهم ما لا يجوز ((زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ)) فاعل (زيّن) (شركائهم)، أي إنّ الشياطين الذين إتّخذهم المشركون شركاء لله زيّنوا لهم أن يقتلوا أولادهم ((قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ)) مفعول (زيّن) ((شُرَكَآؤُهُمْ)) فقد كان كثير من المشركين يعبدون الجن، وهي توحي بالأعمال السيئة، فقد كانوا يقتلون البنات خوف العار كما قال سبحانه (وإذا بُشِّرَ أحدهم بالأُنثى ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم -إلى أن يقول- أم يدسّه في التراب) وقال (وإذا الموؤدة سُإلَت بأيّ ذنبٍ قُتِلَت)، وكانوا يقتلون البنين خوف الفقر كما قال سبحانه (ولا تقتلوا أولادكم مِن إملاق) ((لِيُرْدُوهُمْ)) من أرداه بمعنى أهلكه، أي إنه كانت غاية الشياطين -الشركاء- التي زيّنت للمشركين قتل أولادهم، إرادة إهلاك الأولاد بالقتل وإهلاك الآباء بالذنب ((وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ))، أي يخلطوا الحق بالباطل حتى لا يعرفوا أحدهما من الآخر، وفي الغالب يأتي أهل الباطل بضغث من الحق وضغث من الباطل حتى لا يصغر الحق فيتّبعه الناس ((وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ))، اي ما قَتَلوا أولادهم، ومشيئة الله إنما هي بجبرهم على الهدى، لكنه لا يشاء لأنّ الدنيا خُلِقَت للإختبار ((فَذَرْهُمْ))، أي دعهم واتركهم يارسول الله ((وَمَا يَفْتَرُونَ))، أي إفترائهم على الله سبحانه، فقد كان المشركون ينسبون أباطيلهم إليه سبحانه، و(ذرهم) تهديداً لهم لا إنّ معناه عدم وجوب ردعهم ونهيهم.

سورة الأنعام
138
((وَقَالُواْ))، أي قال المشركون في قسم آخر من خزعبلاتهم ((هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ))، أي مواشِ وزرع ((حِجْرٌ))، أي حرام ((لاَّ يَطْعَمُهَا))، أي لا يأكلها ((إِلاَّ مَن نّشَاء)) وهي التي خصّصوها لأصنامهم فقد كانت خاصة للسَدَنة لا يُشركهم فيها أحد ((بِزَعْمِهِمْ))، أي قد كان هذا التحريم زعماً منهم إذ لم يُنزِل الله به من سلطان ((وَ)) عَمَدوا إلى قسم ثانِ من الأنعام فحَجَروها وقالوا هذه ((أَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا))، أي لا يُركب عليها لأنها نُذرت للآلهة، أو لأنها ولدت كذا ولداً، أو لأنها حَمَت ظهرها من السائبة وأخواتها كما تقدّم في سورة المائدة ((وَ)) عمدوا إلى قسم ثالث من الأنعام فهي ((أَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْها)) عند الركوب، أو عند الذبح، أو لا يحجّون عليها، وقد كانوا ينسبون ذلك إلى الله سبحانه ((افْتِرَاء عَلَيْهِ)) فقد كانوا كاذبين في هذه النسب ((سَيَجْزِيهِم)) الله سبحانه ((بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ))، اي بسبب إفترائهم على الله سبحانه كذباً وزورا.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2011, 03:36 AM   #3

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي

سورة الأنعام
139
((وَقَالُواْ))، أي قال المشركون في قسم آخر من أباطيلهم ((مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ)) من الجنين ((خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا))، أي نسائنا، إن كانت حية ((وَإِن يَكُن)) ما في بطن الأنعام ((مَّيْتَةً)) بأن خرج الجنين ميتاً ((فَهُمْ)) رجالاً ونساءً ((فِيهِ شُرَكَاء)) يجوز للنساء أكله كما يجوز للرجال ((سَيَجْزِيهِمْ)) الله تعالى ((وَصْفَهُمْ))، أي هذا الوصف الذي كانوا يصفون الجنين بالتحليل والتحريم و(وصف) منصوب بنزع الخافض، أي: بوصفهم ((إِنَّهُ)) سبحانه ((حِكِيمٌ)) يحكم عن حِكمة ومصلحة ((عَلِيمٌ)) بما يصدر من هؤلاء فيجازيهم حسب المصلحة والحِكمة.

سورة الأنعام
140
ثم يجمع ذلك كله بقوله سبحانه ((قَدْ خَسِرَ)) الكفار ((الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ)) خوف العار أو الفقر أو للنذر -فقد كانوا ينذرون قتل الأولاد- ((سَفَهًا))، أي جهلاً وسفاهة، فإنهم إشتروا بذلك النار ((بِغَيْرِ عِلْمٍ)) بما يعملون، فإنهم كانوا يزعمون صحّة عملهم هذا ((وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ))، أي خسروا بتحريمهم قسماً من الأنعام والحرث الذي زَعَموا أنه حِجر ((افْتِرَاء عَلَى اللّهِ)) حيث كانوا ينسبون ذلك إليه سبحانه ((قَدْ ضَلُّواْ)) الطريق المستقيم ((وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ)) في تلك الأعمال.

سورة الأنعام
141
((وَهُوَ)) الله ((الَّذِي أَنشَأَ))، أي خَلَقَ وأبدَعَ ((جَنَّاتٍ))، اي بساتين ((مَّعْرُوشَاتٍ))، أي مجعولات لها عروش من الكروم ((وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ)) من الأشجار التي لا تحتاج إلى العروش بل هي قائمة على ساقها ((وَ)) أنشأ ((النَّخْلَ)) للتمر ((وَالزَّرْعَ)) من مختلف المزروعات في حال كون جميع ذلك ((مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ))، أي ثمره الذي يُؤكل والإختلاف في اللون والطعم والشكل والخواص ((وَ)) أنشأ ((الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ)) وذَكَرَهما لكثرتهما في هذه البلاد، في حال كون ذلك كله أو الآخرين ((مُتَشَابِهًا)) يشبه بعضها بعضاً ((وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)) من حيث اللون والورق والشجر وغيرها ((كُلُواْ)) أيها البشر ((مِن ثَمَرِهِ))، أي ثمر هذا المنشأ ((إِذَا أَثْمَرَ)) فإنّ ذلك مباح لكم ((وَآتُواْ حَقَّهُ))، أي الحق المجعول عليه وهو إعطاء الفقراء منه شيئاً، حفنة حفنة، أو كفاً كفاً ((يَوْمَ حَصَادِهِ))، أي إجتنائه وقطعه ((وَلاَ تُسْرِفُواْ)) في باب ما رَزَقناكم، بأن تُعطوا الجميع، أو تصرفوه فيما لا يعني، أو ما أشبه ((إِنَّهُ)) سبحانه ((لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ))، أي يكرههم.

سورة الأنعام
142
((وَ)) أنشأ ((مِنَ الأَنْعَامِ)) الإبل والبقر والغنم ((حَمُولَةً)) هي الإبل التي تَحمِل، أو كل ما يَحمِل من الخيل والبغال والحمير والإبل ((وَفَرْشًا))، أي ما يُفترش به من جلودها، أو المراد بالفرش صغارها قبل أن تكون صالحة للحمل، وكذلك الغنم ((كُلُواْ)) أيها البشر ((مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ)) ولا تحرّموا شيئاً منها كما كان الجاهلون يحرّمون بعض الطيبات ((وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)) كأنّ العاصي يضع قدمه حيث وضع الشيطان قدمه ((إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ))، أي واضح العداوة، لأنه يسبّب ذهاب دنياكم وآخرتكم.

سورة الأنعام
143
ثم بيّن سبحانه أن ليس في شيء من الأنعام محرّماً، وإنما ذلك إختلاف الجهّال، أنه سبحانه أنشأ ((ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ)) من الأنعام الثلاثة، والزوج يقع على الواحد الذي يقع معه الآخر، وعلى الإثنين، فالرجل زوج والمرأة زوج، كما إنّ كليهما زوج ((مِّنَ الضَّأْنِ)) وهي الشاة ((اثْنَيْنِ)) ذكر وأنثى وإثنين بدل من (ثمانية) ((وَمِنَ الْمَعْزِ)) وهي الصخل ((اثْنَيْنِ)) ذكر وإثنين ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الذين يحرّمون بعض هذه الأقسام ((آلذَّكَرَيْنِ)) حخلت همزة الإستفهام على همزة الوصل وفُصِلَ بينهما بالألف، ولم تسقط همزة الوصل لئلا يلتبس الإستفهام بالخبر وإن جازَ الحذف لقرينة (أَم)، أي: هل أحد الذَكَرَين من الضأن والمِعزَ ((حَرَّمَ)) الله ((أَمِ)) أحد ((الأُنثَيَيْنِ)) منها ((أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ))، اي الجنين الذي إشتمل عليه رحم الضأن والمعز، فإنهم كانوا يقولون أنّ ما في بطون هذه الأنعام محرّم للأناث وخالصة للذكور ((نَبِّؤُونِي))، أي: أخبروني أيها الكفار المحرِّمون لبعض هذه الأقسام ((بِعِلْمٍ))، أي: عن دليل عملي، لا الأوهام والظنون ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في تحريم الله سبحانه لهذه الأقسام.

سورة الأنعام
144
((وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ)) ذكر وأنثى، وهو عطف على (من الضأنِ إثنين) ((وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ)) ذكر وأنثى، وهذا تمام الثمانية ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء ((آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ))، أي: هل أنّ أحداً من الذَكَرَين حرّم الله سبحانه ((أَمِ)) أحد ((الأُنثَيَيْنِ)) من الإبل والبقر ((أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ)) من الجنين -كما تقدّم- ((أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء))، أي: حضوراً -مقابل قوله (نبّؤوني بعلمٍ)-، أي: هل علمتم أو حضرتم التحريم ((إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا)) التحريم، وإ لا دليل لكم لا سماعاً ولا حضوراً ((فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا)) فإنّ من ينسب إلى الله سبحانه حُكماً بالكذب هو أظلم الناس لنفسه، وقد تقدّم أنّ التفضيل هنا نسبي لا واقعي ((لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ)) فيوقع الناس في الضلالة ولا علم له بصحة عمله، بل يعلم بطلانه أو يظنّ بما يقوله ظنّاً ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) بل يتركهم وشأنهم حتى يتمادوا في غيّهم وضلالهم.

سورة الأنعام
145
((قُل)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ))، أي ما أوحاه الله سبحانه في باب تحريم هذه الأشياء التي تناولونها أنتم والتي تحرّمونها ((مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ))، أي على آكل يأكله فكل ما تذكرو تحريمه باطل، بل هي حلال طيب ((إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً)) غير مُذكّى شرعاً ((أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا))، أي مصبوباً، وإنما خصّ المسفوح بالذَكر لأنّ ما اختلطَ باللحم مما يعسر تخليصه منه محلّل مُباح ((أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ))، ومن المعلوم أنّ ذَكر اللحم من باب المثال وإلا فشحمه وسائر أجزائه أيضاً حرام ((فَإِنَّهُ))، أي كل واحد من هذه المحرّمات، أو خصوص لحم الخنزير ((رِجْسٌ))، أي قذر منفور منه ((أَوْ فِسْقًا)) عطف على (ميتة)، أي لحماً يكون أكله فسقاً، لأنه خلاف إباحة الله وذلك فيما ((أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ))، أي: ذُكِرَ عليه إسم الأصنام حين القتل، ولم يُذكر عليه إسم الله ((فَمَنِ اضْطُرَّ)) إلى تناول أحد هذه المحرّمات ((غَيْرَ بَاغٍ)) في أكله ((وَلاَ عَادٍ)) من التعدّي، بأن لم يكن طالباً لأكل الحرام ومتعدّياً حدّ سدّ الرمق -وقد تقدّم المعنى في سورة المائدة- ((فَإِنَّ رَبَّكَ)) يارسول الله ((غَفُورٌ)) يغفر لمن تناول مضطراً ((رَّحِيمٌ)) بالعباد حيث رَخّصَ لهم ذلك، وقد تقدّم عدم المنافاة بين عدم المعصية والغفران.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2011, 03:38 AM   #4

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي

سورة الأنعام
146
هذا كان الحُكُم بالنسبة إلى غير اليهود ((وَ)) أما ((عَلَى الَّذِينَ هَادُواْ)) فقد ((حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ)) من دابة ليس مشقوقة الرِجل كالإبل والنعام، أو طير كالأوز والبط ((وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا)) كل شحم في بدنهما ((إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا))، أي الشحم الذي كان على ظهرهما ((أَوِ)) ما حملته ((الْحَوَايَا)) من الشحم، وهي جمع حاوية، والمراد به الأمعاء، وهو الشحم الملتف بالأمعاء ((أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ)) كشحم الجنب والإلية ونحوهما ((ذَلِكَ)) التحريم عليهم لم يكن لأجل ضرر في المحرّمات عليهم بل ((جَزَيْنَاهُم بِـ)) سبب ((بَغْيِهِمْ))، أي ظلمهم حيث كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ((وِإِنَّا لَصَادِقُونَ)) في أخبارنا عن بني إسرائيل وما فعلوا وما فعلنا بهم، وذلك بخلاف كثير من الأعداء حيث يلفّقون أخباراً مكذوبة على أعدائهم لحطّهم في أعين الناس.

سورة الأنعام
147
((فَإِن كَذَّبُوكَ)) يارسول الله فيما ذكرتَ للمشركين من التحريم والتحليل، بل قالوا إنّ حرام الله وحلاله كما نقول، أو فيما ذكرتَ عن اليهود من تحريم الله عليهم المذكورات بسبب بغيهم ((فَقُل)) لهم ((رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ)) يرحم جميع ذوي الروح، ولذا لا يعجّلكم بالعقوبة لعلكم تتوبون ((وَ)) لكن مع ذلك ((لاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ))، أي لا يدفع عذابه إذا جاء وقته ((عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)) الذين إرتكبوا الجرائم.

سورة الأنعام
148
((سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ)) واتّخذوا شريكاً لله سبحانه، للدفاع عن أنفسهم وتبرير شِركهم ((لَوْ شَاء اللّهُ)) أن لا نُشرِك ((مَا أَشْرَكْنَا)) نحن ((وَلاَ)) أشرَكَ ((آبَاؤُنَا)) من قَبل ((وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ)) فإذا أشركنا وحرّمنا وسَكَتَ الله عنّا فهو يرضى بذلك ويريد شِركنا وتحريمنا ((كَذَلِكَ))، اي كتكذيب هؤلاء لك يارسول الله في مقالك أنّ الله لا يرضى بالشِرك ولم يحرّم ما حرّمتموه ((كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم)) أنبيائهم ((حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا))، أي حتى نالوا عذابنا ونكالنا ((قُلْ)) يارسول الله لهم ردّاً على حجّتهم ((هَلْ عِندَكُم)) أيها المشركون ((مِّنْ عِلْمٍ)) بأنّ الله يريد شِرككم وتحريمكم للمحلّلات ((فَتُخْرِجوهُ لَنا)) وإذ ليس لكم دليل فكلامكم خالٍ عن الحجّة ((إنْ تَتّبِعونَ))، أي ما تتّبعون في أقوالكم وأعمالكم ((إلاّ الظَّنَّ)) فإنكم تظنّون ما تقولونه لما اعتدتم عليه ((وَإِنْ أَنتُمْ))، أي: ما أنتم ((إَلاَّ تَخْرُصُونَ)) الخرص هو التخمين.

سورة الأنعام
149
((قُلْ)) يارسول الله لهم أنكم إذا عجزتم عن إقامة الدليل على عقيدتكم ومدعاكم ((فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ)) التي بَلَغتُكم بأنه لا يريد الشرك ولم يحرّم المذكورات ((فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)) بالجبر والإكراه، لكنه لا يشاء ذلك حتى يُجري الإختيار والإختبار.

سورة الأنعام
150
((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الذين حرّموا الأمور المذكورة ((هَلُمَّ))، أي أحضِروا ((شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا)) الذي ذكرتم حُرمته من أقسام الحيوان والزرع، إنه طالَبَهم بالعلم فلم يكُن لهم ثم يطالبهم بالشاهد، لكنه لا شاهد عندهم ولكنهم قد يأتون بشهود زور ((فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ)) يارسول الله ((مَعَهُمْ)) فإنّ شهادتهم باطلة، وإن قيل كيف دعاهم إلى الشهادة، ثم لم يقبل شهادتهم؟ قلنا أنه دعاهم إلى أن يأتوا بالشهود العدول لا من أنفسهم، وإلا فالمدّعي لا يكون شاهداً، فإن شَهِدوا بأنفسهم لم تقبل شهادتهم ((وَلاَ تَتَّبِعْ)) يارسول الله ((أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا))، أي هوى أنفسهم، فإنّ مَن لا يعمل بالحق لابد وأن يكون متّبعاً لهواه، وحيث يرشده الهوى إليه ((وَ)) لا تتّبع أهواء ((الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ)) كالكفار الذين كانوا ينكرون البعث ومن المعلوم أنّ الكفار كانوا على قسمين منهم مَن يؤمن بالآخرة كأهل الكتاب، ومنهم مَن لا يؤمن به كالدهرية ((وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ))، أي يجعلون له عدلاً وشريكا.
سورة الأنعام
151
وبعد إستنكار ما حرّمه المشركون على أنفسهم، واستنكار إستحلالهم لبعض المحرّمات يأتي السياق لبيان المحرّمات الواقعية التي حرّمها الله سبحانه ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء المشركين ((تَعَالَوْاْ))، أي أقبِلوا واحضروا ((أَتْلُ))، أي إقرأ ((مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)) (ما) مفعول (أتلُ) ((أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ))، أي بالله ((شَيْئًا))، أي لا تجعلوا له سبحانه شريكاً، والجملة في تأويل المصدر، فيكون بدلاً من (ما حرّم)، أي: إتلُ تحريم الشِرك، فلا يُقال: إنّ النفي في النفي يفيد الإثبات ((وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا))، أي أوصاكم بهما إحسانا، إذ في (حرّم) معنى الإيصاء، وإحساناً منصوب بفعل مقدّر تقديره: أحسِنوا بالوالدين إحسانا، ومن المعلوم أنّ ترك كل واجب حرام، ولذا صحّ تعداده في جملة (ما حرّم) ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم)) بنين وبنات ((مِّنْ إمْلاَقٍ)) هو الفقر، أي: من جهة الفقر، فقد كان المشركون يقتلون أولادهم خوف أن يفتقروا فلا يجدوا مؤونتهم ((نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ)) أنتم الآباء ((وَإِيَّاهُمْ))، أي الأبناء، فليس رزقهم عليكم، ثم إنّ من المعلوم أنّ الرزق يحتاج إلى جد وتعب فليس المراد برزقه إيّاهم أنه يُنزله من السماء في الدلو ((وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ)) جمع فاحشة، صفة للمقدّر أي الصفة الفاحشة ((مَا ظَهَرَ مِنْهَا)) للناس ((وَمَا بَطَنَ))، أي أتى به سراً، وهذا يشمل جميع المحرّمات غير المذكورة بالنص ((وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ)) من المسلم والمعاهِد ((إِلاَّ بِالْحَقِّ)) وقد تقدّم أنّ مثل هذه الإستثناءات من أصل الكلام لا من قيده، أي لا تقتلوا النفس إلا بالحق، والحق في القتل في موارد خاصة كالجهاد والزاني المُحصَن والمرتد الفطري والمهاجِم والقصاص ومَن أشبه ((ذَلِكُمْ)) المذكور في الآية من المحرّمات ((وَصَّاكُمْ)) الله ((بِهِ))، أي أمَرَكم، فإنّ الوصية بمعنى الأمر ((لَعَلَّكُمْ)) أيها البشر ((تَعْقِلُونَ))، أي تحكّمون عقولكم في المحرّم والمحلّل فلا تقولوا شيئاً إعتباطاً.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2011, 03:39 AM   #5

 
الصورة الرمزية لؤلؤة الشرق

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 148
تـاريخ التسجيـل : Mar 2011
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق - كركوك
االمشاركات : 651

افتراضي

سورة الأنعام
152
((وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ)) وهو مَن فَقَدَ الأب والجد، أو الأعم منه ومَن فَقَدَ الأم، وكلمة (لا تقربوا) للمبالغة في الإجتناب، وتخصيص اليتيم بالذَكر مع عدم جواز التصرّف في مال كل أحد بدون رِضاه لأجل أنّ اليتيم لا يقدر على الدفاع عن نفسه ((إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))، أي بالطريقة التي أحسن من سائر الطرق بأن يحفظ له ماله إلا بمقدار ضروري مُعاش اليتيم حيث يُصرف عنه ((حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)) الأشُد جمع شد نحو أضر جمع ضر، والشد القوة وهو إستحكام قوة الشباب، أي حتى يبلغ إلى قوى شبابه، وهو إنما يحصل بالبلوغ والرُشد، والبلوغ في الولد كمال خمس عشرة سنة، أو الإنبات، أو الإحتلام، وفي البنت -غالباً- كمال التسعة والدخول في العاشرة ((وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ)) فلا تنقِصوا الكيل والميزان عند البيع، ولا تزيد وهما عند الشراء ((بِالْقِسْطِ))، أي بالعدل، فلا إفراط ولا تفريط ((لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا))، أي بالمقدار الذي يَسَعها ولا يوجب ضيقاً وحَرَجاً عليها، فهذه التكاليف السابقة، لا حَرَجَ فيها على النفس، أو المراد أنّ الوفاء بالكيل والوزن حسب المتعارف، لا الدقة العقلية حتى يوجب عُسراً وحَرَجاً، ولا يُقال: فكيف كلّف الإنسان بالجهاد؟ لأنّا نقول: الجهاد خارج عن هذا العموم فإنه لإرساء قواعد الإسلام، والعموم إنما هو في مقابل التكاليف في سائر الشرائع -المنحرفة- والقوانين المرهِقة فإنه يريد بيان سهولة أحكام الإسلام وسماحها ((وَإِذَا قُلْتُمْ)) شيئاً ((فَاعْدِلُواْ)) في القول، والعدل فيه أن لا يميل نحو الباطل، فالغيبة والسبّ والقضاء بغير الحق وما أشبهها ظلم ليس بعدل ((وَلَوْ كَانَ)) المقول فيه ((ذَا قُرْبَى)) فإنّ الناس غالباً يقولون الباطل لربح ذوي قرباهم، ولذا يأمرهم سبحانه بالعدل بالنسبة إليهم ((وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ)) والمراد جميع معاهداته، كما قال: (أوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم) فالمراد الإتيان بالواجبات وترك المحرّمات ((ذَلِكُمْ)) الذي تقدّم ذِكره من الأحكام ((وَصَّاكُم بِهِ)) على طريق اللزوم والحتم ((لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ))، أي لكي تتذكّروا وتأخذوا به، والتذكّر باعتبار ما هو كامن في الفطرة من حُسن هذه الأشياء -كما سبق-.

سورة الأنعام
153
((وَ)) وصّاكم سبحانه ((أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا))، أي إنّ الأحكام التي أنزلتها توصل إلى السعادة، فهي طريق إليها بالإستقامة، لا كسائر الطرق الملتوية التي قد لا توصل، وقد توصل بالتواء وعناء ((فَاتَّبِعُوهُ))، أي سيروا عليه وانتهجوه ((وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ)) الأُخر من سُبُل الكفر والبدع والشبهات ((فَتَفَرَّقَ))، اي تتفرّق تلك السُبُل ((بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)) فتشتتكم وتلهيكم عن طريقه سبحانه ((ذَلِكُمْ)) الإتّباع لسبيله ((وَصَّاكُم)) الله ((بِهِ)) إلزاماً ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))، أي لكي تتّقوا عقابه وتحذّروا الخسران.

سورة الأنعام
154
إنّ هذا الصراط كان قديماً قبل موسى وعيسى ومحمد (عليهم الصلاة والسلام) وإنّ الجميع كانوا مأمورين باتّباعه ((ثُمَّ)) بعد سبق هذا الصراط عند الأنبياء السابقين ((آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ))، أي أعطيناه التوراة ((تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ))، أي لأجل إتمام عمل موسى (عليه السلام) الحسن الذي أدّاه من القيام بالتبشير والهداية، أو لأجل تمام النعمة على موسى الذي أحسَنَ الخدمة لله سبحانه، فإنّ إنزال الكتاب على النبي من أعظم المفاخر بالنسبة إليه ((وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ)) مما يحتاج إليه الناس ((وَهُدًى))، أي دلالة على الحق ((وَرَحْمَةً)) يرحم الله بسببه على عباده حيث ينقذهم من الشقاء إلى السعادة ((لَّعَلَّهُم))، أي لعلّ الناس ((بِلِقَاء رَبِّهِمْ))، أي بملاقاة جزاءه وثوابه وعقابه ((يُؤْمِنُونَ)) فيسعدون.

سورة الأنعام
155
((وَهَذَا)) القرآن ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ)) له بَرَكة يأتي منه الخير الكثير ((فَاتَّبِعُوهُ)) أيها الناس ((وَاتَّقُواْ)) معاصي الله سبحانه ومخالفة كتابه ((لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))، أي لكي تشملكم الرحمة.

سورة الأنعام
156
وإنما أنزلنا هذا الكتاب ((أَن تَقُولُواْ))، أي لئلا تقولوا ((إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ)) من قِبَل الله سبحانه ((عَلَى طَآئِفَتَيْنِ)) اليهود والنصارى ((مِن قَبْلِنَا)) ولم يرتبط الكتاب بنا حتى نؤمن ((وَإِن كُنَّا)) (إن) مخفّفة من المثقّلة، أي أنه كنّا نحن العرب ((عَن دِرَاسَتِهِمْ))، أي دراسة أولئك الطوائف المنزَل عليهم الكتب، أي لغتهم ((لَغَافِلِينَ)) فلم نعرف ما في كتبهم حتى نؤمن، فقد أنزلنا إليكم الكتاب حتى لا يكون لكم عذر في عدم الإيمان.

سورة الأنعام
157
((أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ)) الذي نفهمه ((لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ))، أي أكثر هداية في التمسّك والعمل على طِبق الكتاب، لأنّا أليَن عريكة وأكثر تمسّكاً بالمعتقدات ((فَقَدْ جَاءكُم)) أيتها الأمة المعاصِرة للرسول ((بَيِّنَةٌ))، أي دلالة واضحة ((مِّن رَّبِّكُمْ)) وهو القرآن ((وَهُدًى)) يهتدي به إلى الحق ((وَرَحْمَةٌ)) يرحم به الله من تمسّك به إذ يسعده في الدنيا والآخرة ((فَمَنْ أَظْلَمُ))، أي مَن يكون أكثر ظلماً لنفسه ((مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ)) وهو القرآن ((وَصَدَفَ))، أي أعرَضَ ((عَنْهَا))، أي عن الآيات ((سَنَجْزِي)) في الآخرة، أو الأعم منها ومن الدنيا ((الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ))، أي العذاب الشديد ((بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ))، أي بسبب إعراضهم عن الحق والآيات.

سورة الأنعام
158
ما ينتظر هؤلاء الكفار بعد نزول القرآن؟ ((هَلْ يَنظُرُونَ))، أي هل ينتظرون للإيمان ((إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ)) وذلك لا يمكن في دار التكليف ((أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ)) وذلك مستحيل لأنّ الله لا مكان له ولا حركة ((أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ))، أي العذاب حتى يروا العذاب فيؤمنوا ((يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ)) يارسول الله ((لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ)) فإنّ العذاب إذا نزل لا تُقبل التوبة، لأنّ العذاب لا ينزل إلا بعد تمام الحجّة والمخالفة، وحين ذاك قد تمّ الإختبار وصار موعد المُجازات ((أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)) عطف على (لم تكن آمَنَت)، والمعنى أنه لا ينفع في ذلك اليوم إيمان نفس إذا لم تكن آمنت قبل ذلك اليوم أو ضمّت إلى إيمانها أفعال الخير، فإنها إذا آمَنت قبل نَفَعَها إيمانها، وكذلك إذا ضمّت إلى الإيمان طاعة لنفعها أيضاً، فلا ينفع إيمان كافر، ولا طاعة المؤمن، وإنما النافع الإيمان السابق والطاعة السابقة ((قُلِ)) يارسول الله لهؤلاء ((انتَظِرُواْ)) إتيان بعض آيات الله فـ ((إِنَّا مُنتَظِرُونَ)) ذلك، حتى يرى كل واحد منّا جزاءه العادل وما قدّم لنفسه.

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
سأدخل في أصعب مرحلة في حياة كل طالب للعلم
(( السادس العلمي )) اتمنى منكم اخواني واخواتي الدعاء لي بالموفقية والنجاح
واعذروني على مشاركاتي القليلة في الصرح المبارك
سأستعد منذ اليوم لخوض سباق الاجتهاد من اجل تحقيق الأهداف
دعمكم المميز لي هو الدعاء فلا تحرمونا منه
لؤلؤة الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأنعام , تفسير , صورة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



All times are GMT +3. The time now is 02:31 PM.


Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2025