بعثة المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثورة إنسانية عظيمة استهدفت إيصال البشرية إلى أقصى مدارج كمالها.

الإنسان مخلوق مُنِحَ جسد له حاجاته الخاصة به، ونفس لها حاجاتها الخاصة بها، وعقل له حاجاته التي تتلاءم مع طاقته الجبارة، وروحا لها حاجاتها التي تتلاءم مع مقامها العالي، كل ذلك جعل من الإنسان، بحر من الرغبات والمشاعر والميول والأحاسيس والحاجات والطموح...، والتي تحتاج الى مليء شواغرها...
فمتى تملئ، وكيف تملئ، ومن اين تملئ، لكي يتمكن الإنسان من الإنطلاق بشكل صحيح وسليم في مدارج الكمال، وينتصر في مجابهته المحتدمة مع جهة الشر، فالـ: (العقل البشريّ قاصرٌ عن أن يدرك مصالحه الحقيقيّة وكمالاته النفسيّة، وخاصّة بعد أن أحاطته عدّة أغشيةٍ من الغرائز والانفعالات والمصالح التي تطمس أمامه الطريق الصحيح إلى الحقّ).
اذاً ولكي تنطلق البشرية في مدارج كمالها، لابد من وجود مخطط حكيم ينضوي على عدة محاور أهمها محور التربية والتعليم التدريجي وفق منهج سماوي عادل، يحكم كل ممارسة معرفية او فعل اجتماعي، ويراعي بلطف دقائق مراحل السير الارتقائي للإنسان...، وهذا بالتأكيد يحتاج الى:

1.فكر بَنَّاءْ مُنَظَّم ومتماسك ومصوغ صياغة عقلانية، بتسلسل منطقي يتلاءم مع جميع مراحل الإرتقاء البشري، من أجل إيصالها إلى أقصى مديات كمالها، وهذا ما تمثل بالقرآن الكريم، فهو خطاب ايديولوجي شديد الرحمة وشديد الحماسة، تضمن محطات تاريخية هامة بينت علامات التحولات الإنسانية المفصلية المكتنزة للمعاني الواقعية الدلالة والمضمون، المعبرة عن واقع الإنسان في مواجهة الإنكسارات والأزمات الممتزجة بالزمن المعيش، وهذه المحطات ما هي الا شموع نور بددت الظلمة التي اكتنفت الكثير من الأحداث البشرية المهمة نتيجة الغموض الذي تغشاها، مما أدى الى وقوع الأفراد في حيرة التعبير الصحيح ازاءها...

2.نموذج إنساني راقي، متكفل بتوفير سبل هداية البشرية، وقادر على قيادتها برفق وأمان في خط سيرها، متفانياً في عملية إصلاحها.. مجتهداً في بيان وتعليم وشرح وتطبيق أطروحة السماء بشكل نموذجي بناء...، وهذا ما تجسد بأشرف وأفضل وأعلم وأرحم... ما خلق الله، وهو حبيب الله المصطفى الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فالإنسان بمفرده غير قادر على كشف العلائق والمفاهيم المركزية التي تحكم الرؤية الكونية والرابط بينها وبين الواقع.

اذاً كانت بعثة المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أعظم ثورة إنسانية حصلت على الأرض، قد وضعت البشرية على مسارها الصحيح المستهدف سيادة العدل والى الأبد، من أجل ضمان الوصول الى الكمال المنشود.

المصدر:
نظرات إسلاميّة في إعلان حقوق الإنسان، الشهيد السعيد السيد محمد الصدر(قدس سره): ص41.