الأسباب التي جعلت الإمامية يقيمون عزاء الأئمة (ع) أكثر من اقامتهم لعزاء سيد الكونين (ص)... نُشر في الحساب الرسمي لسماحة السيد مقتدى الصدر اعزه الله على منصة (أكس) بتاريخ ٢٠ / ٨ / ٢٠٢٥

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه تعالى نستعين

وصلى الله على خير الخلق محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحبه المنتجبين لستُ هنا بصدد التبرير، بل سأحاول الوقوف على الأسباب التي جعلت الشيعة الإمامية يقيمون عزاء الأئمة الأطهار أكثر من إقامتهم لعزاء سيّد الخلق وسيّد الكونين محمد صلى الله عليه وآله، ولا سيما عزاء الإمام الحسين عليه السلام .
ويبقى هذا الأمر معيباً ومخجلاً وإن ذكرنا بعض الأسباب التي أدّت إلى ذلك، ومن تلك الأسباب :
أولاً:- اختلاف شيعي شيعي من ناحية واختلاف شيعي سنّي في تاريخ وفاة الرسول .
فقيل إنه في الثاني عشر من ربيع الأول كما عند مشهور علماء العامة وبعض الخاصة، وهو أمر عجيب بل معيب، أن يقوم البعض بشرح تفاصيل حياة الرسول كمشيته ومأكله ونومه وما إلى غير ذلك، وفي نفس الوقت وقع خلاف حادّ في كيفية صلاته وصومه ووفاته أو استشهاده!!!
وقد يكون عدم التركيز على وفاته أو استشهاده عند العامة أمراً مقبولاً من حيث أنهم لا يعتنون ولا يقيمون العزاء فذلك قد يكون محرماً عندهم .
أما عند الخاصة، أعني الإمامية، فلا مجال للعذر فيه إطلاقاً.
والجواب على ذلك: كما إنكم تقيمون العزاء لسيّدة نساء العالمين وهي مختلف على تاريخ استشهادها حتى عندنا.. فأقيموه على سيّد الخلق وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله.
ثانياً:- إن أغلب مجالس العزاء عند الإمامية تتضمن قصة المقتل كمقتل الإمام علي في المحراب وسمّ الإمام الحسن وواقعة الطف وما إلى غير ذلك من قصص استشهاد الأئمة الأطهار، وأما قصة مقتل أو وفاة الرسول قد تتسبب ببعض التشنجات بين السنة والشيعة وخصوصاً في حادثة (الدواة والقلم) وأن كتابته للوصية في مرضه عندهم لا يجوز، فهو صلوات الله وسلامه عليه ليس أهلاً لذلك والعياذ بالله .
والجواب على هذه النقطة: هو تجنب حكاية ما يؤجج النعرات الطائفية أو حكايته على نحو الاحتمال وبلا تسميات والابتعاد عن كل ما يتسبب بالفتنة إن جاز التعبير .
ثالثاً:- كأني ببعض الشيعة، يقولون: إنه توفّي وحوله الأهل والصحب، لا كما حدث مع باقي المعصومين كبضعته الزهراء وحفيده الحسين عليهما السلام .
وهو قد يقلل من أهمية العزاء عند البعض والعياذ بالله .
أقول: ما أوذي نبي كما أوذي رسولنا محمد صلى الله عليه وآله.. كما ورد عنه، بل ولا بدّ من الالتفات إلى إن أذيته وإن كانت قليلة بنظر البعض إلا إنها أعظم وأكثر إثماً من غيره من المعصومين.. فكلما زادت عظمة الشخص زادت حرمة أذيته وإثمها وخصوصاً إذا كانت من أصحابه .
رابعاً:- إن من أهم أسباب إقامة العزاء عند الإمامية الإثني عشرية هو إغاظة أعداء المذهب والأئمة الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أما إقامة العزاء على الرسول فقد يكون عند البعض من الإمامية غير مشمول لذلك، ولا يكون فيه إغاظة لهم، ولا سيما أتباع بني أمية وأشباههم، فهو شخصية مشتركة بين كل المسلمين وتوابعهم أو ممن يعتبرون أنفسهم من الإسلام والله العالم .
والجواب واضح: إن بني أمية من أعداء الرسول، وهذا أكيد عندنا.. فإقامة عزائه صلى الله عليه وآله سيغيظ أتباعهم ومن سار على نهجهم، كما إنه يغيظ أعداء الدين بصورة عامة وخصوصاً في أيامنا هذه التي تكالبوا فيها على ديننا ورسولنا وقرآننا وما يقومون به من رسوم مسيئة أو حرق أو نعت له بأنه إرهابي أو جاء بالذبح والعياذ بالله .
خامساً:- إن الشيعة الإمامية الإثني عشرية يؤمنون بكل الأنبياء ولا يقيمون لهم العزاء كما في نبي الله نوح أو موسى أو خليل الله إبراهيم..
فكذلك رسول الله، فكأنه لا معنى أن يقيموا العزاء للرسول محمد صلى الله عليه وآله ولا يقيمونه لغيره من الأنبياء عليهم السلام .
أقول: لرسول الله خاصية عندنا بل عند الله وملائكته ورسله، فإن لم تقيموا عزاءً للأنبياء والرسل فهو أحق بالعزاء.. وخصوصاً بعد ما ذكرنا من أنه كان أكثر الأنبياء بلاءً وأذية من أعدائه تارة وممن يحسبون أنفسهم صحبه وخلّصه تارة أخرى .
سادساً:- الاختلاف في مقتله أو وفاته حتى قرآنياً إن جاز التعبير، فالله تعالى يقول: فإن مات أو قتل... فالأمر مردد بينهما .
وهنا أقول: فكذلك اختلفوا في مقتل فاطمة الزهراء عليها السلام بعد نفي كسر ضلعها وما شاكل ذلك.. وعلى الرغم من ذلك فالإمامية أجمع حتى من نفى عنها ذلك فهو يقيم مجالس العزاء ومجالس ذكرها.. فبطريق أولى يجب إقامة العزاء والذكر لرسول الله في الذكرى المشهورة عندنا نحن الإمامية لوفاته أو مقتله صلوات الله وسلامه عليه .
بل إن من شرّف فاطمة بنسبه وعلياً بخلافته والأئمة الأطهار بعصمته ووصايته وأذهب به عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وأمرنا هو بمودّتهم أولى بإقامة العزاء ومجالس الذكر والتعظيم .

بل تمنيت أن يأتي الخطباء بذكر الرسول الأعظم قبل وبعد كل عزاء وبعد كل مجلس من مجالس البكاء واللطم وبيان مظلوميته بعد كل بيان مظلومية لأي معصوم تلاه ابتداءً من علي وحبيبته الزهراء وانتهاءً بالإمام العسكري روحي لهم الفداء...
فخلو المجالس من ذكره صلى الله عليه وآله قد لا يرضي باقي المعصومين عليهم السلام، ولا أعني بذلك الصلاة عليه وعلى آله فقط، بل بذكر مناقبه وأفضاله ومظلوميته وعلاقة المعصومين به وكيفية تقديسهم له صلى الله عليه وآله ولا سيما أصحاب الكساء عليهم السلام .
اللهمّ فاجعلنا من السائرين على نهج الرسول وآل الرسول ما حيينا واحشرنا معهم بحقهم عليك وحقك عليهم يا ربّ العالمين .

مقتدى الصدر

احسنتم النشر