![]() |
![]() |
![]() |
|
منبر بنات الشريعة والطفل المواضيع التي تخص المرأة المسلمة وشؤون الطفل |
![]() ![]() |
|
![]() |
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#1 |
|
![]()
و هي ان يذكر الغير بما يكرهه لو بلغه. سواء كان ذلك ينقص في بدنه او في اخلاقه او في اقواله، او في افعاله المتعلقه بدينه او دنياه، بل و ان كان بنقص في ثوبه او داره او دابته. و الدليل على هذا التعميم-بعد اجماع الامة على ان من ذكر غيره بما يكره اذا سمعه فهو مغتاب-ما روى عن رسول الله-صلى الله عليه و آله- انه قال: «هل تدري ما الغيبة؟ » قالوا: الله و رسوله اعلم. قال: «ذكرك اخاك بما يكره» ، قيل له: ارايت ان كان في اخي ما اقول؟ قال: «ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته، و ان لم يكن فيه فقد بهته» . و ما روى: «انه ذكر رجل عنده، فقالوا: ما اعجزه! فقال-صلى الله عليه و آله-: اغتبتم اخاكم، قالوا: يا رسول الله، قلنا ما فيه. قال: ان قلتم ما ليس فيه فقد بهتموه» . و ما روى عن عائشة قالت: «دخلت علينا امراة، فلما ولت، او مات بيدي انها قصيرة، فقال صلى الله عليه و آله: اغتبتيها» . و ما روى انها قالت: «اني قلت لامراة مرة و انا عند النبي -صلى الله عليه و آله-: ان هذه لطويلة الذيل. فقال لي: الفظي الفظي! فلفظت مضغة لحم» . و قد روي: «ان احد الشيخين قال للاخر: ان فلانا لنؤم، ثم طلبا ادما من رسول الله لياكلا به الخبز. فقال: صلى الله عليه و آله-: قد ائتدمتما. فقالا: ما نعلمه، فقال: بلى! انكما اكلتما من لحم صاحبكما» . و اما ما روى عن الصادق عليه السلام انه قال: «صفة الغيبة ان تذكر احدا بما ليس هو عند الله بعيب و يذم ما يحمده اهل العلم فيه. و اما الخوض في ذكر الغائب بما هو عند الله مذموم و صاحبه فيه ملوم، فليس بغيبة، و ان كره صاحبه اذا سمع به و كنت انت معافى عنه و خاليا منه. و تكون في ذلك مبينا للحق من الباطل ببيان الله و رسوله، و لكن على شرط الا يكون للقائل بذلك مراد غير بيان الحق و الباطل في دين الله عز و جل، و اما اذا اراد به نقص المذكور بغير ذلك المعنى، فهو ماخوذ بفساد مراده و ان كان صوابا» (25) فهو مخصوص بما اذا لم يكن صاحبه عالما بقبحه، او كان ساترا على نفسه كارها لظهوره. و يدل على ذلك ما روي عنه عليه السلام ايضا، انه سئل عن الغيبة، فقال: «هو ان تقول لاخيك في دينه ما لم يفعل، و ثبت عليه امرا قد ستره الله عليه لم يقم فيه حد» . و قال عليه السلام: «الغيبة ان تقول في اخيك ما ستره الله عليه، و اما الامر الظاهر فيه، مثل الحدة و العجلة، فلا» . و قال الكاظم عليه السلام «من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس، لم يغتبه، و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس، اغتابه، و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته» (26) . و ياتى ان المجاهر بمعصيته غير ساتر لها، لا غيبة له فيها. و الحاصل: ان الاجماع و الاخبار متطابقان على ان حقيقة الغيبة هو ان يذكر الغير بما يكرهه اذا سمعه، سواء كان ذلك بنقص في نفسه او بدنه. او في دينه او دنياه، او فيما يتعلق به من الاشياء، و ربما قيل انه لا غيبة فيما يتعلق بالدين، لانه ذم من ذمه الله و رسوله، فذكره بالمعاصي و ذمه جائز. و ايد ذلك بما روى: «انه ذكر عند رسول الله امراة و كثرة صومها و صلاتها و لكنها تؤذي جيرانها. فقال: هي في النار» . و ذكرت امراة اخرى بانها بخيلة، فقال: «فما خيرها اذن؟ » . و لا ريب في بطلان هذا القول: لما عرفت من عموم الادلة. و ما ورد من ذم الاشخاص المعينة في كلام الله و كلام حججه انما هو لتعريف الاحكام و تبيينها، و سؤال الاصحاب عنهم و ذكرهم بالمعاصي، انما كان لحاجتهم الى معرفة الاحكام لا للذم و اظهار العيب، و لذا لم يكن ذلك الا في مجلس الرسول-صلى الله عليه و آله. او الائمة-عليهم السلام-. فصل لا تنحصر الغيبة باللسان اعلم ان الغيبة لا تنحصر باللسان، بل كل ما يفهم نقصان الغير، و يعرف ما يكرهه فهو غيبة، سواء كان بالقول او الفعل، او التصريح او التعريض او بالاشارة و الايماء، او بالغمز و الرمز، او بالكتابة و الحركة، و لا ريب في ان الذكر باللسان غيبة محرمة. لتفهيمه الغير نقصان اخيك و تعريفه بما يكرهه، لا لكون المفهم و المعرف لسانا، فكل ما كان مفهما و معرفا فهو مثله. فالغيبة تتحقق باظهار النقص بالفعل و المحاكاة، كمشية الاعرج، بل هو اشد من الغيبة باللسان، لانه اعظم في التصوير و التفهيم منه، و بالايماء و الاشارة، و قد روي: «انه دخلت امراة على عائشة، فلما ولت، اومات بيدها انها قصيرة. فقال رسول الله-صلى الله عليه و آله-قد اغتبتها» . و بالكتابة، اذ القلم احد اللسانين، و بالتعريض، كان يقول: الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على الظلمة، و التبذل في طلب الجاه و المال، او يقول: «نعوذ بالله من قلة الحياء، و نساله ان يعصمنا منه، معرضا في كل ذلك بمن ارتكب ذلك، فيذكره بصيغة الدعاء، و ربما قدم مدح من يريد غيبته، ثم اتبعه باظهار عيبه، كان يقول: لقد كان فلان حسن الحال، و لكنه ابتلى بما ابتلى به كلنا من سوء الحال، و هو جمع بين الرياء و الغيبة، و مدح نفسه بالتشبه بالصلحاء في ذم انفسهم. و من المغتابين المنافقين من يظهر في مقام غيبة مسلم الاغتمام و الحزن من سوء حاله، كان يقول: لقد ساءني ماجرى على صديقنا فلان من الاهانة و الاستخفاف، او ارتكابه معصية كذا، فنسال الله ان يجعله مكرما او يصلح حاله، او يقول: قد ابتلى ذلك المسكين بآفة عظيمة، تاب الله علينا و عليه. و هو كاذب في ادعائه الحزن و الكآبة، و في اظهار الدعاء، اذ لو اغتم لاغتم باظهار ما يكرهه ايضا، و لو قصد الدعاء لاخفاه في خلواته، فاظهار الحزن و الدعاء ناش عن خبثسريرته، و هو يظن انه ناش عن صفاء طويته، هكذا يلعب الشيطان بمن ليس له قوة البصيرة بمكائد اللعين و تلبيساته، فيسخر بهم و يضحك عليهم، و يحبط اعمالهم بمكائده، و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا. و ربما ذكر بعض المغتابين عيب مسلم و لم يتنبه له بعض الحاضرين، فيقول اسماعا له و اعلاما لما يقوله: «سبحان الله ما اعجب هذه! » حتى يتوجه اليه و يعلم ما يريد، فيستعمل اسم الله آلة لتحقيق خبثه. ثم المستمع للغيبة احد المغتابين، كما ورد به الخبر (27) . و قد دل ذلك ايضا ما تقدم من حديث الشيخين، و ما روى: «انه صلى الله عليه و آله لما رجم ما عزا في الزنا، قال رجل لآخر: هذا اقعص كما يقعص الكلب. فمر النبي صلى الله عليه و آله معهما بجيفة، فقال: انهشا من هذه الجيفة، فقالا: يا رسول الله ننهش جيفة! فقال: ما اصبتما من اخيكما انتن من هذه» . فجمع بينهما، مع ان احدهما كان قائلا و الآخر مستمعا. و هو اما لا يسر باستماعها، الا انه لا ينكرها باللسان و لا يكرهها بالقلب، او يسر و يفرح باستماعها، الا ان النفاق و التزهد حملاه على عدم التصديق، و ربما منع منها رياء و تزهدا، مع كونه مشتهيا لها بقلبه، و ربما توصل بالحيل المرغبة للمغتاب في زيادة الغيبة. مع التباس الامر عليه بانه يشتهيها، مثل ان يظهر التعجب و يقول: عجبت منه ما علمت انه كذلك و ما عرفته الى الآن الا بالخير، و كنت احسب فيه غير هذا عافانا الله من بلائه. فان ذلك تصديق للمغتاب، و باعث لزيادة نشاطه في الغيبة، فكانه يستخرج منه الغيبة بهذا الطريق. و الحاصل ان المستمع لا يخرج عن اثم الغيبة الا بان ينكر بلسانه، او يقطع الكلام بكلام آخر، او يقوم من المجلس، و ان لم يقدر على شيء من ذلك، فلينكر بقلبه، و ان قال بلسانه: اسكت، و هو يشتهيه بقلبه فذلك نفاق، و لا يخرجه من الاثم ما لم يكرهه بقلبه. و مع عدم الخوف لا يكفي ان يشير باليد او حاجبه او جبينه، اي اسكت، اذ ذلك استحقار للمذكور، مع انه ينبغي ان يعظمه فيذب عنه صريحا. قال النبي صلى الله عليه و آله: «من اذل عنده مؤمن و هو يقدر على ان ينتصر له فلم ينصره، اذله الله يوم القيامة على رؤس الخلائق» . و قال «من رد عن عرض اخيه بالغيب، كان حقا على الله ان يرد عن عرضه يوم القيامة» . و قال صلى الله عليه و آله: «من ذب عن عرض اخيه بالغيب، كان حقا على الله ان يعتقه من النار» . و قال صلى الله عليه و آله-: «من رد عن عرض اخيه، كان له حجابا من النار» . و قال -صلى الله عليه و آله-: «ما من رجل ذكر عنده اخوه المسلم، و هو يستطيع نصره و لم بكلمة و لم ينصره، الا اذله الله عز و جل في الدنيا و الآخرة. و من ذكر عنده اخوه المسلم فنصره، نصره الله في الدنيا و الآخرة» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «من حمى عرض اخيه المسلم في الدنيا، بعث الله له ملكا يحميه يوم القيامة من النار» . و قال -صلى الله عليه و آله-: «من تطول على اخيه فى غيبته، سمعها عنه في مجلس فردها، رد الله عنه الف الف باب من الشر في الدنيا و الآخرة و ان لم يردها و هو قادر على ردها، كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة» و قال الباقر عليه السلام «من اغتيب عنده اخوه المؤمن فنصره و اعانه، نصره الله في الدنيا و الآخرة، و من لم ينصره و لم يدفع عنه و هو يقدر على نصرته و عونه، الا خفضه الله في الدنيا و الآخرة» . و بهذه المضامين اخبار كثيرة اخر. فصل بواعث الغيبة اعلم ان باعث الغيبة-غالبا-اما الغضب او الحقد او الحسد، فيكون من نتائجها، و من رذائل قوة الغضب، و له بواعث اخر: الاول-السخرية و الاستهزاء: فان ذلك كما يجرى في الحضور يجرى في الغيبة ايضا، و قد عرفت ان منشاهما ماذا؟ . الثاني-اللعب و الهزل و المطايبة: فيذكر غيره بما يضحك الناس عليه على سبيل التعجب و المحاكاة. و ياتى ان باعث الهزل و المزاح ماذا، و انه متعلق بالقوة الشهوية. الثالث-ارادة الافتخار و المباهاة: بان يرفع نفسه بتنقيص غيره، فيقول: فلان لا يعلم شيئا. و غرضه ان يثبت في ضمن ذلك فضل نفسه و انه افضل منه. و ظاهر ان منشا ذلك التكبر او الحسد، فيكون ايضا من رذائل القوة الغضبية. الرابع-ان ينسب الى شيء من القبائح، فيريد ان يتبرا منه بذكر الذي فعله، و كان اللازم عليه ان يبرئ نفسه منه، و لا يتعرض للغير الذي فعله، و قد يذكر غيره بانه كان مشاركا له في الفعل، ليتمهد بذلك عذر نفسه في فعله، و ربما كان منشا ذلك صغر النفس و خبثها. الخامس-مرافقة الاقران و مساعدتهم على الكلام، حذرا عن تنفرهم و استثقالهم اياه لولاه، فيساعدهم على اظهار عيوب المسلمين و ذكر مساويهم، ظنا منه انه مجاملة في الصحبة، فيهلك معهم. و باعث ذلك ايضا صغر النفس و ضعفها. السادس-ان يستشعر من رجل انه سيذكر مساويه، او يقبح حاله عند محتشم، او يشهد عليه بشهادة، فيبادره قبل ذلك باظهار عداوته، او تقبيح حاله، ليسقط اثر كلامه و شهادته. و ربما ذكره بما هو فيه قطعا، بحيث ثبت ذلك عند السامعين ليكذب عليه بعده، فيروج كذبه بالصدق الاول و يستشهد به و يقول: ليس الكذب من عادتي، فاني اخبرتكم قبل ذلك من احواله كذا و كذا، فكان كما قلت، فهذا ايضا صدق كسابقه. و هذا ايضا منشاه الجبن و ضعف النفس. السابع-الرحمة، و هو ان يحزن و يغتم بسبب ما ابتلى به غيره، فيقول: المسكين فلان قد غمنى ما ارتكبه من القبح، او ما حدث به من الاهانة و الاستخفاف! فيكون صادقا في اغتمامه، الا انه لما ذكر اسمه و اظهر عيبه صار مغتابا، و قد كان له الاغتمام بدون ذكر اسمه و عيبه ممكنا فاوقعه الشيطان فيه ليبطل ثواب حزنه و رحمته. الثامن-التعجب من صدور المنكر و الغضب لله عليه، بان يرى منكرا من انسان او سمعه، فيقول عند جماعة: ما اعجب من فلان ان يتعارف مثل هذا المنكر! او يغضب منه، فيظهر غضبه و اسمه و منكره، فانه وان كان صادقا في تعجبه من المنكر و غضبه عليه، لكن كان اللازم ان يتعجب منه و يغضب عليه، و لكنه لا يظهر اسمه عند من لم يطلع على ما صدر منه المنكر، بل يظهر غضبه عليه بالنهي عن المنكر و الامر بالمعروف من غير ان يظهره لغيره، فلما اوقعه الشيطان في ذكره بالسوء صار مغتابا و بطل ثواب تعجبه و غضبه، و صار آثما من حيث لا يدرى. و هذه الثلاثة الاخيرة مما يغمض دركها، لان اكثر الناس يظنون ان الرحمة و التعجب و الغضب اذا كان لله كان عذرا في ذكر الاسم، و هو خطا محض، اذ المرخص في الغيبة حاجات مخصوصة لا مندوحة فيها عن ذكر الاسم دون غيرها، و قد روى: «ان رجلا مر على قوم في عصر النبي-صلى الله عليه و آله-، فلما جاوزهم، قال رجل منهم: اني ابغض هذا الرجل لله، فقال القوم: و الله لبئس ما قلت! و انا نخبره بذلك، فاخبروه به، فاتى الرجل رسول الله-صلى الله عليه و آله- و حكى له ما قال، و ساله ان يدعوه. فدعاه، و ساله عما قال في حقه فقال: نعم! قد قلت ذلك. فقال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: و لم تبغضه؟ فقال: انا جاره و انا به خبير، و الله ما رايته يصلي صلاة قط الا هذه المكتوبة! فقال: يا رسول الله، فاساله هل رآنى اخرتها عن وقتها او اسات الوضوء لها و الركوع و السجود؟ فساله، فقال: لا فقال: و الله ما رايته يصوم شهرا قط الا هذا الشهر الذي يصومه كل بر و فاجر! قال: فاساله يا رسول الله هل رآني افطرت فيه او نقصت من حقه شيئا؟ فساله، فقال: لا! فقال: و الله ما رايته يعطى سائلا قط و لا مسكينا، و لا رايته ينفق من ماله شيئا في سبيل الخير الا هذه الزكاة التي يؤديها البر و الفاجر! قال: فاساله هل رآني نقصت منها شيئا او ما كست فيها طالبها الذي يسالها؟ فساله فقال: لا! فقال رسول الله -صلى الله عليه و آله-للرجل: قم، فلعله خير منك» . و لا ريب في ان انكار القوم عليه بعد قوله ابغضه لله يفيد عدم جواز اظهار المنكر الصادر من شخص لغيره، و ان كان في مقام الغضب و البغض لله. فصل ذم الغيبة لما علمتحقيقة الغيبة و بواعثها، فاعلم انها اعظم المهلكات و اشد المعاصي، و قد نص الله سبحانه على ذمها في كتابه، و شبه صاحبها بآكل لحم الميتة، فقال: «و لا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعضا، ايحب احدكم ان ياكل اخيه ميتا فكرهتموه» (28) . و قال: «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم و كان الله سميعاعليما» (29) . و قال: «ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد» (30) . و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه» . و الغيبة تتناول العرض. و قال-صلى الله عليه و آله-: «اياكم و الغيبة، فان الغيبة اشد من الزنا، فان الرجل قد يزنى و يتوب فيتوب الله عليه، و ان صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «مررت ليلة اسري بي على قوم يخمشون وجوهم باظافيرهم، فقلت: يا جبرئيل، من هؤلاء؟ قال الذين يغتابون الناس، و يقعون في اعراضهم» . و خطب-صلى الله عليه و آله يوما حتى اسمع العواتق في بيوتها، فقال: «يا معشر من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه! لا تغتابوا المسلمين، و لا تتبعوا عوراتهم، فان من تتبع عورة اخيه يتتتع الله عورته حتى يفضحه في جوف بيته» . و خطب صلى الله عليه و آله يوما فذكر الربا و عظم شانه، فقال: «ان الدرهم يصيبه الرجل من الربا اعظم عند الله في الخطيئة من ست و ثلاثين زنية يزنيها الرجل، و ان اربى الربا عرض الرجل المسلم» . و مر-صلى الله عليه و آله-على قبرين يعذب صاحباهما، فقال: «انهما ليعذبان في كبيرة، اما احدهما فكان يغتاب الناس، و اما الآخر فكان لا يستبرى من بوله» و دعا بجريدة رطبة او جريدتين فكسرهما، ثم امر بكل كسرة فغرست على قبره، و قال: «اما انه يهون من عذابهما ما كانتا رطبتين» و روى «انه-صلى الله عليه و آله-امر الناس بصوم يوم، و قال: لا يفطرن احد حتى آذن له. فصام الناس، حتى اذا امسوا، جعل الرجل يجيء فيقول: يا رسول الله، ظلت صائما فاذن لي لافطر، فياذن له، و الرجل و الرجل، حتى جاء رجل، فقال: يا رسول الله، فتاتان من اهلى ظلتا صائمتين، و انهما تستحيان ان تاتياك، فاذن لهما لتفطرا. فاعرض عنه ثم عاوده فاعرض عنه. ثم عاوده، فقال: انهما لم تصوما، و كيف صام من ظل هذا اليوم ياكل لحوم الناس، اذهب فمرهما ان كانتا صائمتين ان تستقيئا. فرجع اليهما، فاخبرهما، فاستقاءتا، فقاءت كل واحدة منهما حلقة من دم. فرجع الى النبي صلى الله عليه و آله فاخبره، فقال: و الذي نفس محمد بيده! لو بقيتا في بطنيهما لاكلتهما النار» . و اوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام: «من مات تائبا من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة، و من مات مصرا عليها فهو اول من يدخل النار» . و قال صلى الله عليه و آله: «من مشى في غيبة اخيه و كشف عورته كانت اول خطوة خطاها و ضعها في جهنم، فكشف الله عورته على رؤس الخلائق. و من اغتاب مسلما، بطل صومه و نقض وضوءه، فان مات و هو كذلك مات و هو مستحل لما حرم الله» . و قال صلى الله عليه و آله: «الغيبة اسرع في دين الرجل المسلم من الاكلة في جوفه» (31) . و قال-صلى الله عليه و آله-: «الجلوس في المسجد انتظارا للصلاة عبادة، ما لم يحدث» ، فقيل: يا رسول الله، و ما الحدث؟ قال: «الاغتياب» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «من اغتاب مسلما او مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه اربعين يوما و ليلة، الا ان يغفر له صاحبه» . و قال-صلى الله عليه و آله: «من اغتاب مسلما في شهر رمضان لم يؤجر على صيامه» و قال -صلى الله عليه و آله-: «من اغتاب مؤمنا بما فيه، لم يجمع الله بينهما في الجنة ابدا، و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه، انقطعت العصمة بينهما، و كان المغتاب في النار خالدا فيها و بئس المصير» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «كذب من زعم انه ولد من حلال و هو ياكل لحوم الناس بالغيبة. فاجتنب الغيبة فانها ادام كلاب النار» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «ما عمر مجلس بالغيبة الا خرب بالدين، فنزهوا اسماعكم من من استماع الغيبة، فان القائل و المستمع لها شريكان في الاثم» . و قال -صلى الله عليه و آله-: «ما النار في التبن باسرع من الغيبة في حسنة العبد» (32) و قال الصادق عليه السلام: «من قال في مؤمن ما راته عيناه و سمعته اذناه، فهو من الذين قال الله عز و جل: «ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم» » . و قال عليه السلام: «من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه و هدم مروته ليسقط من اعين الناس، اخرجه الله من ولايته الى ولاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان» . و قال عليه السلام: «من اغتاب اخاه المؤمن من غير ترة بينهما فهو شرك شيطان» (33) . و قال عليه السلام: «الغيبة حرام على كل مسلم، و انها لتاكل الحسنات كما تاكل النار الحطب» . و الاخبار الواردة في ذم الغيبة مما لا يكاد يمكن حصرها، و ما ذكرناه كاف لايقاظ الطالبين. و العقل ايضا حاكم بانها اخبث الرذائل، و قد كان السلف لا يرون العبادة في الصوم و الصلاة، بل في الكف عن اعراض الناس، لانه كان عندهم افضل الاعمال، و يرون خلافه صفة المنافقين، و يعتقدون ان الوصول الى المراتب العالية في الجنة يتوقف على ترك الغيبة، لما ورد عن رسول الله-صلى الله عليه و آله-انه قال: «من حسنت صلاته و كثرت عياله، و قل ماله، و لم يغتب المسلمين، كان معي في الجنة كهاتين» و ما اقبح بالرجل المسلم ان يغفل عن عيوب نفسه، و يتجسس على عيوب اخوانه، و يظهرها بين الناس، فما باله يبصر القذى في عين اخيه، و لا يبصر الجذع في عين نفسه. فيا حبيبي، اذا اردت ان تذكر عيوب غيرك، فاذكر عيوبك، و تيقن بانك لن تصيب حقيقة الايمان، حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك، و حتى تبدا باصلاح ذلك العيب. و اذا كان شغلك اصلاح عيوب نفسك، كان شغلك في خاصة نفسك، و لم تكن لك فرصة للاشتغال بغيرك، و حينئذ كنت من احب العباد الى الله، لقول النبي-صلى الله عليه و آله-: «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس! » . و اعلم ان عجز غيرك في الاجتناب عن ذلك العيب و صعوبة ازالته عليه كعجزك عن الاجتناب عنه ان كان ذلك العيب فعلا اختياريا، و ان كان امرا خلقيا، فالذم له ذم للخالق تعالى. فان من ذم صنعة فقد ذم صانعها. قيل لبعض الحكماء: يا قبيح الوجه! فقال: «ما كان خلق وجهي الي فاحسنه» . و لو فرض براءتك عن جميع العيوب، فلتشكر الله، و لا تلوث نفسك باعظم العيوب. اذا اكل لحوم الميتات اشد العيوب و اقبحها، مع انك لو ظننتخلوك عن جميع العيوب لكنت اجهل الناس، و لا عيب اعظم من مثل هذا الجهل. ثم ينبغي ان يعلم المغتاب ان الغيبة تحبط حسناته و تزيد في سيئاته. لما ثبت من الاخبار الكثيرة: ان الغيبة تنقل حسنات المغتاب يوم القيامة الى من اغتابه، و ان لم تكن له حسنة نقل اليه من سيئاته. قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «يؤتى احدكم يوم القيامة، فيوقف بين يدي الله تعالى و يدفع اليه كتابه، فلا يرى حسناته، فيقول: الهي ليس هذا كتابي، فاني لا ارى فيه طاعتي، فيقول له: ان ربك لا يضل و لا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس. ثم يؤتى بآخر و يدفع اليه كتابه، فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: الهي ما هذا كتابي، فاني ما عملت هذه الطاعات، فيقول له: ان فلانا اغتابك فدفعتحسناته اليك» . و في معناه اخبار اخر. و لا ريب في ان العبد يدخل النار بان تترجح كفة سيئاته، و ربما تنقل اليه سيئة واحدة مما اغتاب به مسلما، فيحصل به الرجحان و يدخل لاجله النار. و اقل ما في الباب ان ينقص من ثواب صالحات اعماله، و ذلك بعد المخاصمة و المطالبة و السؤال و الجواب و المناقشة في الحساب. و روى عن بعضهم: «ان رجلا قيل له: ان فلانا قد اغتابك، فبعث اليه طبقا من الرطب، و قال: بلغني انك قد اهديت الي من حسناتك، فاردت ان اكافيك عليها فاعذرني، فاني لا اقدر ان اكافيك على التمام» . و الحاصل: ان العاقل ينبغي ان يتامل في ان من يغتابه ان كان صديقا و محبا له، فاظهار عيوبه و عثراته بعيد عن المروة و الانصاف، و ان كان عدوا له، فتحمل خطاياه و معاصيه و نقل حسناته الى ديوانه غاية الحماقة و الجهل. فصل علاج الغيبة الطريق في علاج الغيبة و تركها، ان يتذكر اولا ما تقدم من مفاسدها الاخروية، ثم يتذكر مفاسدها في الدنيا، فانه قد تصل الغيبة الى من اغتيب، فتصير منشا لعداوته او لزيادة عداوته، فيتعرض لايذاء المغتاب و اهانته، و ربما انجر الامر بينهما الى ما لا يمكن تداركه من الضرب و القتل و امثال ذلك. ثم يتذكر فوائد اضدادها-كما نشير اليها-، و بعد ذلك فليراقب لسانه، و يقدم التروي في كل كلام يريد ان يتكلم به، فان تضمن غيبة سكت عنه، و كلف نفسه ذلك على الاستمرار، حتى يرتفع عن نفسه الميل الجلي و الخفي الى الغيبة. و العمدة في العلاج ان يقطع اسبابها المذكورة، و قد تقدم علاج الغضب و الحقد و الحسد و الاستهزاء و السخرية، و ياتي طريق العلاج في الهزل و المطايبة و الافتخار و المباهاة. و اما تنزيه النفس بنسبة ما نسب اليه من الجناية الى الغير، فمعالجته ان يعلم ان التعرض لمقت الخالق اشد من التعرض لمقت المخلوق، و من اغتاب تعرض لمقت الله و سخطه قطعا، و لا يدري انه يتخلص من سخط الناس ام لا، فيحصل بعمله ذم الله و سخطه تقديرا، و ينتظر دفع ذم الناس نسيئة، و هذا غاية الجهل و الخذلان. و اما تعرضه لمشاركة الغير في الفعل تمهيدا لعذر نفسه، كان يقول انى اكلت الحرام، لان فلانا ايضا اكل، و قبلت مال السلطان، لان فلانا ايضا قبل، مع انه اعلم مني، فلا ريب في انه جهل و سفه، لانه اعتذر بالاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به. فان من خالف الله لا يقتدى به كائنا من كان، فلو دخل غيره النار و هو يقدر على عدم الدخول فهل يقتدى به في الدخول، و لو دخل عد سفيا احمق، ففعله معصية، و عذره غيبة و غباوة، فجمع بين المعصيتين و الحماقة، و مثله كمثل الشاة، اذا نظرت الى العنز تردى نفسها من الجبل فهي ايضا تردي نفسها، و لو كان لها لسان ناطق و اعتذرت عن فعلها بان العنز اكيس مني و قد اهلكت نفسها فكذلك فعلت انا، لكان هذا المغتاب المعتذر يضحك عليها، مع ان حاله مثل حالها و لا يضحك على نفسه. و العجب ان بعض الاشقياء من العوام، لما صارت قلوبهم عش الشيطان و صرفوا اعمارهم في المعاصي، و اشتغلت ذممهم بمظالم الناس بحيث لا يرجى لهم الخلاص، مالت نفوسهم الخبيثة الى الا يكون معاد و حساب و حشر و عقاب، و لما وجد ذلك الميل منهم اللعين، خرج من الكمين، و وسوس في صدورهم بانواع الشكوك و الشبهات، حتى ضعف بها عقائدهم او افسدها، و دعاهم في مقام الاعتذار عن اعمالهم الخبيثة الا يصرحوا بما ارتكز في قلوبهم و يشتهونه، خوفا من القتل و اجراء احكام الكفار عليهم و لم يدعهم ايضا تلبيسهم و تزويرهم و غلبة الشيطنة عليهم ان يعترفوا بالنقص و سوء الحال فحملهم الشيطان باغوائه على ان يعتذروا من سوء فعالهم بان بعض العلماء يفعلون ما نفعل و لا يجتنبون عن مثل اعمالنا، من طلب الرئاسة و اخذ الاموال المحرمة، و لم يدروا ان هذا القول ناش من جهلهم و خباثتهم. اذ تقول لهم: ان فعل هذا البعض ان صار منشا لزوال ايمانكم بالمعاد و الحساب، فانتم كافرون، و باعث اعمالكم الخبيثة هو الكفر و عدم الاذعان باحوال النشاة الآخرة. و ان لم يصر منشا له، بل ايمانكم ثابت، فاللازم عليكم العمل بمقتضاه، من غير تزلزل بعمل الغير كائنا من كان. فما الحجة في عمل هذا البعض، مع اعتقادكم بانه على باطل؟ ! . و ايضا لو كان باعث اعمالكم الخبيثة فعل العلماء، فلم اقتديتم بهذا البعض مع عدم كونه من علماء الآخرة و عدم اطلاعه على حقيقة العلم؟ و لو كنتم صادقين فيما تنسبون اليه، فهو المتاكل بعلمه، و انما حصل نبذا من علوم الدنيا ليتوسل بها الى حطامها، و لا يعد مثله عند اولي الالباب عالما، بل هو متشبه بالعلماء. و لم ما اقتديتم بعلماء الآخرة المتخلفين بشراشرهم عن الدنيا و حطامها؟ و انكار وجود مثلهم، و القدح في الكل مع كثرتهم في اقطار الارض غاية اللجاج و العناد. و لو سلمنا منكم ذلك، فلم ما اقتديتم بطوائف الانبياء و الاوصياء، مع انهم اعلم الناس باتفاق الكل، و حقيقة العلم ليس الا عندهم؟ فان انكروا اعلميتهم و عصمتهم من المعاصي، و احتملوا كونهم امثالا لهم، ظهر ما في بواطنهم من الكفر الخفي. و اما موافقة الاقران، فعلاجه ان يتذكر ان الله يسخط عليه و يبغضه اذا اختار رضا المخلوقين على رضاه، و كيف يرضى المؤمن ان يترك رضا ربه لرضا بعض اراذل الناس؟ و هل هذا الا كونه تعالى اهون عنده منهم؟ و هو ينافي الايمان. و اما استشعاره من رجل انه يقبح عند محتشم حاله او يشهد عليه بشهادة فيبادره بالغيبة اسقاطا لاثر كلامه، فعلاجه ان يعلم: (اولا) ان مجرد الاستشعار لا يستلزم الوقوع، فلعله لا يقبح حاله و لا يشهد عليه، فالمواخذة بمحض التوهم تنافي الديانة و الايمان. و (ثانيا) ان اقتضاء قوله سقوط اثر كلام من اغتابه في حقه مجرد توهم، و التعرض لمقت الله يقينا بمجرد توهم ترتب فائدة دنيويه عليه محض الجهل و الحماقة، و (ثالثا) ان تادي فعل الغير-اعني تقبيح حاله عند محتشم مع فرض وقوعه-الى اضراره في حيز الشك، اذ ربما لم يقبله المحتشم، و ربما لم تقبل شهادته شرعا، فتقبيح حاله و تحمل معاصيه بدون الجزم بصيرورته سببا لايذائه محض الجهل و الخذلان. و اما الرحمة له على اثمه و التعجب منه و الغضب لله عليه، و ان كان كل منها حسنا، الا انه اذا لم تكن معه غيبة، و اما اذا كانت معه غيبة احبط اجره و بقى اثمها، فالعلاج ان يتامل باعث الرحمة و التعجب و الغضب هو الايمان و حماية الدين، و اذا كان معها غيبة اضرت بالدين و الايمان، و ليس شيء من الامور الثلاث ملزوما للغيبة لامكان تحققه بدونها، فمقتضى الايمان و حماية الدين ان يترحم و يتعجب و يغضب لله، مع ترك الغيبة و اظهار الاثم و العيب، ليكون ماجورا غير آثم.
التعديل الأخير تم بواسطة ابو محمد ; 10-02-2013 الساعة 08:43 AM |
![]() |
![]() |
![]() |
#2 |
|
![]()
|
![]() |
![]() |
![]() |
#3 |
|
![]()
جزاك الله خيراً على المشاركة
|
![]() |
![]() |
![]() |
#4 |
|
![]()
|
![]() |
![]() |
![]() |
#5 |
|
![]()
أحسنت على الطرح القيم والمفيد وفقك الله لكل خير
|
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
![]() |
![]() |