الموقف الخامسة :
الأرواح التي حلت بفنائك
ان لاصحاب الحسين (عليهم السلام) الكثير من الصفات الجليله و العظيمة التي وصفوا بها منها فرسان المصر و أصحاب البصائر و حفاظ القران وغيرها لكن عندما يأتي تعبير السماء يكون ادق و اعلى شانا لذا عبر عنهم ب { السلام عليك و على الأرواح التي حلت بفنائك}
فيحسن بنا الوقوف و التامل في هذه الفقرة
ان في الكيان الإنساني قوى يتفاعل بها مع ما يحيطه من موجودات ،فبعضها شهواني و الاخر عقلاني .ومحل حديثنا هنا قوتا القلب و العقل فبالقلب يمكن التوعية ،و بالعقل يمكن الادراك.
والتوعية و الادراك لغويا
وعى الامر :ادركه على حقيقته
وكذلك وعى الحديث :حفظه وفهمه و قبله {معجم الوسيط}
اما الادراك : فهو الفهم {معجم الغني}
اذن فليس كل ما يُفهم يُقبل و يُرى على حقيقته ولذلك ورد في القران الكريم
قال تعالى : (أحسبتم أن تقولوا أمنا وأنتم لا تفتنون).
وقال جل جلاله : {وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
ولا ننسى ان للعقل نصيب لا يمكن الاستغناء عنه فالتصديق بالكثير من الحقائق لا يمكن الا من خلال العقل لكن للقلب دور مهم اذا اقترن معه لتخطي المواقف الصعبة التي يحتاجلها تضحية و ترويض فهو يجعل الفرد يعيش مع الحقائق النظرية بافق عملي شعوري .وقد مثل ذلك السيد الخميني (رحمه الله)بمثال ننقله بتصرف :
(ان الكثير يعتقدون بان الميت لا يضر و لاينفع ولكن الكثير لا يستطيع المبيت معه لليلة واحده في بيت واحد وهذا من جهة ان القلب لم ينل حظّه من مدركه العقلي وهذا بخلاف ما اذا تكرر صدور هذا الفعل منه، فيدخل قلبه الايمان بان الميت لا يقدر على اضرار الغير)انتهى.
فال تعالى : (قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )
وعن امير المؤمنين (عليه السلام) : { ان هذه القلوب اوعيه فخيرها اوعاها)سفينة البحار ج6\ص358
وان اغلب الافراد تتعامل مع الحوادث عقليا و لا تطعمها قلبيا فلا يرتوي احدهما من الاخر.والعقل وحده لا يكفي لادراك الحقائق لانه لا يخلو من قصور وكذلك ان معظم الحقائق العلمية التي تعمد العقل عليها قد تتغير و تاخذنمط مختلف عن السابق على الرغم من مسيرها الطويل عليه و ذلك لوجود حكمة معينه فبالتالي تكون صعبه على العقل في استقبالها و تقبلها ان لم يكن مطعما مع القلب .
مثلا نحن نعلم ان النار سمتها الحرارة ولكن هل كل نار محمولة على الحرارة .كلا فقد كانت نار النبي إبراهيم (عليه السلام) باردة وغير مؤذية
قال تعالى : { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}.
وكذلك قصة طالوتفعقلا و للوهله الأولى ونتيجه للسفر الطويل التزود بالماء مطلوب لكن طالوت (عليه السلام) منع جيشه من ذلك فهل هذا يخالف العقل واي عقل بعد العلم من ان العقل فيه قصور والغياب عن الواقعيات و حِكم الأشياء .فقد كان طالوت يريد من جيشه النصر وذلك بالتحمل و الصبر وهذا لا يأتي بالتزود بالماء .
والان نعرج الى واقعة الطف و ننظر اليها بنظرة العقل القاصر فهل يمكن القتال مع سبعين نفر ضد ثلاثين الف وهل العقل يقبل بذلك وان علم ان الامام الحسين (عليه السلام) مفترض الطاعة .فنظر الى هذه الرواية
ذكرت رواية بما مضمونه من ثورة كربلاء انه رأى الامام الحسين "عليه السلام" في الطريق شخص فقال الحسين لاصحابه من هذا الرجل فاجابوا هو عبيد الله ابن الحر الجحفي فبعث له الامام الحسين "عليه السلام" احد اصحابه وهو الحجاج فقال الحجاج لأبن الحر ان الامام الحسين "عليه السلام" يدعوك لنصرته فقال ابن الحر ماخرجت من الكوفة الا بعد ان رأيت خذلان الشيعة فعلمت انه مقتول ولا اقدر على نصرته ولا احب ان يراني واراه فعاد الحجاج ونقل كلامه الى الحسين فقام الحسين ومشى اليه ولما استقر المجلس بابي عبد الله حمد الله واثنى عليه فقال : يا ابن الحر ان عليك ذنوب كثيرة فهل لك من توبة تمحو بها ذنوبك ,قال وماهي يا ابن رسول الله . قال تنصر ابن بنت نبيك وتقاتل معه ,فقال ابن الحر والله اني لأعلم ان من شايعك كان سعيدا في الآخرة ولكن ان نفسي لا تسمح بالموت , هذا سيفي وفرسي فخذه فهو لك فقال الحسين اما اذا رغبت بنفسك عنا فلا حاجة لنا بفرسك ولا فيك " مقتل الحسين عبد الرزاق المقرم.
اذا على الفرد ان ينور عقله بالمعارف الالهيه الحقة و ان يطهر قلبه من الذنوب و لنجعلها تعانق شمس المعصوم فلا تحس الا بحرارتها و دفئها فبالتتالي يمكن ان نتغلب على حرارة السيوف و الرماح لا بل كلما زادت حرارة السيوف و الرماح في الأجساد البالية اذابتها حرارة عشق المعصوم .
ولان نتطرق لبعض لبعض اقوال أصحاب الامام الحسين (عليهم السلام)
فقد قال زهير ابن القين (سلام الله عليه) :
{والله يبن رسول الله لوددتُ إني قتلت ثم نشرت حتى قتل فيك الف مرة......}
وكذلك قول سعيد بن عبد الله الحنفي (عليه السلام)
{لو علمت اني اقتل ثم احيا ثم احرق حيا ثم اذرى،يفعل ذلك سبعين مرة لما فارقتك حتى القى حِمامي دونك ، فكيف لا افعل ذلك وانما هي قتله واحده .........}
ثم علينا ان نلتفت الى قضية أخرى مرتبطة بهذه الفقرة ،ان هذه التضحية لا تتم والقلوب في الدنيا خيوطها و النفوس بالشهوات مربوطة اوتادها .فقد وضع الامام الحسين شروط للسفر مع قافلة التضحية كما في قوله المشهور :-
{من كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فاني راحل مصبحا ان شاء الله}الملهوف لابن طاووس ص126
وتوطين النفس على لقاء الله لا يكون الا بمجاهدتها و انتزاع صفنها المتدية لتحويلها الى مطمئنه و راضية بقضاء الله و قدره وهذ الجانب لعب دور كبير مع الجماعة التي بقية مع طالوت الى اخر لحظة
قال تعالى : {قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين}.
الموقف السادسة :
اتخاذ زيارة عاشوراء كمصدر للحرارة
قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : {ان لقتل ولدي الحسين (ع) حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابدا}
ان أي شيء في الوجود له تاثير وان كان ساكنا او مادي فهو يولد قوة أي بمعنى من المعاني ان الوجود قائم على تفاعلات القوى فيما بينها ومن هذه القوى :الحرارة
والحرارة :هي احدى اشكال الطاقة التي تصاحب التفاعلات او تكون حاثه لها و يمكن ان تتغير الى اشكال أخرى للطاقة او تتحول الى مادة (شغل) وهذا ما يسمى بالتحول الطوري .
وتحول الطاقة الى مادة والعكس بالعكس ليس ببعيد عن القران الكريم الذي فيه تبيان كل شيء
قال الله تعالى(قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتَبِ أنَا آتِيكَ بِهِ قبَلَ أن يَرْتَدَّ إليكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قال هَذَا مِن فَضْلِ)
اذا فعلينا التقرب من القضية الحسينية و التفاعل معها فنستلهم منها هذه الحرارة التكاملية ثم ننظر الى انفسنا في أي جانب من جوانب التكامل مقصرين فيه لنحول هذه الحرارة الى شغل تكاملي بالتالي نسد النقص و الله المستعان .
اللهم اَسْاَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّد خاتَمِ النَّبِيّينَ وَعَلِيِّ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ، وَبِحَقِّ فاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ، وَبِحَقِّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَاِنّي بِهِمْ اَتَوَجَّهُ اِلَيْكَ فِي مَقامي هذا وَبِهِمْ اَتَوَسَّلُ وَبِهِمْ اَتَشَفَّعُ اِلَيْكَ، وَبِحَقِّهِمْ اَسْأَلُكَ وَاُقْسِمُ وَاَعْزِمُ عَلَيْكَ، وَبِالشَّأنِ الَّذي لَهُمْ عِنْدَكَ وَبِالْقَدْرِ الَّذي لَهُمْ عِنْدَكَ، وَبِالَّذي فَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعالَمينَ، وَبِاسْمِكَ الَّذي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ وَبِهِ خَصَصْتَهُمْ دُونَ الْعالَمينَ، وَبِهِ اَبَنْتَهُمْ وَاَبَنْتَ فَضْلَهُمْ مِنْ فَضْلِ الْعالَمينَ، حَتّى فاقَ فَضْلُهُمْ فَضْلَ الْعالَمينَ جَميعاً، اَسْاَلُكَ اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ان ترزقنا الثبات و حسن العاقبة و الاستشهاد بين يدي الامام المهدي (عليه السلام)
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمد و اله الطاهرين
اسئلة حول البحث
ذكرت في البحث ان العقل يحتاج الى القلب و نحن نعلم ان العقل اعلى مرتبة من
القلب في الوجودات الإنسانية المجردة؟
صحيح ان العقل اعى مرتبة من القلب الا انه يحتاج الى الوجدان
واذا وظف العقل مع القلب خرجت نتائج عظيمة و روح طاهره
ومثال على ذلك الاسرة و الحياة الزوجية فان الفرد يحتاج الى العاطفة و الوجدان لكي يقوي الروابط الاسرية من الابوة و البنوة والأمومة التي لا يكفي العقل لايجادها.