قادة ثورة العشرين ( السيد محمد سعيد الحبوبي )

السيد محمد سعيد الحبوبي
المتولد سنة 1266 هـ والمتوفى سنة 1333 هـ.
النشأة والتوجه الأدبي:
هو أبو علي السيد محمد سعيد بن السيد محمود الحسني الشهير بالحبوبي ، من أشهر مشاهير عصره ، فقيه كبير ، وأديب فطحل ، وشاعر مبدع . ولد السيد ابا علي في مدينة النجف الأشرف في الرابع من جمادى الآخرة عام 1266 هـ ونشأ مطبوعاً على الخير ، مثالاً للخلق الرفيع والنفسية العالية ، فانطبع على حب العلم والأدب انطباعة كانت تشير إلى ذكاء ونبوغ . اتجه صوب المجتمع فكان ولوعاً بتكوين الحلقات الأدبية التي تصقل المواهب وتثيرها . والتحق ببعض رجال أسرته الذين عرفوا باشتغالهم بالتجارة بين نجد والنجف . كان يغرد بألوان من الشعر لم يعهد النجف لها مثيلاً ، ويحف المحافل والأندية بقطع من قلبه الرقيق وروحه الكبيرة . واستطاع أن يتملك زمام إمارة الشعر ، ويترأس الأندية التي ضمت النوابغ والفحول من أرباب الأدب ، فانضوى تحت رايته أكابر الشعراء ، وانتسب إلى حضيرته معظم الأدباء .
أساتذته:
كما جاء في مقدمة (ديوانه: ص8): تربى على يد أعلام لهم مكانتهم في عالم العلم والأدب ، فقد أخذ الأخلاق والرياضيات على الأخلاقي الكبير ميرزا حسين قلي وأكثر من صحبته والحضور عنده مدة حياته ، فاكتسب منه طريقته الأخلاقية التي جعلته وحيداً بفضيلتها بين كبار النجفيين ، ودرس الفقه والأصول ردحاً من الزمن عند الأستاذ الكبير الشيخ محمد حسين الكاظمي (المتوفى: 1308 هـ) إذ كان هو المدرس العربي الوحيد في زمانه ، وبعد وفاته اختص بالحضور والتلمذة عند فاضل عصره الشيخ محمد طه نجف فكان من أساطين من حضروا عنده ، وقد أيده الشيخ بكلمات كثيرة رَقَت منزلته بين الفضلاء وجعلته في الطبقة الأولى منهم ، وبعد وفاته سنة 1323 هـ لم يحضر عند أحد من كبار العلماء ، بل انقطع للتدريس والتأليف حتى أصبح يُعدّ في صدور العلماء المجتهدين ، يُرجَع إليه في المسائل العويصة .
شخصيته وجهاده:
الحبوبي شخصية ذات تأريخ واسع وحياة مليئة بالصور والخواطر والبطولات ، فقد كان إنساناً لم يفهم غير الحق هدفاً أسمى ، ولا غير الدين ناموساً أعلى ، ولا غير الفضيلة نهجاً صحيحاً ، فشب على ذلك واستمر حتّى شاب وحتى ارتحل إلى الفردوس الأعلى . إن تاريخ الحرب العالمية الأولى خصص صفحة مشرقة لجهاد السيّد الحبوبي ، وأفرد فصلاً لبطولته وعزمه الملتهب في حفظ كيان الإسلام والمسلمين .. وكانت الليلة التي أعلن فيها جهاده ضد الإستعمار الإنكليزي هي السادسة عشر من المحرم من عام 1333 هـ ، وما أن انتشر خروجه حتّى لحقت به الجموع المحتشدة من الذين نذروا أنفسهم لصون كرامتهم ودينهم ، يتبعونه ، وقد قصد الناصرية فاطمأن بها حتّى تكامل العدد ، والتحق به معظم عشائر الجنوب العراقي وسار بهم إلى الشعيبة المنطقة التي رسخت فيها أول قدم انكليزية ، ولكن روح الأطماع والخذلان عصفت بتلك الجموع فتشتتوا ورجع السيّد مع فريق من المخلصين إلى الناصرية وقد غمرته موجة من الألم على تطور نفوذ العدو ، وما أن لبث أياماً حتّى فارقته الحياة بها . كان خلال سيره بالجموع ينفق عليهم من ماله الخاص ، وقد قدمت له الحكومة العثمانية خمسة آلاف ليرة ذهباً كمساعدة له على مواصلة جهاده ولكنه أبى قائلاً: (ما زلت أملك المال فلا حاجة لي به ، وإذا ما نفذ فشأني شأن الناس آكل مما يأكلون وأشرب مما يشربون ) . هكذا كان الحبوبي الإنسانَ الذي علّم النفوس كيف تصل إلى الحق والإخلاص عن طريق التورع والزهد في حطام الدنيا ، وأنّ الخلود لا يصاب إلاّ عن طريق الإيمان بالله وبالدين وبالدفاع عن وطن المسلمين . فارق الدنيا وهو لا يأسف على شيء كأسفه أنه سمع ورأى كافراً يدوس أرض وطنه بصورة فاتح ، وهو الذي يأنف من السماع فضلاً عن الرؤيا . مات وهو مرتاح من ضميره بكونه خرج من الدنيا وقد أدى ما عليه فلاقى الجزاء الأوفى والجنات الواسعة ، وكان ذلك عشية الأربعاء ثاني شعبان من عام 1333 هـ الموافق 1915 م في مدينة الناصرية . وحُمل جثمانه الطاهر إلى النجف الأشرف ، فكان موته كالصاعقة ذُهِل منها كل مخلص ومتدين واستقبلته النجف وهي تبكي عنواناً لها ضاع منها ، ودُفن في مقبرة خاصة له في الإيوان الكبير في مقام أمير المؤمنين علي عليه السلام : عن يسار الداخل من الباب القبلي . ورثاه الشعراء ، وأرخ وفاته فريق من أعلام المؤرخين وقد كتب بعضهم على قبره هذا التأريخ :
فـقيـدُ المسلميـن غـداة أودى حسيـب الـديـن بينهـم فقيـدا
فـإن شهدتـه أعينهـم سعيـداً فقـد حملتـه أرؤسهـم سعيـدا
تـقـدّمَ للجهـاد أمـيـرَ ديـن فسـاق المسلميـن لـه جنـودا
ومـذ لاقـى المـنيـة أرخـوه سعيدٌ في الجهاد مضى سعيدا
التعديل الأخير تم بواسطة الاخوة ; 10-10-2012 الساعة 01:32 AM
|