08-03-2011, 03:42 AM
|
#24
|
|
سورة الأنعام
159 ثم يقرّر أنّ الإسلام إنما هو دين واحد لا تفرقة فيه، فالذين يتفرّقون ليسوا من الإسلام كما إنّ مَن أشرَك ليس من الغسلام ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ)) تفريقاً بالأهواء كالكفار المختلفين، أو بالأديان كاليهود والنصارى وفِرَقِهم، أو بالضلالة والشبهات ولو في دين الإسلام، كالفرق المبتَدِعة، فإنّ الذين يفعلون ذلك ((وَكَانُواْ شِيَعًا)) جمع شيعة، اي طوائف مختلفة ((لَّسْتَ)) يارسول الله ((مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)) فلا ربط بينكما أبداً وإنما هم في جهة وأنت في جهة، وليس معنى أنّ الجميع باطل، بل المعنى أنّ ما ليس فيه الرسول باطل وإلا فالحق دائماً في أحد الطوائف ((إنَّما أمْرُهُمْ))، أي أمر هؤلاء الذين فرّقوا دينهم وكانوا شِيَعاً ((إِلَى اللّهِ)) سبحانه فهو الذي يجازيهم لسوء أفعالهم ((ثُمَّ يُنَبِّئُهُم))، أي يُخبرهم ((بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)) من الأعمال، وهذا تهديد، كقولك: لأعلّمنّك غداً، لمن خالف أمرك، تريد أنك تعاقبه بفعله، وهنا سؤال أنه إذا علمنا نحن المسلمين بطلان سائر المذاهب والطوائف فماذا نفعل بهذا الإختلاف بين المسلمين أنفسهم؟، والجواب: إنّ الكتاب والسنّة يأمرانا باتّباع علي وأهل بيته الأئمة الأحد عشر، وبعد ذلك قد عيّن الفقهاء الراشدون لمرجعية الأمة في قوله (عليه السلام): "مَن كانَ مِنَ الفقهاء صائناً لنفسه حافِظاَ لدينه مُخالِفاً لهواه مُطيعاً لأمرِ مولاه فللعوّام أن يقلّدون"، وقوله (عليه السلام): "أما الحوادث الواثعة فارجعوا فيها إلى رُواة حديثنا فإنهم حُجّتي عليكم وأنا حُجّة الله"، أما الإختلاف بين الفقهاء في بعض الفروع فليس ذلك إختلافاً يُذكر، بل هو كالإختلاف بين كل مهندسَيْن أو طبيبَيْن أو حاكمَيْن مع إخلاص كل منهما واتحاد منهجهما، ثم أنه قد يستغرب كيف يكون مصير هذه الكثرة من الناس الذين ليسوا بمسلمين وكثير من المسلمين المنحرفين النار ومَن يبقى للجنة إذاً؟، والجواب: إنّ ما يُستفاد من الآيات والروايات أنّ الخلود في النار إنما هو للمعانِد ولا دليل على أنه لا يُمتَحَن القاصر من البشر في الآخرة ليدخل الجنة، بل دلّ الدليل على ذلك، كما هو مذكور في علم الكلام، ومن المعلوم عدم كون أكثر الناس مقصّرين معاندين، إذاً فليس بالبعيد دخول كثرة هائلة من البشر الجنة للإيمان وحُسن العمل في الدنيا، أو حُسن الإمتحان في الآخرة.
سورة الأنعام
160 وإذ تقدّم الكلام حول الجزاء يقرر السياق القاعدة العامة له وأنه ((مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ)) التاء أما مُبالَغة نحو تاء علاقة، وأما تأنيث، أي طاعة حسنة ((فَلَهُ)) من الثواب ((عَشْرُ أَمْثَالِهَا)) على الأقل وإلا فقد يبلغ الثواب إلى (سبع سنابل في كلّ سُنبلة مئة حبة والله يُضاعف لمن يشاء) و((مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ)) في التاء القولان، وإذا كانت للتأنيث فهي صفة خصلة ((فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا)) سيئة واحدة وإن كانت عظيمة جداً، فلا يُقال: ما فائدة الوحدة فيما لو كانت أعظم من المعصية ككذبة واحدة جزائها سنة في النار -مثلاً-؟، فمثلاً جزاء من يسبّ المَلِك بلفظة مائة سوط وهو جزاء واحد وإن كان عظيماً في نفسه ((وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) في مقدار ما استحقّوا من السيّئات بل جزاءاً وفاقاً.
سورة الأنعام
161 ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي))، أي أرشدني ((إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) والمراد -الصراط الموصل للإنسان إلى الحقائق والسعادة في الدنيا والآخرة- بالنسبة إلى كل شيء من الأمور ((دِينًا)) منصوب على تقدير: هداني، أي هداني ديناً، أو على الحال، اي إنّ الصراط في حال كونه ديناً ((قِيَمًا))، أي مستقيماً، وهو مصدر، كالصِغَر والكِبَر ((مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ)) بدل من (ديناً) والملّة هي الشريعة مأخوذة من الإملاء لأنّ الشرع يمليه الرسول على أمته، وإنما نَسَبَ الدين إلى إبراهيم (عليه السلام) لاتّفاق جميع الأديان على جلالته (عليه السلام) وصحّة دينه، قد كانت الأديان كلها ديناً واحداً فلا مانع أن يُنسب اللاحق إلى السابق ((حَنِيفًا))، أي في حال كون تلك الملّة مائلة عن الباطل إلى الحق، من حنيف بمعنى مالَ ((وَمَا كَانَ)) إبراهيم (عليه السلام) ((مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) فلم يكُ مُشرِكاً كمشركي مكة، ولا يهودياً ولا نصرانياً، فإنّ كلتيهما مُشرِكتان.
سورة الأنعام
162 ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء ((إِنَّ صَلاَتِي)) وهي الصلوات التي يأتيها الإنسان واجبة أو مندوبة ((وَنُسُكِي)) النُسُك: العبادة، يُقال: رجل ناسك أي متعبّد، ويُقال للأضحية النسكية للتقرّب بها إلى الله، فهي عبادة ((وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي))، أي حياتي وموتي ((لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) فإنّ عبادتي له وحده بلا شريك، وأموالي مُلكه وبقدرته لا بشراكة أحد معه.
سورة الأنعام
163 ((لاَ شَرِيكَ لَهُ)) لا أشرك أحداً به في العبادة ولا أزعم أنّ له شريكاً في حياتي وموتي ((وَبِذَلِكَ))، أي التوحيد ((أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)) من هذه الأمة، أو المراد رُتبة إسلامي أول الرُتب. سورة الأنعام
164 ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء ((أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي))، أي أطلب ((رَبًّا)) وآلهاً ((وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ)) الإستفهام على الإنكار، اي كيف أتّخذ غير الله إلهاً -بالإستقلال أو بالشراكة- والحال أنه تعالى ربّ كل شيء لا ربّ سواه ولا إله إلاّه؟ ((وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا)) فإذا إكتسبت المعصية بالشِرك لحقني جزائي السيء ((وَلاَ تَزِرُ))، أي لا تحمل من وِزر بمعنى حمل الإثم ((وَازِرَةٌ))، أي نفس حاملة ((وِزْرَ))، أي معصية نفس ((أُخْرَى)) بل عصيان كل أحد على نفسه وهو يحمل تبعته، قيل: إنّ الكفار قالوا للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إتّبعنا وعلينا وِزرَك إن كان خطاءاً فأنزل الله هذه الآية ((ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ))، أي إلى حسابه مصيركم أيها المشركون أو أيها البشر ((فَيُنَبِّئُكُم))، اي يخبركم ((بِمَا))، أي بالشيء الذي ((كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) ليجازي كل إنسان وما عمله من إحسان أو إساءة.
سورة الأنعام
165 ((وَهُوَ)) الله وحده ((الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ)) فإنكم تخلفون أهل العصر السابق في إرث الأرض وما عليها، كما إنّ من بعدكم يخلفكم ويرثكم في أرضكم وأموالكم ((وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ)) ذكاءاً وعلماً ومالاً ومنصباً ومن سائر الجهات، فإنّ الأمور التكوينية والتقديرية كلها بيده لا شريك له ((لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ))، أي إستخلفكم وأعطاكم متفاضلاً ليختبركم ويُظهِر سرائركم وهل أنكم تطيعون أو تعصون ((إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ)) فلا يظنّ الكافر والعاصي أنّ العقاب بعيد فإنّ أمد الدنيا قصير مهما طال، أو المراد سرعة العقاب في الدنيا قبل الآخرة، إذ المعاصي توجب آثار وخيمة فوراً في الدنيا ((وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ)) لمن تاب وآمن ((رَّحِيمٌ)) يرحم العباد ويتفضّل عليهم من واسع فضله.
تم بحمد الله
الموضوع مجهود شخصي والنقل مسموح لنشر الفائدة
تحياتي واحترامي لكم
|
|
|