08-03-2011, 03:38 AM
|
#22
|
|
سورة الأنعام
146 هذا كان الحُكُم بالنسبة إلى غير اليهود ((وَ)) أما ((عَلَى الَّذِينَ هَادُواْ)) فقد ((حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ)) من دابة ليس مشقوقة الرِجل كالإبل والنعام، أو طير كالأوز والبط ((وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا)) كل شحم في بدنهما ((إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا))، أي الشحم الذي كان على ظهرهما ((أَوِ)) ما حملته ((الْحَوَايَا)) من الشحم، وهي جمع حاوية، والمراد به الأمعاء، وهو الشحم الملتف بالأمعاء ((أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ)) كشحم الجنب والإلية ونحوهما ((ذَلِكَ)) التحريم عليهم لم يكن لأجل ضرر في المحرّمات عليهم بل ((جَزَيْنَاهُم بِـ)) سبب ((بَغْيِهِمْ))، أي ظلمهم حيث كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ((وِإِنَّا لَصَادِقُونَ)) في أخبارنا عن بني إسرائيل وما فعلوا وما فعلنا بهم، وذلك بخلاف كثير من الأعداء حيث يلفّقون أخباراً مكذوبة على أعدائهم لحطّهم في أعين الناس.
سورة الأنعام
147 ((فَإِن كَذَّبُوكَ)) يارسول الله فيما ذكرتَ للمشركين من التحريم والتحليل، بل قالوا إنّ حرام الله وحلاله كما نقول، أو فيما ذكرتَ عن اليهود من تحريم الله عليهم المذكورات بسبب بغيهم ((فَقُل)) لهم ((رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ)) يرحم جميع ذوي الروح، ولذا لا يعجّلكم بالعقوبة لعلكم تتوبون ((وَ)) لكن مع ذلك ((لاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ))، أي لا يدفع عذابه إذا جاء وقته ((عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)) الذين إرتكبوا الجرائم.
سورة الأنعام
148 ((سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ)) واتّخذوا شريكاً لله سبحانه، للدفاع عن أنفسهم وتبرير شِركهم ((لَوْ شَاء اللّهُ)) أن لا نُشرِك ((مَا أَشْرَكْنَا)) نحن ((وَلاَ)) أشرَكَ ((آبَاؤُنَا)) من قَبل ((وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ)) فإذا أشركنا وحرّمنا وسَكَتَ الله عنّا فهو يرضى بذلك ويريد شِركنا وتحريمنا ((كَذَلِكَ))، اي كتكذيب هؤلاء لك يارسول الله في مقالك أنّ الله لا يرضى بالشِرك ولم يحرّم ما حرّمتموه ((كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم)) أنبيائهم ((حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا))، أي حتى نالوا عذابنا ونكالنا ((قُلْ)) يارسول الله لهم ردّاً على حجّتهم ((هَلْ عِندَكُم)) أيها المشركون ((مِّنْ عِلْمٍ)) بأنّ الله يريد شِرككم وتحريمكم للمحلّلات ((فَتُخْرِجوهُ لَنا)) وإذ ليس لكم دليل فكلامكم خالٍ عن الحجّة ((إنْ تَتّبِعونَ))، أي ما تتّبعون في أقوالكم وأعمالكم ((إلاّ الظَّنَّ)) فإنكم تظنّون ما تقولونه لما اعتدتم عليه ((وَإِنْ أَنتُمْ))، أي: ما أنتم ((إَلاَّ تَخْرُصُونَ)) الخرص هو التخمين.
سورة الأنعام
149 ((قُلْ)) يارسول الله لهم أنكم إذا عجزتم عن إقامة الدليل على عقيدتكم ومدعاكم ((فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ)) التي بَلَغتُكم بأنه لا يريد الشرك ولم يحرّم المذكورات ((فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)) بالجبر والإكراه، لكنه لا يشاء ذلك حتى يُجري الإختيار والإختبار.
سورة الأنعام
150 ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الذين حرّموا الأمور المذكورة ((هَلُمَّ))، أي أحضِروا ((شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا)) الذي ذكرتم حُرمته من أقسام الحيوان والزرع، إنه طالَبَهم بالعلم فلم يكُن لهم ثم يطالبهم بالشاهد، لكنه لا شاهد عندهم ولكنهم قد يأتون بشهود زور ((فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ)) يارسول الله ((مَعَهُمْ)) فإنّ شهادتهم باطلة، وإن قيل كيف دعاهم إلى الشهادة، ثم لم يقبل شهادتهم؟ قلنا أنه دعاهم إلى أن يأتوا بالشهود العدول لا من أنفسهم، وإلا فالمدّعي لا يكون شاهداً، فإن شَهِدوا بأنفسهم لم تقبل شهادتهم ((وَلاَ تَتَّبِعْ)) يارسول الله ((أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا))، أي هوى أنفسهم، فإنّ مَن لا يعمل بالحق لابد وأن يكون متّبعاً لهواه، وحيث يرشده الهوى إليه ((وَ)) لا تتّبع أهواء ((الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ)) كالكفار الذين كانوا ينكرون البعث ومن المعلوم أنّ الكفار كانوا على قسمين منهم مَن يؤمن بالآخرة كأهل الكتاب، ومنهم مَن لا يؤمن به كالدهرية ((وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ))، أي يجعلون له عدلاً وشريكا. سورة الأنعام
151 وبعد إستنكار ما حرّمه المشركون على أنفسهم، واستنكار إستحلالهم لبعض المحرّمات يأتي السياق لبيان المحرّمات الواقعية التي حرّمها الله سبحانه ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء المشركين ((تَعَالَوْاْ))، أي أقبِلوا واحضروا ((أَتْلُ))، أي إقرأ ((مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)) (ما) مفعول (أتلُ) ((أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ))، أي بالله ((شَيْئًا))، أي لا تجعلوا له سبحانه شريكاً، والجملة في تأويل المصدر، فيكون بدلاً من (ما حرّم)، أي: إتلُ تحريم الشِرك، فلا يُقال: إنّ النفي في النفي يفيد الإثبات ((وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا))، أي أوصاكم بهما إحسانا، إذ في (حرّم) معنى الإيصاء، وإحساناً منصوب بفعل مقدّر تقديره: أحسِنوا بالوالدين إحسانا، ومن المعلوم أنّ ترك كل واجب حرام، ولذا صحّ تعداده في جملة (ما حرّم) ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم)) بنين وبنات ((مِّنْ إمْلاَقٍ)) هو الفقر، أي: من جهة الفقر، فقد كان المشركون يقتلون أولادهم خوف أن يفتقروا فلا يجدوا مؤونتهم ((نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ)) أنتم الآباء ((وَإِيَّاهُمْ))، أي الأبناء، فليس رزقهم عليكم، ثم إنّ من المعلوم أنّ الرزق يحتاج إلى جد وتعب فليس المراد برزقه إيّاهم أنه يُنزله من السماء في الدلو ((وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ)) جمع فاحشة، صفة للمقدّر أي الصفة الفاحشة ((مَا ظَهَرَ مِنْهَا)) للناس ((وَمَا بَطَنَ))، أي أتى به سراً، وهذا يشمل جميع المحرّمات غير المذكورة بالنص ((وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ)) من المسلم والمعاهِد ((إِلاَّ بِالْحَقِّ)) وقد تقدّم أنّ مثل هذه الإستثناءات من أصل الكلام لا من قيده، أي لا تقتلوا النفس إلا بالحق، والحق في القتل في موارد خاصة كالجهاد والزاني المُحصَن والمرتد الفطري والمهاجِم والقصاص ومَن أشبه ((ذَلِكُمْ)) المذكور في الآية من المحرّمات ((وَصَّاكُمْ)) الله ((بِهِ))، أي أمَرَكم، فإنّ الوصية بمعنى الأمر ((لَعَلَّكُمْ)) أيها البشر ((تَعْقِلُونَ))، أي تحكّمون عقولكم في المحرّم والمحلّل فلا تقولوا شيئاً إعتباطاً.
|
|
|