08-03-2011, 03:36 AM
|
#3
|
|
سورة الأنعام
139 ((وَقَالُواْ))، أي قال المشركون في قسم آخر من أباطيلهم ((مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ)) من الجنين ((خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا))، أي نسائنا، إن كانت حية ((وَإِن يَكُن)) ما في بطن الأنعام ((مَّيْتَةً)) بأن خرج الجنين ميتاً ((فَهُمْ)) رجالاً ونساءً ((فِيهِ شُرَكَاء)) يجوز للنساء أكله كما يجوز للرجال ((سَيَجْزِيهِمْ)) الله تعالى ((وَصْفَهُمْ))، أي هذا الوصف الذي كانوا يصفون الجنين بالتحليل والتحريم و(وصف) منصوب بنزع الخافض، أي: بوصفهم ((إِنَّهُ)) سبحانه ((حِكِيمٌ)) يحكم عن حِكمة ومصلحة ((عَلِيمٌ)) بما يصدر من هؤلاء فيجازيهم حسب المصلحة والحِكمة.
سورة الأنعام
140 ثم يجمع ذلك كله بقوله سبحانه ((قَدْ خَسِرَ)) الكفار ((الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ)) خوف العار أو الفقر أو للنذر -فقد كانوا ينذرون قتل الأولاد- ((سَفَهًا))، أي جهلاً وسفاهة، فإنهم إشتروا بذلك النار ((بِغَيْرِ عِلْمٍ)) بما يعملون، فإنهم كانوا يزعمون صحّة عملهم هذا ((وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ))، أي خسروا بتحريمهم قسماً من الأنعام والحرث الذي زَعَموا أنه حِجر ((افْتِرَاء عَلَى اللّهِ)) حيث كانوا ينسبون ذلك إليه سبحانه ((قَدْ ضَلُّواْ)) الطريق المستقيم ((وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ)) في تلك الأعمال.
سورة الأنعام
141 ((وَهُوَ)) الله ((الَّذِي أَنشَأَ))، أي خَلَقَ وأبدَعَ ((جَنَّاتٍ))، اي بساتين ((مَّعْرُوشَاتٍ))، أي مجعولات لها عروش من الكروم ((وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ)) من الأشجار التي لا تحتاج إلى العروش بل هي قائمة على ساقها ((وَ)) أنشأ ((النَّخْلَ)) للتمر ((وَالزَّرْعَ)) من مختلف المزروعات في حال كون جميع ذلك ((مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ))، أي ثمره الذي يُؤكل والإختلاف في اللون والطعم والشكل والخواص ((وَ)) أنشأ ((الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ)) وذَكَرَهما لكثرتهما في هذه البلاد، في حال كون ذلك كله أو الآخرين ((مُتَشَابِهًا)) يشبه بعضها بعضاً ((وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)) من حيث اللون والورق والشجر وغيرها ((كُلُواْ)) أيها البشر ((مِن ثَمَرِهِ))، أي ثمر هذا المنشأ ((إِذَا أَثْمَرَ)) فإنّ ذلك مباح لكم ((وَآتُواْ حَقَّهُ))، أي الحق المجعول عليه وهو إعطاء الفقراء منه شيئاً، حفنة حفنة، أو كفاً كفاً ((يَوْمَ حَصَادِهِ))، أي إجتنائه وقطعه ((وَلاَ تُسْرِفُواْ)) في باب ما رَزَقناكم، بأن تُعطوا الجميع، أو تصرفوه فيما لا يعني، أو ما أشبه ((إِنَّهُ)) سبحانه ((لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ))، أي يكرههم.
سورة الأنعام
142 ((وَ)) أنشأ ((مِنَ الأَنْعَامِ)) الإبل والبقر والغنم ((حَمُولَةً)) هي الإبل التي تَحمِل، أو كل ما يَحمِل من الخيل والبغال والحمير والإبل ((وَفَرْشًا))، أي ما يُفترش به من جلودها، أو المراد بالفرش صغارها قبل أن تكون صالحة للحمل، وكذلك الغنم ((كُلُواْ)) أيها البشر ((مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ)) ولا تحرّموا شيئاً منها كما كان الجاهلون يحرّمون بعض الطيبات ((وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)) كأنّ العاصي يضع قدمه حيث وضع الشيطان قدمه ((إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ))، أي واضح العداوة، لأنه يسبّب ذهاب دنياكم وآخرتكم.
سورة الأنعام
143 ثم بيّن سبحانه أن ليس في شيء من الأنعام محرّماً، وإنما ذلك إختلاف الجهّال، أنه سبحانه أنشأ ((ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ)) من الأنعام الثلاثة، والزوج يقع على الواحد الذي يقع معه الآخر، وعلى الإثنين، فالرجل زوج والمرأة زوج، كما إنّ كليهما زوج ((مِّنَ الضَّأْنِ)) وهي الشاة ((اثْنَيْنِ)) ذكر وأنثى وإثنين بدل من (ثمانية) ((وَمِنَ الْمَعْزِ)) وهي الصخل ((اثْنَيْنِ)) ذكر وإثنين ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الذين يحرّمون بعض هذه الأقسام ((آلذَّكَرَيْنِ)) حخلت همزة الإستفهام على همزة الوصل وفُصِلَ بينهما بالألف، ولم تسقط همزة الوصل لئلا يلتبس الإستفهام بالخبر وإن جازَ الحذف لقرينة (أَم)، أي: هل أحد الذَكَرَين من الضأن والمِعزَ ((حَرَّمَ)) الله ((أَمِ)) أحد ((الأُنثَيَيْنِ)) منها ((أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ))، اي الجنين الذي إشتمل عليه رحم الضأن والمعز، فإنهم كانوا يقولون أنّ ما في بطون هذه الأنعام محرّم للأناث وخالصة للذكور ((نَبِّؤُونِي))، أي: أخبروني أيها الكفار المحرِّمون لبعض هذه الأقسام ((بِعِلْمٍ))، أي: عن دليل عملي، لا الأوهام والظنون ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في تحريم الله سبحانه لهذه الأقسام.
سورة الأنعام
144 ((وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ)) ذكر وأنثى، وهو عطف على (من الضأنِ إثنين) ((وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ)) ذكر وأنثى، وهذا تمام الثمانية ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء ((آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ))، أي: هل أنّ أحداً من الذَكَرَين حرّم الله سبحانه ((أَمِ)) أحد ((الأُنثَيَيْنِ)) من الإبل والبقر ((أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ)) من الجنين -كما تقدّم- ((أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء))، أي: حضوراً -مقابل قوله (نبّؤوني بعلمٍ)-، أي: هل علمتم أو حضرتم التحريم ((إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا)) التحريم، وإ لا دليل لكم لا سماعاً ولا حضوراً ((فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا)) فإنّ من ينسب إلى الله سبحانه حُكماً بالكذب هو أظلم الناس لنفسه، وقد تقدّم أنّ التفضيل هنا نسبي لا واقعي ((لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ)) فيوقع الناس في الضلالة ولا علم له بصحة عمله، بل يعلم بطلانه أو يظنّ بما يقوله ظنّاً ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) بل يتركهم وشأنهم حتى يتمادوا في غيّهم وضلالهم.
سورة الأنعام
145 ((قُل)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ))، أي ما أوحاه الله سبحانه في باب تحريم هذه الأشياء التي تناولونها أنتم والتي تحرّمونها ((مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ))، أي على آكل يأكله فكل ما تذكرو تحريمه باطل، بل هي حلال طيب ((إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً)) غير مُذكّى شرعاً ((أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا))، أي مصبوباً، وإنما خصّ المسفوح بالذَكر لأنّ ما اختلطَ باللحم مما يعسر تخليصه منه محلّل مُباح ((أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ))، ومن المعلوم أنّ ذَكر اللحم من باب المثال وإلا فشحمه وسائر أجزائه أيضاً حرام ((فَإِنَّهُ))، أي كل واحد من هذه المحرّمات، أو خصوص لحم الخنزير ((رِجْسٌ))، أي قذر منفور منه ((أَوْ فِسْقًا)) عطف على (ميتة)، أي لحماً يكون أكله فسقاً، لأنه خلاف إباحة الله وذلك فيما ((أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ))، أي: ذُكِرَ عليه إسم الأصنام حين القتل، ولم يُذكر عليه إسم الله ((فَمَنِ اضْطُرَّ)) إلى تناول أحد هذه المحرّمات ((غَيْرَ بَاغٍ)) في أكله ((وَلاَ عَادٍ)) من التعدّي، بأن لم يكن طالباً لأكل الحرام ومتعدّياً حدّ سدّ الرمق -وقد تقدّم المعنى في سورة المائدة- ((فَإِنَّ رَبَّكَ)) يارسول الله ((غَفُورٌ)) يغفر لمن تناول مضطراً ((رَّحِيمٌ)) بالعباد حيث رَخّصَ لهم ذلك، وقد تقدّم عدم المنافاة بين عدم المعصية والغفران.
|
|
|