08-03-2011, 03:35 AM
|
#2
|
|
سورة الأنعام
133 إنّ هذه الأوامر وتلك العقوبات ليست لاحتياج الله سبحانه إلى هذه أو تلك ((وَرَبُّكَ)) يارسول الله ((الْغَنِيُّ)) الذي لا يحتاج إلى شيء إطلاقاً ((ذُو الرَّحْمَةِ)) ومن رحمته جَعَلَ الأوامر ليرحم العباد بها ((إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ))، أي يهلككم أيها البشر ((وَيَسْتَخْلِفْ))، أي يجعل خليفة لكم وفي محلكم ((مِن بَعْدِكُم))، أي بعد الإذهاب بكم ((مَّا يَشَاء)) من أنواع المخلوقات ((كَمَآ أَنشَأَكُم)) وأوجدكم ((مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ)) حيث أذهبهم وأتى بكم، فإنّ ذلك عليه يسير.
سورة الأنعام
134 ((إِنَّ مَا تُوعَدُونَ)) أيها البشر من القيامة والحساب والثواب والعقاب ((لآتٍ))، أي يأتي لا محالة ((وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ))، أي لستُم تقدرون أن تسبّبوا عجزه سبحانه حتى لا يتمكن من إعادتكم والإتيان بكم لساحة الحساب.
سورة الأنعام
135 ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء ((يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ))، أي منزلتكم ومقدار تمكّنكم من الدنيا، وهذا الأمر للتهديد، أي إعملوا الكفر والمعاصي كما تتمكّنون ((إِنِّي عَامِلٌ)) بما أمَرَني الله سبحانه -فلكم دينكم ولي دين- ((فَسَوْفَ)) في الآخرة ((تَعْلَمُونَ)) جزاء أعمالكم ((مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ))، أي العاقبة المحمودة في دار السلام، هل أنتم أم أنا؟ لكن إعلموا أنّ عاقبة الدار لي فـ ((إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ)) ولا يفوز بالسعادة ((الظَّالِمُونَ)) الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي.
سورة الأنعام
136 ثم يعود السياق إلى معالجة العقيدة في بعض نواحيها فيحكي ما كان يفعله أهل الجاهلية من تقسيم ما ينفقوه من الزرع والأنعام بين الله وبين الأصنام ((وَجَعَلُواْ))، أي جعل الكفار ((لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ))، أي خَلَقَ ((مِنَ الْحَرْثِ))، أي الزرع ((وَالأَنْعَامِ))، أي المواشي الإبل والبقر والغَنَم ((نَصِيبًا))، أي حظاً وقسماً، وجعلوا للأصنام نصيباً ((فَقَالُواْ هَذَا)) القِسِم ((لِلّهِ)) تعالى ((بِزَعْمِهِمْ)) وإنما نَسَبَهم إلى الزعم لأنه لم يكن لله، فإنّ الله لا يقبل الشيء الذي أُشرِكَ فيه ((وَهَذَا)) القِسِم ((لِشُرَكَآئِنَا))، أي الأوثان، أي الشركاء الذين نحن شاركناهم مع الله -وفي الإضافة تكفي أدنى ملابسة، ككوكب الخرقاء- ((فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ)) من الأنعام والحرث ((فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ))، أي إنّ الله لا يقبله، وكنّى بالإيصال لتشبيه المعقول بالمحسوس تقريباً للأذهان ((وَمَا كَانَ لِلّهِ)) بزعمهم ((فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ)) وهذا مجاز، فإنّ الأصنام تنتفع بهذا النصيب حتى ترنح لها القلوب الجاهلة المكانة المكينة، أو المراد أنهم كانوا إذا خصّصوا نصيباً للشركاء لا يأخذون منه لجانب الله شيئاً، أما الحصة المخصّصة لله سبحانه فقد يأخذون منها ليوفّروا المأخوذ على مال الأصنان، روي عن أهل البيت (عليهم السلام) أنهم كانوا يعيّنون من حرث ونتاج لله ويصرفونه إلى الضيوف والمساكين وشيئاً منها لآلهتهم وينفقونه على سَدَنَتَها ويذبحون عندها ثم إن رأوا ما عيّنوا لله أزكى بدّلوه بما لآلهتهم وإن رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها حبّاً لآلهتهم واعتلوا لذلك بأنّ الله غني، وروي أيضاً أنه كان إذا إختلط ما جُعل للأصنام بما جُعل لله ردّوه وإذا إختلط ما جُعل لله بما جعلوه للأصنام تركوه وقالوا: الله غني وإذا إنخرق الماء مِن الذي لله في الذي للأصنام لم يسدّوه وإذا إنخرق مِن الذي للأصنام في الذي لله سدّوه وقالوا: الله غني، فردّ عليهم سبحانه بقوله ((سَاء مَا يَحْكُمُونَ))، أي إنّ حكمهم بالتشريك أو عند الإختلاط والتزكية شيء فإنّ الله وإن كان غنياً لكن هذا العمل مخالف لجلال شأنه وعظم كبريائه.
سورة الأنعام
137 ((وَكَذَلِكَ))، أي كما جعل المشركون في الحرث والأنعام ما لا يجوز كذلك فعلوا بالنسبة إلى أولادهم ما لا يجوز ((زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ)) فاعل (زيّن) (شركائهم)، أي إنّ الشياطين الذين إتّخذهم المشركون شركاء لله زيّنوا لهم أن يقتلوا أولادهم ((قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ)) مفعول (زيّن) ((شُرَكَآؤُهُمْ)) فقد كان كثير من المشركين يعبدون الجن، وهي توحي بالأعمال السيئة، فقد كانوا يقتلون البنات خوف العار كما قال سبحانه (وإذا بُشِّرَ أحدهم بالأُنثى ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم -إلى أن يقول- أم يدسّه في التراب) وقال (وإذا الموؤدة سُإلَت بأيّ ذنبٍ قُتِلَت)، وكانوا يقتلون البنين خوف الفقر كما قال سبحانه (ولا تقتلوا أولادكم مِن إملاق) ((لِيُرْدُوهُمْ)) من أرداه بمعنى أهلكه، أي إنه كانت غاية الشياطين -الشركاء- التي زيّنت للمشركين قتل أولادهم، إرادة إهلاك الأولاد بالقتل وإهلاك الآباء بالذنب ((وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ))، أي يخلطوا الحق بالباطل حتى لا يعرفوا أحدهما من الآخر، وفي الغالب يأتي أهل الباطل بضغث من الحق وضغث من الباطل حتى لا يصغر الحق فيتّبعه الناس ((وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ))، اي ما قَتَلوا أولادهم، ومشيئة الله إنما هي بجبرهم على الهدى، لكنه لا يشاء لأنّ الدنيا خُلِقَت للإختبار ((فَذَرْهُمْ))، أي دعهم واتركهم يارسول الله ((وَمَا يَفْتَرُونَ))، أي إفترائهم على الله سبحانه، فقد كان المشركون ينسبون أباطيلهم إليه سبحانه، و(ذرهم) تهديداً لهم لا إنّ معناه عدم وجوب ردعهم ونهيهم.
سورة الأنعام
138 ((وَقَالُواْ))، أي قال المشركون في قسم آخر من خزعبلاتهم ((هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ))، أي مواشِ وزرع ((حِجْرٌ))، أي حرام ((لاَّ يَطْعَمُهَا))، أي لا يأكلها ((إِلاَّ مَن نّشَاء)) وهي التي خصّصوها لأصنامهم فقد كانت خاصة للسَدَنة لا يُشركهم فيها أحد ((بِزَعْمِهِمْ))، أي قد كان هذا التحريم زعماً منهم إذ لم يُنزِل الله به من سلطان ((وَ)) عَمَدوا إلى قسم ثانِ من الأنعام فحَجَروها وقالوا هذه ((أَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا))، أي لا يُركب عليها لأنها نُذرت للآلهة، أو لأنها ولدت كذا ولداً، أو لأنها حَمَت ظهرها من السائبة وأخواتها كما تقدّم في سورة المائدة ((وَ)) عمدوا إلى قسم ثالث من الأنعام فهي ((أَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْها)) عند الركوب، أو عند الذبح، أو لا يحجّون عليها، وقد كانوا ينسبون ذلك إلى الله سبحانه ((افْتِرَاء عَلَيْهِ)) فقد كانوا كاذبين في هذه النسب ((سَيَجْزِيهِم)) الله سبحانه ((بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ))، اي بسبب إفترائهم على الله سبحانه كذباً وزورا.
|
|
|