سورة الأنعام
11
((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((سِيرُواْ فِي الأَرْضِ))، أي سافروا فيها ((ثُمَّ انظُرُواْ)) إذا مررتم ببلدان الأنبياء وتفكّروا ((كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ))، أي الأمم التي كذّبت أنبيائه كيف أُبيدت ولم تبقَ منهم باقية فإنّ ديار الأمم السابقة حوالي سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ومصر كانت باقية وآثار الخسف والهلاك على بعضها وأخبار الهلاك والتدمير كانت عند الناس مشهورة، فإذا سافروا وسألوا علموا ذلك وكان ذلك سبباً لردعهم عن تكذيب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإستهزاء بالقرآن.
سورة الأنعام
12
ثم إحتجّ سبحانه على المكذّبين بحجّة أخرى فقال ((قُل)) يارسول الله لهؤلاء المكذّبين ((لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) إذ لا يتمكّنون أن يُجيبوا بأنها لهم ولا أنها لأصنامهم، وإذ يتحيّرون بالجواب ((قُل)) أنت إنما هي كلها ((لِلّهِ)) فلماذا تتّخذون إلهاً غيره؟ وإذ سبق التهديد والوعيد جاء هنا بالتبشير كي تلين القلوب القاسية بالتهديد مرة والتبشير أخرى ((كَتَبَ))، أي أوجب سبحانه ((عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)) على الخلق واللطف بهم، وإيجاب ذلك من مقتضيات الحكمة فتطلبوا أيها الناس رحمته الواسعة بالإطاعة والإمتثال، إنه إله الكون وراحمهم في هذه النشأة و((لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))، اي جمعاً ينتهي إلى ذلك اليوم فإنّ الناس يجتمعون تدريجاً لا دفعة فكل إنسان يولد في يوم القيامة، فبيده سبحانه المعاد أيضاً ((لاَ رَيْبَ فِيهِ))، أي محل ريب، وإنّ إرتياب المبطلون وإذا كان المبدء والوسط والمعاد بيده تعالى فـ ((الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ))، أي إنّ غير المؤمنين يكونون قد خسروا أنفسهم حيث باعوها واشتروا عوضها العذاب، بينما باع المؤمنون أنفسهم واشتروا بها الجنة والثواب.
سورة الأنعام
13
((وَلَهُ))، أي لله سبحانه ((مَا سَكَنَ)) وهدء ((فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)) أو المراد بما سَكَن، مطلق الأشياء الساكنة والمتحركة، من قولهم: فلان يسكن البلد كذا، أي يستقر فيه، له كل ما استقرّ وحلّ في هذين الزمانين الليل والنهار، أما على الثاني فوجه الكلام واضح، وأما على الأول: فلعلّ التخصيص بالساكن -مقابل المتحرك- لإلقاء الرهبة في النفس حيث إنّ الساكن نفسه يهدء ويسكن إذا صار في محل ساكن لا حسّ فيه ولا حركة ((وَهُوَ السَّمِيعُ)) لأقوال العباد ولكل صوت ((الْعَلِيمُ)) بكل شيء.
سورة الأنعام
14
((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((أَغَيْرَ اللّهِ))، أي هل غير الله سبحانه ((أَتَّخِذُ وَلِيًّا))، اي مالكاً ومولى وربّاً وهو المتّصف بكونه ((فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))، أي خالقهما ومبدعهما ومنشئهما، إنه من السخافة أن يترك الإنسان الخالق ويتمسّك بذيل المخلوق ((وَهُوَ))، أي الله سبحانه ((يُطْعِمُ)) فإنّ الأطعمة والأرزاق من عنده ((وَلاَ يُطعَمُ))، أي لا يرزقه أحد، فهل من المنطق أن يترك الإنسان الخالق الرازق ويأخذ المخلوق المرزوق الذي ليس بيده أي شيء؟ ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((إِنِّيَ أُمِرْتُ)) أمرني الله ((أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ)) لله وصدّق بكلماته واتّبع أوامره، وكوني أول مَن أسلَم لعلمي التام بالخالق سبحانه كما قال: إنّي أولّ من أجاهد، وإنّي أول من أسافر، دلالة لامتلاء النفس بذلك الشيء ((وَ)) أمَرَني الله بأن ((لاَ تَكُونَنَّ)) التأكيد للنفي (( مِنَ الْمُشْرِكَينَ)) الذين يجعلون مع الله شريكاً، والظاهر أنّ المراد بالشرك أعم ممن يجعل معه شريكاً مع الإعتقاد به سبحانه، أو بدون الإعتقاد به، والمعنى: إنّي أُمرتُ بالأمرين: الإسلام وعدم الشرك.
سورة الأنعام
15
((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء المشركين ((إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي)) بمخالفة أوامره ((عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ))، أي عذاب يوم القيامة، وإنما قال (أخاف) مع أنه متيقّن أما من جهة التعبير بالخوف حتى عن المتيقّن، كما يقول مَن حُكِمَ عليه بالإعدام: إنّي أخاف الموت، اي أرهبه، وأما لاحتمال النجاة لأنّ رحمته وسعت كل شيء، فمعنى الخوف على هذا الإحتمال.
سورة الأنعام
16
((مَّن يُصْرَفْ)) العذاب ((عَنْهُ يَوْمَئِذٍ))، أي في ذلك اليوم العظيم ((فَقَدْ رَحِمَهُ)) إذ لا أحد -باستثناء المعصومين- إلا ويكون مستحقاً للعذاب، ولذا كان الصرف عنه بمقتضى الرحمة ((وَذَلِكَ)) الصرف أو الرحم ((الْفَوْزُ)) والفلاح ((الْمُبِينُ)) الواضح الذي لا فوز مثله.
سورة الأنعام
17
ويستطرد السياق بذِكر بعض صفاته سبحانه في مقابل المعاندين المنكرين ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ)) من مسّ، أي أمسك بما هو ضرر من فقر أو مرض أو ما أشبههما ((فَلاَ كَاشِفَ لَهُ))، أي دافع له ((إِلاَّ هُوَ)) فلا أحد مؤثّر في الكون، وإنما العلل تؤثّر في المعلولات بإذن الله سبحانه ((وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ)) غنى أو صحة أو ما أشبههما ((فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ)) أنه القادر المطلق على الخير والشر، أما من سواه فقدرته من قدرته مع أنه ليس له القدرة إلا قدرة ناقصة لبعض الأشياء.
سورة الأنعام
18
((وَهُوَ)) تعالى ((الْقَاهِرُ))، أي الذي يقهر ويغلب، ولازمة القدرة ((فَوْقَ عِبَادِهِ))، أي الجميع تحت تسخيره وسيطرته لا الفوقية المكانية، فإنه أجلّ من الزمان والمكان ((وَهُوَ الْحَكِيمُ)) في أعماله، فليس كونه قاهراً موجباً للخوف من ظلمه كسائر الجبابرة القاهرين ((الْخَبِيرُ)) بما يصدر من العباد، فلا يأخذ أحداً بجُرم أحد كما هو شأن القاهرين من البشر حيث يشتبهون كثيراً لجهلهم.
يـــــــــــــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــ ـبـــــــــــــــع