30-05-2012, 12:43 AM
|
#1
|
|
السيد مقتدى الصدر كتب مقدمة لكتاب السيد الشهيد "المرأة في فكر الس الشهيد محمد الصدر
بسم الله الرحمن الرحيم
صدر بأشراف مكتب السيد الشهيد الصدر ( قدس سره ) في قم المقدسة , كتاب مطبوع قبل مدة , سمي ( المرأة في فكر المرجع الديني الكبير السيد الشهيد محمد الصدر قدس سره ) وقد قدم له سماحة السيد مقتدى الصدر ( دام عزه )
أنقل لكم هذه المقدمة الرائعة , جزاكم الله خير جزاء المحسنين .
بسم الله الرحمن الرحيم ليس الصراع صراعاً إسلامياً ، وليس الاختلاف حول حقـوق المـرأة اختلافـاً إسلامياً على الاطلاق ، فإنه وإن تبنت الشريعة الإسلامية السمحاء مسألة قوامة الرجل على المرأة إلا أن هذه القوامة في ما خصه الله بالرجل من قـوة الجسـم والصبر والحنكة وغيرها من الصفات الخلقية التي غرسها الله عزوجل فيــه . ولعل هناك بعض ماخص الله به الرجل على المرأة من أحكام مترتبة على هـذه الصفات – أعني الشجاعة والحنكة – ومن هذه الأحكام الجهـاد والنفقة وغيرها مما هو مسطور في كتب الفقه والرسائل العملية .
وحسب النظم الإلهية تكـون المرأة مشعل العاطفة ومنبع الأحاسيس المرهفــة ونهراً من الرقـة وفيض اللطافة ، فهـي النصف المشرق والوضاء المكــلل بالحب والوفاء مما تحمله من معاني الأمومة والحنان وماتحمله من معانــي الأحترام والخير للأبوة والأخوة وما تكنه من العشق المتأصل بينها وبين زوجها الصالح والوفاء إليه كما هو وفي لها ، وفوق تلك الصفات العظيمة خصـها الله غالبا بالجمال ، فغمرها بصفة من صفاته ، فإنه كما يقال : " الله جميل يحــب الجمال " .
واستناداً الى القوانين الكونية والنواميس الإلهية العظيمة فإن البشرية مبنــية على الرجل والمرأة وقد جعل كل منهما سبباً في استمرار المسيرة البشريـــة والحياة الانسانية عبر مر الدهور ، وخص كل واحـد منهما بصفات لا يمتلكها الطرف الاخر آخذاً بعين الاعتبار في زرع كل صفة من صفاتهما العدل الإلهـي الذي يحكم الكون بأجمعه ، فلا ظلم في ساحته جل جلاله وعلا شأنه ، فــوزع عليهما الصفات ليقوما بواجبهما أمامه سبحانه وتعالى أولاً وأمام مجتمعهما ثانياً ، وليطبقا الأطروحة العادلة بما لهما من صفات أو سلاح غرسه الله فيهما ، قال تعالى في محكم كتابه العزيز :
(( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) فهدف الرجل كهدف المرأة لايختلـف ألا وهو الكمال والطاعة والعبادة للحق جل وعلا .
وليس العدل هو السمة الوحيدة التي كانت سبباً في توزيع الصفات واختلافها بين الرجل والمرأة ، فهناك الرحمة واللطف الإلهيان اللذان غمر بهما الرجل والمرأة على حد سواء ، فما أعظم اللطف الإلهي الذي جعل لكل منهما واجبه ورسم لكل منهما طريق تكامله ، ولم يخلط الأوراق فتختلط الأهداف وبالتالي تختلط النتائج .
وأي رحمة ورأفة تلك التي غمر بها المرأة فجعلها جوهرة مصونـة يحفظــها ويعطف عليها ويكن لها كل الحب والولاء ؟ كيف لا وهي الأم والأخت والزوجة والبنت ، بل القرينة له في إسلامه وإيمانه ودينه وعقيدته ، تلك سنة الحيــاة ومن يتعد سنة الحياة يلق إثماً مبيناً ، بل تلك صبغة الله ومن أحسن مــن الله صبغة ؟
جدير بالذكر أن الكلام المتقدم إنما هو على الصعيد الظاهري أما لو أردنــا أن ندخل في ثنايا الباطن قليلاً من غير أن نتعدى على الأسرار الإلهية ، فيمــكن القول أن الرجل قد وهبه الله الكثير من الصفات التي تساعده على خوض غمار الباطن والبحار الإلهية والعوالم الربانية والأسفار الرحمانية ، ومن هنا قد يقال أن ذلك يصعب أو يتعذر على المرأة التي لاتملك هذه المؤهلات .
لكن لا يخفى أن صعوبة الدرب ووعورة الطريق وقلة الرفقة ووحشة الوحـدة والتجرد عن الأسلحة قد يكون ذا فائدة جمة ، فإن الحكمة في الباطن تقول : صعوبة الدرب تزيد من التكامل ، إذن بعد أن عرفنا أن طريق الباطن صعب على المرأة فهذا لا يعني عدم جواز خوضها ثنايا هذا السبيل الإلهي ، بل أن صعوبة دربها يجعلها مؤهلة للوصول الى الهدف أسرع من الرجل إلا أن خطورة الزلل فيه والميل عنه أكثر وأحتمالها أرجح .
ومن هنا فإن امتلكت المرأة الإرادة الكبيرة والحنكة اللازمة بواسطة التعـــلم والتكامل التدريجي فإنها ستكون مثالاً لمجتمعها من النساء ، بل ومن الرجال في بعض الإحيان ، لذا نسمع عبر مر التأريخ بالنساء الأربع الكاملات وبالأخــص مريم بنت عمران عليهما السلام التي قال الله سبحانه وتعالى في حقها : " ومريم أبنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربهــا وكتبه وكانت من القانتين " ... وقال أيضاً عزمن قائل : " وإذ قالت الملائكــة يامريم أن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين * يامريم اقنتـي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين " .
ونستنتج من هاتين الآيتين أن المرأة تستطيع وبكل قوة وهمة وعزم وإصرار أن تكون من العابدين الساجدين الراكعين ، بل الأمر أكثر من ذلك ، فإنه سبحانــه وتعالى يقول " إن الله اصطفاك " أي أختارك من دون النساء وجعـلك مـــن المصطفين ، وهذا غاية الكمال في القرب من الله عزوجل .
ويزداد هذا المعنى قوة ووضوحا وتأكيدا في سيدة نساء العالمين بضعــــة المصطفى فاطمة الزهراء الراضية المرضية ( صلوات الله وسلامه عليها ) فهي سيدة النساء على الاطلاق بعفتها وعلمها وعصمتها وحجابها وكمال دينهـا ، حتى إنها لم تك تكلم الرجال إلا من وراء حجاب فازدان بها الحجاب وعلت بها العفة وتفاخرت بها العصمة .
فيا نساء الإسلام ويانساء العالم تلك اسوتكن فسرن نحوها وتكاملن بكمالــها عسى ان يرفعكن مقاما عليا .
ولايخفى أيضا أن كل حامل سلاح إن صح التعبير أو كل مالك لصفات الحسـن يستطيع استعمال سلاحه أو صفاته بالخير تارة وبالشر أخرى والأول يســمى الكمال والآخر يسمى التسافل والانحطاط والزلل ، قال تعالى : " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهـــم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا " ، فإنه من أعطى القوة والهمة والصفات والمؤهلات واستعملها فــي موردها الذي أراده الله سبحانه كان حقاً على الله أن يجعله من المؤمنيـــن المرضيين ، ومن استعمله في الباطل والتسافل فقد احتمل إثماً وبهتاناً عظيماً .
ولنتأمل هذا المعنى في الآيات الكريمات :
" ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين امتعكن واسرحكن سراحاً جميلاً * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً *يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً . * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً " .
فعلى الرغم من زوجات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رضوان الله تعالى عليهن – هن المقصودات بصورة وأخرى بتلك الآيات الكريمة إلا أنه يمكــن التجريد عن بعض الخصوصيات لا كلها لتعميمها على جميع النساء اللاتي يرين الحق ويرين الباطل ، ويستطعن الاختيار بينهما .
ولاينبغي لنا التعمق اكثر من ذلك في هذه المقدمة المختصرة إلا أنه لايصــح ولايجدر بالمؤمنات أن يجعلن من الصفات الإلهية التي غرسها الله فيهـن أداة لنشر الباطل فهن معرضات لوسوسة الشيطان كما أن الرجـال معرضون لذلك ، وكما هم يستعملون صفاتهم بالباطل كالذي يؤتى القوة وبسطة الجسم والعــلم ولايستعمله إلا بالكفر والظلم والعدوان والإرهاب والاعتداء على الآخرين ونشر الشبهات والعياذ بالله .
في ضوء ذلك يتضح أن لكل من الرجل والمرأة صفاته الخاصة والتي ينبغي أن يستعملها في الحق والتكامل في درجات العلم والاخلاق إلا أن هذا لايعنــــي بالضرورة أو قل ليس كاشفاً عن عدم وجود صفات مشتركة بين الرجال والنساء ، واختلاف أحكامهم في بعض الأحيان ليس كاشفاً عن عدم وجود أحكام مشتركة ، بل نستطيع القول أن الرجل إن كان قيما على المرأة في مايختص بصفاته فأن المرأة قيمة على الرجل فيما يخصها من الصفات .
وماورد من نقد للنساء في بعض النصوص والروايات إنما هو للتنبيه والتحذير ليس إلا ، فإنه ورد الكثير من نقد الرجال يعني نقصهم وسوءهم أيضاً ! وحيث لا قائل بالثاني فلا قائل بالأول .
ثم أنه يجب الالتفات إلى أمر مهم آخر وهو أن تأثير المرأة في المجتمع قد يكون أكثر من تأثير الرجل فيه ، وهذا من عدة جهات أو أسباب :
اولاً : إنها الوعاء الذي يحمل الجنين فهي ذات تأثير فعال على حياته فيما بعد بكل تأكيد .
ثانيا ً : إنها المباشر الأهم لتربية الأطفال في الغالب ، وبالتالي يكون تأثـــر الأطفال بأمهاتهم أكثر من تأثيرهم بآبائهم .
ثالثا: إنهن المرضعات والمغذيات لبراعم المستقبل وهذا يضفي عليهم نوعاً من التأثير الايجابي أو السلبي على المدى البعيد في حياتهم المستقبلية .
رابعا : لكونهن الشريك لحياة الرجل أو قل هي الشريكة لزوجها في التكامل أو التسافل والعياذ بالله .
خامساً : لها التأثير الكبير في محيط العائلة ( نواة المجتمع ) التي هي بدورها تكون المجتمع شيئا فشيئا .
وما الى ذلك من أسباب تكوينية واجتماعية وغيرها .
ونحن نرى بأم أعيننا مايجري في المجتمعات التي آلت المرأة فيها الى الفساد والانحطاط والتميع ، وما الى ذلك من نتائج سريعة في إفساد المجتمع وانحطاط الكثير من الرجال بسببهن ، وأما في المجتمعات المحافظة والملتزمة فلا نجــد مثل ذلك بطبيعة الحال .
ثم إن الشرع المقدس حين جعل شهادتها نصف شهادة الرجل فهذا يعني أنه رفع بعض المسؤولية عن كاهلها ، وهو أيضا من باب الرحمة واللطف بها ، فــان رفع المسؤولية أفضل من وضعها كما لايخفى ، وإذا شرع تفضيل الرجل علـى المرأة في بعض الاحكام كما في القصاص وغيره ، فانه إن دل على شىء فانه يدل على أن المرأة تمتلك الصبر والتضحية أكثر من الرجل من هذه الناحية ، وأنها أكثر تسليما وطاعة لله وأحكامه في هذه الموارد .
كما أن فرض الحجاب على المرأة انما هو لصونها وتكريمها وحمايتها وعزتها وليس العكس ، فأي محبة وعزة تنتج من أن يوافق الزوج على عرض زوجته أمام الرجال وهي سافرة أو كاشفة عن بعض جسدها ؟
فانه لو أحبها بصدق لا ستخلصها لنفسه ومنع الآخرين منها ، وأي عقل يجعل المال أفضل من النساء فيستخلص المال لنفسه ويبذل نساءه لغيره ؟!!
وأي من النساء لا تفضل أن يستخلصها زوجها لنفسه ؟! فان هذا دليل واضح منه على محبتها وعشقها وعدم الرغبة بغيرها إلا ما أحل الله ، فان عمل المرأة موكول لها ، ولها كل الحرية في جميع أعمالها مالم يستلزم منكرا أو حراما ، فيكون الرجل عليها رقيبا كما أنها رقيبة على أعمال الرجل ، إذ لو فعل منكرا صار لزاما عليها أن تردعه بما تستطيع إذا أصر على المنكر .
ولو كان الزواج الثاني للرجل على سبيل المثال فيه مظلمة للزوجة فهذا كافٍ لان يجعله غير مقبول شرعا ، فان تعدد الزوجات مقيد ومشروط بالعدل والمساواة ، هذا من جهة ، ومن جهة آخرى فان عدم تجويز تعدد الزوجات أو عدم سنه سوف ينتج سفاحا في أكثر المجتمعات ، فان الرجل إذا أستطاع الزواج ثانيا فهذا يمنعه من خيانة زوجته كما يعبرون ، كما في المجتمعات الغربية التي يلجأ فيها الرجل الى السفاح والزنا لعدم استطاعته الزواج ثانيا ! وفي كل ذلك فهو يجعل شريكة حياته بمنأى عن فكره وحبه وإخلاصه ، وإلا لما فكر في أن يلجأ الى المحرمات بعيد عن حليلته .
ولايخفى أن الشرع قد جعل قيودا وشروطا وحقوقا وواجباتا مع تعدد الزوجات ان تعداها الرجل فهو ظالم ويقع الظلم على المرأة المسكينة ، فكفاك أيها الرجل ظلما لمن أحبتك ، وان أردت سنة الله فهذا لا يعني أن تظلم شريكتك ، فارضها أولا ثم خذ قسطك من الدنيا وخذ ما أحل الله لك من الزوجات وإلا فأحجم .
سيدتي المرأة صوني نفسك تصاني ، وتقربي الى الله تهتدي ، والتزمي أوامر الله يهتدي مجتمعك ، فان المرأة إن كانت محجبة مطيعة لشرع الله تعالى فهذا يعني أن الرجل سوف لن ينظر إلا الى حليلته ، وبالتالي يعني بناء عائلتك على أسس قويمة ومتينة ، فيبتني المجتمع على أركانه كما أراد الله .
تجدر الإشارة الى أني لم أكتب هذه السطور المتواضعة إلا عرفانا بمكانة المرأة الصالحة في المجتمع وما يثمر عنها من خير في حياتنا الإنسانية ، فهي المرأة التي حملتنا وهنا على وهن ، وهي التي شاركتنا أعواما وسنينا في كدح العيش ، والمرأة التي شاركتنا في بلاءات المجتمع وصعوبات العائلة وغيرها .
فياأختاه ! هذه أسطر كتبتها عسى الله أن يجعلنا وإياك في كنف الهداية ونور العصمة المحمدية .
سائلاً العلي القدير أن تصلح هذه السطور كمقدمة لهذا الكتاب (( المرأة في فكر الشهيد السيد محمد الصدر )) قدس الله نفسه الزكيه ، الذي خطه بعض أخواننا الأعزاء في مكتب السيد الشهيد ( قدس سره ) في قم المقدسة ، ولاسيما أخي العزيز الشيخ محمود الجياشي " دام عزه " الذي رفد المكتبة الاسلامية بفكر شهيدنا الصدر الثاني ( قدس سره ) ولايزال يرفدنا فجزاه الله خيرا ، آملاً من الجميع أن يحذوا هذا النهج ، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على أشرف خلقه محمد وآله الأطهار المنتجبين الاخيار .
مقتدى الصدر
1 ذي القعدة 1429 هــ
نُقل للفائدة.......
|
|
|