رد: هنا جميع خطب السيد الشهيد مكتوبة
الجمعة السابعة 3 صفر 1419 هـ
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللهم اني اسألك الامان يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم ، واسالك الامان يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ، واسألك الامان يوم يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والاقدام ، واسألك الامان يوم لا يُجزي والد عن ولده شيئا ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ان وعد الله حق ، واسألك الامان يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ، واسألك الامان يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله ، واسألك الامان يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه ، واسألك الامان يوم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته واخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الارض جميعا ثم ينجيه ، كلا انها لظى نزاعة للشوى ، مولاي يا مولاي انت المولى وانا العبد وهل يرحم العبد الا المولى ، مولاي يا مولاي انت المالك وانا المملوك وهل يرحم الملوك الا المالك ، مولاي يا مولاي انت العزيز وانا الذليل وهل يرحم الذليل الا العزيز ، مولاي يا مولاي انت الخالق وانا المخلوق وهل يرحم المخلوق الا الخالق ، مولاي يا مولاي انت العظيم وانا الحقير وهل يرحم الحقير الا العظيم ، مولاي يا مولاي انت القوي وانا الضعيف وهل يرحم الضعيف الا القوي ، مولاي يا مولاي انت الغني وانا الفقير وهل يرحم الفقير الا الغني ، مولاي يا مولاي انت المعطي وانا السائل وهل يرحم السائل الا المعطي ، مولاي يا مولاي انت الحي وانا الميت وهل يرحم الميت الا الحي ، مولاي يا مولاي انت الباقي وانا الفاني وهل يرحم الفاني الا الباقي ، مولاي يا مولاي انت الدائم وانا الزائل وهل يرحم الزائل الا الدائم ، السلام على سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله واله الطاهرين ، السلام على أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب ورحمة الله وبركاته وعلى مجالسه ومشاهده ومقام حكمته واثار ابائه آدم ونوح وابراهيم واسماعيل وتبيان بيناته ، السلام على الامام الحكيم العدل ، الصديق الاكبر الفاروق بالقسط الذي فرق الله به بين الحق والباطل والكفر والايمان والشرك والتوحيد ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة ، أشهد انك أمير المؤمنين وخاصة نفس المنتجبين وزين الصديقين و صابر المُمْتَحنين وانك حكم الله في ارضه وقاضي امره وباب حكمته وعاقد عهده والناطق بوعده والحبل الموصول بينه وبين عباده وكهف النجاة ومنهاج التقى والدرجة العليا ومهيمن القاضي الاعلى ، يا امير المؤمنين بك اتقرب الى الله زلفى انت وليي وسيدي ووسيلتي في الدنيا والاخرة .
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون .
تعرضنا في الجمعة السابقة الى قضية السير راجلين الى كربلاء المقدسة وانا حسب علمي وفهمي ان المنع حصل وانا قلت لكم انكم اذا مُنِعتم فامتنعوا ، انتو ان شاء الله تكونون على مستوى المسؤولية الدينية تجاه الله وتجاه الحوزة بحيث اذا قيل لكم قفوا تقفون واذا قيل لكم اذهبوا تذهبون جزاكم الله خير جزاء المحسنين ، فكأنما الان تقول لكم الحوزة قفوا لا تذهبوا وتُحَصِّلُون كلا الثوابين ، كفلين من الثواب ، الكفل الاول ثواب اطاعة الحوزة واطاعة العلماء ، حفظ الله الموجودين وقدس الله اسرار الماضين ، والثواب الثاني الثواب بالنية فان للإنسان ما نوى وانت لما الله تعالى يعلم بما في نفسك وقصدك ونيتك وهو السير الى كربلاء واحترام الحسين واقامة شعائر الحسين فسوف يثيبك ، حتى لو حصل المنع عن ذلك يعطيك الثواب وانت مستريح ، فحاولوا في هذه السنة وفي هذا الموسم ان لا نجد واحدا في الطريق اطلاقا ، هذه شعارية في نفسها قائمة وهو انكم اذا قيل لكم لا تذهبوا لا تذهبوا واذا قيل لكم اذهبوا فاذهبوا واذا قالت الحوزة انكم لا يجوز لكم الذهاب يعني لا يجوز لكم الذهاب ، والحسين عليه السلام ، طبعا في وده ذلك ويرضى منكم ذلك ويكفي منكم ذلك امام الله وامام رسوله وجزاكم الله خير جزاء المحسنين .
في جمعة سابقة بدأت بشرح خطبة الحسين سلام الله عليه ، في المدينة ، وطبعا في شهر محرم وشهر صفر لازلنا نعيش ذكرى استشهاد سيد الشهداء سلام الله عليه وعلى اله واصحابه اجمعين .
يقول في الخطبة : (وخير لي مصرع انا لاقيه) ، يعني ملاقيه وواصل اليه لا محالة ، والمستفاد من ذلك امرين :
احدهما : حصول الجزم به والعزم عليه في القضاء الالهي وعدم احتمال حصول البداء الذي نؤمن به نحن الامامية نؤمن بصحته ، معناه انه لا يحصل البداء تجاه شهادة الحسين سلام الله عليه ، وان هذا الامر مبتوت به ولا يحتمل تغييره وهذا مما تدل عليه روايات اخرى مثل قوله عليه السلام ، كما في بعض الروايات ، (شاء الله ان يراهن سبايا على اقتاب المطايا) ، وقوله عليه السلام ، او نحو ذلك ، (القوم يسيرون والمنايا تسير بهم الى الجنة) ، او قوله عن كربلاء ما مضمونه (هذا محط رحالنا ومقتل رجالنا ومسبى نسائنا) ، وكذلك يدل على ذلك اكيدا القارورة التي اعطاها الحسين عليه السلام ، لام سلمة وقال لها اذا ، ما مضمونه ، اذا رأيت التراب الذي فيها يفور دما فاعلمي اني قد قتلت ، وهذا معناه التنبوء القطعي ببقاء ام سلمة حية الى ذلك الحين والتنبوء القطعي بحصول حادثة كربلاء ، وهو معنى عدم حصول البداء فيها وان القضاء الالهي مبرم بانجازها .
الامر الثاني : قوله عليه السلام ، كما في الرواية وهذه الخطبة ، (خير لي مصرع انا لاقيه) ، ظاهره من الاختيار، يعني اختاره الله لي ، اي اختاره في علمه الازلي وقضائه وقدره ، ولكن مع ذلك يوجد احتمال آخر وهو ان يكون ، (خير لي) من الخير، لان مقتل الحسين عليه السلام ، واصحابه خير كله ، وليس فيه شر الا المسؤولية التي تحملها اعداؤه في ايجادهم لهذه المصيبة العظيمة والجريمة الكبيرة ضد الامام المعصوم المفترض الطاعة ، مسؤولية اعدائه موجودة ، الا انه بالنسبة الى اوليائه ، لا، في الحقيقة شهادته خير له ، ولأ صحابه وللبشرية اجمعين ولنا اجمعين ، يكفي اننا ندرك بعض نتائجها الحسنة امام الله سبحانه وتعالى وامام التاريخ .
اما بالنسبة اليه فالمقامات العالية التي لا ينالها الا بالشهادة وهذه موجودة في الروايات ، واما بالنسبة الى المجتمع المسلم فمن عدة جهات لا يحصى عددها ولعلنا لا ندرك امدها ، من قبيل التعليم : لأهمية الدين وان الدين من الاهمية بحيث يستحق وجود مثل هذه التضحية الكبرى بالنفس والنفيس والاصحاب والنساء والاموال والاتعاب وكل شيء ، اعطانا هذه العبرة سلام الله عليه وعلى اصحابه ، وأهمية طاعة الله سبحانه وتعالى حتى لو لزم كل هذا المحذور وهذا البلاء الدنيوي .
ومنها : إعطاء الامثولة الاكبر في التضحية للدين والتمرد ضد الظلم وضد عصيان الله سبحانه وتعالى كما يقول ، (الا ترون ان الدين لا يُعْمَلْ به وان الباطل لا يتناهى عنه) ، و ، (ان الدين لعق على السنتهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون) .
ومنها : الإصلاح الذي هو قاله حسب الرواية ، الاصلاح في امة جده رسول الله صلى الله عليه واله ، وانا قلت في كتابي عن الحسين سلام الله عليه ، ان هذا يعني جزؤه الرئيسي لم يحصل في حال حياته ، لأنه لم يبق بعد هذه الخطبة الا عدة اشهر وقتل سلام الله عليه ، وإنما حصل الاصلاح بشهادته وبعد شهادته ولا زال يحصل وسيبقى يحصل الى يوم القيامة بعون الله سبحانه وتعالى وحسن توفيقه له ولنا وللأجيال جميعا وللبشرية جميعا.
ومنها : ابراز الإسلام الحق كأطروحة كاملة وعادلة بأزاء الباطل والتسيب والتميع الذي كان يمثله الخليفة والخلافة الاموية والمسيطرين على دفة الحكم وعلى المجتمع من قبيل قوله حسب الرواية ، (ويزيد لاعب بالقرود وشارب للخمور قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله).
ومنها : حفظ شعائر الدين وهو ما يحصل من ذكر الحسين عليه السلام ، من المواعظ والتعاليم واجتماع المؤمنين وغفران الذنوب وستر العيوب والهمة في طاعة الله سبحانه وتعالى ، ولو لم يكن الا مثلا ، كشيء صغير جدا وهو ذكري للحسين ، وذكرنا للحسين في امثال هذه المقامات لكفى في الحقيقة ، انه هذا امر يتكرر في كل شهر وفي كل يوم وفي كل سنة وتسمعون ما ينفعكم في كثير من المجالس الحسينية وغير الحسينية وهذا امر جيد جدا نتيجة باقية من مقتل الحسين عليه السلام ، الى يوم القيامة ان شاء الله تعالى .
(كأني بأوصالي هذه) ، والأوصال هي اعضاء الجسم المتصل بعضها ببعض ، ومفرده وصلة وهي القطعة المتصلة ، فأوصالي اي اعضاء جسدي ، ماذا يحصل فيها ، (كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات) ، العُسلان هم الذئاب ، يمثل الجيش المعادي له بالذئاب الضارية وليت شعري فان النفس الامارة بالسوء اسوأ من الذئب ، لان الذئب يتصرف لحاجته او على طبعه او بدون عقل معتد به واما النفس الامارة بالسوء فقد رزقها الله عقلا ورشدا ومع ذلك اعرضت عنه واتبعت اهواءها وشهواتها فكانت كما قال الله تعالى : إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44 ) ، وقوله تعالى ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ...(23) ، (كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات) ، اذن عُسلان الفلوات لا يريد بها حقيقةً الذئاب البرية وإنما الذئاب البشرية وهم اعداؤه ولربما يراد به اعداؤه في كل جيل وليس فقط اعداؤه المباشرين ، لا نكون ضيّقي النظر والفهم وَسِّعوا رحمكم الله في الفهم فإنه احسن لكم امام الله سبحانه وتعالى ، كلهم عُسلان الفلوات ، تقطعها معناته انه ليست بأظافرها وأسنانها ، وإنما ، أشكال مختلفة من التقطيع حبيبي ، بألسنتها وأيديها ومكرها والى آخره مما لا يحسن التفصيل فيها الان ، الفلوات جمع فلاة ، وهي الصحراء واضافتهم الى الصحراء على احد وجهين ، في الحقيقة عُسلان الفلوات بالمعنى المطابقي والمعنى المفهوم وهم الذئاب البرية حيث لا يكونون مقصودين حقيقة والا الذئاب في البرية هي عسلان الفلوات صحيح لكنما حينما لا يكونون مقصودين حقيقة وان البشر الظالمين هم المقصودون حقيقة ، اذن فلماذا اضافهم الى الفلوات ، سؤال يعرض مع جوابه .
له احد وجهين :
اولا : اما ان الجيش كان في الصحراء فعلا ، الجيش المعادي المقابل له كان في الصحراء ، كربلاء في ذلك الحين كانت صحراء ليس فيها الا نباتات قليلة نخلات قليلة ، والا هي على العموم صحراء قاحلة ليست قاحلة بذاك المعنى لأنه فيها نهر على اية حال ولكنها صحراء غير مسكونة ولا مزروعة زرعا معتدا به .
محل الشاهد فتكون صحراء ، هَمْ الجيش الحسيني في الصحراء ، وهَمْ الجيش المعادي في الصحراء ، والجيش المعادي ظالم وهم عسلان الفلوات لانهم في الحقيقة الان هم في الفلاة ، اي حاله اعتدائهم على الحسين في الطف .
ثانيا : واما لأن عقولهم ومفاهيمهم وعقائدهم كالصحراء ليس فيها ما يسمن وما يغني من جوع ، او قل ليس فيها حق بل كلها باطل هذا ايضا صحيح ، المؤمن عقيدته كالبستان ، كالشجرة المثمرة ، ليش ، لأنه ينفع غيره ، ربحه كثير وخسرانه قليل بخلاف الكافر والفاسق والظالم ونحو ذلك بما فيهم الجيش الاموي وأتباعهم الى يوم القيامة ، صحراء قاحلة تضر اكثر مما تنفع وتعطش اكثر مما تروي وتجيع اكثر مما تشبع اكيدا ، فمن هذه الناحية تكون المسألة منطبقة مائة بالمائة .
ويمكن ان نفهم من هذه الجملة وجها ثالثا : وهو بقاء جسده الشريف سلام الله عليه ، بدون دفن ثلاثة ايام فكان من الممكن بحسب القانون الطبيعي ان تأكله الذئاب والوحوش فعلا ، أانهم تركوه وذهبوا فبقيت الصحراء مفتوحة ، قابل الحيوانات تأتي فتأكل ، لكن لا ، همه محروسون بعناية الله وان كانوا متوفين ومقتولين بطبيعة الحال لم يقترب اليهم اي حشرة واي مكروب واي وحش ، انا ذكرت ايضا في كتابي عن الحسين شوفوه ، حينما قطعوا الرؤوس ، زين همة يوم ، بيوم ، او بيومين او نحو ذلك يصلون الى الشام ، لا ، يحتاجون الى عشرة ايام ، خمستعش يوم ، عشرين يوم ، الى ان يصلون الى الشام ، زين هذه الرؤوس حينما تقطع وتحمل على الرماح او نحو ذلك لا ينالها الفساد لا تخرج منها رائحة ، حبيبي همه المفروض لا يؤمنون بالإمامة ولا يؤمنون بحقانية هؤلاء ، فاذا كانوا هؤلاء مو محقين راح تجيف جثثهم قطعا ، مع ذلك قطعوها واخذوها ، انا أقول لك انهم يعتقدون انه ما راح تجيف ، لأنه لا شعوريا وحقيقة وفي باطن انفسهم يعتقدون ان هؤلاء على حق وان هؤلاء هم الظالمون ليس اكثر من ذلك ، الظالمون قطعوها واخذوها ويعتقدون انها هي التي محقة وليس غيرها محق ، ولا يتوقعون ان تفسد وان تتعفن ، فهذا معناه عدة امور:
منها : انهم شنو ، انهم محروسون ، ان هذه الرؤوس والاجساد محروسة بعين عناية الله هذه وحدة .
وثانيا : ان الجيش المعادي يعلم حقانية الحسين سلام الله عليه ، وانه معتدي ليس فقط على الحسين واصحاب الحسين وانما معتدي على الله ورسوله وامير المؤمنين ايضا .
(بين النواويس وكربلا) ، يجي فد سؤال واضح ، زين الحسين وين مدفون وين قتل ، في كربلاء ، گول لا ، طبعا هذا من الضروريات وواضح والمدينة اسمها كربلاء وهذا ينبغي ان يكون واضحا ، زين شلون ايگول بين النواويس وكربلاء ، يعني ليس في كربلاء ، گول لا ، هذا السؤال عاش في ذهني فترة من الزمن سألت به احد كبار السن والاختصاصين من سكان كربلاء رحمه الله ، توفى ، گالي ، ببساطة ، هاي النواويس ، وهاي كربلَّا ، هذا هوه ، وهو وسط ، كانه النواويس وكربلا شنو ، النواويس هي احد طرفي المدينة الحالية وكربلا بالعامية ، بتضخيم اللام ، بالطرف الآخر من المدينة فيكون الحسين قد شنو ، قد دفن في وسط هاتين المنطقتين ، هذا هوه ، زين، معنى ذلك ان المنطقة التي دفن فيها الحسين في ذلك الحين لم تكن مسماة بكربلاء ، الطف او الغاضريات وليست كربلاء ، نعم كربلاء انتقل لها من كربلا المجاورة لها فسميناها كربلاء ، انا حسب فهمي هكذا ، وطبعا هي لا زالت بهذا الاسم ولكنه بالدقة لو لاحظنا الفهم القديم اللغوي فمنطقته ليست كربلاء وانما هو شنو حارب ودفن بين النواويس وكربلاء وليس في كربلاء والى الان نسميها واقعة الطف لا نسميها واقعة كربلاء . ان شاء الله نكمل في الخطبة الآتية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
صدق الله العلي العظيم
الجمعة السابعة 3 صفر 1419 هـ
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سبحان الله باريء النَسَمْ ، سبحان الله المصور ، سبحان الله خالق الازواج كلها ، سبحان الله جاعل الظلمات والنور ، سبحان الله فالق الحب والنوى ، سبحان الله خالق كل شيء ، سبحان الله خالق ما يُرى وما لا يُرى ، سبحان الله مداد كلماته ، سبحان الله رب العالمين ، سبحان الله البصير الذي ليس شيء ابصر منه ، يبصر من فوق عرشه ما تحت سبع ارضيين ، ويبصر ما في ظلمات البر والبحر، لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير، لا تغشى بصره الظلمة ، ولا يستتر منه بستر، ولا يواري منه جدار، ولا يغيب عنه بر ولا بحر، ولا يكن منه جبل ما في اصله ولا قلب ما فيه ولا جنب ما في قلبه ، ولا يستتر منه صغير ولا كبير، ولا يستخفي منه صغير لصغره ، ولا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء ، هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء لا اله الا هو العزيز الحكيم .
اللهم صل على محمد وال محمد ، اللهم صل عليه وعلى اهل بيته الائمة الطيبين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا خليل الله ، السلام عليك يا نبي الله ، السلام عليك يا صفي الله ، السلام عليك يا رحمة الله ، السلام عليك يا خيرة الله ، السلام عليك حبيب الله ، السلام عليك يا نجيب الله ، السلام عليك يا خاتم النبيين. السلام عليك يا سيد المرسلين ، السلام عليك يا قائما بالقسط ، السلام عليك يا فاتح الخير ، السلام عليك يا معدن الوحي والتنزيل ، السلام عليك يا مبلغا عن الله ، السلام عليك ايها السراج المنير ، السلام عليك يا مبشر ، السلام عليك يا نذير ، السلام عليك يا منذر ، السلام عليك يا نور الله الذي يستضاء به ، السلام عليك وعلى اهل بيتك الطيبين الطاهرين الهادين المهديين ، السلام عليك وعلى جدك عبد المطلب وعلى ابيك عبد الله ، السلام على امك آمنة بنت وهب ، السلام على عمك حمزة سيد الشهداء ، السلام على عمك العباس بن عبد المطلب ، السلام على عمك وكفيلك ابي طالب ، السلام على ابن عمك جعفر الطيار في جنان الخلد ، السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، السلام عليك يا حجة الله على الاولين والاخرين والسابق الى طاعة رب العالمين والمهيمن على رسله والخاتم لأنبيائه والشاهد على خلقه والشفيع اليه والمكين لديه والمطاع في ملكوته ، الاحمد من الاوصاف ، المحمد لسائر الأشراف ، الكريم عند الرب والمكلم من وراء الحجب ، الفائز في السباق والفائت عن اللحاق ورحمة الله وبركاته .
يقول سلام الله عليه كما في الرواية ، (فيملأن مني اكراشاً جُوفا وأجرِبةً سُغبا).
أنا أود أن أُعطي هذه الكلمات نطقها اللغوي ، لأن الخطباء على ما انا سامع منهم كثيرا يقرأوها بشكلين او ثلاثة لا يعلمون ما هو الصحيح ، يقرأونها جُوفا وجَوفا وجِوَفا ، وفد هوسة عجيبة ، في الحقيقة هذا فيه احتمالان انا حسب فهمي لا ثالث لهما :
الاحتمال الاول : ان يكون اصلها جَوفاء بس حذف الهمزة من اجل نحو من السجع ، لانه يقول (جوفا واجربةً سُغبا) فلأجل المماثلة بين اللفظين حذف الهمزة ، فأصلها جَوفاء ، فبدون الهزة تكون جَوفا ليس شيئا آخر بحسب هذا الاحتمال .
الاحتمال الاخر: الذي هو ايضا راجح ، ان تكون جُوفا ، جُوف جمع أجوف كعور جمع ـعور ، گول لا ، سبحان الله ، فيراد بها الجمع ، (فيملأن مني اكراشا جُوفا واجربةً سُغبا) ، والسَغِب ، الجَوعان ، والسُغْب جمع سَغِب او ساغِب وهو الجوعان ، والكِرش معروف المهم انه كلتا اللفظتين او كلتا الجملتين تشيران الى المعدة وان معدهم جَوفا وجوعانة او هم جوعانون ، (فيملأن مني اكراشاً جُوفا) ، الكِرش هو المعدة ، والأجرِبة ايضا جمع جُراب وهو الكيس الكبير الذي يكون من القماش او الجلد ، ويعبر به هنا مجازا عن المعدة ايضا فيكون من قبيل الايضاح والتكرار بهذا المعنى .
في الحقيقة احد هذين اللفظين دال على الجوع بوضوح بالدلالة المطابقية ، لأن سَغِب يعني جوعان ، (اجربةً سُغبا) اي بطون جوعانة .
(اكراشاً جُوفا) ، جُوفا بالدلالة المطابقية ليس معناها جوعانة وانما جوفا يعني خالية ، وطبعا المعدة حينما تكون خالية تكون جوعانة وهذا ايضا واضح .
زين ، ويمكن لاحظوا ، وان كان تلك الاحتمالات أقرب ، لكنه يمكن ان يكون جُوفا من الجيفة وهي النتن ، لان الأكراش الجائفة والمنتنة ، أكراشهم جائفة ومنتنة ، لأن من يأكل الحرام ويظلم الاخرين ويسطو على حقوق الغير وعلى اموال الغير تقول شنو ، ان معدته منتنة وجائفة ، فهؤلاء اعداء الحسين سلام الله عليه ، هكذا طبعا ظلمة ومعتدين فهم يأكلون الحرام ، اذن فبطونهم جائفة ومنتنة بطبيعة الحال ، وسبحان الله ينبغي ان نتذكر قول امير المؤمنين سلام الله عليه ، عن وصف الانسان الذي ماشي بـ (الكشخة) و(الفخفخة) والـ (أنا أ انا) ، ماذا وصفه ، (اوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وما بينهما يحمل العذرة) هذا هوه ، وفي رواية اخرى اذا كنت اتذكرها انه ما مضمونه إعجبوا للإنسان ينطق بلحم ويسمع بعظم وينظر بشحم ويتنفس من خرم ، تبارك الله احسن الخالقين جل جلاله .
زين هنا سؤال يأتي انه سلام الله عليه ، الحسين سلام الله عليه ، قال ، (فيملأن مني اكراشاً جُوفا واجرِبةً سُغْبا) ولم يحصل ذلك ، لم يحصل ذلك ، لم ينل من جسده الشريف احد شيئين ، لا الوحوش الحقيقية ولا الوحوش البشرية التي هي اسوء من الوحوش الحقيقية ، فكيف يقول سلام الله عليه ، (فيملأن مني اكراشاً جُوفا واجرِبةً سُغْبا) ، وهنا ينبغي ان نلتفت الى انه لم يقل ، فيملأن من اعضائي ، لا، وإنما يملأن مني ، لم يقل فيملأن من اعضائي كما قال اولا ، (كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات) ، كأنما فيملأن من اوصالي ، لا ، وإنما يملأن مني بس ، يعني من وجوده ككل وليس من اوصاله واعضاء جسده ، حتى يتسجل السؤال ، انه لم يؤخذ من اعضاء جسده شيئ ، فكيف يقول ذلك ، لا ، وانما من كيانه المعنوي وليس من جسده المادي .
والجوع المذكور في السياق واضح انه لا يراد به الجوع حقيقة وفراغ البطون حقيقة وانما يراد به الحاجة النفسية او الدنيوية التي كانت لأعدائه إبتداءاً من يزيد الخليفة الاموي الى عمر بن سعد او غيره الموجودين بأزاء الحسين وامام الحسين ومواجهة الحسين في الطف ، فكان الجوع هذا الجوع المعنوي الطمع بشأن الحسين وبدنيا الحسين ، ها الشكل ، فكان الجوع حاجة في نظرهم لعنهم الله حاجة يكون دواؤها وشفاؤها وقضاؤها بقتل الحسين سلام الله عليه ، والسيطرة عليه ، ها الشكل ، وليس بأكل الطعام ، وليس بأكل الاجساد طبعا ، وهي طبعا حاجة ضالة ودنيوية وشيطانية وآثمة وظالمة ، يكفي ان نلتفت ان حاجة يزيد وعبيد الله بن زياد هو سحق المعارضين لبني امية بما فيها المعارضة المهمة التي كان يمثلها الحسين عليه الصلاة والسلام ، وحاجة عمر بن سعد ما هي حاجة عمر بن سعد ، ملك الري (وملك الري قرة عيني) ، فيقتل الحسين عليه السلام ، من اجل هذا الطمع العجيب الغريب الذي شنو ، (يقولون ان الله خالق جنة ونار وتعذيبٍ وغل يدين) ، يحتمل انه صحيح ويحتمل انه باطل ، الرجل غير مسلم ، يشك في الاسلام وفي يوم القيامة ، ولولا انه يشك في الاسلام ويوم القيامة ما فعل افعاله الشنيعة ، (يا خيل الله اركبي ودوسي جسد الحسين) ، لا، خيل الشيطان حبيبي وليس خيل الله ، لو كانت خيل الله لقبلت جسد الحسين ولخشعت على جسد الحسين سلام الله عليه ، حبيبي ، لو كان هناك جسد حيوان لما كان من الانسانية ان يوطأ الخيل وان تدوس عليه الخيل والارجل فضلا عن انسان فضلا عن امام مفترض الطاعة ، جريمة نكراء لا مثيل لها في البشرية ، مع ذلك هو قام بها عن طواعية وفكر بها وقتيا ، يزيد وعبيد الله بن زياد ما يدرون بيه ، هو مسؤول فقط عنها ، (يا خيل الله) ، تشجيعا لهم من باب ، شيم المعيدي وخذ عباته ، والا هم يعلمون وانا قلت قبل شوية ، انهم يعلمون ان الحق مع الحسين عليه السلام ، حتى انهم يعتقدون ان الرؤوس لا تنتن ، معنى ذلك ان طرف الحسين ومعسكر الحسين هو المحق وهم يدرون بذلك مع ذلك يگللهم شنو ، يا خيل الله اركبي وابشري بالجنة ، وتوجد في الرواية انه دمعت عيناه حينما رأى الحسين مسجى ، دموع التماسيح لعنه الله وقبحه .
زين ، الشيء الاخر انه بحسب النتيجة التاريخية ، أنا اقولها مختصر واعتقد اني قد اطلت عليكم لكنه لا بد من انهاء هذا الموضوع ولو باختصار، لم ينل الجيش الظالم في كربلاء اي شيء من اطماعه الدنيوية ، عمر بن سعد خوب قُتل ، املاء ركابي فضة وذهبا اني قتلت الفارس المحجبا قتلت خير الناس اما وابا ، ها تدري خير الناس وقتله ، اذن لا اعطيك ولا فلس فقتله ، هم دگوله جزاه الله خيرا ، نعم ما فعل حينما قتله ، محل الشاهد ولا واحد منهم ، كلهم ظهر المختار وابادهم عن بكرة ابيهم جزاه الله خير جزاء المحسنين ، ولم ينل احد مطمعه من قتل الحسين سلام الله عليه ، لان الله تعالى انتقم منهم وبشر انتقام وبأسرع انتقام سنة واحدة او سنة ونصف فاصل بين قتل الحسين وظهور المختار ، محل الشاهد هذا جوابه اكثر من وجه ، الوجه الاول :
ان اهم حاجاتهم كانت هي الانتصار العسكري الدنيوي في الطف بقتل الحسين واصحابه وقد حصل وهذا كلش كاف ، حاجتهم التي طمعوا بها فوريا هي ذيچ ، وهذا ما حصل فعلا ، فملؤوا بطونهم الخاوية بهذا المقدار من السيطرة الدنيوية لو صح التعبير .
ثانيا : انهم توهموا حين قتال الحسين انهم سوف ينالون خيرا دنيويا في المستقبل لعلهم يقضون حاجاتهم الدنيوية وشهواتهم الدنيوية ، لكن الله تعالى حال بينهم وبين شهواتهم ونزواتهم وخلص المجتمع منهم في الحقيقة .
والشيء الثالث : انه ليس المقصود فقط ، كما قلت اكثر من مرة ، فقط الجيش المعادي الموجود في كربلاء ، بل كل المقصود كل اعداء الحسين وعلى الاجيال المتعاقبة ، واعداء الحسين على الاجيال المتعاقبة من الممكن ان ، يملأن منه اكراشاً جُوفا واجربةً سُغْبا ، حصلوا كثيرا جيلا بعد جيل وسوف يبقون يحصلون الى ظهور الامام القائم عجل الله فرجه وسهل مخرجه ، هذا هوه ، لأنه شنو ، (تمتليء الارض ظلما وجورا فيملؤها قسطا وعدلا) ، اعتيادي ومعنى ذلك ان اعداء الحسين هم الذين يأكلون ويشربون ، في الرواية ان الدجال حينما يظهر يكون معه ، طبعا هو بشكل رمزي گايليه ، يكون معه جبل من الخبز وجبل من النار ، طبعا الناس ينثالون على جبل الخبز فكل من أكل من جبل الخبز، من قبيل انه تألم واندحر وتنازل وعوقب ، وكل من دخل جبل النار سُحب وكانت عليه بردا وسلاما ، وهذا في كل جيل موجود بحسب معناه الرمزي حقيقي مائة بالمائة .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
صدق الله العلي العظيم
التعديل الأخير تم بواسطة خادم البضعة ; 26-04-2017 الساعة 11:46 AM
|