عرض مشاركة واحدة
قديم 07-04-2025, 08:21 AM   #1

 
الصورة الرمزية مؤمنة

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2378
تـاريخ التسجيـل : Aug 2013
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 1,159

افتراضي زينب الحوراء ع زينه اللوح المحفوظ




زينب الحوراء ع زينه اللوح المحفوظ


الحمد لله الذي زيّن الإنسان بالعلم ، وعلّمه جوامع الكَلِم ، والصلاة
والسلام على أشرف خلق الله زين الكائنات وفخر الممكنات محمّد وآله الأطهار نور
الأخيار وزينة الأبرار .
قال الله تعالى في محكم كتابه
الكريم : ( وَمِنْ كُلِّ شَيْء خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرونَ )(2) .

البيّنة في مصطلح الفقهاء بمعنى الشاهدين العدلين على
واقعة في مقام الشهادة تحمّلها وأداءها ، وهذه تسمّى بيّنة شرعيّة وتشريعية ، وفي
الكائنات بيّنات تكوينية ، ومن كلّ شيء خلق الله زوجين ليشهدا على وحدانية الله
سبحانه وتعالى . ففي كلّ شيء له آية وبيّنة يدلّ على أ نّه الواحد الأحد الفرد
الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد .
وقصّة عاشوراء والطف الحزينة ، إنّما هي وليدة الزوجين الزكيّين الطاهرين
العلويّين الفاطميّين مولانا الإمام الحسين بن عليّ سيّد الشهداء (عليهما السلام) ،
وسيّدة بني هاشم ، عقيلة الطالبيين سيّدتنا زينب الكبرى سلام الله عليها .

فعاشوراء الإسلام محلّ ولادتها كربلاء الصامدة ، أبوها
سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) ومربّيتها المجاهدة الثائرة زينب الطاهرة
. لولاها لكانت عاشوراء اليتيمة تموت في صغرها . إلاّ أنّ السيّدة زينب بنضالها
وندائها الثوري (عليها السلام) ربّت عاشوراء تلك الوليدة التي يجري في عروقها دم
الله وثاره . فتربّت عاشوراء الحسين في أحضان زينب (عليها السلام) وترعرعت في
جوارها وحجرها المبارك وجهادها الدؤوب ، لتكون عاشوراء اُمّ الثورات التحرّرية بين
الأجيال في كلّ عصر ومصر ، إلى يوم القيامة ، فهي المنطلق الثوري للنهضات الإسلامية
إلى اليوم الموعود .
ولا يمكن لأحد سوى الله سبحانه
والأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) أن يعرفوا مقام اُمّ عاشوراء ومنزلتها في
الدارين ، فإنّ المعرفة والعلم بالشيء لازمه الإحاطة به ، ولا يمكن للناس أن يحيطوا
بعاشوراء وجوهريّتها وفلسفتها ، ولا بأبيها واُمّها .
وزينب الكبرى في أدوار حياتها وسيرتها الذاتيّة(3) تخبرك عن أصالة سماويّة
وشجرة نبويّة ودوحة هاشميّة وترجمة قرآنيّة ، أصلها ثابت وفرعها في السماء ، فهي
زينة أبيها أمير المؤمنين أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وإنّه
لم يفتخر بكتابه العظيم ( نهج البلاغة ) الذي هو كتاب الحياة وكتاب السعادة ولا
يمكن للبشر أن يعرفوا ما فيه من العظمة والشموخ ، إلاّ أ نّه يفتخر ويتزيّن ببنته
السيّدة زينب (عليها السلام) .
ولولا الخوف على عقول الناس
، لقيل في مدحها وثنائها ومعرفتها ما يبهر العقول ، ويحيّر ذوي الألباب ، وقليل من
عبادي الشكور الفكور الصبور .
ولا زالت زينب النبوّة
والإمامة ، زينب الولاية العظمى أسيرة الهوى ، بالأمس كانت أسيرة الظالمين من بني
اُميّة الطغاة وأشياعهم ، واليوم أسيرة العقول الضعيفة ، حتّى قالوا عنها : إنّها
امرأة عاديّة ؟ !
فما نطقت في معرفتها حرفاً ، إلاّ وتجد
نفسك مقيّداً بسلاسل الافتراء والتهمة وأنّ القائل من الغلاة ، فزينب العظمة لا
زالت أسيرة العقول والأفكار المتخلّفة .
ولا نقول في وصفها
وثنائها أنّها الربّ ـ والعياذ بالله ـ ولكن نقول : هكذا خلقها الربّ جلّ جلاله .

إلاّ أنّ الناس بين قال وغال ، بين إفراط وتفريط ، فكما
غالوا في أبيها حتّى قالوا باُلوهيّته ـ والعياذ بالله ـ وقالوا في حقّه حتّى جعلوه
كافراً أو كأحد المسلمين ، ولا زال عليّ أمير المؤمنين سيّد المظلومين ، قد ظلمه
التأريخ كولده الحسين ، بل وأولاده وذرّيته .
وما زال صوته
الحزين يدوّي في ضمير الإنسانية : « فيا عجباً للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع قدمي
» .
« أنزلني الدهر حتّى قالوا عليّ ومعاوية » .

وهذه الصرخة الأليمة تسري في كلّ الأزمنة وعلى مدى العصور
والأحقاب ، حتّى قال ابن أبي الحديد المعتزلي في بيان مقولة أمير المؤمنين (عليه
السلام) أ نّه : ( أطلق القول إطلاقاً عاماً مستغرقاً لكلّ الناس أجمعين ) .

ولا يزال عليّ المرتضى مجهولا ، ولا يزال كلامه القيّم
يهتف : « سلوني قبل أن تفقدوني » ، وإنّه لا يختصّ بالمسلمين بل هو للبشرية كافة
كأخيه النبيّ الأعظم رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
(
وَما أرْسَلْناكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمينَ )(4) .
وعليّ
أمير المؤمنين نفس رسول الله بنصّ آية المباهلة ، فظلموه وهو يقول : « اللهمّ إنّي
أستعيذك على قريش ومن أعانهم ، فإنّهم صغّروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي
أمراً هو لي »(5) .
وهكذا ظلموا علياً وظلموا أولاده ،
وظلموا زينب بجهلهم بمقامهم الشامخ ومنزلتهم العظيمة .
ولا
بدّ من حياة جديدة لضمير المجتمع الإسلامي ، حتّى يعرف عليّاً وأبناءه الكرام .

حتّى يعرف النبيّ محمّد وقرآنه ، وعليّاً ونهجه ، وفاطمة
ومظلوميّتها ، والحسن وسياسته ، والحسين وثورته ، وزينب وعاشوراءها ، والسجّاد
وصحيفته ، وهكذا حتّى يعرف المهدي الموعود وفلسفة الانتظار ودولته العالمية .

كلّ هذه المعرفة إنّما تتمّ بالإيمان بالله سبحانه والعشق
بعظمته ، وجماله المتجلّي في الكائنات والتعبّد والتسليم لأمره .
وما نعرفه من زينب اليوم ليس إلاّ شبحاً من قدسيّتها وعظمتها ، ومن الواضح
أنّ الشبح لا يعطي معرفة تمام الشيء وحقيقته .
ثمّ أعداء
الإسلام عرفوا أنّ الهجوم العسكري على البلاد الإسلامية لتهديم عقائد المسلمين لا
ينفع أو لا يكفي ، بل لا بدّ من الهجوم الثقافي من الغرب والشرق ، بل لا بدّ باسم
الدين ضرب الدين ، وباسم المذهب هدم المذهب من أساسه ، حتّى تفقد الاُمّة أصالتها
ومجدها العريق ومعتقداتها الصحيحة ، فتركن إلى الغرب أو الشرق ، مستجدية متسوّلة
متسكّعة .
وهذا ما يريده الاستكبار العالمي ، فتسمع بين
آونة واُخرى نغمات ضدّ المعتقدات الدينية والضرورات المذهبية ، والعجب أ نّه من
لسان رجال الدين والمتلبّسين بزيّ أهل العلم !
وأمّا زينب
الإسلام فقدرتها تعني حكومة الأخلاق والفداء والتضحية ، وتربيتها يعني الحبّ والعشق
الإلهي والذوبان في الله جلّ جلاله ، وثقافتها تعني سلامة الفطرة وحكومتها في كلّ
مجالات الحياة على الصعيدين الفردي والاجتماعي .
والعشق
الإلهي(6) المتجلّي في ثورة عاشوراء إنّما هي شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في
السماء ، تؤتي اُكلها كلّ حين بإذن ربّها ، ثمرتها العصمة ، وورقها الإخلاص ،
وجذورها الطهارة ، ودوحتها الجمال ، وبهاؤها الجلال .
والعشق إنّما ينبع من سويداء القلب ، والقلب حرم الله وعرش الرحمن ، والفطرة
إنّما تدعو القلب إلى أن يعرف صاحبه ومالكه وهو الله سبحانه ، إلاّ أنّ هذا الشيطان
الرجيم يسرق بيت الله ، وهو قلب المؤمن فإنّه حرم الله وعرشه ، فيسرقه ويعشعش فيه
ويبيّض ويفرّخ ، فيكون عشّ الشيطان وأبنائه وأعوانه وحزبه ، فيتنزّل القلب ويعصي
الربّ ، حتّى ينتكس ، فلا يكون وعاء للرحمة الإلهية وعلم الله سبحانه ، ثمّ يموت
القلب ، فيفقد الإنسان إنسانيّته ، فيكون كالحجارة أو أشدّ قسوة ، وكالأنعام بل
أضلّ سبيلا .
وكربلاء الحسين وزينب (عليهما السلام) إنّما
هي مصارع العشّاق ، كما قالها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حينما جاوز كربلاء :
« هاهنا مصارع العشّاق » .
وعاشرواء الحسين وزينب (عليهما
السلام) إنّما هو كتاب العاشقين الوالهين في حبّ الله وجماله .
وزينب بطلة كربلاء ، معلّمة العشق الإلهي جيلا بعد جيل ، ترفع إلى السماء
جسد أخيها المضرّج بالدماء ، محزوز الرأس ، مهشّم الأضلاع ، وتقول بكلّ سكينة ووقار
: « اللهمّ تقبّل هذا القربان من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) » .

ومن يعيش في رحاب زينب العشق يمتلئ قلبه شوقاً للقاء
معبوده جلّ جلاله ، فيكون لسانه ميزان الحكمة ، ويده مائدة الكرم ، ويحيى بعشق الله
، ويرجع القلب إلى مالكه الأصلي التكويني والتشريعي ، كلّ هذا ببركة رسالة زينب
الرسالية ، رسالة الدم والدموع ، رسالة المقاومة والفداء .
زينب الكبرى عقيلة بني هاشم اُمّ المصائب وقرينة النوائب ، العصمة الصغرى
والناموس الأكبر ، محبوبة المصطفى وزينة المرتضى وشقيقة المجتبى وشريكة الحسين سيّد
الشهداء .
زينب الإنسية الحوراء بنت سيّدة النساء فاطمة
الزهراء (عليها السلام) ، نتيجة النبوّة المحمّدية وحصيلة الولاية العلوية ، وآية
العصمة الفاطمية ، ومرآة المحاسن الحسنيّة ، وانعكاس المصائب الحسينيّة ، لقد بلغت
في المجد غاية حدّها .
والعصفور بقدر همّته يصفق جناحيه
ليحلّق في السماء ، فما نقول في زينب الحرّة إلاّ ما نفهمه بعقولنا القاصرة .

فزينب الدين رضيعة ثدي الرسالة ، ربيبة العلم والبسالة ،
من أنوار المحشر بنت ساقي الكوثر ، سيّدة البطحاء خلاصة الخمسة النجباء ، ملكية
العرب .
فلو كان النساء بمثل هذي *** لفضّلت النساء على
الرجالِ
فما التأنيث عيب للشموس *** ولا التذكير فخر
للهلالِ
ومن ألقابها العلياء وخصائصها السمحاء(7) :

الصدّيقة ، العصمة الصغرى ، وليّة الله العظمى ، ناموس
الكبرى ، الراضية بالقدر والقضاء ، أمينة الله ، عالمة غير معلّمة ، فهيمة غير
مفهّمة ، محبوبة المصطفى(صلى الله عليه وآله) ، قرّة عين المرتضى (عليه السلام) ،
نائبة الزهراء (عليها السلام) ، شقيقة الحسن المجتبى (عليه السلام) ، شريكة الحسين
سيّد الشهداء (عليه السلام) ، الزاهدة ، الفاضلة ، العاقلة ، الكاملة ، العاملة ،
العابدة ،
المحدّثة ، المخبرة ، الموثّقة ، كعبة الرزايا ،
المظلومة ، الوحيدة ، عقيلة قريش ، الباكية ، الفصيحة ، البليغة ، الشجاعة ، عقيلة
خدر الرسالة ، رضيعة ثدي الولاية ، روحي وأرواح العالمين لها الفداء .

يكفيها شرفاً وفخراً شهادة إمام زمانها سيّد الساجدين وزين
العابدين الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) ، حيث قال : « بحمد الله إنّكِ
عالمةٌ غير معلّمة ، وفهِمة غير مفهّمة » . وهذا ممّـا يدلّ على عصمتها ، فإنّ
العصمة عن الذنوب والمعاصي وكلّ ما يشين ويزري بالإنسان إنّما يكون بالعلم ، بأن
يعلم منشأ الذنوب ، وأ نّها تصدر من الجهل والظلمة ، كما يعلم نتائجها وآثارها ، من
الآثار الوضعيّة في الدنيا والعقاب الاُخروي ، وهذا العلم يكون بلطف خاصّ من الله
سبحانه في الأنبياء والأوصياء وفاطمة الزهراء (عليهم السلام) ، فهم معصومون بعصمة
ذاتيّة كلّية ، تمنعهم عن المحارم اختياراً لا على نحو القهر والجبر ، وفي غيرهم
ممّن يحذو حذوهم وينهج منهجهم ويرثهم في علومهم ومعارفهم وأخلاقهم ، يعصمون أنفسهم
بعصمة أفعاليّة كسبية جزئيّة . فمثل الشهيد عليّ الأكبر (عليه السلام) والسيّدة
زينب الكبرى وفاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر بقم المقدّسة يحملون هذه
العصمة .
فسيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي
العصمة الكبرى ، والسيّدة زينب (عليها السلام) هي العصمة الصغرى ، لأنّها عالمة غير
معلّمة ، فعلمها من الله سبحانه ، يعصمها من الآثام والقبائح ، فهي تنوب اُمّها
الزهراء (عليها السلام) في فضائلها وفواضلها وخصالها وخصائصها وعصمتها وعفّتها
ونورها وشرفها وبهائها ، فكانت تنطق بالحكمة والعلم والأدب والمعرفة والعصمة من
محاسن خلالها ، فلم يُرَ أكرم منها أخلاقاً ولا أنبل فطرةً ولا أطيب عنصراً ولا
أخلص جوهراً في النساء بعد اُمّها سيّدة نساء العالمين .
فهي مجمع الفضائل ومنبع المكارم ، حازت من الصفات الكريمة والسجايا

الحميدة ما لم يحزها بعد اُمّها أحد حتّى حقّ أن يقال : هي
الصدّيقة الصغرى ، فهي من الصبر والثبات وقوّة الإيمان والتقوى يضرب بها المثل
الأعلى . وخير شاهد حياتها الطيّبة وسيرتها الذاتيّة المباركة ورباطة جأشها في قصّة
كربلاء ويوم عاشوراء .
إنّ المقامات العرفانيّة الخاصّة
بزينب (عليها السلام) تقرب من مقامات الإمامة ، فإنّها لمّـا رأت حالة زين العابدين
(عليه السلام) حين رأى أجساد أبيه وإخوته وعشيرته وأهل بيته على الثرى صرعى مجزّرين
كالأضاحي وقد اضطرب قلبه واصفرّ وجهه ، أخذت (عليها السلام) في تسليته تصبّره
قائلةً : « ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي ، فوالله إنّ هذا لعهد
من الله إلى جدّك وأبيك ، ولقد أخذ الله ميثاق اُناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض
وهم معروفون في أهل السماوات أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة والجسوم المضرّجة ،
فيوارونها وينصبون بهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يدرس أثره ولا يمحى
رسمه على كرور الليالي والأيّام ، وليجتهدنّ أئمة الكفر وأتباع الضلال في محوه
وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ علوّاً »(Cool .
وقد ائتمنها
الإمام على أسرار الإمامة ، وهذا يدلّ على عصمتها ، كما لم يذكر التأريخ رغم كثرة
أعداء أهل البيت (عليهم السلام) ما يشين بها وينقص من شأنها ويبطل عصمتها ، فهي بنت
الوحي وربيبة الرسالة ، تربّت في مدرسة الرسول الأعظم وأمير المؤمنين وسيّدة نساء
العالمين وسيّدي شباب أهل الجنّة (عليهم السلام) ، ومن تعلّمت في مثل هذه المدرسة
الإلهيّة كيف لا تكون معصومة في أفعالها وحياتها ؟ فسلام الله عليها أبد الآبدين ،
من بدو الخلق إلى يوم الدين .
ومن خصائصها : حملتها اُمّها
كرهاً ووضعتها كرهاً ، كإخوتها (عليهم السلام) ، فالزهراء من حين حملها إلى يوم
ولادتها كانت مهمومة ، وقد اُخبرت من قبل بمصائبها ، وما يجري عليها من الآلام
والمحن .
روي أنّ زينب بنت عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)
لمّـا ولدت اُخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاء إلى منزل فاطمة (عليها
السلام) وقال : يا بنتاه ، ايتيني ببنتك المولودة ، فلمّـا أحضرتها أخذها رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وضمّها إلى صدره الشريف ، ووضع خدّه المنيف على خدّها ، فبكى
بكاءً عالياً ، وسال الدمع على محاسنه الشريف جارياً ، فقالت فاطمة : لماذا بكاؤك ،
لا أبكى الله عينيك يا أبتاه ؟ فقال (صلى الله عليه وآله) : يا بنيّة فاطمة ، اعلمي
أنّ هذه البنت بعدك وبعدي تبتلي بالبلايا ، وترد عليها المصائب شتّى ورزايا ، فبكت
فاطمة (عليها السلام) عند ذلك ، ثمّ قالت : يا أبَ ، فما ثواب من يبكي عليها وعلى
مصائبها ؟ فقال : يا بضعتي وقرّة عيني ، إنّ من بكى عليها وعلى مصائبها كان ثواب
بكائه كثواب من بكى على أخويها ، ثمّ سمّـاها زينب(9) .
وزينب اشتقّ من زَنِبَ ـ كفَرِح ـ بمعنى السمن ، وسمن كلّ شيء بنسبته ، فسمن
الحيوان بمعنى كثرة لحمه ، وسمن النبات بمعنى نظارتها وكثرة ثمراتها ، وسمن الإنسان
بمعنى حمله صفات الكمال والجمال .
أو زينب بمعنى الشجرة
الطيّبة الحسنة الصورة ، أو بمعنى زين أب ، ولكثرة الاستعمال اُسقط الألف ، وعند
بعض أهل المعرفة إنّما اُسقط الألف لعدم الفصل بينها وبين أبيها . فزينب زينة أبيها
أمير المؤمنين بكمالاتها وخصائصها وخصائلها .
وأبوها أسد
الله الغالب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إنّما هو زينة الكون ، وزينة الوجود
وما خلقه المعبود ، فزينب زينة الزينة لهذا العالم الرحب ، وكانت كاُمّها الزهراء (
اُمّ أبيها ) فصارت ( زينة أبيها ) ورثت اُمّها في عصمتها وعلومها ومصائبها .

والأسماء تنزل من السماء ، إلاّ أنّ الله قد شرّف بعض
أوليائه وأنبيائه أن سمّـاهم بنفسه ، كآدم ويحيى ( يا زَكَرِيَّا إنَّا نُبَشِّرُكَ
بِغُلام اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيَّاً )(10) ، وعيسى
المسيح ( إنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ المَسيحُ عيسى )(11) ،
والنبيّ الأكرم ( وَمُبَشِّراً بِرَسول يَأتي مِنْ بَعْدي اسْمُهُ أحْمَد )(12)
وعليّ اشتقّ من العليّ والحسن والحسين وزينب الكبرى .
كما
ورد في الخبر الشريف عندما قدّمت فاطمة بنتها إلى زوجها أمير المؤمنين ليسمّيها
فقال : لا أسبق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولمّـا كانت بين يدي الرسول لم
يسمّها لكي لا يسبق الله سبحانه ، فنزل جبرئيل الأمين وقال : إنّ الله يقرئك السلام
ويقول : سمّها زينب ، كما سمّيت في اللوح المحفوظ .
فزينب
زينة اللوح المحفوظ ، كما أنّ أباها أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) زينة عرش
الله .
يا ربّ جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي : أنت ممّن
يعبد الوثنا
رضينا بقسمة الجبّار فينا *** لنا علمٌ
وللأعداء مال
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .

ـــــــــــ
(1) محاضرة إسلامية
ألقاها الكاتب في حسينية النجف الأشرف بقم المقدّسة ليلة ميلاد السيّدة زينب الكبرى
(عليها السلام) في احتفال بهيج ( 5 جمادى الاُولى سنة 1419 هـ ) .
(2) الذاريات : 49 .
(3) لقد ذكرت حياتها ولقطات من
سيرتها المباركة في كتاب ( عبقات الأنوار ) ، مطبوع ، فراجع .
(4) الأنبياء : 107 .
(5) منهاج البراعة ; للخوئي
10 : 128 ، الخطبة 171 .
(6) عظمة الإنسان إنّما هو بنفسه
الناطقة ـ القوّة العاقلة ـ القابلة للتحلّي بالصفات الكمالية والملكات الجمالية
بالفطرة السليمة المباركة والعقل الدرّاك السليم .
ولما
يحمل الإنسان من الصفات الحيوانية والسجايا الإنسانية التي تتجلّى فيها الخلافة
الإلهيّة في أسماء الله وصفاته ، فإنّه بين أن يكون في أعلى علّيين بعبادته وتقرّبه
إلى صانعه ، وبين أن يكون في أسفل السافلين قلبه كالحجارة أو أشدّ قسوة ، وهو
كالأنعام بل أضلّ سبيلا .
والمحاسن والكمالات إمّا أن تكون
تكوينية أو تشريعية ، وكلّ واحدة إمّا جسمانية أو روحانية ، فما تعلّق بالهيئة
الصورية أعني الخلقة البشرية جسمانية ، وما تعلّق منها بالنفس الناطقة فهي روحانية
، كالعلم والعشق والحلم وما شابه ذلك .
(7) جاء شرح وبيان
هذه الخصائص في كتاب ( الخصائص الزينبيّة ) للآية العظمى السيّد نور الدين الجزائري
الحائري المتوفّى سنة 1384 هـ ق ، وقد ترجم إلى اللغة العربيّة ، كما صحّحه أوّلا :
م ق تاج الدين وطبع من قبل مكتبة الإمام المهدي (عليه السلام) ، وصحّحه وعلّق عليه
أيضاً الفاضل المعاصر الشيخ ناصر الباقري البيدهندي وطبع بطباعة جيّدة من قبل مسجد
جمكران بقم المقدّسة .
(Cool كامل الزيارات : 261 .

(9) الخصائص الزينبيّة : 155 ، وعندنا روايات كثيرة في فضل
البكاء على سيّد الشهداء (عليه السلام) ، فقد ورد في الصحيح : من بكى أو تباكى على
الحسين فقد وجبت له الجنّة . وقال أبوعبد الله (عليه السلام)في حديث طويل له : ومن
ذكر الحسين (عليه السلام) عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه
على الله عزّ وجلّ ، ولم يرضَ له بدون الجنّة . وورد أنّ الحسين (عليه السلام) على
يمين العرش ينظر إلى زوّاره ، وإنّه ينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ويسأله أباه
الاستغفار له ويقول : أ يّها الباكي لو علمت ما أعدّ الله لك لفرحت أكثر ممّـا حزنت
، وإنّه ليستغفر له من كلّ ذنب وخطيئة . وقال أبو عبد الله (عليه السلام) : من
ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر (
كامل الزيارات : 201 ، الباب 32 ) .
(10) مريم : 7 .

(1[1]) آل عمران : 45 .
(2[1]) الصفّ : 6 .

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
اللهم صل على محمد وال بيت محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
مؤمنة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس