بسمه تعالی
تَذْكِرة
قال تعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }
الذكرى والتذكرة بمعنى الموعظة كما في قوله عزّ من قائل : { إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا } وكذلك قوله تعالى : { َمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} .
إذن فالموعظة تنفع المؤمنين في دنياهم وآخرتهم على حدّ سواء إلا من صمّ أذنه وأغمض عينه عنها ، فقد قال تعالى : { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } بمعنى أن من صمّ آذانه ولم يعِ ما يُوعظ به أو أعرض عنها فإنها لم ولن تنفعه بل وتنطبق عليه الآية الكريمة : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} .
ومن هنا لا بد على المتلقي أن يتجاوب مع هذه الموعظة وأن لا يعرض عنها فلعله ينتفع بها ولا أقلّ من المحاولة وإلا فإنه قد يصاب بالندم مستقبلاً .
ومن الضروري أن تكون الموعظة بطريقة حسنة وملائمة للفرد المتلقي لها كلّ بحسبه ودرجته وفكره وميولاته ، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز : { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا } وكلمة بليغ تعني الواضح والمعبر ليترك في قلب المتلقي أثراً إيجابياً لا سلبياً ومنفراً له .
ولذلك فإن العنف والشتائم والتعدي على الآخرين وإن قيل بجوازه إلا إنه لا يمكن أن يكون ( بليغاً ) ومؤثراً تأثيراً إيجابياً في أغلب الموارد ، بل لعله يكون محرماً لأنه لا يكون أمراً بالمعروف ولا نهياً عن المنكر بل العكس فقد يكون أمراً بالمنكر ونهياً عن المعروف كما لا يخفى. .
نعم ، المجتمع بحاجة للتذكرة والقول البليغ المؤثر لا سيّما وأن المجتمع قد ابتعد عن ذكر الله وطاعته ، فالكثير قد فروا من الذِكر بدل أن يفروا الى الله كما في الآية الشريفة : { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ومعنى الفرار الى الله أي : الرجوع والركون إليه من خلال الذِكر والطاعة والعبادة .. وما التذكرة إلا مقدمة للفرار الى الله تعالى والرجوع إليه بقلوبنا قبل نفوسنا ، فإن القلب وعاء الفرد الذي يفيض على النفس بالخير والبركة وهو مركز الحب وتلقي الموعظة ، ومن قست قلوبهم سيكونون مصداقاً للآية الكريمة : { الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا } .
وهنا نورد بعض مصاديق الذكرى والموعظة :
أولاً : القرآن الكريم : فقد قال تعالى : { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } بل هو أوضح مصاديق الذكرى والتذكرة على أن يتدبر القارئ آياته ، كما في الآية الشريفة : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }
ثانياً : أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كما في الآية الشريفة : { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ } وحسب فهمي فإنّ الذين بهداهم نقتدي هم المعصومون سلام الله عليهم أجمعين .
ثالثاً : العبادة ، أو الأعمال الحسنة وأوضح مصاديقها الصلاة ، فقد قال تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } وقد تنطبق على باقي العبادات كالصوم والتسبيح والتهجد وغيرها .
هذه أوضح أطروحات الذكرى وسنتوخى الاختصار إلا أن من يتجنب الذكرى فقد وعد بالقرآن الكريم بــ : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } ولعل المقصود من ( معيشة ضنكى ) عدة احتمالات ، منها : الفقر أو الوباء أو الحروب فإنّ معنى الضنك : الضيق وصعوبة العيش ولهذا مصاديق كثيرة ذكرنا بعضها وعلى القارئ اللبيب أن يعي غيرها من الأمثلة ، فإنّ ما نعيشه من ضنك وصعوبة عيش وكثرة بلاء إنما هو بسبب الإعراض عن ذكر الله تعالى فاتقوا الله واذكروه لعلكم تفلِحون وترحمون .
عبد الله
مقتدى الصدر

