سنتناول فيما يلي نموذج من عهود سول الله صلى الله على واله مع بعض النصارى في زمنه وهي كاشفه عن اخلاقه وتسامحه المنقطع النظير
معاهدة رسول الله نصارى أيلة

أمَّا معاهدته مع نصارى أيْلة فجاءت بعد عفو رسول الله ومعاملته الكريمة لنصارى دومة الجندل؛ حيث قدم (يُحَنَّة بن رؤبة) ملك أَيْلة[1]

وما حولها -وكان نصرانيًّا-على رسول الله وهو في تبوك، وهو ما رواه جابر: رأيت يُحَنَّة بن رؤبة يوم أتى النبيَّ

وعليه صليب من ذهب وهو معقود الناصية، فلمَّا رأى النبيَّ كفَّر، وأومأ برأسه (أي: طأطأ رأسه خضوعًا ووضع يده على صدره)،

فأومأ إليه النبي: "ارْفَعْ رَأْسَكَ". وصالحه يومئذٍ، وكساه بُردًا يمانيًّا[2].


وقد كان نصُّ الصلح: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ أَمَنَةٌ مِنَ اللهِ، ومُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللهِ لِيُحَنَّةَ بْنِ رُؤْبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ،

سُفُنُهُمْ وَسَيَّارَتُهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لَهُمْ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ،

وَأَهْلِ الْبَحْرِ، فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ. وَإِنَّهُ طَيِّبٌ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنَ النَّاسِ.

وَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعُوا مَاءً يَرِدُونَهُ، وَلاَ طَرِيقًا يُرِيدُونَهُ مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ..."[3].

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::

1-نرى كيف ان الرسول الاكرم ص لم يهن الرموز الدينية كالصليب الذي كان يرتديه (يُحَنَّة بن رؤبة) ملك أَيْلة فطالب مثلا ذلك الملك بنزع صليبه وهو بين جنوده!

وهذا مثال عملي بسيط لتسامحه وهو في موقع قوة ومنعة وانتصار واحترامه لعقائد الاخرين ورموزهم

2-طلب رسول الله من ذلك الملك ان يرفع راسه ويكلمه وهي اشارة رائعة لهدف الرسول الاكرم ص بتحرير الناس من العبودية ولو عند تعامل الجيش الاسلامي الحق المنتصر

مع المغلوبين وان كانوا ضالين او معتدين

3-احترام انسانية هذا الملك واكرامه بالبردة اليمانية لرفع كل احراج له امام قومه بل حتى للتاريخ فلا يوسم ذلك الملك بالعار وانه قد بذل ماء وجهه في يوم ما

4-عطفا على نص الصلح نجد الرسول الاكرم ص يعطي ضمانات وامتيازات أكثر مما يأخذ

سفنهم ومراكبهم وكل ما يطلبوه من خيرات الارض لهم من ماء ، وهي اشارة لشراكتهم مع المسلمين في الموارد الطبيعية بعبارة اخرى هم مواطنين

لهم حقوق المسلمين وعليهم واجباتهم اي مواطنين من الدرجة الاولى وهنا نجد عظمة الاسلام في تطبيقات الرسول الاكرم ص

5-وحتى عبارة (فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ.) هي عبارة راقية تشير الى تسالم هؤلاء مع جيرانهم من المسلمين

هو ضمانة لأرواحهم وليس المال او ما يقدموه من اموال لبيت مال المسلمين ، فهو يجعل السلم اعلى قيمة من المصالح المادية للدولة الاسلامية

احتراما للدماء ، وكما انه يؤسس لدولة تحترم الانسان ولا تحترم المال والمصالح على حسب الانسان

"""""""""""""""""""""""""""""""

بعض من نتائج المناقشة:

رسول الله صلى الله عليه واله رجل الرحمة والتسامح وكان يستطيع ان يقتل المهزومين او يفرض عليهم من الاموال بدون ان يضمن لهم تجارة ولا زراعة او سفرا بالبحر

لكنه رسول الإنسانية اعطاهم من الحقوق والضمانات الكثير لم ينتقص من حقوقهم او يعاملهم بتحقير او على اساس انهم مواطنين من الدرجة الثانية

راعى كبيرهم وصغيرهم ، كان كالأب الحنون مع ابنائه وليس كقائد فاتح مع جيش وبلد مهزوم

عسى الله ان يهدينا الى بعض من خلق هذا الانسان العظيم ابي القاسم محمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم



..............................

[1] أَيْلة: هي قرية أم الرشراش المصرية على ساحل البحر الأحمر، والتي يحتلها اليهود، وسمَّوها: إيلات.د راغب السرجاني

[2] انظر: البيهقي: السنن الكبرى 9/185. وانظر أيضًا: الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 5/460.
[3] ابن هشام: السيرة النبوية 2/525، 526، وابن سيد الناس: عيون الأثر 2/258، وابن القيم: زاد المعاد 3/466