31-07-2013, 10:03 AM
|
#3
|
|
رد: الغدير وعطره الابدي
[frame="15 98"] ـ التتويج يوم الغدير
قام رسول الله صلى الله عليه وآله بتتويج مولانا علي المرتضى (ع)في هذا اليوم المبارك بهيئة خاصة تعرب عن العظمة والجلال ، فعممه بيده الكريمة بعمامته ( السحاب ) في ذلك اليوم العظيم [ جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله : ألعمائم تيجان العرب . رواه القضاعي والديلمي وصححه السيوطي في الجامع الصغير 2 ص 155 , وأورده إبن الاثير في النهاية ].
روى الحافظ عبدالله إبن أبي شيبة ، و أبوداود الطيالسي ، وإبن منيع البغوي ، وأبو بكر البيهقي كما في كنز العمال 8 ص 60 عن علي قال : عممني رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم يوم غدير خم بعمامة فسدلها خلفي ، وفي لفظ : فسدل طرفها على منكبي ، ثم قال : إن الله أمدني يوم بدر وحنين بملائكة يعتمون هذه العمة وقال : إن العمامة حاجزة بين الكفر والايمان . ورواه من طريق السيوطي عن الاعلام الاربعة ألسيد أحمد القشاشي (المتوفى 1071 ترجمه المحبى في خلاصة الاثر ج 1 ص 343 - 46 وأثنى عليه . ) في " السمط المجيد " في كنز العمال 8 ص 60 عن مسند عبدالله بن الشخير عن عبدالرحمن بن عدي البحراني عن أخيه عبدالاعلى بن عدي : أن رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم دعا علي بن أبي طالب فعممه وأرخى عذبة (عذبة بفتح المهملة : طرف الشيئ ) العمامة من خلفه ( الديلمي )وعن الحافظ الديلمي عن إبن عباس قال : لما عمم رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم عليا بالسحاب (قال ابن الاثير في النهاية 2 ص 160 : كان اسم عمامة النبى صلى الله عليه(وآله) وسلم " السحاب ) قال له : يا علي ؟ ألعمائم تيجان العرب .
وعن إبن شاذان في مشيخته عن علي أن النبي صلى الله عليه(وآله) وسلم عممه بيده فذنب العمامة من ورائه ومن بين يديه ثم قال له النبي صلى الله عليه(وآله) وسلم : أدبر . فأدبر ، ثم قال له : أقبل . فأقبل وأقبل على أصحابه فقال النبى صلى الله عليه(وآله) وسلم : هكذا تكون تيجان الملائكة . وأخرج الحافظ أبونعيم في " معرفة الصحابة " ومحب الدين الطبري في " الرياض النضرة " 2 ص 217 عن عبدالاعلى بن عدي النهرواني : إن رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم دعا عليا يوم غدير خم فعممه وأرخى عذبة العمامة من خلفه . وذكره العلامة الزرقاني في شرح المواهب 5 ص 10 .
وأخرج شيخ الاسلام الحمويني في الباب الثاني عشر من " فرايد السمطين " من طريق أحمد بن منيع بإسناد فيه عدة من الحفاظ الاثبات عن أبي راشد عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم : إن الله عز وجل أيدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمين هذه العمة ، والعمة الحاجز بين المسلمين والمشركين . قاله لعلي لما عممه يوم غدير خم بعمامة سدل طرفها على منكبه .
وأخرج بإسناد آخر من طريق الحافظ أبي سعيد الشاشي ( المترجم ص 103 ) ان رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم عمم علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمامته السحاب فأرخاها من بين يديه ومن خلفه ثم قال : أقبل . فأقبل ، ثم قال : أدبر . فأدبر ، قال : هكذا جاء تني الملائكة . وبهذا اللفظ رواه جمال الدين الزرندى الحنفي في ( نظم درر السمطين ) ، وجمال الدين الشيرازي في أربعينه ، وشهاب الدين أحمد في توضيح الدلايل وزادوا : ثم قال صلى الله عليه(وآله) وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، أللهم ؟ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله .
وأخرج الحمويني بإسناد آخر من طريق الحافظ أبي عبدالرحمن إبن عايشة عن علي قال : عممني رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم يوم غدير خم بعمامة فسدل نمرقها على منكبي وقال : إن الله أيدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمين بهذه العمامة . وبهذا اللفظ رواه إبن الصباغ المالكي في " ألفصول المهمة " ص 27 ، والحافظ الزرندي في ( نظم درر السمطين ) ، والسيد محمود القادري المدني في " ألصراط السوي " . و قال أبو الحسين الملطي (محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطى الشافعى المتوفى 377 ) في التنبيه والرد ص 26 : قولهم " يعني الروافض " : علي في السحاب . فإنما ذلك قول النبي صلى الله عليه(وآله) وسلم لعلي : أقبل وهو معتم بعمامة للنبي صلى الله عليه وسلم كانت تدعى "السحاب " فقال صلى الله عليه(وآله) وسلم : قد أقبل علي في السحاب . يعني في تلك العمامة التي تسمى " السحاب " فتأولوه هؤلاء على غير تأويله .
قال الشيخ الاميني : هذا معنى ما يعزى إلى الشيعة من قولهم : إن عليا في السحاب . و لم يأوله أي أحد منهم قط من أول يومهم على غير تأويله كما حسبه الملطي ، وإنما أوله الناس إفتراء علينا ، والله من ورائهم حسيب .
وقال الغزالي كما في البحر الزخارا : 215 : كانت له عمامة تسمى السحاب فوهبها من علي فربما طلع علي فيها فيقول صلى الله عليه(وآله) وسلم : أتاكم علي في السحاب .
وقال الحلبي في السيرة 3 ص 369 : كان له صلى الله عليه(وآله) وسلم عمامة تسمى السحاب كساها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، فكان ربما طلع عليه علي كرم الله وجهه فيقول صلى الله عليه(وآله) وسلم : أتاكم علي في السحاب ، يعني عمامته التي وهبها له صلى الله عليه(وآله) وسلم .
قال أبو تمام المتوفى 231 في رائيته بقوله :
ويوم الغدير إستوضح الحق أهله *** بضحياء لا فيها حجاب ولا ستر
أقام رســـــــــول الله يدعوهم بها *** ليقربهم عرف وينآهم نــــــــــكر
يمد بضبعيه ويعلم : أنـــــــه *** ولي ومولاكم فهل لكم خـــــــبر ؟
يروح ويغدو بالبيان لمشعر *** يروح بهم غمر ويغدو بهم غمر
فكان لهم جهر بإثبات حـقه *** وكان لهم في بزهم حقه جهــــــر
6ـ التهنئه بهذا التنصيب الالهي:ـ
أخرج الطبري محمد بن جرير في كتاب الولاية حديثاً بإسناده عن زيد بن أرقم... وفي آخره فقال:
«معاشر الناس، قولوا: أعطيناك على ذلك عهداً عن أنفسنا وميثاقاً بألسنتنا وصفقةً بأيدينا نؤدِّيه إلى أولادنا وأهالينا لا نبغي بذلك بدلاً وأنت شهيدٌ علينا وكفى بالله شهيداً، قولوا ما قلت لكم، وسلِّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين، وقولوا: ((الحَمدُ للهِ الّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَوْ لا أنْ هَدانا الله))(سورة الاعراف / الآية 43) فإنَّ الله يعلم كلّ صوت وخائنة كلّ نفس، ((فَمَنْ نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ على نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسيُؤتِيهِ أجْراً عَظِيماً))(سورة الفتح / الآية 10) ، قولوا ما يُرضي الله عنكم فـ ((إنْ تَكْفُروا فإنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنكُم))(سورة الزمر/ الآية 7) .
قال زيد بن أرقم: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم سمعنا وأطعنا على أمر الله ورسوله بقلوبنا ، وكان أوَّل من صافق النبيَّ (صلى الله عليه وآله) وعليّاً: أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والانصار وباقي الناس ، إلى أن صلّى الظهرين في وقت واحد ، وامتد ذلك إلى أن صلَّى العشاءين في وقت واحد ، وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً .
ورواه أحمد بن محمّد الطبريُّ الشهير بالخليلي في كتاب مناقب عليّ بن أبي طالب ، المؤلَّف سنة 411 بالقاهرة ، من طريق شيخه محمّد بن أبي بكر بن عبد الرحمن ، وفيه:
فتبادر الناس إلى بيعته وقالوا: سمعنا وأطعنا لِما أمرنا الله ورسوله بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وجميع جوارحنا ، ثم انكبّوا على رسول الله وعلى عليّ بأيديهم ، وكان أوَّل من صافق رسول الله أبو بكر وعمر وطلحة والزبير ثمّ باقي المهاجرين والناس على طبقاتهم ومقدار منازلهم ، إلى أن صُلّيت الظهر والعصر في وقت واحد والمغرب والعشاء الاخرة في وقت واحد ، ولم يزالوا يتواصلون البيعة والمصافقة ثلاثاً ، ورسول الله كلّما بايعه فوجٌ بعد
وعدّه البيروني في الاثار الباقية في القرون الخالية: 334: ممّا استعمله أهل الاسلام من الاعياد .
وفي مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي: 53: يوم غدير خمّ ، ذكره (أمير المؤمنين) في شعره ، وصار ذلك اليوم عيداً
ففي ترجمة المستعلي ابن المستنصر 1: 60: فبويع في يوم عيد غدير خمّ ، وهو الثامن عشر من ذي الحجَّة سنة 487(وفيات الاعلام 1: 180 رقم 74، ط دار صادر) .
وقال في ترجمة المستنصر بالله العبيدي 2: 223: وتوفّي ليلة الخميس لاثنتي عشر ليلة بقيت من ذي الحجَّة سنة سبع وثمانين وأربعمائة رحمه الله تعالى. قلت: وهذه الليلة هي ليلة عيد الغدير، أعني ليلة الثامن عشر من ذي الحجَّة ، وهو غدير خُمّ ـ بضم الخاء وتشديد الميم ـ ورأيت جماعة كثيرة يسألون عن هذه الليلة متى كانت من ذي الحجَّة ، وهذا المكان بين مكّة والمدينة ، وفيه غدير ماء ويقال: إنّه غيضة هناك ، ولمّا رجع النبي (صلى الله عليه(وآله) وسلم) من مكّة شرَّفها الله تعالى عام حجَّة الوداع ووصل إلى هذا المكان وآخى عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: «عليُّ مني كهارون من موسى، اللهمَّ وال مَن والاه، وعاد من عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله»، وللشيعة به تعلّق كبير. وقال الحازمي: وهو واد بين مكّة والمدينة عند الجحفة [به ]غدير عنده خطب النبيُّ (صلى الله عليه(وآله) وسلم)، وهذا الوادي موصوفٌ بكثرة الوخامة وشدَّة الحرّ. انتهى(وفيات الاعلام 5: 230-231 رقم 728.ط دار صادر) .
وهذا الذي يذكره ابن خلكان من كبر تعلّق الشيعة بهذا اليوم هو الذي يعنيه المسعودي في التنبيه والاشراف: 221 بعد ذكر حديث الغدير بقوله: ووُلد عليٍّ (رضي الله عنه) وشيعته يعظمون هذا اليوم .
ونحوه الثعالبي في ثمار القلوب ـ بعد أن عدَّ ليلة الغدير من الليالي المضافات المشهورة عند الاُمَّة ـ بقوله ص511: وهي الليلة التي خطب رسول الله (صلى الله عليه(وآله) وسلم) في غدها بغدير خمّ على أقتاب الابل ، فقال في خطبته: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، واخذل مَن خذله »، فالشيعة يعظِّمون هذه الليلة ويُحيونها قياماً . انتهى( ثمار القلوب في المضاف والمنسوب: 636 رقم 1068) . وذلك [لـ] اعتقاهم وقوع النصِّ على الخلافة بلا فصل فيه ، وهم وإن انفردوا عن غيرهم بهذه العقيدة ، لكنّهم لم يبرحوا مشاطرين مع الاُمة التي لم تزل ليلة الغدير عندهم من الليالي المضافة المشهورة ، وليست شهرة هذه الاضافة إلاّ لاعتقاد خطر عظيم ، وفضيلة بارزة في صبيحتها ، ذلك الذي جعله يوماً مشهوداً أو عيداً مباركاً
ومن جرّاء هذا الاعتقاد في فضيلة يوم الغدير وليلته وقع التشبيه بهما في الحسن والبهجة . قال تميم بن المعزّ صاحب الديار المصريَّة المتوفّى 374 من قصيدة له ذكرها الباخرزي في دمية القصر: 38:
تروح علينا بأحداقها حِسانٌ حكتهنَّ من نشرِ هنَّهْ
نواعمُ لا يستطعن النهوض إذا قمن من ثِقل أردافِهنَّهْ
حَسُنَّ كحُسن ليالي الغدير وجئنَ ببهجة أيّامهنَّهْ(دمية القصر وعصرة أهل العصر 1: 113، ط مؤسسة دار الحياة.)
وقد عرف ذلك طارق بن شهاب الكتابي الذي حضر مجلس
عمر بن الخطاب ، فقال: لو نزلت فينا هذه الاية((اليوم أكملت لكم دينكم)) ( كتاب الولاية للطبري ، تفسير ابن كثير 2: 14، الدرّ المنثور 2: 259، الاتقان 1: 31 ، تاريخ الخطيب 8: 290، كتاب الولاية للسجستاني ، المناقب للخوارزمي: 80، التذكرة لابن الجوزي: 18، فرائد السمطين: الباب الثاني عشر... وغيرها كثير.)لاتخذنا يوم نزولها عيداً( أخرجه الائمة الخمسة: مسلم ومالك والبخاري والترمذي والنسائي، كما في تيسير الوصول 1: 122، ورواه الطحاوي في مشكل الاثار 3: 196، والطبري في تفسيره 6: 46، وابن كثير في تفسيره 2: 13 عن أحمد والبخاري) ، ولم ينكرها عليه أحدٌ من الحضور، وصدر من عمر ما يشبه التقرير لكلامه، وذلك بعد نزول آية التبليغ ، وفيها ما يشبه التهديد إن تأخّر عن تبليغ ذلك النصّ الجلي ، حذار بوادر الدهماء من الاُمة.
وفيما رواه فرات بن إبراهيم الكوفي في القرن الثالث ، عن محمد بن ظهير، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن الامام الصادق، عن أبيه ، عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي ، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لامّتي يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ على أمّتي فيه النعمة، ورضي لهم الاسلام ديناً»( رواه الشيخ الصدوق في الامالي: 109 ح 8) ( عيد الغدير عند العترة الطاهرة ـ مركز الأبحاث العقائدية / عيد الغدير في الاسلام والتتويج والقربات يوم الغديرـ تأليف العلامة الشيخ الأميني تحقيق: الشيخ فارس تبريزيان سلسلة الكتب العقائدية 34 ) .
كما يُعرب عنه قوله (صلى الله عليه وآله) في حديث أخرجه الحافظ الخركوشي : «هنِّئوني هنِّئوني».
واقتفى اثر النبيّ الاعظم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)نفسه، فاتّخذه عيداً، وخطب فيه سنة اتفق فيها الجمعة والغدير، ومن خطبته قوله:
إنّ الله عزّوجلّ جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين، ولايقوم أحدهما إلاّ بصاحبه ، ليكمل عندكم جميل صنعه ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويسلككم منهاج قصده، ويوفّر عليكم هنيء رفده ، فجعل الجمعة مجمعاً ندب إليه لتطهير ما كان قبله ، وغسل ما اوقعته مكاسب السوء من مثله إلى مثله ، وذكرى للمؤمنين ، وتبيان خشية المتّقين ، ووهب من ثواب الاعمال فيه أضعاف ما وهب لاهل طاعته في الايّام قبله ، وجعله لايتمّ إلاّ بالائتمار لما أمر به ، والانتهاء عمّا نهى عنه ، والبخوع بطاعته فيما حثّ عليه وندب إليه ، فلا يُقبل توحيده إلاّ بالاعتراف لنبيّه (صلى الله عليه وآله)بنبّوته ، ولا يقبل ديناً إلاّ بولاية من أمر بولايته ، ولا تنتظم أسباب طاعته إلاّ بالتمسك بعصمه وعصم أهل ولايته، فأنزل على نبيّه (صلى الله عليه وآله)في يوم الدوح ما بيّن به عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه ، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق، وضمن له عصمته منهم.
إلى أن قال:
عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم ، وبالبرّ بإخوانكم، والشكر لله عزّوجلّ على ما منحكم ، وأجمعوا يجمع الله شملكم ، وتبارّوا يصل الله ألفتكم ، وتهادوا نعمة الله كما منّكم بالثواب فيه على أضعاف الاعياد قبله أو بعده إلاّ في مثله ، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه ، وهيّئوا لاخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من وجودكم ، وبما تناله القدرة من استطاعتكم ، وأظهروا البِشر فيما بينكم والسرور في ملاقاتكم... الخطبة(ذكرها الشيخ الطوسي باسناده في مصباح المتهجد: 524) .
وعرفه أئمّة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم فسمّوه عيداً ، وأمروا بذلك عامّه المسلمين، ونشروا فضل اليوم ومثوبة مَن عمل البرّ فيه..
7ـ معنى مولى يعني الاولي
قال الشيخ أبي الفتح محمد بن علي لكراجكي ( دليل النص بخبر الغدير على امامة امير المؤمنين عليه السلام ـ تأليف الشيخ أبي الفتح محمد بن علي لكراجكي ـ تحقيق: علاء آل جعفر ـ سلسلة الكتب العقائدية (28) ـ إعداد مركز الأبحاث العقائدية )
..اعلم ان لفظة «مولى» في اللغة تحتمل عشرة أقسام, ومنها :
اولا ـ الاولى
وهو الاصل الذي ترجع إليه جميع الأقسام ، قال الله تعالى: ((فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير)) (سورة الحديد 57: 15).
يريد سبحانه هي أولى بكم على ما جاء في التفسير( تفسير الطبري 27: 131، الكشاف 4: 64، زاد المسير الكبير للرازي ـ 29: 227.) وذكره أهل اللغة( معاني القرآن ـ للفراء ـ 3: 134، معاني القرآن ـ للزجاج ـ 5: 125، الصحاح ـ ولي ـ 6: 2528). وقد فسره على هذا الوجه أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي( عاصر من علماء اللغة: الأصمعي وأبا زيد ، وله معهم مناظرات متعددة ، كان يرجحه الباحثون في كثير منها عليهما.
توفي نحو سنة 210 هـ ، وقيل: لم يحضر جنازته أحد لأنه كان شديد النقد لمعاصريه. انظر: فهرست النديم: 59، تأريخ بغداد 13: 254، معجم الادباء 9: 154 تذكرة الحفاظ 1: 371.) في كتابه المعروف
بالمجاز في القرآن (مجاز القرآن 2: 254.)، ومنزلته في العلم بالعربية معروفة ، وقد استشهد على صحة تأويله ببيت لبيد(بن ربيعة العامري):
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وامامها(21).
يريد أولى المخافة ، ولم ينكر على أبي عبيدة أحد من أهل اللغة.
ثانيا ـ مالك الرق
قال الله سبحانه: ((ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء)) [ إلى قوله تعالى ] ((وهو كل على مولاه))( النحل 16: 75ـ 76).
يريد مالكه ، واشتهار هذا القسم يغني عن الإطالة فيه.
ثالثا ـ المعتق ( أحكام القرآن ـ للقرطبي ـ 5: 166، الصحاح ـ ولي ـ 6: 2529، وفي الحديث: نهى عن بيع الولاء وعنه هبته).
رابعا ـ ابن العم ( مجاز القرآن ـ1: 125، أحكام القران ـ للجصاص ـ 2: 184، تفسير الطبري 5: 32. وقال الفضل بن عتبه بن ابي لهب :
مهلا بني عمنا مهلا موالينا * (لا تنشروا بيننا) (في المصادر: لا تظهرن لنا) ما كان مدفونا( انظر: مجاز القرآن 1: 125، أحكام القرآن ـ للجصاص ـ 2: 184، تفسير الطبري 5: 32.)
خامسا : الناصر، قال الله عز وجل ((ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم))(سورة محمد(ص) 11:47.).
يريد لا ناصر لهم (تفسير الطبري 30:25، زاد المسير 400:7، التفسير الكبيرـ للرازي ـ 50:28 ، أحكام القرآن ـ للقرطبي ـ 166:5).
سادسا : المتولي لضمان الجريرة ومن يحوز الميراث .
قال الله عز وجل: ((ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا))( النساء 33:4).
وقد أجمع المفسرون على أن المراد بالموالي ها هنا من كان أملك بالميراث ، وأولى بحيازته(معاني القرآن ـ للزجاج ـ 46:2 ، تفسير الطبري 32:5، مجاز القرآن 124:1، تفسير الرازي 84:10 ، أحكام القرآن ـ للقرطبي ـ 167:5 ، تفسير ابن جزي:118 ، زاد المسير 71:2).
قال الأخطل(الأغاني 8: 280):
فأصبحت مولاها من الناس بعده * وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا
وهذان القسمان أيضا معروفان.
سابعا: الإمام السيد المطاع( الصحاح 2530:6) ، وسيأتي الدليل عليه في الجواب عن السؤال الرابع إن شاء الله تعالى .
فقد اتضح لك بهذا البيان ما تحتمله لفظة «مولى» من الأقسام ، وأن «أولى» أحد محتملاتها في معاني الكلام ، بل هي الأصل وإليها يرجع معنى كل قسم ، لأن مالك الرق لما كان أولى بتدبير عبده من غيره كان لذلك مولاه.
والمعتق لما كان أولى بميراث المعتق من غيره كان مولاه.
والمعتق لما كان أولى بمعتقه في تحمله لجريرته، وألصق به من غيره كان مولاه.
وابن العم لما كان اولى بالميراث ممن هو أبعد منه في نسبه ، وأولى أيضا من الأجنبي بنصرة ابن عمه ، كان مولى .
والناصر لما اختص بالنصرة وصار بها أولى ، كان لذلك مولى .
واذا تأملت بقية الأقسام وجدتها جارية هذا المجرى ، وعائدة بمعناها إلى «الأولى»، وهذا يشهد بفساد قول من زعم أنه متى اريد بمولى «أولى» كان ذلك مجازا، وكيف يكون مجازا وكل قسم من أقسام «مولى» عائد إلى معنى الأولى ؟! وقد قال الفراء(يحيى بن زياد بن عبد الله الأسلمي الديلمي الكوفي , انظر: معجم الادباء 20: 9/ 2، الانساب 247:9، شذرات الذهب 19:2.) في كتاب «معاني القرآن» أن الولي والمولى في كلام العرب واحد( معاني القرآن 59:3.)
الجواب عن السؤال الثالث:
فاما الحجة على ان المراد بلفظة «مولى» في خبر الغدير «الأولى» فهي أن من عادة أهل اللسان في خطابهم ، إذا أوردوا جملة مصرحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم به التصريح ولغيره ، فإنهم لا يريدون بالمحتمل إلا ما صرحوا به من الخطاب المتقدم .
مثال ذلك: ان رجلا لو أقبل على جماعة فقال: الستم تعرفون عبدي فلانا الحبشي؟ ثم وصف لهم أحد عبيده وميزه عنهم بنعت يخصه صرح به، فإذا قالوا: بلى، قال لهم عاطفا على ما تقدم: فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله عزوجل، فأنه لا يجوز ان يريد بذلك ألا العبد الذي سماه وصرح بوصفه دون ما سواه، ويجري هذا مجرى قوله: فاشهدوا أن عبدي فلانا حر، ولو أراد غيره من عبيده لكان ملغزا غير مبين في كلامه.
واذا كان الأمر كما وصفناه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يزل مجتهدا في البيان ، غيرمقصر فيه عن الإمكان ، وكان قد أتى في أول كلامه يوم الغدير بأمر صرح به ، وقرر أمته عليه ، وهو أنه أولى بهم منهم بأنفسهم، على المعنى الذي قال الله تعالى في كتابه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)( الأحزاب 6:33) ثم عطف على ذلك بعد ما ظهر من اعترافهم بقوله: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» وكانت «مولاه» تحتمل ما صرح به في مقدمة كلامه وتحتمل غيره، لم يجز أن يريد إلا ما صرح به في كلامه الذي قدمه، وأخذ إقرار أمته به دون سائر أقسام «مولى»، وكان هذا قائما مقام قوله «فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه»، وحاشى لله أن لا يكون الرسول صلى الله عليه وآله أراد هذا بعينه.
ووجه آخر:
وهو أن قول النبي صلى الله عليه وآله: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» لا يخلو من حالين: إما أن يكون أراد «بمولى» ما تقدم به التقرير من «الاولى»، أو يكون أراد قسما غير ذلك من أحد محتملات «مولى».
فإن كان أراد الأول، فهو ما ذهبنا عليه واعتمدنا عليه، وإن كان أراد وجها غير ما قدمه من أحد محتملات «مولى» فقد خاطب الناس بخطاب يحتمل خلاف مراده، ولم يكشف فهم فيه عن قصده، ولا في العقل دليل عليه يغني عن التصريح بمعنى ما نحا إليه، وهذا لا يجيزه على رسول الله عليه وآله إلا جاهل لا عقل له.
الجواب عن السؤال الرابع.
واما الحجة على أن لفظة «أولى» تفيد معنى الامامة والرئاسة على الامة، وفهو انا نجد أهل اللغة لا يصفون بهذه اللفظة إلا من كان يملك تدبير ما وصف بأنه أولى به، وتصريفه وينفذ فيه أمره ونهيه. ألا تراهم يقولون: إن السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية، والمولى أولى بعبده، والزوج أولى بأمرأته، وولد الميت أولى بميراثه من جميع أقاربه، وقصدهم بذلك ما ذكرناه دون غيره.
وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله سبحانه: ((النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم))( الأحزاب 6:33) أنه أولى بتدبيرهم والقيام بامورهم، من حيث وجبت طاعته عليهم(تفسير الطبري 77:21، الجامع لأحكام القرآن ـ للقرطبي ـ 122:14، التفسير الكبير ـ للفخر الرازي ـ 195:25، زاد المسير ـ لابن الجوزي ـ 352:6.).
وليس يشك أحد من العقلاء في أن من كان أولى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كل أحد منهم، فهو امامهم المفترض الطاعة عليهم.
ووجه آخر:
ومما يوضح ان النبي صلى الله عليه وآله أراد أن يوجب لأمير المؤمنين عليه السلام بذلك منزلة الرئاسة والامامة والتقدم على الكافة فيما يقتضيه فرض الطاعة، أنه قررهم بلفظة «أولى» على أمر يستحقه عليهم من معناها، ويستوجبه من مقتضاها، وقد ثبت أنه يستحق في كونه أولى بالخلق من أنفسهم أنه الرئيس عليهم، والنافذ الأمر فيهم، والذي طاعته مفترضة على جميعهم، فوجب أن يستحق أمير المؤمنين عليه السلام مثل ذلك بعينة، لأنه جعل له منه مثل ما هو واجب له، فكانه قد قال: من كنت أولى به من نفسه في كذا وكذا فعلي أولى به من نفسه فيه.
ووجه آخر:
وهو انا اذا اعتبرنا ما تحتمله لفظة «مولى» من الأقسام، لم نر فيها ما يصح أن يكون مراد النبي صلى الله عليه وآله إلا ما اقتضاه الإمامة والرئاسة على الأنام، وذلك أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن مالكا لرق كل من ملك رسول الله صلى الله عليه وآله رقه، ولا معتقا لكل من أعتقه، فيصح أن يكون أحد هذين القسمين المراد، ولا يصح أن يريد المعتق لا ستحالة هذا القسم فيها على كل حال.
ولا يجوز أن يريد ابن العم والناصر، فيكون قد جمع الناس في ذلك المقام ويقول لهم: من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه!! أو: من كنت ناصره فعلي ناصره!! لعلمهم ضرورة بذلك قبل هذا المقام، ومن ذا الذي يشك في أن كل من كان رسول الله صلى الله عليه وآله ابن عمه فإن عليا عليه السلام كذلك ابن عمه، ومن ذا الذي لم يعلم أن المسلمين كلهم انصار من نصره النبي صلى الله عليه وآله!! فلا معنى لتخصيص أمير المؤمنين عليه السلام بذلك دون غيره.
ولا يجوز أن يريد ضمان الجرائر واستحقاق الميراث ، للاتفاق على أن ذلك لم يكن واجبا في شيء من الأزمان
وكذلك لا يجوز أن يريد الحليف، لأن عليا عليه السلام لم يكن حليفا لجميع حلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله.
فاذا بطل ان يكون مراده عليه السلام شيئا من هذه الأقسام ، لم يبق إلا أن يكون قصد ما كان حاصلا له من تدبير الأنام، وفرض الطاعة على الخاص والعام، وهذه هي رتبة الإمام، وفيما ذكرناه كفاية لذوي الافهام.
فصل وزيادة
فأما الذين ادعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله إنما قصد بما قاله في أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير ان يؤكد ولاءه في الدين، ويوجب نصرته على المسلمين، وان ذلك على معنى قوله سبحانه: (والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)( التوبة 71:9) وإن الذي أوردناه من البيان على ان بلفظة «مولى» يجب أن تطابق معنى ما تقدم به التقرير في الكلام، وأنه لا يسوغ حملها على غير ما يقتضي الإمامة من الأقسام، يدل على بطلان ما ادعوه في هذا الباب، ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام بخامل الذكر فيحتاج إلى أن يقف به في ذلك المقام يؤكد ولاءه على الناس، بل قد كان مشهورا، وفضائله ومناقبه وظهور علوّ مرتبته وجلالته قاطعا للعذر في العلم بحاله عند الخاص والعام(ذكر ابن حجر في إصابته 2: 507 ـ بعد سرده لجانب من فضائله ومناقبه عليه السلام ـ: «ومناقبه كثيرة، حتى قال الإمام أحمد: لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلي».
على أن من ذهب في تأويل الخبر إلى معنى الولاء في الدين والنصرة، فقوله داخل في قول من حمله على الإمامة والرئاسة، لأن إمام العالمين تجب موالاته في الدين، وتتعين نصرته على كافة المسلمين، وليس من حمله على الموالاة في الدين والنصرة يدخل في قوله ما ذهبنا إليه من وجوب الإمامة ، فكان المصير إلى قولنا اولى.
...وأما الذين غلطوا فقالوا: إن السبب في ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الغدير انما هو كلام جرى بين أمير المؤمنين وبين زيد بن حارثة، فقال علي عليه السلام لزيد: أتقول هذا وأنا مولاك؟! فقال له زيد: لست مولاي، إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وآله، فوقف يوم الغدير فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، إنكارا على زيد، واعلاماً له أن عليا مولاه( العقد الفريد 5: 357 )!
فإن .. زيدا قتل مع جعفر بن أبي طالب عليه السلام في أرض مؤته(مؤتة ـ بالضم ثم واو مهموزة ساكنة، وتاء مثناة من فوقها، وبعضهم لا يهمزه ـ قريه من قرى البلقاء في حدود الشام، وقيل: مؤتة من مشارف الشام، وبها كانت تطبع السيوف وإليها تنسب المشرفية في السيوف.انظر: معجم البلدان 5: 219.)
من بلاد الشام قبل يوم غدير خم بمدة طويلة من الزمان ( نقلت كافة كتب التاريخ والسير والحديث بلا أي خلاف بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث بعثة إلى مؤتة في جمادى الاولى من سنة ثمان للهجرة، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدالله ابن رواحة، واستشهدوا هناك في تلك السنة واحد بعد الآخر.
انظر: تأريخ الامم والملوك ـ للطبري ـ 3: 36، الكامل في التأريخ ـ لابن الاثير ـ مروج الذهب ـ للمسعودي ـ 3: 30/ 1493، المغازي ـ للواقدي ـ 2: 755، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ 4: 15، السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ 3: 455، معجم البلدان ـ للحموي ـ 5: 219.)، وغدير خم إنما كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بنحو الثمانين يوماً،... وواقعة الغدير كانت في حجة الوداع.
كما ان كل كتب التأريخ نذكر أن هذه الحجة كانت في السنة العاشرة من الهجرة النبوية، وهي لا تختلف أيضا في أن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت في السنة الحادية عشر...(انتهى).
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
[/frame]
|
|
|