منتدى جامع الائمة الثقافي - تأثير التطور التكنولوجي على الفرد المؤمن

كما هو معلوم في الزمن القديم كانت الوسائل المستخدمة في الحياة هي بدائية وبسيطة للغاية ، (زمن الانبياء والأئمة "سلام الله عليهم" وما بعدهم)
وبعدها شيئاً فشيئاً تطورت الادوات والوسائل وغيّرت امور كثيرة في الحياة
وكمثال للزمن البدائي نذكر مثال :
ما حصل مع المختار الثقفي عندما تمت محاصرته في قصر الامارة . فيذكر صاحب كتاب الذوب النضار لابن نما الحلي (...لم يجد من يوصل كتابه إلى ابراهيم بن الأشتر ، فخرج من القصر في تسعة عشر رجلاً...) وكما هو معروف فإن ابراهيم بن مالك الاشتر مع الجيش الذي كان بصحبته كان بعيداً عن المختار .
كتحليل بسيط من خلال ظاهر الرواية إن أحد الأسباب التي حالت دون إيصال كتاب المختار إلى ابراهيم ابن مالك الأشتر هو الوسيلة البدائية التي كانت مستخدمة آنذاك ، وهي أن يذهب شخص بنفسه على فرسه ويوصله إلى الشخص المعني ، وهذه الوسيلة لا يمكن ان تصل إلى مبتغاها في الوضع الذي كان فيه المختار وهو (الحصار) فاضطر إلى الخروج مع ثلة قليلة من اتباعه للقتال حتى استشهد سلام الله عليه .
فما حصل مع المختار من الصعب جداً أن يحصل في زماننا هذا بسبب التكنولوجيا المتطورة ، فمن الصعب أن تحاصر مجموعة مع قائدهم في مكان ويوجد جيش لهذا القائد في مكان آخر ولا يستطيع القائد إعلام جيشه في وضعه وطلب إسنادهم .

مثال آخر فيما حصل في ثورة زيد :
جاء في كتاب التاريخ الاسلامي عبر ودروس لمحمد تقي المدرسي :
(... جعل زيد ساعة الصفر للثورة ليلة اول صفر 122 هـ ، وكانت خطته ان يقوم الثوار في موعد واحد في كل من البصرة والمدائن والكوفة وتزحف الجيوش على الكوفة وتأخذها ، ثم تزحف على الشام...)
فبعد ان علم والي الكوفة بما يخطط له زيد اعلن استنفار عام في جيشه .
(قد اعلن الوالي بان الصلاة جامعة ، ويعني ذلك ان على الناس ان تتجمع في المسجد وكل من يتخلف يعتبر مجرما ، فتجمع الناس في المسجد دون ان يعرفوا الهدف ، وعرف زيد بان هناك مؤامرة عندها فأضطره ان يخرج قبل ساعة الصفر باسبوع فخرج في 23 محرم .
ولمّا خرج في 23 محرم كان انصاره في المدائن والبصرة والحيرة وغيرها ينتظرون ساعة الصفر ، فإذا بهم يسمعون بان زيدا قد خرج واستشهد .)
ايضاً يمكننا القول ان الوسائل البدائية كانت عائق أمام زيد (رضوان الله تعالى عليه) من إعلام باقي اتباعه في المدائن والبصرة والحيرة بتغيير موعد ساعة الصفر ، فحدث ما حدث .
ولكن الادوات والوسائل لم تقف عند هذا المستوى بل ان الانسان و على مر السنين يحاول ان يستغل ما حوله ويطوره ويوظفه لخدمته ، وهنا يمكن ان نطرح سؤال وهو : هل التطور التكنولوجي يؤثر علينا كأفراد أم لا ؟
الجواب : أكيد . ولكن كيف ؟ سندرس في هذا البحث البسيط التأثيرات التي يولدها التطور التكنولوجي على الفرد .
طبعاً لا يمكن حصر هذه التأثيرات في زاوية محددة ولكن سأذكر ما وصلت إليه وحسب فهمي البسيط :

التأثير الأول
الضغط
اي ان التطور يفرض تكاليف أزيد مما هو في الزمن البسيط .
مثال للتوضيح :
فالنفرض ان يُكلّف "س" في الزمن البدائي بإيصال كلام معين لشخص من مدينة إلى أخرى
وكُلّف شخص "ص" في زمن التطور بنفس التكليف والمسافة ، فإن الأول سيستغرق ربما أيام لاداء التكليف ، أما الثاني فقد يستغرق ساعات أو يمكن أن ينجزه هاتفياً .
فلاحظ ان الشخص الثاني والذي هو في زمن التطور ستوفر له الوسائل الحديثة من سيارات أو وسائل اتصال وقت اضافي يمكنه القيام به بتكليف ثاني وثالث ورابع ،
بينما الأول منشغل في التكليف الأول بسبب الوسيلة البدائية .
فهنا التأثير واضح من خلال المثال ، وهذا لا يقف عند هذا الحد فلا نعلم ماذا سيستجد في المستقبل من تطور في الوسائل ، وبما ان الزمن في تطور دائم فستكون عجلة الزمن أسرع في المستقبل .

التأثير الثاني
السرعة
اي في حالة تطور الوسائل فإن الفرد يكون مطالب بالسرعة في الاداء .
مثال للتوضيح :
نفرض ان "س" في الزمن البدائي كُلّف بالانتقال من مدينة إلى أخرى ومدة الوصول في ذلك الزمن هي يومين ،
و كُلّف "ص" الذي هو هذا الزمن بالانتقال من مدينة إلى أخرى وبنفس المسافة ولكن مدة الوصول هي ساعتين ،
فلو ان "ص" وصل في خمس ساعات سيعتبر مقصر ويلام على ذلك .
فعلى الرغم من ان قياس الخمسة ساعات في اليومين تعتبر إنجاز ولكنها فشل في وقتنا الحالي ، بسبب وجود وسائل نقل حديثة يمكنها أن تصل في ساعتين .

التأثير الثالث
قد يفرض التطور تكاليف إضافية لم تكن موجودة مسبقاً .
مثلا ظهور الانترنت في العقد الأخير من هذا القرن ، يمكن أن نصف الانترنت بجبهة قتال فرض علينا الوقوف في هذه الجبهة والقتال فيها ، لما لها من أهمية بالغة ، فبواسطة الانترنت يمكن توعية الناس أو توضيح مطلب غامض عليهم وبواسطته يمكننا نشر تراث آل الصدر وايضاً الدفاع عن قائدناً وغيرها كثير من الفوائد التي جعلت الانترنت جانب مهم من جوانب المقاومة للفرد المؤمن .

التأثير الرابع
المواكبة
من الطبيعي أن يفرض تطور الزمن المواكبة لأنه اذا بقي الشخص على الشيء القديم فسيؤدي إلى فشله .
مثال للتوضيح :
المواكبة لا تخص جانب معين وإنما كل شيء وسأذكر مثال يخص أحد الجوانب وهو الجانب العسكري :
(في معركة النجف التي دارت بين جيش الامام المهدي "عجل الله فرجه الشريف" وإمريكا كانت الاسلحة المتوفرة بسيطة جداً ، اي اذا ارادت مجموعة الذهاب للقتال في حينها فكانت تحتاج إلى اسلحة بسيطة لأن السلاح الذي كان متوفر بسيط.
أما الآن وبعد مرور 10 سنوات ؟!
فلا يمكن الدخول في هذه المعركة بنفس السلاح الذي كان متوفر قبل 10 سنوات ، لأنه قد دخلت أسلحة اكثر تطور وأكثر فعالية .
انظر بنفسك ما هي الامور التي تحتاجها اي مجموعة اذا ارادت الذهاب للقتال في هذا الوقت !
(سيارات مصفحة – أسلحة ثقيلة فضلاً عن المتوسطة .... ) . من خلال هذا المثال تبين ان المواكبة لابد منها .

التأثير الخامس
اليقظة
ان تطور التكنولوجيا يلزم على الافراد ان يكون يقظ ومستعد لكل امر في اي لحظة .
مثال للتوضيح :
قبل فترة وجيزة أمر سماحة السيد القائد مقتدى الصدر أعزه الله ببيان فحواه :
على كل محب الاستعداد خلال 48 ساعة ...
وهذا ما يسميه سماحة السيد أعزه الله (الكصكوصة)
فلو تلاحظ قليلاً إن هذا البيان من المستحيل ان ينجح في الزمن البدائي ، فالبيان فيه أمر بإستعداد لجيش كامل عدةً وعدداً .

مثال آخر أوضح :
قبل عدة سنين أمر سماحة السيد القائد مقتدى الصدر أعزه الله بمظاهرات أمام فندق بابل ، نزل البيان ما يقارب الساعة الثانية بعد الظهر ، وكان أمر التجمع الساعة الرابعة عصراً !
أي ان ما بين نزول البيان وأمر التجمع ساعتين فقط !!
وهذا الأمر من المستحيل قطعاً أن يحصل في الزمن البدائي إلا بالإعجاز .
فلو تمعنت قليلاً لهذا الأمر تجد ان القائد في مكان ما ، والاتباع كل واحد منهم في مكان منفصل (الكاسب والموظف و...) وفي ساعتين فقط تجمهر الناس في المكان المحدد وشهدت المظاهرة اعداد هائلة والحمد لله .
فهذا يكون مصداق لقوله تعالى :
{ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍقَدِيرٌ} البقرة : ١٤٨

وقبل الختام قد يُثار إشكال وهو :
من خلال هذا البحث يتبين إن الزمن المتطور يكون اصعب من الزمن البسيط وخصوصاً ان لتطور الزمن تأثير سلبي وهو يجعل مساحة عمل الشيطان أوسع ، فيكون المتكامل في زمن التطور أفضل من المتكامل في الزمن البسيط ، وكلنا نعلم ان أصحاب الامام الحسين عليه السلام أفضل الاصحاب من خلال ما قاله (أما بعد فاني لا اعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي...)
الجواب يمكن ان تجده في كتاب اسئلة معاصرة حول الامام المهدي عليه السلام للاستاذ علي الزيدي
السؤال الثامن عشر .