منتدى جامع الائمة الثقافي

منتدى جامع الائمة الثقافي (http://www.jam3aama.com/forum/index.php)
-   منبر تفسير القرآن ألكريم وبحوثه (http://www.jam3aama.com/forum/forumdisplay.php?f=23)
-   -   تفسير سورة الأنعام (http://www.jam3aama.com/forum/showthread.php?t=1675)

لؤلؤة الشرق 08-03-2011 03:19 AM

سورة الأنعام
69
((وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ))، أي على المؤمنين المتّقين ((مِنْ حِسَابِهِم))، أي حساب الكفار الخائضين في آيات الله ((مِّن شَيْءٍ)) فإنهم ليسوا بمسؤولين عن خوضهم في الآيات ((وَلَكِن)) قيامهم عن المجالس إذا خاضوا ((ذِكْرَى))، أي تذكير للخائضين بأنهم يعملون شيئاً، وإنما قال (ذكرى) لأنّ الخائض يعلم سوء فعله -في قرارة نفسه- لكنه يغفل غالباً حين الخوص، فأمَرَ المسلم أن يقوم من مجلسه ليتذكّر ((لَعَلَّهُمْ))، أي لكي أن الخائضين ((يَتَّقُونَ)) ويتورعون عن الخوض، روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: "لما نزلت (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) قال المسلمون: كيف نصنع إن كان كلّما إستهزء المشركون بالقرآن قُمنا وتركناهم فلا ندخل إذاً المسجد الحرام ولا نطوف بالبيت الحرام، فأنزَلَ الله سبحانه (وما على الذين يتّقون من حسابهم من شيء) أمَرَهم بتذكيرهم وتبصيرهم ما استطاعوا".

سورة الأنعام
70
((وَذَرِ))، أي أترك يارسول الله ((الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا)) المراد من دينهم الذي يتديّنون به من عبادة الأصنام، والمسيحية واليهودية وما أشبه، والمراد باتخاذه لعباً ولهواً أنهم كالأطفال الذين يتّخذون آلة للّعب واللهو فلا علاقة لهم بها إلا علاقة التلاعب، لا إنه دين وَصَلَ إلى أعماق قلوبهم وأخَذَ يوجّه حياتهم، وأما دينهم الذي يجب أن يتديّنوا به -أي الإسلام- ونسبه إليهم لأجل وجوب إتّخاذه ديناً، واتّ×أذه لعباً ولهواً، إستهزائهم به كأنه لعب ولهو ((وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)) زاعمين أنه ليس ورائها شيء وأشغلتهم الدنيا عن الدين ((وَذَكِّرْ)) يارسول الله هؤلاء الكفار ((بِهِ))، أي بالدين ((أَن تُبْسَلَ)) من بَسَلَ بمعنى إستسلم، أي لكي لا تسلّم ((نَفْسٌ)) للهَلَكة ((بِمَا كَسَبَتْ))، أي بسبب عمله، فإنك إن ذكرتَ لعلها تعود إلى الرُشد وتنقذ من الهَلَكة حيث ((لَيْسَ لَهَا))، أي للنفس ((مِن دُونِ اللّهِ))، أي غير الله ((وَلِيٌّ)) ناصر ينصرها ((وَلاَ شَفِيعٌ)) يشفع لها، فإنّ الشفاعة بيد الله وحده ((وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ))، أي تفدي بكل ما يمكن جعله فدية لتُنقذ نفسها من العذاب ((لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا)) إذ ليس الميزان هناك إلا العمل وحده ((أُوْلَئِكَ)) الذين إتّخذوا دينهم لعباً ولهواً هم ((الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ))، أي أهلكوا وأُسلموا للهَلَكة (بـ) سبب (ما كسبوا) من الأعمال والعقائد الباطلة ((لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ))، أي مائهم الذين يشربون إنما هو من حميم جهنم وهو الماء المغلي الحار ((وَعَذَابٌ أَلِيمٌ))، أي مؤلم موجع ((بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ))، أي بسبب كفرهم.

سورة الأنعام
71
((قُلْ)) يارسول الله لهؤلا ءالكفار ((أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا))، أي هل ندعو الأصنام التي لا تنفعنا إن عبدناه ((وَلاَ يَضُرُّنَا)) إن تركنا عبادته ((وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا))، أي نرجع القهقري، فإنّ مَن أتى إلى مكان ثم رجع إلى محله الأول كان خاسراً ومَن إتّبع أقسام الرجوع أن يرجع قهقراً والأعقاب جمع عقب ((بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ)) إلى دينه وصراطه ((كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ))، أي إستغوته ((الشَّيَاطِينُ))، أي الغيلان ((فِي الأَرْضِ))، أي في البيداء بأن أخرجته الشياطين من الجادة إلى المهلكة ((حَيْرَانَ)) لا يدري إيتّبع أصحابه أم يتبّع الشياطين ((لَهُ))، أي لهذا الذي إستهوته الشياطين ((أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى)) إلى الجادة وأن لا يتّبع الشياطين قائلين له ((ائْتِنَا))، أي جئنا وكن معنا، فإنّ قسماً من الغول -وهم سَحَرة الجن- يكونون في الصحراء يؤذون بعض المارة، فإذا رأى الشخص جماعة منهم يستهوونه قائلين من هنا الجادة -ويدلّونه إلى المفاوز المهلكة- فهو يتحيّر بين أن يسير مع هذه الجماعة التي تصبغ نفسها بصبغة إدلاء الطريق وأنها من أهل البادية تعرف الطريق من غير الطريق، أم يسير مع رفاقه الذين خرج معهم حيث أنهم رفقائه، لكنهم -بزعمه- يمشون على غير الطريق ويصيبهم العطب أخيراً، وهناك قسم من الناس ينكرون الجن والغول والشيطان لكنه مع ضيق الأُفق فإنّ العلمين القديم والحديث أيّدا الدين والقصص المؤكدة وجود ذلك -أنظر كتاب (على حافة العالم الأثيري) و(دائرة المعارف) لفريد وجدي، مادة (اسبرتزم)- ((قُلْ)) يارسول الله ((إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ)) الذي ينبغي للإنسان أن يتّبعه ويترك غيره ((وَأُمِرْنَا))، أي أمَرَنا الله وأرشدنا العقل ((لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) في جميع شؤوننا.

سورة الأنعام
72
((وَ)) أمَرَنا ((أَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ))، أي بإقامة الصلاة، فإنّ حذف حرف الجر، مع إنّ وأن مطرد شائع، كما قال إبن مالك:
والخوف مع إنّ وأن يُطرد مع أمن لبس كعجبتُ أن يدو
((وَاتَّقُوهُ))، أي إحذروا عقاب الله تعالى ((وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ))، أي تجمعون يوم القيامة ليحاسبكم على ما عملتم من خير أو شر.

سورة الأنعام
73
((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)) والمراد بالسماوات أما إجرام هناك أو المدارات للكواكب ((بِالْحَقِّ))، أي ليس بالباطل فإنّ مَن يصنع شيئاً قد يصنعه عبثاً وباطلاً وقد يصنعه لغاية وحكمة، فمعنى (بالحق) أنه ليس الخلق عبثاً، كما قال سبحانه (سبحانك ما خلقتُ هذا باطلا) ((وَيَوْمَ يَقُولُ)) سبحانه لشيء ((كُن)) وأخرج من العدم إلى الوجود ((فَيَكُونُ)) ويوجد ((قَوْلُهُ الْحَقُّ)) الظاهر أنه العامل في (يوم)، أي إنّ قوله تعالى يكون ويتحقّق في أي يوم قال لشيء (كُن) فهو سبحانه خلقه بالحق، وقوله (حق) أي متحقّق ثابت لا خلف فيه وليس كأقوال من تذهب أقواله باطلة ((وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ)) الصور هو الآلة التي يُنفخ فيها لأجل هلاك الناس جميعاً، وهو في آخر يوم من أيام الآخرة، يعني أنه سبحانه الملك الوحيد الذي لا يوجد ملك غيره في ذلك اليوم، والفقرات الثلاثة في الآية لبيان الأحوال الثلاثة: الخلق للأشياء، والتصرّف في الكون بما يشاء، وكون المعادلة له سبحانه، وهو ((عَالِمُ الْغَيْبِ))، أي يعلم ما غاب عن الحواس لعدم إدراك الحواس له أو لكونه من الأمور المستقلة ((وَالشَّهَادَةِ))، أي ما يشاهده الناس، وأتى بهذه الجملة هنا ليتناسق العلم مع القدرة ((وَهُوَ الْحَكِيمُ)) في أفعاله ((الْخَبِيرُ)) بالأشياء فلا يعمل شيئاً إعتباطاً وعبثاً.

لؤلؤة الشرق 08-03-2011 03:21 AM

سورة الأنعام
74
وبعد ما بيّن سبحانه الأدلة حول التوحيد، أتى بقصة إبراهيم (عليه السلام) الذي كان يدعو إلى التوحيد ليمثّل الأدلة في قصة حوارية جذّابة ((وَ)) اذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ)) والمراد بالأب هنا العم كما ورد، فإنّ العرب تسمّي العم أباً، كما تسمّي الخالة أماً، وقد ورد في زيارة الشهيد علي الأكبر (عليه السلام): السلام عليك يابن الحسن والحسين" ((أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً)) على وجه الإستنكار والتوبيخ، أي كيف تعبد الأصنام وتجعلها إلهاً من دون الله ((إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ))، أي واضح فإنّ الإله يجب أن يكون خالقاً رازقاً فكيف تكون الأصنام آلهة؟.

سورة الأنعام
75
((وَكَذَلِكَ))، أي بمثل هذه الفطرة المستقيمة التي رأى بها إبراهيم بطلان عبادة الأصنام ((نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))، أي آثار الملك الموجودة في المساوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار والأشجار والدواب وغيرها، مما تدلّ كلها على وجود إله حكيم عليم خالق قادر، وإنما نَسَبَ الإرائة إلى نفسه تعالى لأنه هو الذي فَتَقَ بصيرة إبراهيم (عليه السلام) للتأمّل في الآيات الكونية، وفي الأحاديث أنه (عليه السلام) كان يرى أغوار الأرض وآفاق السماء فقد كُشف عن عينه الحجاب وكان يرى ما لا يدركه البصر الإنساني ((وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ))، أي المتيقّنين بأنّ الله سبحانه هو الخالق والإله أريناه الملكوت، فجملة (وليكون من الموقنين) مستأنفة.

سورة الأنعام
76
إنّ إبراهيم (عليه السلام) إصطدم بأصناف ثلاثة يعبدون من دون الله الكواكب: فكان بعضهم يعبدون الزُهرة، وبعضهم يعبد القمر، وبعضهم يعبد الشمس، فأراد الإحتجاج عليهم فلما جنّ عليه الليل رأى الزُهرة فقال لعُبّادها مستنكراً: هل هذا ربي؟، ثم ردّ عليهم بأنه أفَلَ ذاهب متحرّك، وهذه من شأن المخلوق لا الخالق فإنّ الخالق لا يتغيّر ولا يتحرّك، وبعد ما طلع القمر قال لعُبّاده على وجه الإستنكار: هل هذا ربي؟، ثم احتجّ عليهم بما احتجّ على عبادة الزُهرة، وبعدما طلعت الشمس قال لعُبّادها على وجه الإستنكار: هل هذا ربي؟، ثم أبطَلَ ألوهيّتها بما سبق وبيّن أنّ إلهه هو الله وحده لا شريك له ((فَلَمَّا جَنَّ))، أي أظلم ((عَلَيْهِ اللَّيْلُ)) وستر بظلامه كل شيء ((رَأَى)) إبراهيم (عليه السلام) ((كَوْكَبًا)) وجماعة يعبدونه ((قَالَ)) مستنكراً عليهم: هل ((هَذَا رَبِّي))؟ ((فَلَمَّا أَفَلَ)) وغَرَبَ النجم ((قَالَ)) إبراهيم ((لا أُحِبُّ الآفِلِينَ))، أي لا أحب أن أتّخذ الشيء الذي يغرب إلهاً.

سورة الأنعام
77
((فَلَمَّا رَأَى)) إبراهيم (عليه السلام) ((الْقَمَرَ بَازِغًا))، أي طالعاً منيراً وجماعة يعبدونه ((قَالَ)) مستنكراً عليه: هل ((هَذَا رَبِّي))؟ ((فَلَمَّا أَفَلَ)) وغَرَبَ القمر ((قَالَ)) إبراهيم على سبيل التعريض بأولئك ((لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي)) إلى الطريق المستقيم ((لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)) الذين ضلّوا الطريق واتّخذوا آلهة باطلة.

سورة الأنعام
78
((فَلَمَّا)) أصبح إبراهيم (عليه السلام) و((رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً)) طالعة وجماعة يعبدونها ((قَالَ)) مستنكراً عملهم طاعناً في حجّتهم: هل ((هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ))؟ فكأنهم كانوا يستدلّون بكبرها على أنها الرب دون سواها ((فَلَمَّا أَفَلَتْ)) الشمس وغَرَبَت ((قَالَ)) إبراهيم (عليه السلام) ((يَا قَوْمِ)) العبّاد لغير الله تعالى ((إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ))، أي ما تجعلونه شريكاً سبحانه من الكواكب.

سورة الأنعام
79
((إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ)) والمراد بالوجه الذات، لكن حيث إنّ الإنسان حينما يُخلص لشيء ويريد إستقباله يوجّه صورته إليه، إستعمل الوجه في الذات مجازاً ((لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ))، أي خلقها وأوجدها ((حَنِيفًا))، أي مائلاً عن الشرك إلى الإخلاص ((وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) الذين يُشركون بالإله غيره.

سورة الأنعام
80
ولما باعث وجادَلَ إبراهيم حول الأصنام والكواكب التي يعبدونها قومه فَشى أمره فجاء إليه الناس يحاجّونه ((وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ))، أي خاصموه وجادلونه في باب الألوهيّة ((قَالَ)) إبراهيم ((أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ))، أي تجادلونني بالنسبة إلى الله تعالى ((وَقَدْ هَدَانِ)) إلى الحق بلُطفه وإحسانه ((وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ))، أي لا أخاف من إلهتكم أن يسبّبوا لي ضرراً فإنه ليس الصنم والنجم يضرّان الإنسان ((إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا))، أي ضرراً بي، والإستثناء المنقطع، وقد مرّ سابقاً أنّ هذه الإستثناءات إنما هي لأجل إفادة تمام الطلب بعد جعل المستثنى منه الإطلاق، فالأصل مثلاً، ولا أخاف ضرراً إلا من الله سبحانه، ولستُ أعلم ما يشاء ربي من ضرري أو نفعي بل ((وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا))، أي إنه سبحانه المحيط على الأشياء بعلمه الواسع واطّلاعه الشامل ((أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ)) أيها المشكرون وتتدبّرون لتعرفوا أنّ الأمر كما قلتُ لكم.

سورة الأنعام
81
((وَكَيْفَ أَخَافُ)) أنا المعتقد بالله سبحانه الضرر من قِبَل ((مَا أَشْرَكْتُمْ)) من الأصنام والنجوم وهي ليست من الضرر والنفع ((وَ)) الحال إنكم ((لاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ)) الذي بيده كلّ ضرر ونفع ((مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا))، أي جعلتم لله النجوم والأصنام التي لم يدلّ دليل من قِبَل الله سبحانه على صحّتها، فإنّ (ما) موصولة مصداقها: الأصنام والنجوم ((فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ)) نحن أو أنتم ((أَحَقُّ بِالأَمْنِ)) بأن لا يخاف الضرر ((إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ))، أي تستعملون عقولكم وعلومكم فيخيّرون الحق من الباطل؟؟.

سورة الأنعام
82
ثم بيّن سبحانه من لهم الأمن بقوله ((الَّذِينَ آمَنُواْ)) بالله تعالى ((وَلَمْ يَلْبِسُواْ))، أي لم يخلطوا ((إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ)) بأن لم يُشركوا، فإنّ الشرك ظُلم كما قال سبحانه (لا تُشرك بالله إنّ الشرك لظلمٌ عظيم) ((أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ)) فإنهم لا يخافون عقاب الآخرة ولا ضرر دنيا بلا عوض ((وَهُم مُّهْتَدُونَ))، أي مهديّون إلى الحق، وهذه الآية وإن كان موردها قصة إبراهيم (عليه السلام) والإيمان والشرك إلا أنها عامة تشمل كل إيمان لم يلبَس بظُلم، ولذا ورد في مصداقها الولاية لأهل البيت (عليهم السلام).

لؤلؤة الشرق 08-03-2011 03:23 AM

سورة الأنعام
83
((وَتِلْكَ)) الحجّة التي إحتجّ بها إبراهيم (عليه السلام) في ما سبق ((حُجَّتُنَا))، أي الدليل الذي ((آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ)) أعطيناها لإبراهيم (عليه السلام) ولقيناه إياها ((عَلَى قَوْمِهِ)) المشركين حتى تمكّن من إيرادها عليهم وأن يغلبهم ((نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء)) كما رفعنا إبراهيم (عليه السلام) درجات حيث كان مؤمناً موحّداً مجاهداً ((إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)) فبحسب حكمته البالغة يرفع الدرجات وبحسب علمه الشامل يعلم الأشياء.

سورة الأنعام
84
((وَوَهَبْنَا لَهُ))، أي لإبراهيم (عليه السلام) ((إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ)) إسحاق هو إبن إبراهيم من سارة، ويعقوب إبن إسحاق (عليهم السلام)، ولم يذكر إسماعيل وهو إبنه من هاجر لإرادة ذِكره مستقلاً حتى يُظهِر له الشأن ما لا يظهر لو أُدرج في جملة (وهبنا) وقد ذَكَرَ سبحانه الشجرة النبوية من إبراهيم (عليه السلام) ومن نوح (عليه السلام) وقد أُدرجا درجاً، وإن كان سابقاً، لكونه من الأنبياء أولي العزم فلا يفوت ذكره حيث يُذكرون ((كُلاًّ)) من الثلاثة ((هَدَيْنَا)) إلى الحق وإلى صراط مستقيم ((وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ)) هؤلاء ((وَمِن ذُرِّيَّتِهِ))، أي من ذرّية إبراهيم أو من ذرّية نوح (عليه السلام) أو المراد كلاًّ منهما، فإنه يجوز ذلك بإرجاع الضمير إلى كل واحد كما قال سبحانه (وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه) ((دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ)) وهو إبن داود ((وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ)) إبن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ((وَمُوسَى)) بن عمران ((وَهَارُونَ)) أخو موسى (عليه السلام) ((وَكَذَلِكَ))، أي هكذا يجعل النبوّة في ذريته -تكريماً له- ((نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)) الذين يُحسنون في أعمالهم فإنّا نكرمهم بما يستحقون.

سورة الأنعام
85
((وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى)) إبن زكريا ((وَعِيسَى)) بن مريم ((وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ))، أي إنّ كل واحد من الذين أصلحوا.

سورة الأنعام
86
((وَإِسْمَاعِيلَ)) بن إبراهيم (عليه السلام) جد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن المحتمل أن يُراد به إسماعيل صادق الوعد الذي أُشير إليه في قوله سبحانه (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد) ((وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ)) بن متّى صاحب الحوت ((وَلُوطًا)) والكلام في اللام في اليسع، والمنصرف وغير المنصرف من الأسماء مرتبط بالمفصّلات ((وَكُلاًّ))، أي كلّ واحد منهم ((فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ))، أي عالمي زمانهم فإنّ كلّ نبي كان أفضل من جميع الناس باستثناء النبي الذي في عهده، فـ (لوط) كان في عهد إبراهيم ولم يكن أفضل منه.

سورة الأنعام
87
((وَ)) كذلك فضّلنا جماعة ((مِنْ آبَائِهِمْ))، أي من آباء هؤلاء الأنبياء ((وَذُرِّيَّاتِهِمْ))، أي أولاد هؤلاء الأنبياء ((وَإِخْوَانِهِمْ))، أي أخوان هؤلاء الأنبياء ((وَاجْتَبَيْنَاهُمْ))، أي إصطفيناهم واخترناهم للرسالة ((وَهَدَيْنَاهُمْ)) إلى الحق وذلك لا يلازم سبق الضلالة كما لا يخفى ((إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) في كل شيء العقيدة والسلوك والقول.

سورة الأنعام
88
((ذَلِكَ)) الهدى الذي هدينا به الأنبياء ((هُدَى اللّهِ)) وإرشاده الذي يأتي بأكمل السعادة وأوفر الخير ((يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ)) والمراد أما الهدى الخاص، ومن المعلوم أنه لا يلزم في الحكمة بالنسبة إلى كل أحد، وأما الهدى العام وذلك وإن لزم بالنسبة إلى كل أحد لكن المراد هنا الإيصال إلى المطلوب لإرائة الطريق، أو يُقال إنّ الذي دلّ عليه الدليل إنّ العقاب لا يجوز بلا بيان، أما الهداية فلا دليل عقلي على إيجابها بالنسبة إلى كل أحد، نعم في لزوم خروج الخلق عن العبث يلزم الإرشاد في الجملة ((وَلَوْ أَشْرَكُواْ))، أي لو أشرك هؤلاء الأنبياء ((لَحَبِطَ))، أي باطل ((عَنْهُم)) فإنّ الحبط لما أُشرب معنى الزوال والذهاب عدّى بـ (عن) ((مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) من الأعمال السابقة على الشرك، ثم إنّ الآية في مقام بيان أنّ الشرك موجب لحبط الأعمال مهما كانت سوابق الشرك، إذ من المعلوم الضروري عدم شرك الأنبياء، فإنّ الشرط يأتي حتى في مستحيل الطرفين، كقوله (قُل إن كان للرحمن وَلَداً فأنا أول العابدين)، ومن هذا القبيل قوله (لئن أشركتَ ليحبطنّ عملك).

سورة الأنعام
89
((أُوْلَئِكَ)) الذين ذكرناهم من الأنبياء هم ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ))، أي أعطيناهم ((الْكِتَابَ)) المراد به الجنس ((وَالْحُكْمَ))، أي منصب الحكم بين الناس، فإنّ هذا المنصب ليس إلا الله ولمن أعطاه إياه ((وَالنُّبُوَّةَ)) حيث كانوا أنبياء، وذَكَرَ النبوّة بعد الكتاب لدفع توهّم أنّ إعطاء الكتاب ليس من قبيل إعطاء الكتاب للإسم، كقوله سبحانه (خذوا ما آتيناكم بقوة) ((فَإِن يَكْفُرْ بِهَا))، أي بالكتاب والحُكم والنبوّة ((هَؤُلاء)) الكفار الذين جحدوا نبوّتك يارسول الله ((فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا))، أي بالإيمان بها، والمراد إيكال أمر دعاية النبوّة والإيمان بها والجهاد في سبيلها كالوكيل الذي يراعي أمور الموكل (( قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ)) فهم يقومون بواجب أمر النبوة خير قيام.

سورة الأنعام
90
((أُوْلَئِكَ)) الأنبياء الذين سبق ذِكرهم ((الَّذِينَ هَدَى اللّهُ))، أي هداهم الله، والتكرار هنا تقدمة لقوله سبحانه ((فَبِهُدَاهُمُ)) يارسول الله ((اقْتَدِهْ)) في إسلوب الدعوة والصبر على الأذى والإهتمام بالأمر، وهذا كتسلية للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإلماع إلى أنّ الأنبياء السابقين إبتلوا بما إبتلى به، بالإضافة إلى أنّ الإقتداء بهم في هدى الله سبحانه لا فيما من عند أنفسهم، حتى يُقال: كيف يؤمن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالإقتداء بمن هو دونه في الفضيلة، إنه قيام بالوظيفة لأمر الله سبحانه ولحسابه الخاص، فالأجر منه وحده ((قُل)) يارسول الله لمن تبلغهم ((لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا))، أي لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة وأداء الوحي ثمناً وأجرة ((إِنْ هُوَ))، أي ما تبليغ الوحي ((إِلاَّ ذِكْرَى))، أي تذكيراً ((لِلْعَالَمِينَ)) الذين هم في زماني وبعد زماني، وكونه تذكيراً باعتبار ما أودع في الإنسان من الفطرة الدالة على توحيده سبحانه، وهنا سؤال: أنه كيف يمكن الجمع بين هذه الآية وبين قوله (ما أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القُربى)؟، والجواب: إنّ إطلاق الأجر على المودّة مجاز، وقد كان ردّ الناس لهم لصالح الناس حيث أنهم الهداة المصلحون.

لؤلؤة الشرق 08-03-2011 03:25 AM

سورة الأنعام
91
وحيث ذَكَرَ سبحانه أنه أعطى الأنبياء الكتاب، ردّ على مَن زَعَمَ أنه سبحانه لم يُنزل كتاباً، فقد ورد أنّ حبراً من أحبار اليهود جاء إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال له النبي: "أُنشدك بالذي أنزل التوراة أنّ لله سبحانه يبغض الحبر السمين -وكان اليهودي سميناً-"، فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له أصحابه: ويحك ولا موسى؟ ف،زل الله هذه الآية ((وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ))، أي ما عظّموه سبحانه حقّ تعظيمه الذي يليق به ((إِذْ)) نسبوا إليه الكذب فـ ((قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ))، أي لم ينزل على رسول كتاباً من السماء، كما قال ذلك اليهودي، إنّ معنى عدم إرسال الرُسُل وإنزال الكتب أنّ الله خَلَقَ الخلق عبثاً واعتباطاً، ومن المعلوم أنّ نسبة العبث إلى شخص عادي موجبة لإهانته وعدم تقديره، فكيف بالله الحكيم والعليم؟ ((قُلْ)) يارسول الله لإبطال كلامهم فـ ((مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى)) (عليه السلام)، أليست التوراة من إنزال الله تعالى؟، وإنما ذَكَرَها لكون طرف الكلام يهودياً ((نُورًا وَهُدًى))، أي في حال كون كتابه (عليه السلام) نور يهدي الناس إلى مناهج الحياة الصحيحة، وهداية ((لِّلنَّاسِ)) إلى الحق ((تَجْعَلُونَهُ))، أي تجعلون ذلك الكتاب ((قَرَاطِيسَ))، أي تكتبونه، وهذا لزيادة التأكيد، أي: فكيف تنكرون ما تلقّيتموه أنتم بالقبول وكُنتم تكتبونه في القرطاس، باعتبار أنه كتاب سماوي مُنزَل من عند الله سبحانه ((تُبْدُونَهَا))، أي تُظهرون بعضها حيث كانوا يكتبون بعض الأحكام الموجودة في التوراة في أوراق ويعطونها بيد الناس ((وَتُخْفُونَ كَثِيرًا)) من التوراة لأجل كونها خطراً على مادياتهم أو جاههم، أو فيه الدلالة على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَعُلِّمْتُم)) أيها اليهود ببركة التوراة المنزلة على موسى ((مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ)) فإنكم لولا كتاب الله المنزَل لم تكونوا تعلمون أشياء، فكيف تنكرون إنزال الله الكتاب، وتقولون (ما أنزلَ الله على بشرٍ من شيء)؟ ((قُلِ)) يارسول الله ((اللّهُ)) نزّل الكتاب على موسى ((ثُمَّ ذَرْهُمْ))، أي دعهم ((فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)) فهم وما خاضوا فيه من الباطل والكذب أنهم يلعبون بالدين فذرهم وما هم فيه.

سورة الأنعام
92
((وَ)) كما أنزلنا الكتاب على موسى كذلك ((هَذَا)) القرآن ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ)) إليك يارسول الله ((مُبَارَكٌ)) يوجب البركة والسعادة ((مُّصَدِّقُ)) الكتاب ((الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ))، أي قبله من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية، ومن المعلوم أنّ تصديق أصل الكتاب لا يلازم تصديق التحريفات التي طرأت عليه ((وَلِتُنذِرَ)) يارسول الله ((أُمَّ الْقُرَى))، أي مكة، وإنما سمّيت بها لأنّ الأرض دُحيت من تحتها ((وَمَنْ حَوْلَهَا)) من سائر أهل الأرض ((وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ)) من أهل الكتاب وغيرهم ((يُؤْمِنُونَ بِهِ))، أي بالقرآن المنزَل عليك، فإنّ الإيمان بالآخرة يوجب خوفاً في القلب، ينبعث منه إتّباع الحق أينما وُجد، وفيه تعريض بمن لا يؤمن من أهل الكتاب، فإنه غير مؤمن بالآخرة ((وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ)) فيؤدّونها لأوقاتها، فمن يترك الصلاة ليس بمؤمن بالآخرة والقرآن وإن ادّعى الإيمان.

سورة الأنعام
93
وحيث كان الكلام حول الوحي، ومن قال بعدم الوحي إطلاقاً، ناسَبَ ذلك التنديد بمن قال بالوحي كذباً ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا)) نزلت في إبن أبي سرح الذي إستعمله عثمان على مصر وقد هَدَرَ رسول الله دمه وكان حسن الخط من كتّاب الوحي فإذا قال له الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "أُكتُب أنّ الله عزيز حكيم" كَتَبَ: إنّ الله عليم حكيم، وهكذا، وكان يقول للمنافقين: إني أقول من نفسي مثل ما يجيء به، ثم ارتدّ كافراً إلى مكة وصار من الطلقاء يوم فتح مكة، ثم لا يخفى أنّ قوله (ومَن أظلم) على سبيل الحصر الإضافي كقوله (ومَن أظلم ممن مَنَعَ مساجد الله)، وغيره ((أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ)) كمسيلمة الكذابة الذي إدّعى النبوة كذباً، وكغيره ممن ادّعى هذا المنصب بالإفتراء نحو ((وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ)) من الآيات أو الأحكام، في المجمع قيل المراد به عبد الله بن سعد بن أبي سرح أملى عليه رسو الله ذات يوم: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" إلى قوله (فنبارك الله أحسن الخالقين) فأملاه عليه وقال هكذا أُنزل فارتدّ عدو الله وقال: لئن كان محمد صادقاً فلقد أوحيَ إليّ كما أوحي إليه ولئن كان كاذباً فلقد قلتُ كما قال ((وَلَوْ تَرَى)) يارسول الله ((إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ))، أي في شدائد الموت عند النزع، كأنّ الموت بشدائده يغمرهم مرة فمرة، كما يغمر الماء الغريق ((وَالْمَلآئِكَةُ)) القابضة لأرواحهم ((بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ)) لقبض أرواحهم بأبشع الوسائل يضربون وجوههم وأدبارهم قائلين لهم ((أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ)) من أجسادكم، وهذا للإذلال والإهانة، وإلا فليس خروج أنسفهم بإمكانهم بل بقدرة الله تعالى ((الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ)) أيها الظالمون ((عَذَابَ الْهُونِ)) فإنه ليس عذاباً جسدياً فقط بل معه ذلّة وهوان ((بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ))، أي جزائكم بعذاب الهون بسبب مقالكم المكذوب على الله حيث كنتم تقولون: أوحيَ إليكم، ولم يوحَ إليكم، ومعنى (على الله) أي بالنسبة إليه سبحانه ((وَ)) بما ((كُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ)) ودلائله ((تَسْتَكْبِرُونَ)) فلا تخضعون لأحكامه وأنبيائه، وجواب (لو) محذوف للتهويل، أي لو رأيت ذلك لرأيت أمراً فظيعاً مريعاً.

سورة الأنعام
94
وهنا يوجّه الباري سبحانه كلامه إليهم ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا)) أيها الظالمون ((فُرَادَى))، أي في حال كونكم وحداناً لا مال لكم ولا مُدافِع بل واحداً واحداً ((كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)) حين جئتم إلى الدنيا ((وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ))، أي ما أعطيناكم من المال والاقرباء والخدم ((وَرَاء ظُهُورِكُمْ)) في دار الدنيا، فإنّ الإنسان باعتبار إقباله إلى الآخرة تكون الدنيا وراء ظهره ((وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ)) الذين إتّخذتموهم لأنفسكم شفعاء يشفعون لكم يوم القيامة ((الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء))، أي الأصنام التي كان المشركون يزعمون أنها شركاء الله سبحانه في الخلق والرزق وقضاء الحوائج، وقد كان المشركون يقولون: إنّ هذه الأصنام تشفع لنا يوم القيامة، ورد أنّ سبب نزول هذه الآية أن ّ النضر قال: سوف يشفع لي الّلات والعزّى ((لَقَد تَّقَطَّعَ)) أيها الظالمون ((بَيْنَكُمْ)) وبين الأصنام فلا مواصلة تنفع للشفاعة ((وَضَلَّ عَنكُم))، أي ضاع وتلاشى ((مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)) من الآلهة المزعومة فلا تجلب نفعاً ولا تدفع خيراً.

لؤلؤة الشرق 08-03-2011 03:26 AM

سورة الأنعام
95
إنّ أصنامكم لا تشترك مع الله في الخلق ولا في أيّ شيء من الشؤون بل ((إِنَّ اللّهَ)) وحده ((فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى))، أي يشقّ الحبة اليابسة الميتة ويُخرج منها النبات ويشقّ النوات للتمر فيُخرج منها النخل ((يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ)) فالنبات حيّ يُخرجه من الحبّة التي لا حياة فيها، والفرخ حيّ يُخرجه من البيض الميت، والولد الحي يُخرجه من الأم الميتة، والبعوض وأشباهه يُخرجه من الماء الميت، وهكذا ((وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ)) كالحبّة من النبات، والبيض من الدجاج، والجنين الميت من الأم الحية، والفضلات الميتة من الحي، وكأنّ التغيّر في العبارة (يُخرج) و(مُخرج) للتفنّن في العبارة الذي هو نوع من أنواع البلاغة ((ذَلِكُمُ اللّهُ))، أي ذلك الذي يضع كل ذلك -أيها البشر- هو الله وحده ((فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ))، أي تصرفون عن الحق إلى الباطل.

سورة الأنعام
96
((فَالِقُ الإِصْبَاحِ))، أي يشقّ عمود الصبح عن ظُلمة الليل ويُخرج الضياء من الظُلمة ((وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا)) تسكنون فيه وتهدئون عن العمل إذا أظلم ((وَ)) جعل ((الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا)) تجريان في أفلاكهما بحساب دقيق، وحسبان مصدر، وكونهما حُسباناً أي مصدري حساب وتوقيت، نحو زيد عدل، مما حمل المصدر على الذات مبالغة، فمن الشمس تتولّد الأيام، ومن القمر تتولّد الشهور والأعوام ((ذَلِكَ)) المذكور من فلق الإصباح وجعل الليل سَكَناَ والشمس والقمر حُسباناً ((تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ)) في سلطانه ((الْعَلِيمِ)) بمصالح العباد، فأيّ شيء يرتبط بأصنامكم أيها الضالون.

سورة الأنعام
97
((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ)) أيها البشر ((النُّجُومَ)) في السماء ((لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)) فإنّ الإنسان يعرف طريقه من النجم في الليالي فمن قَصَدَ مدينة نحو المشرق جعل النجم المشرقي أمامه، ومن قَصَدَ مدينة نحو المغرب جعله خلفه، وهكذا ((قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ)) الدالة على الخالق وصفاته ((لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ))، أي لهم علم ومعرفة بالأوضاع.

سورة الأنعام
98
((وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم))، أي خلقكم وأبدعكم ((مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ)) هي آدم (عليه السلام) ومن فضل طينته خُلقت حواء (عليها السلام)، إنه سبحانه القادر لمثل هذا الأمر العظيم ((فَـ)) لكم ((مُسْتَقَرٌّ)) في بطون الأمّهات ((وَمُسْتَوْدَعٌ)) في أصلاب الآباء، وإنما سمّي ذلك مستودعاً لأنّ المني يبقى قليلاً في الصُلب حتى ينزل فهو أشبه بالوديعة ((قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ))، أي الأدلة والحجج ((لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ))، أي يفهمون الأدلة كي يعلمون أنّ الله سبحانه هو الذي صنع كل ذلك.

سورة الأنعام
99
((وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء)) هو المطر، والمراد بالسماء جهة العلو، فإنّ كلّ ما عَلاك فأظلّك فهو السماء -في لغة العرب- ((فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ))، أي أخرجنا بسبب الماء نبات كلّ شيء قابل للإنبات من مختلف أقسام النباتات ((فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ))، أي من الماء، والتكرار لأنه أجمل أولاً، ثم أُريدَ التفصيل، أو الضمير عائد إلى النبات فإنّ النبت أولاً ليس أخضر وإنما أبيض صغير ثم يصير أخضر ((خَضِرًا)) هو بمعنى أخضر، أي نُخرج من ذلك زرعاً رُطَباً أخضر ((نُّخْرِجُ مِنْهُ))، أي من ذلك الزرع الأخضر ((حَبًّا مُّتَرَاكِبًا)) قد تركّب بعضه على بعض كحبّ الحنطة والشعير ((وَ)) يُخرج ((مِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا)) بدل (من النخل) ((قِنْوَانٌ))، أي أعذاق الرُطَب، فإنّ قنوان جمع قنو -بكسر القاف وضمها- وهو العِذق -بالكسر- ((دَانِيَةٌ))، أي قريبة التناول ((وَ)) أخرجنا منه ((جَنَّاتٍ))، أي بساتين ((مِّنْ أَعْنَابٍ)) جمع عنب ((وَ)) أخرجنا منه ((الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ))، أي شجرتيهما ((مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)) فبعض الأشجار والأثمار والأوراق والأزهار والحبّات متشابهة وبعضها غير متشابهة في اللون والطعم والحجم والخاصّيّة وغيرها، والإختلاف بين لفظي (مشتبه ومتشابه) من أحسن أنواع البلاغة لتطابق اللفظ والخارج ((انظُرُواْ)) أيها الناس ((إِلِى ثَمَرِهِ))، أي ثمر كل واحد من المذكورات ((إِذَا أَثْمَرَ)) فإنّ في ذلك دلالة عجيبة على الصانع تعالى ((وَ)) أنظروا إلى ((يَنْعِهِ))، أي نُضجه إذا نضج، فإنّ من نَظَرَ تأمّل واعتبار، عرف عظيم وجليل الخلقة ودقيق الحكمة، و(ينع) في اللغة بمعنى النضج وقيل جمع يانعكصحب وصاحب ((إِنَّ فِي ذَلِكُمْ))، أي فيما تقدّم من الخلقة ((لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) بالحقائق ويتجنّبون السخافة.

سورة الأنعام
100
إنّ الله هو خالق كل شيء وهو الإله الوحيد الذي لا شريك له ((وَ)) لكن الكفار ((جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ)) فقالوا بأنّ لله شركاء في الإلوهيّة هم من الجن ((وَ)) الحال أنه سبحانه هو الذي ((خَلَقَهُمْ))، أي خَلَقَ الجن، فكيف يكون المخلوق شريكاً مع الخالق في الإلوهيّة ((وَخَرَقُواْ))، أي جعلوا، ولا يخفى ما في التعبير بلفظ (خَرَقوا) من اللطافة ((لَهُ)) تعالى ((بَنِينَ وَبَنَاتٍ)) فقد قال اليهود عزير إبن الله، وقالوا: نحن أبناء الله، وقالت النصارى: المسيح إبن الله، وجعل المشركين الملائكة بنات الله كما قال سبحانه (وجَعَلوا الملائكة الذين هم عِباد الرحمن إناثاً) ((بِغَيْرِ عِلْمٍ)) فإنّ ذلك منهم كان ظنّاً ووهماً ((سُبْحَانَهُ)) منصوب بفعل محذوف، أي أنزّهه تنزيهاً له ((وَتَعَالَى))، أي تقدّس وترفّع ((عَمَّا يَصِفُونَ))، أي الأوصاف التي يلصقونها بساحة قدسه، من جعل الشريك والأولاد.

سورة الأنعام
101
إنه وحده هو ((بَدِيعُ))، أي مبدع ((السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) وخالقهما بلا شريك أو ظهير، وهذا ردّ على مَن جَعَلَ له شريكاً ((أَنَّى))، أي كيف ((يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ)) الحال أنه تعالى ((لَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ))، أي زوجة، وهذا رد لمن جَعَلَ له أولاداً ((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ)) فهو الخالق المطلق ((وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) فهو العالم المطلق.


All times are GMT +3. The time now is 03:23 PM.

Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2025